فنصيب البدن فتبقى الحياة نصيب الروح ولما قال سبحانه : ردوا وثبت أن المردود هو الروح ثبت أن الانسان ليس إلا هي وهو المطلوب وكذا تشعر بكون الروح موجودة قبل التعلق بالبدن لأن الرد من هذا العالم إلى حضرة الجلال إنما يكون لو كانت موجودة كذلك ونظيره قوله سبحانه ارجعي إلى ربك وقوله تعالى : ثم إليه مرجعكم ولا يخفى ما في ذلك فتدبر وقريء الحق بالنصب على المدح .
وجوز أن يكون على أنه صفة للمفعول المطلق أي الرد الحق فلا يكون حينئذ المراد به الله D والأول أظهر ألا له الحكم يومئذ صورة ومعنى لا لغيره بوجه من الوجوه واستدل بذلك على أن الطاعة لا توجب الثواب والمعصية لا توجب العقاب إذ لو ثبت ذلك لثبت للمطيع على الله تعالى حكم وهو أخذ الثواب وهو ينافي ما دلت عليه الآية من الحصر وهو أسرع الحاسبين .
26 .
- يحاسب جميع الخلائق بنفسه في أسرع زمان وأقصره ويلزم هذا أن لا يشغله حساب عن حساب ولا شأن عن شأن وفي الحديث أنه تعالى يحاسب الكل في مقدار حلب شاة وفي بعض الاخبار في مقدار نصف يوم وذهب بعضهم إلى أنه تعالى لا يحاسب الخلق بنفسه بل يأمر سبحانه الملائكة عليهم السلام فيحاسب كل واحد منهم واحدا من العباد وذهب آخرون إلى أنه D إنما يحاسب المؤمنين بنفسه وأما الكفار فتحاسبهم الملائكة لأنه تعالى لو حاسبهم لتكلم معهم وذلك باطل لقوله تعالى في صفتهم : ولا يكلمهم وأجاب الأولون عن هذا بأن المراد أنه تعالى لا يكلمهم بما ينفعهم فان ظواهر الآيات ومنها ما تقدم في هذه السورة من قوله تعالى : ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أي شركاؤكم الذين كنتم تزعمون وقوله سبحانه ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون تدل على تكليمه تعالى لهم في ذلك اليوم ثم ان كيفية ذلك الحساب مما لا يحيط بتفصيلها عقول البشر من طريق الكفر أصلا وليس لنا إلا الايمان به مع تفويض الكيفية وتفصيلها إلى عالم الغيب والشهادة وادعى الفلاسفة أن كثرة الافعال وتكررها يوجب حدوث الملكات الراسخة وأنه يجب أن يكون لكل واحد من تلك الأعمال أثر في حصول تلك الملكة بل يجب ان يكون لكل جزء من أجزاء العمل الواحد أثر بوجه ما في ذلك وحينئذ يقال إن الأفعال الصادرة من اليد هي المؤثرة في حصول الملكة المخصوصة وكذلك الأفعال الصادرة من الرجل فتكون الأيدي والأرجل شاهدة على الانسان بمعنى أن تلك اةثار النفسانية إنما حصلت في جواهر النفوس بواسطة هذه الافعال الصادرة عن هذ الجوارح فكان ذلك الصدور جاريا مجرى الشهادة بحصول تلك الآثار في جواهر النفس وأما الحساب فالمقصود منه استعلام ما بقي من الدخل والخرج ولما كان لكل ذرة من الأعمال أثر حسن أو قبيح حسب حسن العمل وقبحه ولا شك أن تلك الأعمال كانت مختلفة فلا جرم كان بعضها معارضا بالبعض وبعد حصول المعارضة يبقى في النفس قدر مخصوص من الخلق الحميد وقدر آخر من الذميم فاذا مات الجسد ظهر مقدار ذلك وهو إنما يحصل في الآن الذي لا ينقسم وهو الآن الذي فيه فيقطع فيه تعلق النفس من البدن فعبر عن هذ الحالة بسرعة الحساب ورعم من نقل عنهم أنه من تطبيق الحكمة النبوية على الحكمة الفلسفية وأنا أقول : راحت مشرقة ورحت مغربا شتان بين مشرق ومغرب