هذا أن النصب على وجه واحد وهو بناء الاسم على فعل الأمر والرفع على وجهين : أحدهما ضعيف وهو الابتداء وبناء الكلام على الفعل والآخر قوى بالغ كوجه النصب وهو رفعه على خبر ابتداء محذوف دل عليه السياق وإذا تعارض لنا وجهان فى الرفع أحدهما قوى والآخر ضعيف تعين حمل القراءة على القوى كما أعربه سيبويه C تعالى ورضى عنه انتهى .
والفاء إذا بنى الكلام على جملتين سببية لاعاطفة وقيل : زائدة وكذا على الوجه الضعيف فان المبتدأ متضمن معنى الشرط إذ المعنى والذى سرق والتى سرقت وزعم بعض المحققين أن مثل هذا التركيب لايتوجه إلا بأحد أمرين : زيادة الفاء كما نقل عن الأخفش أو تقدير إما لأن دخول الفاء فى خبر المبتدأ إما لتضمنه معنى الشرط وإما لوقوع المبتدأ بعد أما ولما لم يكن الأول وجب الثانى ولايخفى مافيه وعلى قراءة عيسى ابن عمر يكون النصب على إضمار فعل يفسره الظاهر والفاء أيضا كما قال ابن جنى لما فى الكلام من معنى الشرط ولذا حسنت مع الأمر لأنه بمعناه ألا تراه جزم جوابه لذلك إذ معنى أسلم تدخل الجنة إن تسلم تدخل الجنة والمراد كما يشير اليه بعض شروح الكشاف إن أردتم حكم السارق والسارقة فاقطعوا الخ ولذا لم يجز زيدا فضربته لأن الفاء لاتدخل فى جواب الشرط إذا كان ماضيا وتقديره إن أردتم معرفة الخ أحسن من تقديره إن قطعتم لأنه لايدل على الوجوب المراد وقال أبو حيان : إن الفاء فى جواب أمر مقدر أى تنبه لحكمهما فاقطعوا وقيل : إنما دخلت الفاء لأن حق المفسر أن يذكر عقب المفسر كالتفصيل بعد الاجمال فى قوله تعالى : فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم وليس بشىء وبما ذكر صاحب الانتصاف يعلم فساد ماقيل : إن سبب الخلاف السابق فى مثل هذا التركيب أن سيبويه والخليل يشترطان فى دخول الفاء الخبر كون المبتدأ موصولا بما يقبل مباشرة أداة الشرط وغيرهما لايشترط ذلك والظاهر أن سبب هذا عدم الوقوف على المقصود فليحفظ والسرقة أخذ مال الغير خفية وإنما توجب القطع إذا كان الأخذ من حرز والمأخوذ يساوى عشرة دراهم فما فوقها مع شروط تكلفت ببيانها الفروع ومذهب الشافعى والاوزاعى وأبى ثور والامامية رضى الله تعالى عنهم أن القطع فيما يساوى ربع دينار فصاعدا وقال بعضهم : لاتقطع الخمس إلا بخمسة دراهم واختاره أبو على الجبائى قيل : يجب القطع فى القليل والكثير واليه ذهب الخوارج والمراد بالأيدى الأيمان كما روى عن ابن عباس والحسن والسدى وعامة التابعين رضوان الله عليهم أجمعين ويؤيده قراءة ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أيمانهما ولذلك ساغ وضع الجمع موضع المثنى كما فى قوله : فقد صغت قلوبكما اكتفاءا بتثنية المضاف اليه كذا قالوا قال الزجاج : وحقيقة هذا الباب أن ماكان فى الشىء منه واحد لم يئن ولفظ به على الجمع لأن الإضافة تبينه فاذا قلت : أشبعت بطونهما علم أن للاثنين بطنين فقط .
وفرع الطيبى عليه عدم استقامة تشبيه مافى الآية بما فى الآية الأخرى لأن لكل من السارق يدين فيجوز الجمع وأن تقطع الأيدى كلها من حيث ظاهر اللغة وكذا قال أبو حيان وفيه نظر لأن الدليل قد دل على أن المراد من اليد يد مخصوصة وهى اليمين فجرت مجرى القلب والظهر واليد اسم لتمام العضو ولذلك ذهب الخوارج إلى أن المقطع هو المنكب والإمامية على أنه يقطع من أصول الأصابع ويترك له الابهام والكف وروره عن على كرم الله تعالى وجهه استدلوا عليه أيضا قوله تعالى : فويل الذين يكتبون الكتاب بأيديهم إذ لاشك فى أنهم إنما يكتبونه بالاصابع وأن تعلم لأن هذا لايتم به الاستدلال على ذلك المدعى وحال روايتهم