آخر مشهورة بلغت الاحتمالات أربعة آلاف وزيادة ولكن ليس لنا إلى هذه الملاحظة كبير داع والذي اختاره كثير من المحققين من تلك الاحتمالات أن تكون الجملة معطوفة على جملة الحمد والعدل بمعنى العدول أي الانصراف والجار متعلق بكفروا وهو من الكفر بمعنى الشرك أو كفران النعمة ويقدر مضاف بعد الجار والمعنى أن الله تعالى حقيق بالحمد على ما خلق من النعم اجسام التي أنعم بها على الخاص والعام ثم الذين أشركوا به أو كفروا بنعمه يعدلون فيكفرون نعمه وأن تكون معطوفة على جملة الصلة والعدل بمعنى التسوية والجار متعلق به والكفر بأحد المعنيين .
والمعنى أنه سبحانه خلق هذ النعم الجسام والمخلوقات العظام التي دخل فيها كل ما سواه ثم إن هؤلاء الكفرة أو هؤلاء الجاحدين للنعم يسوون به غيره ممن لايقدر عليها وهم في قبضة تصرفه ومهاد تربيته .
و ثم لاستبعاد ما وقع من الذين كفروا أو للتوبيخ عليه كما قال ابن عطية وجعلها ابو حيان لمجرد التراخي في الزمان وهو وإن صح هنا باعتبار أن كل ممتد يصح فيه التراخي باعتبار أولع والفور باعتبار آخره كما حققه النحاة إلا أن ماذكر أوفق بالمقام ونكتة وضع الرب موضع ضميره تعالى على تقدير تأكيد امر الاستبعاد ووجه جعل الباء متعلقة بيعدلون على أحد احتماليه وبكفروا على الاحتمال الآخر أنه إذا كان من العدل بمعنى التسوية يقتضي التوصل بالباء بخلاف ما إذا كان منه بمعنى العدول فالظأهر أنها حينئذ متعلقة بما قبلها وما قاله المحقق التفتازاني مني أنه لا مخصص لكل من توجيهي بربهم يعدلون بواحد من العطفين يمكن دفعه بأن وجه تخصيص كل بما خصص به اتساق نظم الآية حينئذ وظهور شدة المناسبة بين ما عطف بثم الاستبعادية وبين ما عطف عليه وذلك لأنه إذا قيل مثلا في الصورة الأولى إن الله تعالى إستحق جميع المحامد من العباد فهم أن العدول عنه تعالى والاعراض عن حمده سبحانه في غاية الاستبعاد فيناسب أن يقال : ثم الذين كفروا بربهم يعدلون عنه فلا يحمدونه ولا يتلفتون لفتة ولا يناسب أن يقال : إنهم يسوون به غيره إذ لم يسبق صريحا وبالقصد الأولي ما ينفي التسوية وإذا قيل مثلا في الصورة الثانية : إنه جعل شأنه خلق هذه الأجسام العظام مما لا يقدر عليه أحد ناسب في الاستبعاد أن يقال : ثم الذين كفروا يسوون به ما لا يقدر على شيء لا أنهم لا يحمدونه وعرضون عنه .
وقال بعض المحققين : إذا كان المعنى على الأول الحمد والثناء مستحق للمنعم بهذه النعم الشاملة سائر الأمم فكيف يتأتى من الكفرة والمشركين المستغرقين في بحار إحسانه العدول عنه وعلى الثاني المعروف بالقدرة على إيجاد هذه المخلوقات العظأم التي دخل فيها كل ما سواه من الخاص والعام كيف يتسنى لهؤلاء الكفرة أو لهؤلاء الجاحدين للنعم أن يسووا به غيره وهم في قبضته فوجه التخصيص في الأول أنه لا يخفى استبعاد انصراف العبد عن سيده وولي نعمته إلى سواه بخلاف التسوية فان المنعم قد يساويه غيره ممن يحسن إلى غيره وفي الثاني أن استبعاد التسوية عليه مما لا يكاد يتصور بخلاف العدول عنه فانه قد يتصور لجهل العادل بحقه فان العدول لا ينافي عدم المعرفة بخلاف التسوية فانه لا يسوي بين شيئين لا يعرفهما بوجه ما فتدبر .
واعترض غير واحد على العطف على الصلة بأنه لا وجه لضم ما لا دخل له في استحقاق الحمد