ولا يعلم به أحد سواه إلا فى العقبى حين يعطيه الشفاعة لأمته وقال الواسطى ألقى إلى عبد ماألقى ولم يظهر ماالذى أوحى لأنه خصه سبحانه به صلى الله عليه و سلم وما كان مخصوصا به E كان مستورا ومابعثه الله تعالى إلى الخلق كان ظاهرا قال الطيبى : وإلى هذا ينظر معنى ماروينا فى صحيح البخارى عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه و سلم وعاءين : فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثثته قطع منى هذا البلعوم أراد عنقه وأصل معناه مجرى الطعام وبذلك فسره البخارى ويسمون ذلك علم الأسرار الآلهية وعلم الحقيقة وإلى أشار رئيس العارفين على زين العابدين حيث قال : إنى لأكتم من علمى جواهره كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا وقد تقدم فى هذا أبو حسن إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا فرب جوهر علم لو أبوح به لقيل لى : أنت ممن يعبد الوثنا ولاستحل رجال مسلمون دمى يرون أقبح ما يأتونه حسنا من ذلك علم وحدة الوجود وقد نصوا على أنه طور مارواء طور العقل وقالوا : إنه مما تعلمه الروح بدون واسطة العقل ومن هنا قالوا بالعلم الباطن على معنى أنه باطن بالنسبة إلى أرباب الأفكار وذوى العقول المنغمسين فى أوحال العوائق والعلائق لاالمتجردين العارجين إلى حضائر القدس ورياض الأنوار .
وقد ذكر الشيخ عبد الوهاب الشعرانى روح الله تعالى روحه فى كتابه الدرر المنثورة فى بيان زبد العلوم المشهورة مانصه : وأما زبدة علم التصوف الذى وضع القوم فيه رسائلهم فهو نتيجة العمل بالكتاب والسنة فمن عمل بما علم تكلم كما تكلموا وصار جميع ماقالوه بعض ماعنده لأنه كلما ترقى العبد فى باب الأدب مع الله تعالى دق كلامه على الأفهام حتى قال بعضهم لشيخه : إن كلام أخى فلان يدق على فهمى فقال : لأن لك قميصين وله قميص واحد فهو أعلى مرتبة منك وهذا الذى هو دعاه الفقهاء ونحوهم من أهل الحجاب إلى تسمية علم الصوفية بعلم الباطن وليس ذلك بباطن إذ الباطن إنما هو علم الله تعالى وأما جميع ماعلمه الخلق على اختلاف طبقاتهم فهو من علم الظاهر لأنه ظهر للخلق فاعلم ذلك انتهى .
وقد فهم بعضهم كون المراد تبليغ الأحكام ومايتعلق بها من المصالح دون مايشمل علم الأسرار من قوله سبحانه : ماأزلنا اليك دون ماتعرفنا به اليك وذكر أن علم الأسرار لم يكن منزلا بالوحى بل بطريق الإلهام والمكاشفة وقيل : يفهم ذلك من لفظ الرسالة فان الرسالة مايرسل الى إلغير وقد أطال بعض الوفية قدس الله تعالى أسرارهم الكلام فى هذا المقام والتحقيق عندى أن ماعند النبى صلى الله عليه و سلم من الأسرار الآلهية وغيرها من الأحكام الشرعية قد اشتمل عليه القرآن المنزل فقد قال سبحانه وأنزلنا إليك الكتاب تبيانا لكل شىء وقال تعالى : مافرطنا فى الكتاب من شىء وقال صلى الله عليه و سلم فيما أخرجه الترمذى وغيره : ستكون فتن قيل : وماالمخرج منها قال : كتاب الله تعالى فيه نبأ ماقبلكم وخبر مابعدكم وحكم مافيكم وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن مسعود قال : أنزل فى هذا القرآن كل علم وبين لنا فيه كل شىء ولكن علمنا يقصر عما بين لنا فى القرآن وقال الشافعى رضى الله تعالى عنه : جميع ماحكم به النبى صلى الله عليه و سلم فهو مما فهمه من القرآن ويؤيد ذلك ما رواه الطبرانى فى الأوسط من حديث