وقوله سبحانه : ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع في حيز النصب على الحالية من ضمير يحشروا والعامل فيه فعله ونقل الامام عن الزجاج أنه حال من ضمير يخافون والأول أولى ومن دونه متعلق بمحذوف وقع حالا من أسم ليس لأنه في الأصل صفة له فلما قدم عليه انتصب على الحالية والحال الأولي لاخراج الحشر الذي لم يقيد بها عن حيز الخوف وتحقيق أن ما نيط به الخوف تلك الحالة لا الحشر كيفما كان ضرورة أن المعترفين به الجازمين بنصرة غيره تعالى بمنزلة المنكرين له في عدم الخوف الذي يدور عليه أمر الانذار والحال الثانية لتحقيق مدار خوفهم وهو فقدان ما علقوا به رجاءهم وذلك إمنا هو غيره سبحانه كما في قوله جل شأنه : ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء وليست لأخراج الولي الذي لم يقيد بها عن حيز الانتفاء لاستلزامه ثبوت ولايته تعالى لهم كما في قوله سبحانه : وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير وذلك فاسد والمعنى أنذر به الذين يخافون حشرهم غير منصورين من جهة أنصارهم بزعمهم قاله شيخ الاسلام ثم قال : ومن هذا اتضح أن لا سبيل إلى كون المراد بالخائفين المفرطين من المؤمنين إذ ليس لهم ولي ولا شفيع سواء D ليخافوا الحشر بدون نصرته وإنما الذي يخافونه الحشر بدون نصرته سبحانه انتهى وهو تحقيق لم أره لغيره ويصغر لديه ما في التفسير الكبير ولعل ما روي عن ابن عباس والحسن رضي الله تعالى عنهم لم يثبت عنهما فتدبر .
لعلهم يتقون .
15 .
- أي لكي يخافوا في الدنيا وينتهوا عن الكفر والمعاصي كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو على هذا تعليل للأمر بالانذار وجوز أن يكون حالا عن ضمير الأمر أي أنذرهم راجيا تقواهم أو من الموصول أي أنذرهم مرجوا منهم التقوى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي لما أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بانذار المذكورين لعلهم ينتظمون في سلك المتقين نهى E عن كون ذلك بحيث يؤدي الى طردهم ويفهم من بعض الروايات أن الآيتين نزلتا معا ولا يفهم ذلك من البعض الآخر فقد أخرج أحمد والطبراني وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : مر الملأ من قريش على النبي صلى الله عليه وسلّم وعنده صهيب وعمار وبلال وخباب ونحوهم من ضعفاء المسلمين فقالوا : يا محمد رضيت بهؤلاء من قومك أهؤلاء من الله تعالى عليهم من بيننا أنحن نكون تبعا لهؤلاء اطردهم عنك فلعلك إن طردتهم أن نتبعك فأنزل الله تعالى فيهم القرءان ؤانذر به الذين الى قوله سبحانه : وهو أعلم بالظالمين .
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل وغيرهم عن خباب رضي الله تعالى عنه قال : جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري فوجدا النبي A مع بلال وصهيب وعمار وخباب في اناس ضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حوله حقروهم فأتوه فخلوا به فقالوا : نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا العرب له فضلنا فان وفود العرب تاتيك فنستحي أن ترانا قعودا مع هؤلاء الأعبد فاذا نحن جئناك فأقمهم عنا فاذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت قال : نعم قالوا : فاكتب لنا عليك بذلك كتابا فدعا بالصحيفة ودعا عليا كرم الله تعالى وجهه ليكتب ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل بهذه الآية ولا تطرد الذين الخ ثم دعانا فأتيناه وهو يقول : سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم الخ