المنهمكة فى الغى والفساد من الأحكام الحقة والشرائع عصوه وعادوه واعترض رحمة الله تعالى على ماذهب اليه الجمهور من القول بالوصفية بأنه لايسادعه المقام لأن الجملة الخبرية إذا جعلت صفة أو صلة ينسخ مافيها من الحكم ويجعل عنوانا للموصوف وتتمة له ولذا وجب أن تكون معلومة الانتساب له ومن قالوا : إن الصفات قبل العلم بها إخبار والاخبار بعد العلم بها أوصاف ولاريب فى أن ماسيق له النظم إنما هو بيان أنهم جعلوا كل من جاءهم من الرسل عرضة للقتل والتكذيب حسبما يفيده جعلها يفيده جعلها استئنافا على أبلغ وجه وآكده لابيان أنه أرسل اليهم رسلا موصوفين بكون كل منهم كذلك كما هو مقتضى جعلها صفة انتهى .
وتعقبه الشهاب بأنه تخيل لاطائل تحته فان قوله سبحانه : ولقد أخذنا ميثاق بنى إسرائيل الخ مسوق لبيان جناياتهم والنعى عليهم بذلك كما اعترف به المعترض وهو لايفيده إلا بالنظر إلى الصفة التى هى مرمى النظر كما فى سائر القيود وأما كونها معلومة فلا ضير فيه فانك إذا وبخت شخصا وقلت له : فعلت كيت وكيت وهو أعلم بمافعل لايضر ذلك فى تقريعه وتعييره بل هو أقوى كما لايخفى على الخبير بأساليب الكلام فلا تلتفت إلى مثل هذه الأوهام انتهى ولايخفى مافى قوله وهو لايفيده إلا بالنظر إلى الصفة الخ من المنع الظاهر وكذا جعل مانحن فيه نظير قولك لشخص تريد توبيخه فعلت كيت وكيت وهو أعلم بما فعل فيه خفاء والذى يحكم به الانصاف بعد التأمل جواز الأمرين وأن ماذهب اليه شيخ الاسلام أولى فتأمل وانصف .
والتعبير بيقتلون مع أن الظاهر قتلوا ككذبوا لأستحضار الحال الماضية من أسلافهم لللتعجيب منها ولم يقصد ذلك فى التكذيب لمزيد الاهتمام بالقتل وفى ذلك أيضا رعاية الفواصل وعلل بعضهم التعبير بصيغة المضارع فيه بالتنبيه على أن ذلك ديدنهم المستمر فهم بعد يحومون حول قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم واقتصر البعض على قصد حكاية الحال لقرينة ضمائر الغيبة وتقديم فريقا فى الوضعين للاهتمام وتشويق السامع إلى مافعلوا به لا للقصر وحسبوا ألا تكون فتنة أى ظن بنو إسرائيل أن لايصيبهم من الله تعالى بما فعلوا بلاء وعذاب لزعمهم كما قال الزجاج أنهم أبناء الله تعالى وأحباؤه أو لامهال الله تعالى لهم أو لنحو ذلك وعن مقاتل تفسير الفتنة بالشدة والقحط والأولى حملها على العموم وعلى التقديرين ليس المراد منهاالمعروف .
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائى وبعقوب أن لاتكون بالرفع على أن أن هى المخففة من الثقيلة وأصله أنه لاتكون فخفف أن وحذف ضمير الشأن وهو اسمها وتعليق فعل الحسبان بها وهى للتحقيق لتنزيله منزلة العلم لكمال قوته و أن بما حيزها ساد مسد مفعلوليه وقيل : إن حسب هنا بمعنى علم و أن لاتخفف إلابعد ما يفيد اليقين وقيل : إن المفعول الثانى محذوف أى وحسبوا عدم الفتنة كائنا ونقل ذلك عن الأخفش و تكون على كل تقدير تامة وقوله تعالى : فعموا عطف على حسبوا والفاء للدلالة على ترتيب مابعدها على ماقبلها أى أمنوا بأس الله تعالى فتمادوا فى فنون الغى والفساد وعموا عن الدين بعد ماهداهم الرسل إلى معالمه وبينوا لهم مناهجه وصموا عن استماع الحق الذى ألقوه اليهم وهذا إشارة إلى المرة الأولى من مرتى إفساد بنى إسرائيل حين خالفوا أحكام التوراة وركبوا المحارم وقتلوا شعيا وقيل أرميا عليهما السلام ثم تاب الله عليهم حين تابوا ورجعوا عما كانوا عليه