الأجسام فوجدها آفلة في أفق التغيير فلم يرها تصلح للالهية فارتقى منها إلى عالم النفوس المدبرة للاجسام فرآها آفلة في أفق الاستكمال فكان حكمها حكم مادونها فصعد منها إلى عالم العقول المجرد فصادفها ءفلة في أفق الامكان فلم يبق إلا الواجب وقيل : غير ذلك وما ذكر مبني على أن الاحتجاج كان مع نفسه عليه السلام وهو الذي ذهب إليه بعض من المفسرين ورووا في ذلك خبرا طويلا وهو مذكور في كثير من الكتب مشهور بين العامة والمختار عندي ما علمت والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل .
ووهبنا له أي لابراهيم عليه السلام إسحق وهو ولده من سارة عاش مائة وثمانين سنة وفي نديم الفريد أن معنى إسحق بالعربية الضحاك ويعقوب وهو ابن اسحق عاش مائة وسبعا وأربعين سنة والجملة عطف على قوله تعالى : وتلك حجتنا الخ وعطف الفعلية على الأسمية مما لا نزاع في جوازه ويجوز على بعد أن تكون عطفا على جملة ءاتينا بناء على أنها لا محل لها من الاعراب كما هو أحد الاحتمالات .
وقوله تعالى : كلا مفعول لما بعده وتقديمه عليه للقصر لا بالنسبة إلى غيرهما بل بالنسبة إلى أحدهما أي كل واحد منهما هدينا لا أحدهما دون الآخر وقيل : المراد كلا من الثلاثة وعليه الطبرسي واختار كثير من المحققين الأول لأن هداية إبراهيم عليه السلام معلومة من الكلام قطعا وترك ذكر المهدي اليه لظهور أنه الذي أوتي إبراهيم عليه السلام فانهما متعبدان به .
وقال الجبائي : المراد هديناهم بنيل الثوابوالكرمات ونوحا قال شيخ الاسلام : منصوب بمضمر يفسره هدينا من قبل ولعله إنما لم يجعله مفعولا مقدما للمذكور لئلا يفصل بين العاطف والمعطوف بشيء أو يخلوا التقديم عن الفائدة أعني القصر ولا يخلوا عن تأمل أي من قبل إبراهيم عليه السلام .
ونوح كما قال الجواليقي أعجمي معرب زاد الكرماني ومعناه بالسريانية الساكن وقال الحاكم في المستدرك : إنما سمي نوحا لكثرة بكائه على نفسه وأسمه عبد الغفار والأول أثبت عندي وأكثر الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما قال الحاكم أنه عليه السلام كان قبل أدريس عليه السلام وذكر النسابون أنه ابن لمك بفتح اللام وسكون الميم بعدها كاف ابن متوشلخ بفتح الميم وتشديد المثناة المضمومة بعدها واو ساكنة وفتح الشين المعجمة واللام والخاء المعجمة ابن اخنوخ بفتح المعجمة وضم النون الخفيفة وبعدها واو ساكنة ثم معجمة وهو أدريس فيما يقال وروى الطبراني عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : قلت يا رسول الله من أول الأنبياء قال : آدم عليه السلام قلت : ثم من قال نوح عليه السلام : وبينهما عشرة قرون وهذا ظاهر في أن ادريس عليه السلام لم يكن قبله .
وذكر ابن جرير أن مولده عليه السلام كان بعد وفاة ءادم عليه السلام بمائة وستة وعشرين عاما وذكر سبحانه هنا قيل لأنه لما ذكر سبحانه انعامه على خليله من جهة الفرع ثنى بذكر انعامه عليه من جهة الأصل فان شرف الوالد سار إلى الولد وقيل : إنما ذكره سبحانه لأن قومه عبدوا الأصنام فذكره ليكون له به أسوة وأما أنه ذكر لما مر فلا دلالة على علاقة الأبوة ليقبل ودلالة من قبل على ذلك غير ظاهرة وقنع بعضهم بالشهرة عن ذلك ومن ذريته الضمير عند جمع لابراهيم عليه السلام لأن مساق النظم الجليل لبيان شؤونه