للكفرة وقيل : لجميع الناس وقيل : للمؤمنين والظاهر الأول والالتفات لما في مواجهتهم بضعف حالهم من التبكيت ما لا يخفى وقيل : ليتضح مرجع الضميرين ولا يشتبه من أول الأمر وهي نكتة من الالتفات لم يعرج عليها أهل المعاني .
وأرسلنا السماء أي المطر كما روي عن هرون التيمي ونسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضا وقيل : السحاب واستعمالها في ذلك مجاز مرسل وقيل : هي على حقيقتها بمعنى المظلة والمجاز في إسناد الارسال اليها لأن المرسل ماء المطر وهي مبدأ له وفيه من المبالغة ما لا يخفى والارسال والانزال كما في البحر متقاربان في المعنى لأن اشتقاقه من رسل اللبن وهو ما ينزل من الضرع متتابعا عليهم مدرارا أي غزيرا كثير الصب وهو صيغة مبالغة يستوي في المذكر والمؤنث وهو حال من السماء والظرف متعلق بارسلنا وجعلنا الأنهار أي صيرناها تجري من تحتهم أي من تحت مساكنهم والمراد أنهم عاشوا في الخصب والريف بين الانهار والثمار والجملة في موضع المفعول الثاني لجعلنا ولم يقل سبحانه : أجرينا الأنهار كما قال عز شأنه : أرسلنا السماء للايذان بكونها مسخرة مستمرة الجريان لا لأن النهر لا يكون إلا جاريا فلا يفيد الكلام لأن النظم حينئذ ناظر إلى كونه من تحتهم فالفائدة ظاهرة ولو كان ماذكر صحيحا لما ورد في النظم الكريم كقوله تعالى : تجري من تحتها الأنهار واستظهر كون الجعل بمعنى الانشاء والايجاد وهو مخصوص به تعالى فلذا غير الاسلوب وعليه فالجملة في موضع الحال من المفعول وليس المراد على ما قيل بتعداد هاتيك النعم العظام الفائضة عليهم بعد ذكر تمكينهم بيان عظم جنايتهم في كفرانها واستحقاقهم بذلك لأعظم العقوبات بل بيان حيازتهم لجميع أسباب نيل المآرب ومباديء الامن من المكاره والمعاطب وعدم اغناء ذلك عنهم شيئا وينبيء عن عدم الاغناء عند جمهور المفسرين .
قوله تعالى : فأهلكناهم بذنوبهم والفاء للتعقيب وقيل : فصيحة والمراد فكفروا فأهلكناهم ورجح الأول والباء للسببية أي أهلكناكل قرن من تلك القرون بسبب ما يخصهم من الذنوب كتكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنشأ أي أوجدنا من بعدهم أي بعد أهلاكهم بسبب ذلك قرنا ءاخرين .
6 .
- بدلا من الهالكين وهذا بيان لأنه تعالى لا يتعاظمه أن يهلك قرنا ويخلى بلاده منهم جل جلاله قادر على أن ينشيء مكانهم آخرين يعمر بهم البلاد فهو كالتتميم لما قبله نحو قوله تعالى : ولا يخاف عقباها وفيه إشارة إلى أنهم قلعوا من أصلهم ولم يبق أحد من نسلهم لجعلهم آخرين وكونهم من بعدهم ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس استئناف سيق بطريق تلوين الخطاب لبيان شدة شكيمتهم في المكابرة وما يتفرع عليها من الاقاويل الباطلة إثر بيان ما هم فيه من غير ذلك .
وعن الكلبي : وغيره أنها نزلت في النضر بن الحرث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خويلد لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله تعالى ومعه أربعة من الملائكة يشهدون أنه من عند الله تعالى وأنك رسوله والكتاب المكتوب والجار بعده متعلق بمحذوف وقع صفة له أو متعلق به وقيل : إن جعل اسما كالامام فالجار في موضع الصفة له وإن جعل مصدرا بمعنى المكتوب فهو متعلق به