وابن مردويه عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال : إنما أنزل الله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون فى اليهود خاصة وأخرج ابن جرير عن أبى صالح قال : الثلاث الآيات التى فى المائدة ومن لم يحكم بما أنزل الخ ليس فى أهل الإسلام منها شىء هى فى الكفار وأخرج ابن أبى حاتم عن عكرمة وابن جرير عن الضحاك نحو ذلك ولعل وصفهم بالأوصاف الثلاث باعتبارات مختلفة فلانكارهم ذلك وصفوا بالكافرين ولو وضعهم الحكم فى غير موضعه وصفوا بالظالمين ولخروجهم عن الحق وصفوا بالفاسقين أو أنهم وصفوا بها باعتبار أطوارهم وأحوالهم المنضمة إلى الامتناع عن الحكم فتارة كانوا على حال تقتضى الكفر وتارة على أخرى تقتضى الظلم أو الفسق وأخرج أبو حميد وغيره عن الشعبى أنه قال : الثلاث الآيات التى فى المائدة أولها لهذه الأمة والثانية فى اليهود والثالثة فى النصارى ويلزم على هذا أن يكون المؤمنون أسوأ حالا من اليهود والنصارى إلا أنه قيل : إن الكفر إذا نسب إلى المؤمنين حمل على التشديد والتغليظ والكافر إذا وصف بالفسق والظلم أشعر بعتوه وتمرده فيه .
ويؤيد ذلك ماأخرجه ابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقى فى سننه عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال فى الكفر الواقع فى أولى الثلاث : إنه ليس بالكفر الذى تذهبون اليه إنه ليس كفرا ينقل عن الملة كفر دون كفر والوجه أن هذا كالخطاب عام لليهود وغيرهم وهو مخرج مخرج التغليظ أو يلتزم أحد الجوابين واختلاف الاوصاف لاختلاف الاعتبارات والمراد من الأخيرين منها الكفر أيضا عند بعض المحققين وذلك بحملهما على الفسق والظلم الكاملين وما أخرجه الحاكم وصححه وعبد الرزاق وابن جرير عن حذيفة رضى الله تعالى عنه أن الآيات الثلاث ذكرت عنده فقال رجل : إن هذا فى بنى إسرائيل فقال حذيفة : نعم الأخوة لكم بنو إسرائيل إن كان لكم كل حلوة ولهم كل مرة كلا والله لتسلكن طريقهم قد الشراك يحتمل أن يكون ذلك ميلا منه إلى القول بالعموم ويحتمل أن يكون كما قيل : ميلا إلى القول بأن ذلك فى المسلمين وروى الأول عن على بن الحسين رضى الله تعالى عنهما إلا أنه قال : كفر ليس كفكر الشرك وفسق ليس كفسق الشرك وظلم ليس كظلم الشرك .
هذا وقد تكلم بعض العارفين على مافى بعض هذه الآيات من الإشارة فقال : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله أى اتقوه سبحانه بتزكية نفوسكم من الأخلاق الذميمة وابتغوا اليه الوسيلة أى واطلبوا اليه تعالى الزلفى بتحليتها بالأخلاق المرضية وجاهدوا فى سبيله بمحو الصفات والفناء فى الذات لعلكم تفلحون أى لكى تفوزوا بالمطلوب وقيل : ابتغاء الوسيلة التقرب اليه بما سبق من إحسانه وعظيم رحمته وهو على حد قوله : أيا جود معن ناج معنا بحاجتى فليس إلى معن سواه شفيع إن الذين كفروا لو أن لهم مافى الارض أى مافى الجهة السفلية جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة الكبرى ماتقبل منهم لأنه سبب زيادة الحجاب والبعد ولاينجع ثمة إلا مافى الجهة العلوية من المعارف والحقائق النورية والسارق والسارقة أى المتناول من الأنفس والمتناولة من القوى النفسانية للشهوات التى حرمت عليها فاقطعوا أيديهما اى امنعوهما بحسم قدرتهما بسيف المجاهدة وسكين الرياضة جزاءا بما كسبا من تناول مالا يحل تناوله لها نكالا أى عقوبة من الله D سماعون للكذب ووساوس شيطان النفس سماعون لقوم آخرين وهم القوى النفسانية لم يأتوك أى ينقادوا لكم