أن الصفة قد تذكر لتعظم فى نفسها ولينوه بها إذا وصف بها عظيم القدر كما تذكر تنويها بقدر موصوفها وعلى هذا الأسلوب جرى وصف الانبياء عليهم السلام بالصلاح فى غير ماآية تنويها بقدار الصلاح إذ جعل صفة للأنبياء عليهم السلام وبعثا لآحاد الناس على الدأب فى تحصيل صفته وكذلك قيل فى قوله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمده ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا فأخبر سبحانه عن الملائكة المقربين بالإيمان تعظيما لقدره وبعثا للبشر على الدخول فيه ليساووا الملائكة المقربين فى هذه الصفة وإلا فمن المعلوم أن الملائكة مؤمنون ليس إلا كيف لا ! اوهم عند ربهم كما فى الخبر ثم جل وعلا : ويستغفرون للذين آمنوا يعنى من البشر لثبوت حق الأخوة فى الايمان بين القبيلتين فلذلك والله تعالى أعلم جرى وصف الأنبياء فى هذه الاية بالاسلام تنويها به ولقد أحسن القائل : أوصاف الأشراف أشراف الأوصاف وحسان الناظم فى مدحه E بقوله : ماأن مدحت محمدا بمقالتى لكن مدحت مقالتى بمحمد والاسلام وإن كان من أشرف الأوصاف إذ حاصله معرفة الله تعالى بما يجب له ويستحيل عليه ويجوز فى حكمه إلا لأن النبوة أشرف وأجل لاشتمالها على عموم الاسلام مع خواص المواهب التى لاتسعها العبارة فلو لم نذهب إلى الفائدة المذكورة فى ذكر الاسلام بعد النبوة لخرجنا عن قانون البلاغة المألوف فى الكتاب العزيز وفى كلام العرب الفصيح وهو الترقى من الأدنى إلى الأعلى لا النزول على العكس ألا ترى أن أبا الطيب كيف تزحزح عن هذا المهيع فى قوله : شمس ضحاها هلال ليلتها در مقاصيرها زبر جدها فنزل عن الشمس إلى الهلال وعن الدر إلى الزبر جد فمضغت الالسن عرض بلاغته ومزقت أديم صنعته فعلينا أن نتدبر الآيات المعجزات حتى يتعلق فهمنا بأهداب علوها فى البلاغة المعهودة لها والله تعالى الموفق للصواب انتهى .
وفى المفتاح : والتخليص إشارة إلى ماذكره وإيراد الطيبى عليه ماأورده غير طيب نعم قد يقال : إن القائل بكونها مادحة لمن جرت عليه نفسه قد يدعى أن ذلك مما لابأس به إذا قصد مع المدح فوائد أخر كالتنويه بعلو مرتبة المسلمين هنا والتعريض اليهود بأنهم بمعزل عن الاسلام على أنه قدر ورد فى الفصيح بل فى الأفصح ذكر غير الأبلغ من الصفات ومن ذلك الرحمن الرحيم حيث كان متضمنا نكتة وقال عصام الملة : إن الاسلام للنبى كمال المدح لأن الانقياد من المقتدى للخلائق التى لاتحصى وصف لاوصف فوقه ويمكن أن يكون الوصف به هنا إشعارا بمنشأ الحكم ليحافظ عليه الأمة ولايخرم ولا يتوهم أن الحكم للنبوة فغير النبى صلى الله عليه وسلّم خارج عن هذا المسلك انتهى وفيه تأمل إذ للترقى من الادنى إلى الأعلى لم يظهر بعد ونهاية الأمر الرجوع إلى نحو ماتقدم فافهم للذين هادوا أى تابوا من الكفر كما قاله ابن عباس رضى الله تعالى عنه والمراد بهم اليهود كما قال الحسن والجار إما متعلق بيحكم أى يحكمون فيما بينهم واللام إما لبيان اختصاص الحكم بهم أعم من أن يكون لهم أو عليهم كأنه قيل : لأجل الذين هادوا وإما للايذان بنفعه للمحكوم عليه أيضا باسقاط التبعة عنه وإما للإشعار بكمال رضاهم به وانقيادهم له كأنه أمر نافع لكلا الفريقين ففيه تعريض بالمحرفين وقيل : من باب سرابيل