صحة الاقتداء بالجاهل الضال والحال ما يفهم من الجملة أي كائنين على هذا الحال المفروض فما قيل : إنهم جعلوا الواو للحال وليس ما دخلته الواو حالا من جهة المعنى بل ما دخلته لو أي واو كان الحال أن آباءهم لا يعلمون فيفعلون ما يقتضيه علمهم ولا يهتدون بمن له علم ناشيء من قلة التأمل وذلك غريب من حال ذلك القائل وأغرب من ذلك ما قيل : إن المعنى أنهم هل يكفيهم ما عليه آباؤهم ولو كان آباؤهم جهلة ضالين أي هل يكفيهم الجهل والضلال اللذان كان عليهما آباؤهم ويوشك أن يكون هذا من الجهل والضلال فيما يليق بالتنزيل .
واستدل بالآية على أن الاقتداء إنما يصح بمن علم أنه عالم مهتد وذلك لا يعرف إلا بالحجة فلا يكفي التقليد من غير أن يعلم أن لمن قلده حجة صحيحة على ما قلده فيه حتى قالوا : إن للمقلد دليلا أجماليا وهو دليل من قلده فتدبر يا أيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم أي الزموا أنفسكم واحفظوها من ملابسة المعاصي والاصرار على الذنوب فعليكم أسم فعل أمر نقل إلى ذلك مجموع الجار والمجرور لا الجار وحده كما قيل وهو متعد إلى المفعول به بعده وقد يكون لازما والمراد به الأمر بالتمسك كما في قوله صلى الله وعليه وسلم : عليك بذات الدين وذكر أبو البقاء بأن الكاف والميم في موضع جر لأن اسم الفعل هو المجموع وعلى وحدها لم تستعمل اسما للفعل بخلاف رويدكم فان الكاف والميم هناك للخطاب فقط ولا موضع لها لأن رويدا قد استعمل اسما لأمر المواجه من غير كاف الخطاب وإلى ذلك ذهب سيبويه وهو الصحيح ونقل الطبرسي أن استعمال على مع الضمير اسم فعل خاص فيما إذا كان الضمير للخطاب فلو قلت عليه زيدا لم يجز وفيه خلاف .
وقرأ نافع في الشواذ أنفسكم بالرفع والكلام حينئذ مبتدأ وخبر أي لازمة عليكم أنفسكم أو حفظ أنفسكم لازم عليكم بتقدير مضاف في المبتدأ وقوله تعالى : لا يضركم من ضل إذا اهتديتم يحتمل الرفع على أنه كلام مستأنف في موضع التعليل لما قبله وينصره قراءة أبي حيوة لايضركم ويحتمل أن يكون مجزوما جوابا للأمر والمعنى إن لزمتم أنفسكم لا يضركم وإنما ضمت الراء اتباعا لضمة الضاد المنقولة اليها من الراء المدغمة والأصل لا يضرركم ويجوز أن يكون نهيا مؤكدا للأمر السابق والكلام على حد لا أرينك ههناه وينصر احتمال الجزم قراءة من قرأ لايضركم بالفتح ولا يضركم بكسر الضاد وضمها من ضاره يضيره ويضوره بمعنى ضره كذمه وذامه وتوهم من ظاهر الآية الرخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأجيب عن ذلك بوجوه الأول ان الاهتداء لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فان ترك ذلك مع القدرة عليه ضلال فقد أخرج ابن جرير عن قيس بن أبي حازم قال : صعد ابو بكر رضي الله تعالى عنه منبر رسول الله صلى الله وعليه وسلم فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس انكم لتتلون آية من كتاب الله سبحانه وتعدونها رخصة والله ما أنزل الله تعالى في كتابه أشد منها يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم الآية والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله تعالى منه بعقاب وفي رواية يا ايها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وانكم تضعونها على غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله وعليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقاب .
وفي رواية ابن مردويه عن أبي بكر بن محمد قال : خطب أبو بكر الصديق الناس فكان في خطبته قال