ولم يكن في العرب ملوك كذلك فجعل الله تعالى لهم البيت الحرام قياما يدفع به بعضهم عن بعض فلو لقي الرجل قاتل أبيه أو ابنه عنده ما قتله فالمراد من الناس على هذا العرب خاصة وقيل : معنى كونه قياما للناس كونه أمنا لهم من الهلاك فما دام البيت يحج إليه الناس لم يهلكوا فان هدم وترك الحج هلكوا وروي ذلك عن عطاء وقرأ ابن عامر قيما على أنه مصدر كشيع وكان القياس أن لا تقلب واوه ياء لكنها لما قلبت في فعله الفا تبعه المصدر في إعلال عينه والشهر الحرام أي الذي يؤدى فيه الحج وهو ذو الحجة فالتعريف للعهد بقرينة قرنائه واختار غير واحد إرادة الجنس على ماهو الأصل والقرينة والقرينة المعهودة لا تعين العهد والمراد الأشهر الحرم وهي أربعة واحد فرد وثلاثة سرد فالفرد رجب والسرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وهو وما بعده عطف على الكعبة فالمفعول الثاني محذوف ثقة بما مر أي وجعل الشهر الحرام والهدي والقلائد أيضا قياما لهم والمراد بالقلائد ذوات القلائد وهي البدن خصت بالذكر لأن الثواب فيها أكثر والحج بها أظهر وقيل : الكلام على ظاهره فقد أخرج ابو الشيخ عن أبي مجلز أن أهل الجاهلية كان الرجل منهم اذا أحرم تقلد قلادة من شعر فلا يتعرض له أحد فاذا حج وقضى حجه تقلد قلادة من إذخر وقيل : كان الرجل يقلد بعيره أو نفسه قلادة من لحاء شجر الحرم فلا يخاف من أحد ولا يتعرض له أحد بسوء وكانوا لايغيرون في الأشهر الحرم وينصلون فيها الاسنة ويهرع الناس فيها الى معايشهم ولا يخشون أحدا وقد توارثوا على ما قيل ذلك من دين إسماعيل عليه السلام ذلك أي الجعل المذكور خاصة أو مع ما ذكر من الأمر بحفظ حرمة الاحرام وغيره ومحل اسم الاشارة النصب بفعل مقدر يدل عليه السياق وبه تتعلق اللام فيما بعد وقيل : محله الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي الحكم الذي قررناه ذلك أو مبتدأ خبره محذوف أي ذلك الحكم هو الحق والحكم الاول هو الاقرب والتقدير شرع ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض فان تشريع هذه الشرائع المستتبعة لدفع المضار الدينية والدنيوية قبل الوقوع وجلب المنافع الأولية والأخروية من أوضح الدلائل على حكمة الشارع واحاطة علمه سبحانه وأن الله بكل شيء واجبا كان أو ممتنعا أو ممكنا عليم .
79 .
- كامل العلم وهذا تعميم إثر تخصيص وقدم الخاص لأنه كالدليل على ما بعد .
وجوز أن يراد بما في السموات والارض الاعيان الموجودة فيهما وبكل شيء الامور المتعلقة بتلك الموجودات من العوارض والاحوال التي هي من قبيل المعاني والاظهار في مقام الاضمار لما مر غير مرة .
اعلموا أن الله شديد العقاب وعيد لمن انتهك محارمه أو أصر على ذلك والعقاب كما قيل هو الضرر الذي يقارنه استخفاف واهانة وسمي عقابا لأنه يستحق عقيب الذنب وأن الله غفور رحيم .
89 .
- وعن إن حافظ على مراعاة حرماته تعالى وأقلع عن الانتهاك ووجه تقديم الوعيد ظاهر ما على الرسول إلا البلاغ ولم يأل جهدا في تبليغكم ما أمرتم به فأي عذر لكم بعد وهذا تشديد في إيجاب القيام بما أمر به سبحانه .
والبلاغ اسم اقيم مقام المصدر كما أشير إليه والله يعلم ما تبدون وما تكتمون .
99 .
- فيعاملكم بما