ثم دونه في هاتيك المواضع وذلك لتقدم قوله تعالى فيما نحن فيه ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض مع قوله سبحانه وتعالى : وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين والاول يدل على أن الهالكين طوائف كثيرة والثاني يدل على أن المنشأ بعدهم أيضا كثيرون فيكون أمرهم بالسير دعاء لهم إلى العلم بذلك فيكون المراد به استقراء البلاد ومنازل أهل الفساد على كثرتها ليروا الآثار في ديار بعد ديار وهذا مما يحتاج إلى زمان ومدة طويلة تمنع من التعقيب الذي تقتضيه الفاء ولا كذلك في المواضع الأخر أه ولا يخلوا عن دغدغة .
واختار غير واحد أن السير متحد هنا ولكنه أمر ممتد يعطف النظر عليه بالفاء تارة نظرا إلى آخره وبم أخرى نظرا إلى أوله وكذا شأن كل ممتد قل على سبيل التقريع لهم والتوبيخ لمن ما في السموات والأرض من العقلاء وغيرهم أي لمن الكائنات جميعا خلقا وملكا وتصرفا .
وقوله سبحانه وتعالى : قل لله تقرير للجواب نيابة عنهم أو الجاء لهم الى الاقرار بأن الكل له سبحانه وتعالى وفيه اشارة الى أن الجواب قد بلغ من الظهور الى حيث لا يقدر على انكاره منكر ولا على دفعه دافع فان أمر السائل بالجواب إنما يحسن كما قال الامام في موضع يكون الجواب كذلك قيل : وفيه إشارة إلى أنهم تثاقلوا في الجواب مع تعينه لكونهم محجوجين وذكر عصام الملة أن قوله سبحانه وتعالى : قل لمن الخ معناه الامر بطلب هذا المطلب والتوجه إلى تحصيله وقوله D : قل لله معناه انك إذا طلبت وأدى نظرك إلى الحق فاعترف به ولا تنكره وهذا إرشاد إلى طريق التوحيد في الافعال بعد الارشاد إلى التوحيد في الالوهية وهو الاحتراز عن حال المكذبين .
وفي هذا اشارة إلى وجه الربط وسيأتي ان شاء الله تعالى قريبا ما يعلم منه الوجه الوجيه لذلك والجار والمجرور خبر مبتدأ محذوف أي لله تعالى ذلك أو ذلك لله تعالى شأنه كتب على نفسه الرحمة جملة مستقلة داخلة تحت الأمر صادحة بشمول رحمته D لجميع الخلق اثر بيان شمول ملكه وقدرته سبحانه وتعالى للكل المصحح لانزال العقوبة بالمكذبين مسوقة لبيان أنه تعالى رءوف بالعباد لا يعجل عليهم بالعقوبة ويقبل منهم التوبة وما سبق وما لحق من أحكام الغضب ليس الا من سوء اختيار العباد لسوء استعدادهم الأزلي لا من مقتضيات ذاته جل وعلا وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ومعنى كتب الرحمة على نفسه جل شأنه ايجابها بطريق التفضل والاحسان على ذاته المقدسة بالذات لا بتوسط شيء وقيل : هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما قضى الله تعالى الخلق كتب كتابا فوضعه عنده فوق العرش أن رحمتي سبقت غضبي وفي رواية ابن مردويه ان الله تعالى كتب كتابا بيده لنفسه قبل أن يخلق السموات والارض فوضعه تحت عرشه فيه رحمتي سبقت غضبي الى غير ذلك من الاخبار ومعنى سبق الرحمة وغلبتها فيها أنها أقدم تعلقا بالخلق وأكثر وصولا إليهم مع أنها من مقتضيات الذات المفيضة للخير .
وفي شرح مسلم للامام النووي قال العلماء : غضب الله تعالى ورضاه يرجعان الى معنى الارادة فارادته