أقاموا التوراة بتحقق العلوم الظاهرة والقيام بحقوق تجليات الافعال والمحافظة على أحكامها فى المعاملات والانجيل بتحقق علوم الباطن والقيام بحقوق تجليات الصفات والمحافظة على أحكامها فى المكاشفات ومأنزل اليهم من ربهم من علم المبدأ والمعاد وتوحيد الملك والملكوت من عالم الربوبية الذى هو عالم الاسماء لأكلوا من فوقهم أى لرزقوا من العالم الروحانى العلوم الآلهية والحقائق العقلية والمعارف الحقانية ومن تحت أرجلهم أى من العالم السفلى الجسمانى العلوم الطبيعية والادراكات الحسية وبالأول يهتدون إلى معرفة الله تعالى ومعرفة الملك والجبروت وبالثانى يهتدون إلى معرفة عالم الملك فيعرفون الله تعالى إذا تم لهم الأمر ان باسمه الباطن والظاهر بل بجميع الأسماء والصفات وللطيبى هنا كلام طيب يصلح لهذا الباب فانه قال بعد أن حكى عن البعض أنه قال فى لأكلوا الخ أى لوسع عليهم خير الدارين وقلت : هذا فى حق من عدد سيآ تهم من أهل الكتاب إذا أقاموا مجرد حدود التوراة والانجيل فماظنك بالعارف السالك إذا قمع هوى النفس وانكمش من هذا العالم إلى معالم القدس معتصما بحبل الله تعالى وسنة حبيبه صلى الله عليه و سلم فانه تعالى يفيض على قلبه سجال فضائله وسحائب بركاته فكمن فيه كمون الامطار فى الارض فتظهر ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه .
وفى تعليق الأكل من فوق ومن تحت الأرجل على الأقامة بما ذكر واختصاص من الابتدائية مايلوح إلى معنى قوله E : من عمل بما علم ورثه الله تعالى علم مالم يعلم لأنهم إذا أقاموا العمل بكتاب الله سبحانه استنزل ذلك من فوقهم البركات فاذا استجدوا العمل لتلك البركات المنزلة وقاموا عليها بثبات أقدامهم الراسخة استنزل ذلك لهم من الله D بركات هى أزكى من الأولى فلا يزال العلم والعمل يتناوبان إلى أن ينتهى السالك الى مقام القرب ومنازل العارفين وفى ذكر الأرجل إشارة إلى حصول ثبات القدم ورسوخ العلم وفى اقترانها مع تحت دلالة على مزيد الثبات وأنهم من الراسخين المقتبسين علومهم من مشكاة النبوة دون المتزلزلين الذين أخذوا علومهم من الأوهام ولذا كتب بعض العارفين بهذه الآية إلى الامام ارلاشادا له الى معرفة طريق أهل الله عز شأنه انتهى .
وقد وجه بعض أهل العبارة ممن هو منى فى موضع التاج من الرأس لازال باقيا ذكر الأرجل هنا بأنه للاشارة إلى أن المراد بقوله سبحانه : من تحت أرجلهم الأمور السفلية الحاصلة بالسعى والاكتساب كما أن المراد بقوله تعالى : ومن فوقهم الأمور الحاصلة بمجرد الفيض وحينئذ يقوى الطباق بين المتعاطفين .
ولعلك تستنبط مما ذكره الطيبى غير هذا الوجه مما يوافق أيضا مشرب أهل الظاهر فتدبر منهم أمة مقتصدة قيل : عادلة واصلة إلى توحيد الاسماء والصفات وكثير منهم مايعملون وهم المحجوبون بالكلية الذين لم يصلوا إلى توحيد الأفعال بعد فضلا عن توحيد الصفات والله تعالى الهادى إلى سواء السبيل .
ياأيها الرسول إلى الثقلين كافة وهو نداء تشريف لأن الرسالة منة الله تعالى العظمى وكرامته الكبرى وفى هذا العنوان إيذان أيضا بما يوزجب الاتيان بماأمر به صلى الله عليه و سلم من تبليغ ماأوحى اليه .
بلغ أى أوصل الخلق ماأنزل إليك أى جميع ماأنزل كائنا ماكان من ربك أى مالك أمرك ومبلغك إلى كمالك اللائق بك وفيخه عدة ضمنية بحفظه E وكلاءته أى غير مراقب فى ذلك أحدا ولاخائف أن ينالك مكروه أبدا وإن لم تفعل أى ماأمرت به من تبليغ الجميع