عزD وحسن تدبيره وحكمته وشمول علمه سبحانه وتعالى فهو كالدليل على أنه تعالى قادر على الانزال وإنما لا ينزل محافظة على الحكم الباهرة وقيل : إنه دليل على أنه سبحانه وتعالى قادر على البعث والحشر والأول أنسب وزيدت من تنصيصا على الاستغراق والدابة ما يدب على الأرض من الحيوان وأصله من دب يدب دبيبا إذا مشي مشيا فيه تقارب خطو والجار والمجرور متعلق بمحذوف او مجرور أو مرفوع وقع صفة لدابة ووصفت بذلك لزيادة التعميم كأنه قيل : وما من فرد من أفراد الدواب يستقر في قطر من اقطار الأرض وجهها أو جوفها وكذا الوصف في قوله سبحانه ولا طائر يطير بجناحيه لزيادة التعميم أيضا أي ولا فرد من أفراد الطير يطير في ناحية من نواحي الجو بجناحيه وقيل : إنه لقطع مجاز السرعة فقد استعمل الطيران في ذلك كقوله : قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم طاروا إليه زرافات ووحدانا وكذأ استعمل الطائر في العمل والنصيب مجازا كما في قوله تعالى : وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه .
واحتمال التجوز مع ذلك يجعله ترشيحا للمجاز بعيد لا يلتفت اليه بدون قرينة واختار بعض المتأخرين أن وجه الوصف تصوير تلك الهيئة الغريبة الدالة على كمال القوة والقدرة واورد على الوجهين السابقين أنه لو قيل : ولا طائر في السماء لكان أخصر وفي إفادة ذينك الأمرين أظهر مع ما فيه من رعاية المناسبة بين القرينتين بذكر وجه العلو في احداهما وجهة السفل في الأخرى ورد كما قال الشهاب بأنه لو قيل : في السماء يطير بجناحيه لم يشمل أكثر الطيور لعدم استقرارها في السماء ثم أن قصد التصوير لا ينافي قطع المجاز إذ لا مانع من ارادتهما جميعا كما لا يخفى ثم لما كان المقصود من ذكر هذين الأمرين الدلالة على كمال قدرته جل وعلا ببيان مايعرفونه ويشاهدونه من هذين الجنسين وشمول قدرته وعلمه سبحانه لهما كان غيرهما غير مقصود بالبيان فالاعتراض بأن أمثال حيتان البحر خارجة عنهما والجواب بانها داخلة في القسم الأول لأن الأرض فيه بمعنى جهة السفل مما لا يلتفت اليه وقرأ ابن ابي عبلة ولا طائر بالرفع عطف على محل الجار والمجرور كأنه قيل : وما دابة ولا طائر إلا أمم أي طوائف متخالفة أمثالكم في أن أحوالها محفوظة وأمورها معنية ومصالحها مرعية جارية على سنن السداد منتظمة في سلك التقديرات الألهية والتدبيرات الربانية وجمع الأمم باعتبار الحمل على معنى الجمعية المستفاد من العموم كما اختاره غير واحد وهو يقتضي جواز أن يقال : لا رجل قائمون والقياس كما قيل لا يأباه إلا أنه لم يرد الا مع الفصل وصرح السيد السند بأن النكرة ههنا محمولة على المجموع من حيث هو مجموع ولعل مراده أن النكرة المذكورة من حيث الاخبار عنها محمولة على المجموع لا أنه مراد منها فلا يرد أن الحكم بقوله سبحانه وتعالى : إلا أمم يأبى أن يكون التنكير فيما سبق على ما اشير اليه للفردية لأن الفرد ليس بجماعة وكذا يأبى أن يكون للنوعية أيضا لأن الفرد ليس بجماعات وهو ظاهر وأما ما قيل : إن النوع يشتمل على أصناف وكل صنف أمة أو الأمة كل جماعة في زمان فيدفعه توصيف أمم بأمثالكم إذ الخطاب بكم لافراد نوع الانسان فالمناسب تشبيه النوع بالنوع في كونهما محفوظي الاحوال لا تشبيه الصنف بالنوع أو تشبيه جماعة في وقت بالنوع نعم قال السكاكي في المفتاح : إن ذكر في الأرض مع دابة و يطير بجناحيه مع طائر لبيان أن القصد من لفظ دابة ولفظ طائر إنما هو إلى الجنسين وإلى تقرير هما وعليه لا اشكال في صحة الحمل لاشتمال كل من الجنسين