ثانى المثلين وهو كذلك فى بعض مصاحف الامام وقوله تعالى : فسوف يأتى الله جواب من الشرطية الواقعة مبتدأ واختلف فى خبرها فقيل : مجموع الشرط والجزاء وقيل : الجزاء فقط فعلى الأول لايحتاج الجزاء وحده إلى ضمير يربطه وعلى الثانى يحتاج اليه وهو هنا مقدر أى فسوف يأتى الله تعالى مكانهم بعد إهلاكهم بقوم يحبهم محبة تليق بشأنه تعالى على المعنى الذى أراده ويحبونه أى يميلون اليه جل شانه ميلا صادقا فيطيعونه فى امتثال أوامره واجتناب مناهيه وهو معطوف على يحبونه وجوز أن يكون حالا من الضمير المنصوب فيه أى وهم يحبونه وفى الكشاف محبة العباد لربهم طاعته وابتغاء مرضاته وأن لايفعلوا مايوجب سخطه وعقابه ومحبة الله تعالى لعباده أن يثيبهم أحسن الثواب على طاعتهم ويعظمهم ويثنى عليهم ويرضى عنهم وأما مايعتقده أجهل الناس وأعداهم للعلم وأهله وأمقتهم للشرع وأسوأهم طريقة وإن كانت طريقتهم عند أمثالهم من الجهلة والسفهاء شيئا وهم الفرقة المفتعلة المنفعلة من الصوف وما يدينون به من المحبة والعشق والتغنى على كراسيهم خربها الله تعالى وفى مراقصهم عطلها الله تعالى بأبيات الغزل المقولة فى المرد إن الذين يسمونهم شهداء وصعقاتهم النى أين منها صعقة موسى عليه السلام ثم دك الطور فتعالى الله عنه علوا كبيرا ومن كلماتهم كما أنه يحبهم كذلك يحبون ذاته فان الهاء راجعة إلى الذات دون النعوت والصفات ومنها الحب شرطه أن تلحقه سكرات المحبة فاذا لم يكن ذلك لم يكن فيه حقيقة انتهى كلامه .
وقد خلط فيه الغث والسمين فأطلق القول بالقدح الفاحش فى المتصوفة ونسب اليهم مالا يعبأ بمرتكبه ولايعد فى البهائم فضلا عن خواص البشر ولايلزم من تسمى طائفة بهذا الاسم غاصبين له من أهله ثم ارتكابهم مانقل عنهم بل وزيادة أضعاف أضعافه مما نعلمه من هذه الطائفة فى زماننا مما ينافى حال المسمين به حقيقة أن نؤاخذ الصالح بالطالح ونضرب رأس البعض بالبعض فلا تزر وازرة وزر أخرى .
وتحقيق هذا المقام على ما ذكره ابن المنير فى الاتصاف أن لاشك أن تفسير محبة العبد لله تعالى بطاعته له سبحانه على خلاف الظاهر وهو من المجاز الذى يسمى فيه المسبب باسم السبب والمجاز لايعدل اليه عن الحقيقة إلا بعد تعذرها فليمتحن حقيقة المحبة لغة بالقواعد لننظر أهى ثابتة للعبد متعلقة بالله تعالى أم لا فالمحبة لغة الميل المتصف بها إلى أمر ملذ واللذات الباعثة على المحبة منقسمة إلى مدرك بالحسن كلذة الذوق فى المطعوم ولذة النظر فى الصور المستحسنة إلى غير ذلك وإلى لذة مدركة بالعقل كلذة الجاه والرياسة والعلوم ومايجرى مجراها فقد ثبت أن فى اللذات الباعثة على المحبة مالا يدركه إلا العقل دون الحس ثم تتفاوت المحبة ضرورة بحسب تفاوت البواعث عليها فليس اللذة برياسة الإنسان على أهل قرية كلذته بالرياسة على أقاليم معتبرة وإذا تفاوت البواعث فلذات العلوم أيضا متفاوتة بحسب تفاوت المعلومات وليس معلوم أكمل ولاأجل من المعبود الحق فاللذة الحاصلة من معرفته ومعرفة جلاله وكماله تكون أعظم والمحبة المنبعثة عنها تكون أمكن وإذا حصلت هذه المحبة بعثت على الطاعات والموافقات فقد تحصل من ذلك أن محبة العبد لربه سبحانه ممكنة بل واقعة من كل مؤمن فهى من لوازم الايمان وشروطه الناس فيها متفاوتون بحسب تفاوت إيمانهم وإذا كان كذلك وجب تفسير محبة العبد لله D بمعناها الحقيقى لغة وكانت الطاعات والموافقات كالمسبب عنها والمغاير لها ألا ترى الى الأعرابى الذى سأل عن الساعة فقال النبى