لأقتلنك أى والله تعالى لأقتلنك بالنون المشددة وقرىء بالمخففة قال استئناف كالذى قبله أى قال الذى تقبل قربانه لما رأى حسد أخيه إنما يتقبل الله أى القربان والطاعة من المتقين .
27 .
- فى ذلك باخلاص النية فيه لله تعالى لا من غيرهم وليس المراد من التقوى التقوى من الشرك التى هى أول المراتب كما قيل ومراده من هذا الجواب إنك إنما أتيت من قبل نفسك لانسلاخها عن لباس التقوى لامن قبلى فلم تقتلنى ومالك لاتعاتب نفسك ولاتحملها على تقوى الله تعالى التى هى السبب فى القبول ! وهو جواب حكيم مختصر جامع لمعان .
وفيه إشارة إلى أن الحاسد ينبغى أن يرى حرمانه من تقصيره ويجتهد فى تحصيل مابه صار المحسود محظوظا لا فى إزالة حظه ونعمته فان اجتهاده فيما ذكر يضره ولاينفعه وقيل : مراده الكناية عن أنه لايمتنع عن حكم الله تعالى بوعيده لأنه متق والمتقى يؤثر الامتثال على الحياة أو الكناية عن أنه لايقتله دفعا لقتله لأنه متق فيكون ذلك كالتوطئة لما بعده ولايخفى بعده وماأنعى هذه الآية على العاملين أعمالهم وعن عامر بن عبد الله أنه بكى حين حضرته الوفاة فقيل له : مايبكيك فقد كنت وكنت قال : إنى أسمع الله تعالى يقول : إنما يتقبل الله من المتقين لئن بسطت إلى يدك لتقتلنى ما أنا بباسط يدى إليك لاقتلك قيل كان هابيل أقوى منه ولكن تحرج عن قتله واستسلم له خوفا من الله تعالى لأن المدافعة لم تكن جائزة فى ذلك الوقت وفى تلك الشريعة كما روى مجاهد وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : كانت بنو إسرائيل قد كتب عليهم إذا الرجل بسط يده إلى الرجل لايمتنع منه حتى يقتله أو يدعه أو تحريا لما هو الأفضل الأكثر ثوابا وهو كونه مقتولا لا قاتلا بالدفع عن نفسه بناءا على جوازه إذ ذاك قال بعض المحققين : وأختلف فى هذا الآن على مابسطه الامام الجصاص فالصحيح من المذهب أنه يلزم الرجل دفع الفساد عن نفسه وغيره وإن أدى إلى القتل ولذا قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وغيره : إن المعنى فى الآية لئن بسطت إلى يدك على سبيل الظلم والابتداء لتقتلنى ماأنا بباسط يدى اليك على وجه الظلم والابتداء وتكون الآية على ماقاله مجاهد وابن جريج : منسوخة وهل نسخت قبل شريعتنا أم لا فيه كلام والدليل عليه قوله تعالى : فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء وغيره من الآيات والأحاديث وقيل إنه لايلزم ذلك بل يجوز واستدل بما أخرجه ابن سعد فى الطبقات عن خباب بن الارت عنه صلى الله عليه وسلّم أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشى والماشى فيها خبر الساعى فان أدركت ذلك فكن عبد الله المقتول ولاتكن عبد الله القاتل وأدلوه بترك القتال فى الفتنة واجتنابها وأول الحديث يدل عليه وأما من منع ذلك الآن مستدلا بحديث إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار فقد رد بأن المراد به أن يكون كل منهما عزم على قتل أخيه وإن لم يقاتله وتقابلا بهذا القصد انتهى بزيادة .
وعن السيد المرتضى أن الآية ليست من محل النزاع لأن اللام الداخلة على فعل القتل لام كى وهى منبئة عن الارادة والغرض ولاشبهة فى قبح ذلك أولا وآخرا لأن الدافع إنما يحسن منه المدافعة للظالم طلبا للتخلص من غير أن يقصد إلى قتله فكأنه قال له : لئن ظلمتنى لم أظلمك وإنما قال سبحانه : ماأنا بباسط يدى فى جواب لئن بسطت للمبالغة فى أنه ليس من شأنه ذلك ولا ممن يتصف به ولذلك أكد النفى