وفرق ابن دريد بن الرجس والرجز والركس فجعل الرجس الشر والرجز العذاب والركس العذرة والنتن وافراد الرجس مع انه خبر عن متعدد لأنه مصدر يستوي فيه القليل والكير ومثل ذلك قوله تعالى : إنما المشركون نجس وقيل : لأنه خبر عن الخمر وخبر المعطوفات محذوف ثقة بالمذكور وقيل : لأن في الكلام مضافا إلى تلك الأشياء وهو خبر عنه أي إنما شأن هذه الأشياء او تعاطيها رجس وقوله سبحانه من عمل الشيطان في موضع الرفع على أنه صفة رجس أي كائن من عمله لأن مسبب من تزيينه وتسويله وقيل : إن من للابتداء أي ناشيء من عمله وعلى التقديرين لاضير في جعل ذلك من العمل وإن كان ماذكر من الاعيان ودعوى أنه إذا قدر المضاف لم يحتج إلى ملاحظة علاقة السببية ولا إلى القول بأن من ابتدائية لايخلو عن نظر فاجتنبوه أي الرجس أو جميع ما مر بتأويل ما مر أو التعاطي المقدر أو الشيطان لعلكم تفلحون .
9 .
- أي راجين فلاحكم أو لكي تفلحوا بالاجتناب عنه وقد مر الكلام في ذلك ولقد أكد سبحانه تحريم الخمر والميسر في هذه الآية بفنون التأكيد حيث صدرت الجملة بانما وقرنا بالاصنام والازلام وسميا رجسا من عمل الشيطان تنبيها على غاية قبحهما وأمر بالاجتناب عن عينهما بناء على بعض الوجوه وجعله سببا يرجى من الفلاح فيكون ارتكابهما خيبة ثم قرر ذلك ببيان ما فيهما من المفاسد الدنيوية والدينية فقال سبحانه : إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر أي بسبب تعاطيهما لأن السكران يقدم على كثير من القبائح التي توجب ذلك ولا يبالي وإذا صحا ندم على مافعل والرجل قد يقامر حتى لايبقى له شيء وتنتهي به المقامرة إلى أن يقامر بولده وأهله فيؤدي به ذلك إلى أن يصير أعدى الأعداء لمن قمره وغلبه وهذه إشارة إلى مفاسدها الدنيوية وقوله تعالى : ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلوة إشارة الى مفاسدهما الدينية ووجه صد الشيطان لهم بذلك عما ذكر أن الحمر لغلبة السرور بها والطرب على النفوس والاستغراق في الملاذ الجسمانية تلهي عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة وان الميسر إن كان اللاعب به غالبا انشرحت نفسه ومنعه حب الغلب والقهر والكسب عما ذكر وإن كان مغلوبا حصل له من الانقباض والقهر مايحثه على الاحتيال لأن يصير غالبا فلا يكاد يخطر بقلبه غير ذلك وقد شاهدنا كثير ممن يلعب بالشطرنج يجري بينهم من اللجاج والحلف الكاذب والغفلة عن الله تعالى ما ينفر منه الفيل وتكبو له الفرس ويصوح من سمومه الرخ بل يتساقط ريشه ويحار لشناعته بيذق الفهم ويضطرب فرزين العقل ويموت شاه القلب وتسود رقعة الأعمال وتخصيص الخمر والميسر باعادة الذكر وشرح مافيهما من الوبال للتنبيه على أن المقصود بيان حالهما وذكر الأنصاب والازلام للدلالة على أنهما مثلهما في الحرمة والشرارة كما يشعر بذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلّم والسلف الصالح من الاخبار الصادحة بمزيد ذمهما والحط على مرتكبهما .
وخص الصلاة من الذكر بالافراد بالذكر مع أن الذي يصد عنه يصد عنها لأنه من أركانها تعظيما لها كما في ذكر الخاص بعد العام واشعارا بأن الصاد عنها كالصاد عن الايمان لما أنها عماده والفارق بينه وبين الكفر اذ التصديق القلبي لايطلع عليه وهي أعظم شعائره المشاهدة في كل وقت ولذا طلبت فيها الجماعة