وقيل المراد به اللغة ذلك أى اللعن المذكور وإيثار الإشارة على الضمير للاشارة إلى كمال ظهوره وامتيازه عن نظائره وانتظامه بسببه فى سلك الأمور المشاهدة وما فى من البعد للإيذان بكمال فظاعته وبعدد درجته فى الشناعة والهول بما عصو أى بسبب عصيانهم والجار متعلق بمحذوف وقع خبرا عن المبتدأ قبله والجملة استئناف واقع موقع الجواب عما نشأ من الكلام كأنه قيل : بأى سبب وقع ذلك فقيل : ذلك اللعن الهائل الفظيع بسبب عصيانهم وقوله تعالى : وكانوا يعتدون .
78 .
- يحتمل أن يكون معطوفا على عصوا فيكون داخلا فى حيز السبب أى وبسبب اعتدائهم المستمر وينبىء عن إرادة الاستمرار الجمع بين صيغتى الماضى والمستقبل وادعى الزمخشرى إفادة الكلام حصر السبب فيما ذكر أى بسبب ذلك لاغير كما قيل استفيد من لعدول عن الظاهر وهو تعلق بما عصوا بلعن دون ذكر اسم الإشارة فلما جىء به استحقارا لذلك اللعن وجوابا عن سؤال الموجب دل على أن مجموعه بهذا السبب لابسبب آخر وقيل : استفيد من السببية لأن المتبادر منها ضمن السبب التام وهو يفيد ذلك ولايرد علىالحصر أن كفرهم سبب أيضا كما يشعر به أخذه فى حيز الصلة لأن ماذكر فى حيز السببية هنا مشتمل على كفرهم أيضا ويحتمل أن يكون استئناف إخبار من الله تعالى بأنه كان شأنهم وأمرهم الاعتداء وتجاوز الحد فى العصيان وقوله تعالى : كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه مؤذن باستمرار الاعتداء فانه استئناف مفيد لاستمرار عدم التناهى عن المنكر ولايمكن استمراره إلا باستمرار تعاطى المنكرات وليس المراد بالتناهى أن ينهى كل منهم الآخر عما يفعله من المنكر كما هو المعنى المشهور لصيغة التفاعل بل مجرد صدور النهى عن أشخاص متعددة من غير أن يكون كل واحد منهم ناهيا ومنهيا معا كما فى تراؤا الهلال وقيل : التناهى بمعنى الانتهاء من قولهم : تناهى عن لأمر وانتهى عنه إذا امتنع فالجملة حينئذ مفسرة لما قبلها من المعصية والاعتداء ومفيدة لاستمرارهما صريحا وعلى الأول إنما تفيد استمرار انتفاء النهى عن المنكر ومن ضرورته استمرار فعله وعلى التقديرين لاتقوى هذه الجملة احتمال الاستئناف فيما سبق خلافا لأبى سفيان .
والمراد بامنكر قيل : صيد السمك يوم السبت وقيل أخذ الرشوة فى الحكم وقيل أكل الربا وأثمان الشحوم والأولى أن يراد به نوع المنكر مطلقا ومايفيده التنوين وحدة نوعية لاشخصية وحينئذ لايقدح وصفه بالفعل الماضى فى تعلق النهى به لما أن متعلق الفعل إنما هو فرد من أفراد مايتعلق به النهى أو الانتهاء عن مطلق المنكر باعتبار تحققه فى ضمن أى فرد كان من أفراده على أنه لو جعل فى فعلوه بالنسبة إلى زمن الخطاب لازمان النهى لم يبق فى الآية إشكال ولما غفل بعضهم عن ذلك قال : إن الآية مشكلة لما فيها من ذم القوم بعدم النهى عما وقع مع أن النهى لايتصور فيه أصلا وإنما يكون عن الشىء قبل وقوعه فلابد من تأويلها بأن المراد النهى عن العود اليه وهذا اما بتقدير مضاف قبل منكر أى معاودة منكر أو يفهم من السياق أو بأن المراد فعلوا مثله أو بحمل فعلوه على أرادوا فعله كما فى قوله سبحانه : إذا قرأت القرآن فاستعذ .
واعترض الأول بأن المعاودة كالنهى لاتتعلق بالمنكر المفعول فلابد من المصير إلى أحد الأمرين الأخيرين وفيهما من التعسف مالايخفى وقيل : إن الاشكال انما يتوجه لو لم يكن الكلام على حد قولنا : كانوا لاينهون يوم الخميس عن منكر فعلوه يوم الجمعة مثلا فانه لاخفاء فى صحته وليس فى الكلام مايأباه