اختيار الذي هو قاعدة التكليف عند نزوله لأن هذه آية ملجئة قال تعالى : فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا فيجب إهلاكهم لئلا يبقى وجودهم عاريا عن الحكمة إذ ما خلقوا إلا للابتلاء بالتكليف وهو لايبقى مع الالجاء وفيه أنه مخالف لقواعد أهل السنة ولا يتسنى الا على قواعد المعتزلة وهي أوهن من بيت العنكبوت ومع هذا هو غير صاف عن الاشكال كما لا يخفى على المتتبع وذكر بعض الفضلاء ان هذا الوجه ينافي ما قبله لدلالة ما قبل على بقاء الاختيار وانهم لا يؤمنون اذا عاينوا الملك قد نزل ودلالة هذا على سلب الاختيار وزواله وان الايمان ايمان يأس .
وقال ابن المنير : لا يحسن أن يجعل سبب مناجرتهم بالهلك وضوح الآية في نزول الملك فانه ربما يفهم من ذلك أن الآيات التي لزمهم الايمان بها دون نزول الملك في الوضوح وليس الامر كذلك فالوجه والله تعالى أعلم أن يكون سبب تعجيل عقوبتهم بتقدير نزول الملك وعدم إيمانهم أنهم اقترحوا ما يتوقف وجوب الايمان عليه إذ الذي يتوقف الوجوب عليه المعجز من حيث كونه معجزا لا المعجز الخاص فاذا أجيبوا على وفق مقترحهم فلم ينجع فيهم كانوا حينئذ على غاية من الرسوخ في العناد المناسب لعدم النظرة ولعل الوجه الذي عولنا عليه هو الاولى وقد أخرجه ابن جرير وابن ابي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والاعتراض عليه بأن لا ينظرون يدل على اهلاكهم لا على هلاكهم بروية الملك يندفع بما أشرنا اليه كما لا يخفى وليس بتكليف يترك له كلام ترجمان القرآن وقد أشي إلى الثاني بقوله سبحانه : ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا على أن الضمير الأول للنذير المحدث للناس عنه E المفهوم من فحوى الكلام بمعونة المقام والضمير الثاني للملك لا لما رجع اليه الاول أي ولو جعلنا النذير الذي اقترحتم انزاله ملكا لمثلنا ذلك الملك رجلا لعدم استطاعتهم معاينة الملك على هيكله الأصلي وفي إيثار رجلا على بشرا ايذان على ما قيل بأن الجعل بطريق التمثيل لا بطريق قلب الحقيقة وتعيين لما يقع به التمثيل وفيه اشعار كما قال عصام الدين وغيره بأن الرسول لا يكون امرأة وهو متفق عليه وإنما الاختلاف في نبوتها .
والعدول عن ولو أنزلناه ملكا إلى ما في النظم الجليل يعلم سره مما تقدم في بيان المراد وقيل : العدول لرعاية المشاكلة لما بعد ووجه شيخ الاسلام عدم جعل الضمير الأول للملك المذكور قبل بأن يعكس ترتيب المفعولين ويقال : ولو جعلناه نذيرا لجعلناه رجلا مع فهم المراد منه أيضا بأنه لتحقيق أن مناط إبراز الجعل الأول في معرض الفرض والتقدير ومدار استلزامه الثاني إنما هو ملكية النذير لا نذيرية الملك وذلك لأن الجعل حقه أن يكون مفعوله الأول مبتدأ والثاني خبرا لكونه بمعنى التصيير المنقول من صار الداخل على المبتدأ و الخبر ولاريب في أن مصب الفائدة ومدار اللزوم بين طرفي الشرطية هو محمول المقدم لا موضوعه فحيث كانت لو امتناعية أريد بيان انتفاء الجعل الأول لاستلزامه المحذور الذي هو الجعل الثاني وجب أن يجعل مدار الاستلزام في الأول مفعولا ثانيا لا محالة ولذلك جعل مقابله في الجعل الثاني كذلك إبراز لكمال التنافي بينهما الموجب لانتفاء الملزوم ولا يخلوا عن حسن وجوز غير واحد كون قوله تعالى : ولو جعلناه الخ جواب اقتراح ثان وذلك لأن للكفرة اتقراحين أحدهما أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ملك في صورته الأصلية بحيث يعاينه القوم والآخر أن ينزل إلى القوم ويرسل اليهم مكان الرسول البشر ملك فانهم كما كانوا يقولون : لولا أنزل على