مالايعقل على من يعقل تحقيرا وقيل : أريد بها النوع كما فى قوله تعالى : فانكحوا ماطاب لكم من النساء .
وقيل : يمكن أن يكون المراد الترقى من توبيخ النصارى على عبادة عيسى عليه السلام الى توبيخهم على عبادة الصليب فما على بابها ولايخفى بعده وتقديم الضر على النفع لأن التحرز عنه أهم من تحرى النفع ولأن أدنى درجات اتأثير دفع الشر ثم جلب الخير وتقديم المفعول الغير الصريح على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق الى المؤخر وقوله سبحانه وتعالى : والله هو السميع العليم فى موضع الحال من فاعل أتعبدون مقرر للتوبيخ متضمن للوعيد والواو هو الواو أى أتعبدون غير الله تعالى وتشركون به سبحانه مالايقدر على شىء ولاتخشونه والحال أنه سبحانه وتعالى المختص بالاحاطة بجميع المسموعات والمعلومات التى من جملتها ماأنتم عليه من الأقوال الباطلة والعقائد الزائغة وقد يقال : المعنى أتعبدون العاحز والله هو الذى يصح أن يسمع كل مسموع ويعلم كل معلوم ولن يوكن كذلك إلا وهو حى قادر على كل شىء ومنه الضرر والنفع والمجازاة على الأقوال والعقائد إن خيرا فخير وإن شرا فشر وفرق بين الوجهين بأن ما على هذا الوجه للتحقير والوصفية على هذا الوجه على معنى العدول إلى المبهم استحقار إلا أن ما للوصف والحال مقررة لذلك وعلى الأول للتحقير المجرد والحال كما علمت فافهم قل ياأهل الكتاب تلوين للخطاب وتوجيه له لفريقى أهل الكتاب بارادة الجنس من المحلى بأل على لسان النبى صلى الله عليه و سلم .
واختار الطبرسى كونه خطابا للنصارى خاصة لأن الكلام معهم ولاتغلوا فى دينكم أى لاتجاوزوا الحد وهو نهى للنصارى عن رفع عيسى E عن رتية الرسالة إلى ماتقولوا فى حقه من العظيمة وكذا عن رفع أمه عن رتبة الصديقية إلى ماانتحلوه لها عليها السلام ونهى لليهود على تقدير دخولهم فى الخطاب عن وضعهم له عليه السلام وكذا لأمه عن الرتبة العلية إلى ماافتروه من الباطل والكلام الشنيع وذكرهم بعنوان أهل الكتاب للايماء إلى أن فى كتابهم ماينهاهم عن الغلو فى دينهم غير الحق نصب على أنه صفة مصدر محذوف أى غلو غير الحق أى باطلا وتوصيفه به للتوكيد فان الغلو لايكون إلا غير الحق على ماقاله الراغب وقال بعض المحققين : إنه للتقييد وماذكره الراغب غير مسلم فان الغلو قد يكون غير حق وقد يكون حقا كالتعمق فى المباحث الكلامية .
وفى الكشاف الغلو فى الدين غلوان : حق وهو أن يفحص عن حقائقه ويفتش عن أباعد معانيه ويجتهد فى تحصيل حججه كما يفعلون المتكلمون من أهل العدل والتوحيد وغلو باطل وهو أن يجاوز الحق ويتخطاه بالاعراض عن الأدلة واتباع الشبه كما يفعله أهل الاهواء والبدع انتهى وقد يناقش فيه على مافيه من الغلو فى التمثيل بأن الغلو المجاوزة عن الحد ولامجاوزة عنه مالم يخرج عن الدين وماذكر ليس خروجا عنه حتى يكون غلوا وجوز أنيكون غير حالا من ضمير الفاعل أى لاتغلوا مجاوزين الحق أو من دينكم أى لاتغلوا فى دينكم حال من كونه باطلا منسوخا ببعثة محمد صلى الله عليه و سلم وقيل : هو على الاستثناء المتصل أو المنقطع ولاتتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وهم أسلافهم وأئمتهم الذين قد ضلوا من الفريقين أمر من النصارى قبل مبعث النبى صلى الله عليه و سلم فى شريعتهم