بحلاهم لايشكون في ذلك أصلا روى أبو حمزة وغيره أنه لما قدم النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة قال عمر رضي الله تعالى عنه لعبد الله بن سلام : إن الله تعالى أنزل على بيه E أن أهل الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم فكيف هذه المعرفة فقال ابن سلام : نعرف نبي الله A بالنعت الذي نعته الله تعالى به إذا رأيناه فيكم عرفناه كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه بين الغلمان وأيم الله الذي يحلف به ابن سلام لانا بمحمد أشد معرفة مني بابني لاني لا أدري ما أحثت أمه فقال عمر رضي الله تعالى عنه : قد وفقت وصدقت .
وزعم بعضهم ان المراد بالمعرفة هنا ما هو بالنظر والاستدلال لأن ما يتعلق بتفاصيل حليته A اما أن يكون باقيا وقت نزول اةية أولا بل محرفا مغيرا والاول باطل ولا يتأتى لهم إخفاء ذلك لأن إخفاء ما شاع في الآفاق محال وكذا الثاني لأنهم لم يكونوا حينئذ عارفين حليته الشريفة E كما يعرفون حلية أبنائهم .
وفيه أن الاخفاء مصرح به في القرآن كما في قوله تعالى : تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا واخفاؤها ليس باخفاء النصوص بل بتأويلها وبقولهم : إنه رجل آخر سيخرج وهو معنى قوله سبحانه : وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم .
الذين خسروا أنفسهم من أهل الكتابين والمشركين فهم لا يؤمنون .
2 .
- بما يجب الايمان به وقد تقدم الكلام في هذا التركيب آنفا ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا بادعائه أن له جل شأنه شريكا وبقوله الملائكة بنات الله وهؤلاء شفعاؤنا عند الله وعد من ذلك وصف النبي E الموعود في الكتابين بخلاف أوصافه والاستفهام للاستعظام الادعائي والمشهور أن المراد انكار أن يكون أحد أطلم ممن فعل ذلك أو مساويا له والتركيب وإن لم يدل على انكار المساواة وضعا كما قال العلامة الثاني في شرح المقاصد وحواشي الكشاف يدل عليه استعمالا فاذا قلت : لا أفضل في البلد من زيد فمعناه أنه أفضل من الكل بحسب العرف والسر في ذلك أن النسبة بين الشيئين إنما تتصور غالبا لا سيما في باب المغالبة بالتفاوت زيادة ونقصانا فاذا لم يكن أحدهما أزيد يتحقق النقصان لا محالة .
وادعى بعض المتأخرين أنه سنح له في توجيه ذلك نكتة حسنة ودقيقة مستحسنة وهي أن المتساويين بل المتقاربين في نفس الامر لا يسلم كل واحد منهما أن يفضل عليه صاحبه فان كل أحد لا يقدر على أن يقدر كل شيء حق قدره وكل انسان لا يقوي على أن يعرف كل أمر على ماهو عليه فان الافهام في مقابلة الأوهام متفاوتة والعقول في مدافعة الشكوك متباينة فاذا حكم بعض الناس مثلا بالمساواة بين المتساويين في نفس الأمر فقد يحكم البعض اةخر يرجحان ذلك على حسب منتهى أفهامهم ومبلغ عقولهم ومدرك ادراكهم فكل ما يوجد من يساويه في نفس الأمر يوجد من يفضل عليه بحسب اعتقاد الناس بل كلما يوجد من يقاربه فيه يوجد من يفوقه في ظنون العامة وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا كلما لا يوجد من يفضل عليه لايوجد من يساويه بل من يقاربه أيضا وهو المطلوب وبالجملة أن اثبات المساوي يستلزم اثبات الراجح الفاضل فنفى الفاضل يستلزم نفي المساوي لأن نفي اللازم يستلزم نفي الملزوم كما أن اثبات الملزوم يستلزم اثبات اللازم وفيه تأمل .
وادعى بعض المحققين أن دلالة التركيب على نفي المساواة وضعية لأن غير الأفضل إما مساو أو أنقص