فيما طعموا إذا ما اتقوا و ءامنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وءامنوا و أحسنوا والله يحب المحسنين .
39 .
- قيل : لما نزل تحريم الخمر والميسر قالت الصحابة رضي الله تعالى عنهم : كيف بمن شربها من اخواننا الذين ماتوا وهم قد شربوا الخمر وأكلوا الميسر فأنزل الله تعالى هذه الآية وقيل : إنها نزلت في القوم الذين حرموا على نفوسهم اللحوم وسلكوا طريق الترهب كعثمان بن مظعون وغيره والأول هو المختار وروي ذلك عن ابن عباس رض الله تعالى عنهما وأنس بن مالك والبراء بن عازب ومجاهد وقتادة والضحاك وخلق آخرين .
وللمفسرين في معنى الآية كلام طويل الذيل فنقل الطبرسي والعهدة عليه عن تفسير أهل البيت أن ما عبارة عن المباحاة واختار غير واحد من المتأخرين وتعقب بأنه يلزم عليه تقييد إباحتها باتقاء ما عداها من المحرمات لقوله سبحانه : إذا ما اتقوا واللازم منتف بالضرورة فهي سواء كانت موصولة أو موصوفة على عمومها وإنما تخصصت بذلك القيد الطاريء عليها والطعم كالطعام يستعمل في الأكل والشرب كما تقدمت إلىه الاشارة .
والمعنى ليس عليهم جناح فيما تناولوه من المأكول والمشروب كائنا ما كان إذا اتقوا أن يكون في ذلك شيء من المحرم واستمروا على الايمان والأعمال الصالحة وإلا لم يكن نفي الجناح في كل ما طعموه بل في بعضه ولا محذور في هذا إذ اللازم منه تقييد إباحة الكل بأن لايكون فيه محرم لاتقييد إباحة بعضه باتقاء بعض آخر منه كما هو اللازم مما عليه الجماعة و اتقوا الثاني عطف على نظيره المتقدم داخل معه في حيز الشرط والمراد اتقوا ما حرم عليهم بعد ذلك مع كونه مباحا فيما سبق والمراد بالايمان المعطوف عليه إما الايمان بتحريمه وتقديم الاتقاء عليه اما للاعتناء به أو لأنه الذي يدل على التحريم الحادث الذي هو المؤمن به واما الاستمرار على الايمان بما يجب الايمان به ومتعلق الاتقاء ثالثا ما حرم عليهم أيضا بعد ذلك مما كان مباحا من قبل على أن المشروط بالاتقاء في كل مرة إباحة ما طعموه في ذلك الوقت لا إباحة ما طعموه قبله لانتساخ إباحة بعضه حينئذ وأريد بالاحسان فعل الاعمال الحسنة الجميلة المنتظمة بجميع ما ذكر من الأعمال القلبية والقالبية .
وليس تخصيص هذه المراتب بالذكر لتخصيص الحكم بها بل لبيان التعدد والتكرار بالغا ما بلغ والمعنى أنهم إذا اتقوا المحرمات واستمروا على ما هم عليه من الايمان والأعمال الصالحة وكانوا في طاعة الله تعالى ومراعة اوامره ونواهيه بحيث كلما حرم عليهم شيء من المباحاة اتقوه ثم و ثم فلا جناح عليهم فيما طعموه في كل مرة من المآكل والمشارب إذ ليس فيها شيء محرم عند طعمه قاله مولانا شيخ الاسلام ثم قال : وأنت خبير بأن ما عدا إتقاء المحرمات من الصفات الجميلة المذكورة لادخل لها في انتفاء الجناح وإنما ذكرت في حيز إذأ شهادة باتصاف الذين سئل عن حالهم بها ومدحا لهم بذلك وحمدا لأحوالهم وقد أشير إلى ذلك حيث جعلت تلك الصفات تبعا للاتقاء في كل مرة تميزا بينها وبين ماله دخل في الحكم فان مساق النظم الكريم بطريق العبارة وإن كان لبيان حال المتصفين بما ذكر من النعوت فيما سيأتي من الزمان بقضية إذا ما لكنه قد أخرج مخرج الجواب عن حال الماضين لاثبات الحكم في حقهم ضمن التشريع الكلي على الوجه البرهاني بطريق دلالة النص بناء على كمال اشتهارهم بالاتصاف بها فكأنه قيل : ليس عليهم جناح فيما طعموه إذا كانوا في طاعة الله تعالى مع ما لهم من الصفات الحميدة بحيث كلما أمروا بشيء تلقوه بالامتثال وإنما كانوا يتعاطون الخمر والميسر في حياتهم لعدم تحريمهما إذ ذاك ولو حرما في عصرهم لاتقوهما بالمرة انتهى