الملائكة حيث عبدوهم وقالوا : إنهم بنات الله سبحانه وتسميتهم جنا مجازا لاجتنانهم واستتارهم عن الاعين كالجن وفي التعبير عنهم بذلك حط لشأنهم بالنسبة إلى مقام الالهية .
وري هذا عن قتادة والسدي ويفهم من كلام بعضهم أن الجن تشمل الملائكة حقيقة وقيل : المراد بهم الشياطين وروي عن الحسن ومعنى جعلهم شركاء أنهم أطاعوهم كما يطاع الله تعالى أو عبدوا الأوثان بتسويلهم وتحريضهم ويروى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الآية نزلت في الزنادقة الذين قالوا : إن الله تعالى خالق الناس والدواب والانعام والحيوان وإبليس خالق السباع والحيات والعقارب والشرور فالمراد من الجن إبليس وأتباعه الذين يفعلون الشرور ويلقون الوساوس الخبيثة الى الأرواح البشرية وهؤلاء المجوس القائلون بالنور والظلمة ولهم في هدا الباب أقوال تمجها الاسماع وتشمئز عنها النفوس .
وادعى الامام أن هذا أحسن الوجوه المذكورة في اةية ومفعولا جعل قيل : لله وشركاء و الجن إما منصوب بمحذوف وقع جوابا عن سؤال كأنه قيل : من جعلوه شركاءفقيل : الجن أو منصوب على البدلية من شركاء والمبدل منه ليس في حكم الساقط بالكلية وتقديم المفعول الثاني لأنه محز الانكار ولان المفعول الاول منكر يستحق التأخير وقيل : هما شركاء والجن وتقديم ثانيهما على الاول لاستعظام أن يتخذ لله سبحانه شريك ما كائنا ما كان و لله متعلق بشركاء وتقديمه عليه للنكتة المذكورة أيضا على ما اختاره الزمخشري .
وقريء الجن بالرفع كأنه قيل : من هم فقيل : الجن وبالجر على الاضافة التي هي للتبيين : وخلقهم حال من فاعل جعلوا بتقدير قد أو بدونه على اختلاف الرأيين مؤكدة لما في جعلهم ذلك من الشناعة والبطلان باعتبار علمهم بمضمونها أي وقد علموا أن الله تعالى خالقهم خاصة وقيل : الضمير للجن أي والحال أنه تعالى خلق الجن فكيف يجعلون مخلوقه شريكا له ورجح الأول بخلوه عن تشتت الضمائر ورجح الامام الثاني بأن عود الضمير إلى أقرب المذكورات واجب وبأنه إذا رجع الضمير إلى هذا الأقرب صار اللفظ الواحد دليلا قاطعا تاما كاملا في إبطال المذهب الباطل وقرأ يحيى بن يعمر وخلقهم على صيغة المصدر عطفا على الجن أي وما يخلقونه من الأصنام أو على شركاء أي وجعلوا له اختلافهم للقبائح حيث نسبوها اليه سبحانه وقالوا : الله أمرنا بها وخرقوا له أي افتعلوا وافتروا له سبحانه قال الفراء : يقال : خلق الافك واختلقه وخرقه واخترقه بمعنى ونقل عن الحسن أنه سئل عن ذلك فقال : كلمة عربية كانت العرب تقولها كان الرجل إذا كذب كذبة في نادي القوم يقول له بعضهم قد خرقها والله وقال الراغب : أصل الخرق قطع الشيء على سبيل الفساد من غير تفكر ولا تدبر ومنه قوله تعالى : أخرقتها لتغرق أهلها وهو ضد الخلق فانه فعل الشيء بتقدير ورفق والخرق بغير تقدير قال تعالى وخرقوا له أي حكموا بذلك على سبيل الخرق وباعتبار القطع وقرأ نافع وخرقوا بتشديد الراء للتكثير وقرأ ابن عمر وابن عباس رضي الله تعالى عنهم وحرفوا من التحريف أي وزوروا له بنين وبنات فقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى : المسيح ابن الله وقالت العرب الملائكة بنات الله والله سبحانه منزه عما قالوه بغير علم بحقيقته من خطأ أو صواب