كف عنهم ماكان بسط لهم فعند ذلك قال فنحاص بن عازوراء رأس يهود قينقاع وفى رواية عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما النباش بن قيس يد الله D مغلولة وحيث لم ينكر على القائل الآخرون ورضوا به نسبت تلك العظيمة إلى الكل ولذلك نظائر تقدم كثير منها وأرادوا بذلك لعنهم الله تعالى أنه سبحانه ممسك ماعنده بخيل به تعالى عما يقولون علوا كبيرا فان كلا من غل اليد وبسطها مجاز عن البخل والجود أو كناية عن ذلك وقد استعمل حيث لاتصح يد كقوله : جاد الحمى بسط اليدين بوابل شكرت نداه تلاعه ووهاده ولقد جعلوا للشمال يدا كما فى قوله : أضل صواره وتضيفته نطوف أمرها بيد الشمال وقول العبيد وغداة ريح قد كشفت وقرة إذ أصبحت بيد الشمال زمامها ويقال : بسط اليأس كفيه فى صدر فلان فيججعل لليأس الذى هو من المعانى لامن من الأعيان كفان قال الشاعر : وقد رابنى وهن المنى وانقباضها وبسط جديد اليأس كفيه فى صدرى وقيل : معناه إنه سبحانه فقير كقوله تعالى : لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وقيل : اليد هنا بمعنى النعمة أى ان نعمته مقبوضة عنا وعن الحسن أن المعنى أن يد الله تعالى مكفوفة عن عذابنا فليس يعذبنا إلا بما يبر به قسمه قدر ماعبد آباؤنا العجل وكأنه حمل اليد وعلى القدرة والغل على عدم التعلق .
وقيل : لايبعد أن يقصدوا اليد الجارحة فانهم مجسمة وقد حكى عنهم أنهم زعموا أن ربهم أبيض الرأس واللحية قاعد على كرسى وأنه فرغ من خلق السموات والأرض يوم الجمعة واستلقى على ظهره واضعا إحدى رجليه على الأخرى وإحدى يديه على صدره للاستراحة مما عراه من النصب فى خلق ذلك تعالى الله سبحانه عما يقولون علوا كبيرا والأقوال كلها كما ترى وكل العجب من الحسن رضى الله تعالى عنه من قول ذلك وليته لم يقل غير الحسن ولعل نسبته إليه غير صحيحة والذى تقتضيه البلاغة ويشهد له مساق الكلام القول الأول ولايبعد من قوم قالوا لموسى E اجعل لنا إلها كما لهم آلهة وعبدوا العجل أن يعتقدوا اتصاف الله D بالبخل ويقولوا ماقالوا وقال أبو القاسم البلخى : يجوز أن يكون اليهود قالوا قولا واعتقدوا مذهبا يؤدى معناه إلى أن الله تعالى عز شأنه يبخل فى حال ويجود فى حال آخر فحكى عنهم على وجه التعجب منهم والتكذيب لهم .
واقل آخر : إنهم قالوا ذلك على وجه الهزء حيث لم يوسع سبحانه على النبى صلى الله عليه و سلم وعلى أصحابه ولايخفى أن ماروى فى سبب النزول لايساعد ذلك وقيل : إنهم قالوا ذلك على سبيل الاستفهام والاستغراب والمراد يد الله سبحانه مغلولة عنا حيث قتر المعيشة علينا ولايخفى بعده غعلت أيديهم دعاء عليهم بالبخل المذوم كما قاله الزجاج ودعاؤه بذلك عبارة عن خلقه الشح فى قلوبهم والقبض فى أيديهم ولااستحالة فى ذلك على ماذهب أهل الحق ويجوز أن يكون دعاء عليهم بالفقر والمسكنة وقيل : تغل الأيدى حقيقة يغلةن فى الدنيا أسارى فى الآخرة معذبين فى أغلال جنهم ومناسبة هذا لما قبله حينئذ من حيث