الثالثالثالث أنها تدل على أنه جل شأنه ليس محلا للصفات المحدثة كما تقول الكرامية والا لكان متغيرا وحينئذ يحصل معنى الافول وهو ظاهر الرابع أن ما ذكر يدل على أن الدين يجب أن يكون مبنيا على الدليل لا على التقليد والا لم يكن للاستدلال فائدة البتة الخامس أنه يدل على أن معارف الأنبياء بربهم استدلالية لا ضرورية والا لما احتاج إبراهيم عليه السلام الى الاستدلال السادس أنه يدل على أنه لا طريق الى تحصيل معرفة الله تعالى الا بالنظر والاستدلال في أحوال مخلوقاته إذ لو أمكن تحصيلها بطريق آخر لما عدل عليه السلام الى هذه الطريقة ولا يخفى عليك ما في هذين الأخيرين السابع أن قوله سبحانه : 0 وتلك حجتنا الخ يدل على أن تلك الحجة انما حصلت في عقل ابراهيم عليه السلام بايتاء الله تعالى واظهارها في عقله وذلك يدل على أن الايمان والكفر لا يحصلان إلا بخق الله تعالى ويتأكد ذلك بقوله سبحانه : نرفع درجات الخ الثامن أن قوله سبحانه نرفع الخ يدل على فساد طعن الحشوية في النظر وتقرير الحجة وذكر الدليل وفيه أحكام أخر لا تخفى على من يتدبر .
ومن باب الاشارة فيها وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر حين رآه محتجبا بظواهر عالم الملك عن حقائق الملكوت وربوبيته تعالى للاشياء معتقدا تأثير الأكوان والأجرام ذاهلا عن الملكوت جل شأنه أتتخذ أصناما أي أشباحا خالية بذواتها عن الحياة ءالهة فتعتقد تأثيرها إني أراك وقومك في ضلال مبين ظاهر عند من كشف عن عينه الغين وكذلك نري ابراهيم ملكوت السموات والأرض أي نوقفه على القوى الروحانية التي ندبر بها أمر العالم العلوي والسفلي أو نوقفه على حقيقتها وليكون من الموقنين أي أهل الايقان العالمين أن لا تأثير إلا لله تعالى يدبر الأمر باسمائه سبحانه فلما جن عليه الليل أي أظلم عليه ليل عالم الطبيعة الجسمانية وذلك عند الصوفية في صباه وأول شبابه رأى كوكبا وهو كوكب النفس المسماة روحا حيوانية الظاهر في ملكوت الهيكل الانساني فقال حين رأى فيضه وحياته وتربيته من ذلك بلسان الحال هذا ربي وكان الله تعالى يريه في ذلك الحين باسمه المحيي فلما أفل بطلوع نور القلب قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر أي قمر القلب بازغا من أفق النفس ووجد فيضه بمكاشفات الحقائق والمعارف وتربيته منه قال هذا ربي وكان الله تعالى يريه إذ ذاك باسمه العالم والحكيم فلما أفل قال لئن لم يهديني ربي إلى نور وجههلأكونن من الضالين المحتجبين بالبواطن عنه سبحانه فلما رأى الشمس أي شمس الروح بازغة متجلية عليه قال إذ وجد فيضه وشهوده وتربيته منها هذا ربي وكان سبحانه يريه حينئذ باسمه الشهيد والعلي العظيم هذا أكبر من الأولين فلما أفلت بتجلي أنوار الحق وتشعشع سبحات الوجه قال يا قوم إني بريء مما تشركون إذ لا وجود بغيره سبحانه إني وجهت وجهي أي أسلمت ذاتي ووجودي للذي فطرأوجد السموات والأرض أي سموات الأرواح وأرض النفس حنيفا مائلا عن كل سواه حتى عن وجودي وميلي بالفناء فيه جل جلاله وما أنا من المشركين في شيء وحاجه قومه في ترك سوي قال أتحاجوني في الله وقد هداني إلى وجوده الحق وتوحيده الذين آمنوا الايمان الحقيقي ولم يلبسوا إيمانهم بظلم من ظهور نفس أوقلب أو وجود بقية اولئك لهم الأمن الحقيقي وهم مهتدون حقيقة إلى الحق .
وقال النيسابوري : قد يدور في الخلد أن إبراهيم عليه السلام جن عليه ليل الشبهة وظلمتها فنظر أولا في عالم