واختار منهم النقباء وسار بهم فلما دنا من أرض كنعان بعث النقباء يتجسون الاخبار ونهاهم أن يحدثوا قومهم فرأوا أجزاما عظاما وبأسا شديدا فهابوا فرجعوا وحدثوا قومهم إلا كالب بن يوقنا من سبط يهوذا ويوشع ابن نون من سبط إفرائيم بن يوسف عليه السلام وعند ذلك بنو إسرائيل لموسى عليه السلام : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد أن النقباء لما دخلوا على الجبارين وجدوهم يدخل فى كم أحدهم اثنان منهم ولايحمل عنقود عنبهم إلا خمس أنفس بينهم فى خشبة ويدخل فى شطر الزمانة إذا نزع حبها خمس أنفس أو أربع وذكر البغوى أنه لقيهم رجل من أولئك يقال له : عوج بن عنق وكان طوله ثلاثة آلاف وثلثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلث ذراعا وكان يحتجز بالسحاب ويشرب منه ويتناول الحوت من قرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه اليها ثم يأكله ويروى أن الماء طبق ما على الأرض من جبل وماجاوز ركبتى عوج وعاش ثلاثة آلاف سنة حتى أهلكه الله تعالى على يد موسى عليه السلام وذلك أنه جاء وقور صخرة من الجبل على قدر عسكر موسى عليه السلام وكان فرسخا فى فرسخ وحملها عليهم فبعث الله تعالى الهدهد فقور الصخرة بمنقاره فوقعت فى عنقه فصرعه فأقبل موس عليه السلام وهو مصروع فقتله وكانت أمه عنق إحدى بنات آدم عليه السلام وكان مجلسها جريبا من الأرض فلما لقوا عوجا وعلى رأسه حزمة حطب أخذهم جميعا وجعلهم فى حزمته وانطلق بهم إلى امرأته وقال : انظرى إلى هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون قتالنا وطرحهم بين يديها وقال : ألا أطحنهم برجلى فقالت امرأته : لابل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ففعل انتهى .
وأقول : قدشاع أمر عوج عند العامة ونقلوا فيه حكايات شنيعة وفى فتاوى العلامة ابن حجر قال الحافظ العماد بن كثير : قصة عوج وجميع مايحكون عنه هذيان لاأصل له وهو من مختلقات أهل الكتاب ولم يكن قط على عهد نوح عليه السلام ولم يسلم من الكفار أحد وقال ابن القيم من الأمور التى يعرف بها كون الحديث موضوعا أن يكون مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه كحديث عوج الطويل وليس العجب من جرأة وضع هذا الحديث وكذب على الله تعالى إنما العجب ممن يدخل هذا الحديث فى كتب العلم من التفسير وغيره ولايبين أمره ثم قال : ولاريب فى أن هذا وأمثاله من وضع زنادقة أهل الكتاب الذين قصدوا الاستهزاء والسخرية بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام وأتباعهم انتهى .
وأورد بن المنذر عن ابن عمر رضى من قصته شيئا عجيبا وتعقبه بعض المصنفين بأن هذا مما يستحى الشخص من نسبته إلى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما ومشى صاحب القاموس على أن أخباره موضوعة وأخرج الطبرانى وأبو الشيخ وابن حبان فى كتاب العظمة فيه آثارا قال الحفاظ فى أطلولها المشتمل على غرائب من أحواله : إنه باطل كذب وقال الحافظ السيوطى : والأقرب فى خبر عوج أنه من بقية عاد وأنه كان له طول فى الجملة مائة ذراع أو شبه ذلك وأن موسى E قتله بعصاه وهذا هو القدر الذى يحتمل قبوله انتهى ونعم ماقال فان بقاءه فى الطوفان مع كفره الظاهر إذ لم ينقل إيمانه ودعوة نوح عليه السلام التى عمت الأرض مما لايكاد يقبله المنصف وكذا بقاؤه بعد الطوفان مع قوله تعالى : وجعلنا ذريته هم الباقين مما لايسوغه العارف وشيه الحوت بعين الشمس مما لايكاد يعقل على ماذكره الحكماء فقد ذكر الخلخالى أنهم ذهبوا إلى أن الشمس ليست حارة وإلا لكان قلل الجبال أحر من الوهاد لقرب القلل