الدنيا بتحريم الحلال ولا اضاعة المال ولكن الزهد أن تكون بما بيد الله تعالد أوثق منك بما في يدك انتهى .
وهو ظاهر جدا على تقدير أن تكون الآية في القوم الذين سلكوا طريق الترهب وهو قول مرجوح فتدبر .
وجملة والله يحب المحسنين على سائر التقادير تذييل مقرر لمضمون ما قبله أبلغ تقرير وذكر بعضهم أنه كان الظاهر والله يحب هؤلاء فوضع المحسنين موضعه اشارة إلى أنهم متصفون بذلك .
يا أيها الذين ءامنوا ليبلونكم الله جواب قسم محذوف أي والله ليعاملنكم معاملة من يختبركم ليتعرف حالكم بشيء من الصيد أي مصيد البر كما قال الكلبي مأكولا كان أو غير مأكول ما عدا المستثنيات كما سيأتي إن شاء الله تعالى فاللام للعهد والآية كما أخرج ابن ابي حاتم عن مقاتل نزلت في عمرة الحديبية حيث ابتلاهم الله تعالى بالصيد وهم محرمون فكانت الوحوش تغشاهم في رحالهم وكانوا متمكنين من صيدها أخذا بأيديهم وطعنا برماحهم وذلك قوله تعالى : تناله أيديكم ورماحكم فهموا بأخذها فنزلت وعن ابن عباس ومجاهد وهو المروي عن ابي جعفر رضي الله تعالى عنه أن الذي تناله الايدي فراخ الطير وصغار الوحش والبيض والذي تناله الرماح الكبار من الصيد واختار الجبائي أن المراد بما تناله الايدي والرماح صيد الحرم مطلقا لأنه كيفما كان يأنس بالناس ولا ينفر منهم كما ينفر في الحل وقيل : ما تناله الايدي ما يتأتى ذبحه وما تناله الرماح ما لا يتأتى ذبحه وقيل : المراد بذلك ما قرب وما بعد وذكر ابن عطية أن الظأهر أنه سبحانه وتعالى خص الايدي بالذكر لأنها أعظم تصرفا في الاصطياد وفيها يدخل الجوارح والحبالات وما عمل بالايدي من فخاخ واشباك وخص الرماح بالذكر لأنها أعظم ما يجرح به الصيد ويدخل فيها السهم ونحوه وتنكير شيء كما قال غير واحد للتحقير المؤذن بأن ذلك من الفتن الهائلة التي تزل فيها اقدام الراسخين كالابتلاء بقتل الانفس واتلاف الاموال وإنما هو من قبيل ما ابتلي به أهل أيلة من صيد البحر وفائدته التنبيه على أن من لم يثبت في مثل هذا كيف يثبت عند شدائد المحن فمن بيانية أي بشيء حقير هو الصيد .
واعترضه ابن المنير بأنه قد وردت في هذه الصيغة بعينها في الفتن العظيمة كما هو في قوله تعالى : ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين فالظاهر والله تعالى أعلم أن من للتبعيض والمراد بما يشعر به اللفظ من التقليل والتبعيض التنبيه على أن جميع ما يقع الابتلاء به من هذه البلايا بعض من كل بالنسبة إلى مقدور الله تعالى وأنه تعالى قادر على أن يجعل ما يبتليهم به من ذلك أعظم مما يقع وأهول وأنه مهما اندفع عنهم ما هو اعظم في المقدور فانما يدفعه عنهم إلى ما هو أخف وأسهل لطفا بهم ورحمة ليكون هذا التنبيه باعثا لهم على الصبر وحاملا على الاحتمال والذي يرشد إلى هذا سبق الاخبار بذلك قبل حلوله لتوطين النفوس عليه فان المفاجاة بالشدائد شديدة الألم والانذار بها قبل وقوعها مما يسهل موقعها وإذا فكر العاقل فيما يبتلي به من انواع البلايا وجد المندفع منها عنه أكثر مما وقع فيه باضعاف لاتقف عنده غاية فسبحان اللطيف بعباده انتهى .
وتعقبه مولانا شهاب الدين بان ما ذكر بعينه أشار اليه الشيخ في دلائل الاعجاز لأن شيئا إنما يذكر لقصد التعميم نحو قوله سبحانه : وإن من شيء إلا يسبح بحمده او الابهام وعدم التعيين او التحقير لادعا أنه لحقارته لايعرف وهنا لو قيل : ليبلونكم بصيد تم المعنى فاقحامها لابد له من نكتة وهي ما ذكر واما ما