اليهود ومرادهم من ذلك الطعن في رسالته صلى الله تعالى عليه وسلم على سبيل المبالغة فقيل لهم على سبيل الالزام : قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى فان المراد أنه تعالى قد أنزل التوراة على موسى عليه السلام ولا سبيل لكم إلى إنكار ذلك فلم لا تجوزون إنزال القرآن على محمد صلى الله عليه وسلّم وبهذا ينحل استشكال ما عليه الجمهور بأن اليهود يقولون إن التوراة كتاب الله تعالى أنزله على موسى عليه السلام فكيف يقولون : ما أنزل الله على بشر من شيء وحاصل ذلك أنهم أبرزوا إنزال القرآن عليه E في صورة الممتنعات حتى بالغوا في انكاره فالزموا بتجويزه وقيل : إن صدور هذا القول كان عن غضب وذهول عن حقيقته فقد أخرج ابن جرير والطبراني عن سعيد بن جبير أن مالك بن الصيف من أحبار اليهود قال لرسول الله A : أنشدك الله تعالى الذي أنزل التوراة على موسى هل تجد فيها أن الله تعالى يبغض الحبر السمين فان الحبر السمين قد سمنت من مالك الذي يطعمك اليهود فضحك القوم فغضب فالتفت إلى عمر رضي الله تعالى عنه فقال : ما أنزل الله تعالى على بشر من شيء فقال له قومه : ما هذا الذي بلغنا عنك قال : إنه أغضبني فنزعوه وجعلوا مكانه كعب بن الأشرف فانزل الله تعالى هذه اةية واعترض بأن هذا لا يلائم الالزام بانزال التوراة على موسى عليه السلام فقد اعترف القائل بانه إنما صدر ذلك عنه من الغضب فليفهم ولا يرد أن هذه السورة مكية والناظرات التي وقعت بين رسول الله A وبين اليهود كلها مدنية فلا يتأتى القول بأن الآية نزلت في اليهود لما أخرج أبو الشيخ عن سفيان والكلبي أن هذه الآية مدنية واستشكل أيضا قول مجاهد بأن مشركي قريش كما ينكرون رسالة النبي A ينكرون رسالة سائر الانبياء عليهم الصلاة والسلام فكيف يحسن إيراد هذا الالزام عليهم ودفع بأن ذلك لما أنه كان إنزال التوراة من المشاهير الذائعة ولذلك كانوا يقولون : لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم حسن الزامهم بما ذكر ومع هذا ما ذهب اليه الجمهور أحرى بالقبول ومن الناس من ادعى أن في الآية حجة من الشكل الثالث وهي أن موسى بشر وموسى أنزل عليه كتاب ينتج أن بعض البشر انزل عليه كتاب وتؤخذ الصغرى من قوة الآية والكبرى من صريحها والنتيجة موجبة جزئية تكذيب السالبة الكلية التي ادعتها اليهود وهي لا شيء من البشر أنزل عليه كتاب المأخوذ من قولهم ما أنزل الله على بشر من شيء وإنما نتجت هاتان الشخصيتان مع أن شرط الشكل الثالث كلية أحدى المقدمتين لأن الشخصية عندهم في حكم الكلية .
وقال الامام : تفلسفت حجة الاسلام الغزالي عليه الرحمة فقال : إن هذ الآية مبنية على الشكل الثاني من الأشكال المنطقية وذلك لأن حاصلها يرجع إلى أن موسى أنزل الله تعالى عليه شيئا وواحد من البشر ما أنزل الله تعالى عليه شيئا ينتج أن موسى ما كان من البشر وهذا خلف محال وهذ الاستحالة ليست بحسب شكل القياس ولا بحسب صحة المقدمة الأولى فلم يبق الا أنه لزم من فرض صحة المقدمة الثانية وهي قولهم : ما أنزل الله الخ فوجب القول بأنها كاذبة وفي ذلك تأمل فليتأمل ثم ان وصف الكتاب بالوصول اليهم لزيادة التقرير وتشديد التبكيت وكذا بقوله سبحانه : نورا وهدى فان كونه بينا بنفسه ومبينا لغيره مما يؤكد الالزام توكيد وانتصابها على الحالية من الكتاب والعامل أنزل أو من ضمير به والعامل جاء والظاهر