منزه عن النسيان لقوله تعالى سنقرئك فلا تنسى وان غيرهم ذهب إلى جوازه وعلى نسبة الأول اليهم نص صاحب الأحكام والجبائي وغيرهما وقال الأخير : إن الآية دليل بطلان قولهم ذلك والذي وقفت عليه في معتبرات كتبهم انهم لا يجوزون النسيان وكذا السهو عن النبي صلى الله عليه وسلّم وكذا على سائر الأنبياء عليهم السلام فيما يؤديه عن الله تعالى من القرآن والوحي وأما ما سوى ذلك فيجوزون عليه عليه والصلاة والسلام أن ينساه ما لم يؤد إلى اخلال بالدين .
وأنا ما أرى أن محل الخلاف النسيان الذي لا يكون منشؤه اشتغال السر بالوساوس والخطرات الشيطانية فان ذلك مما لا يرتاب مؤمن في استحالته على رسول الله A وتفصيل الكلام في ذلك على ما في متعبرات كتبنا أن مذهب جمهور العلماء جواز النسيان عليه A في احكام الشرع وهو ظاهر القرآن والأحاديث لكن اتفقوا على أنه E لا يقر عليه بل يعلمه الله تعالى به ثم قال الأكثرون يشترط تنبيه E على الفور متصلا بالحادثة ولا يقع فيه تأخير وجوزت طائفة تأخيره مدة حياته A واختاره امام الحرمين ومنعت ذلك طائفة من العلماء في الأفعال البلاغية والعبادات كما أجمعوا على منعه واستحالته عليه A في الأقوال البلاغية وأجابو عن الظواهر الواردة في ذلك وإليه مال الاستاذ أبو اسحاق الاسفرائيني وصحح النووي الأول فان ذلك لا ينافي النبوة وإذا لم يقر عليه لم يتحصل منه مفسدة ولا ينافي الأمر بالاتباع بل يحصل منه فائدة وهو بيان أحكام الناسي وتقرر الأحكام .
وذكر القاضي أنهم اختلفوا في جواز السهو عليه A في الأمور التي لا تتعلق بالبلاغ وبيان أحكام الشرع من أفعاله وعاداته واذكار قلبه فجوزه الجمهور وأما السهو في الأقوال البلاغية فاجمعوا على منعه كما أجمعوا على امتناع تعمده وأما السهو في الاقوال الدنيوية وفيما ليس سبيله البلاغ من الكلام الذي لا يتعلق بالاحكام ولا أخبار القيامة وما يتعلق بها ولا يضاف إلى وحي فجوزه قوم إذ لا مفسدة فيه ثم قال : والحق الذي لاشك فيه ترجيح قول من قال : يمتنع ذلك على الأنبياء عليهم السلام في كل خبر من الأخبار كما لا يجوز عليهم خلف في خبر لا عمدا ولا سهوا لا في صحة ولا مرض ولا رضي ولا غضب وحسبك في ذلك أن سيره A وكلامه وأفعاله مجموعة يعتنى بها على مر الزمان ويتناولها الموافق والمخالف والمؤمن والمرتاب فلم يأت في شيء منها استدراك غلط في قول ولا أعتراف بوهم في كلمة ولو كان لنقل كما نقل سهوه في الصلاة ونومه E عنها واستدراكه رأيه في تلقيح النخل وفي نزوله بأدنى مياه بدر إلى غير ذلك وأما جواز السهو في الاعتقادات في أمور الدنيا فغير ممتنع وسيأتي ان شاء الله تعالى تتمة الكلام على هذا المبحث عند تفسير قوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته الآية .
وقرأ ابن عامر ينسينك بتشديد السين ونسي بمعنى أنسى وقال ابن عطية : نسي أبلغ من أنسى والنون في القراءتين مشددة وهي نون التوكيد والمشهور أنها لازمة في الفعل الواقع بعد ان الشرطية المصحوبة بما الزائدة وقيل : لا يلزم فيه ذلك وعليه قول ابن دريد : أما ترى رأسي حاكى لونه طرة صبح تحت أذيال الدجى فلا تقعد بعد الذكرى أي بعد تذكر الأمر بالاعراض كما عليه جمهور المفسرين وقال