أى ان الجسد الذى صار بالتسمية كلمة حل فينا وعنى بذلك الجسد عيسى عليه السلام ويحتمل أنه أشارك بذلك إلى بطرس كبير التلاميذ ووصى المسيح فانه أقام بعده عليه السلام بتدبير دينه وكانت النصارى تفزع اليه على ماتشهد به كتبهم فكأنه يقول : إن ذهبت الكلمة أى عيسى الذى سماه الله تعالى بذلك من بيننا فانها لم تذهب حتى صارت جسدا وحل فينا يريد أن تدبيرها حاضر فى جسد بيننا وهو بطرس .
ومن الناس من خرج بكلامه على إسقاط همزة الانكار عند إخراجه من العبرانى إلى اللسان العربى والمراد أصارت وفيه بعد ومن العجب العجيب أن يوحنا ذكر أن المسيح قال لتلاميذه : ان لم تأكلوا جسدى وتشربوا دمى فلاحياة لكم بعدى لأن جسدى مأكل حق ودمى مشرب حق ومن يأكل جسدى ويشرب دمى يثبت فى وأثبت فيه فلما سمع تلاميذه هذه الكلمة قالوا : ماأصعبها من يطيق سماعها فرجع كثير منهم عن صحبته فان هذا مع قوله : إن الله سبحانه هو الكلمة والكلمة هوصارت جسدا فى غاية الاشكال إذ فيه أمر الحادث بأكل الله تعالى القديم الأزلى وشربه والحق أن شيئا من الكلامين لم يثبت فلا نتحمل مؤنة التأويل .
واما قولهم : إن اللاهوت ظهر بالناسوت فصار هو هو فإما أن يريدوا به أن اللاهوت صار عين الناسوت كما يصرح به قولهم : صار هو هو فيرجع إلى تجويز انقلاب الحقائق وهو محال كما علمت وإما أن يريدوا به أن اللاهوت اتصف بالناسوت فهو أيضا محال لما ثبت من امتناع حلول الحادث بالقديم أو أن الناسوت اتصف باللاهوت وهو أيضا محال لامتناع حلول القديم بالحادث وأما من قال منهم : بأن جوهر الإله القديم وجوهر الانسان المحدث تركبا وصار جوهرا واحدا هو المسيح فباطل من وجهين : الأول ماذكر من إبطال الاتحاد الثانى أنه ليس جعل الناسوت لاهوتا بتركبه مع اللاهوت أولى من جعل اللاهوت ناسوتا من جهة تركبه مع الناسوت ولم يقولوا به وأما جوهر الفحمة إذا ألقيت فى النار فلانسلم أنه صار بعينه جوهر النار بل صار مجاورا لجوهر النار وغايته أن بعض صفات جوهر الفحمة وأعراضها بكلت بمجاورة جوهر النار أما إن جوهر أحدهما صار جوهر الآخر فلا .
وأما قولهم : إن الاتحاد بالناسوت الجزئى دون الكلى فمحال لأدلة إبطال الاتحاد وحلول القديم بالحادث وبذلك يبطل قولهم : إن مريم ولدت إلها وقولهم : القتل وقع على اللاهوت والناسوت معا على أنه يوجب موت الإله وهو بديهى البطلان وأما قول من قال : إن المسيح مع اتحاد جوهره قديم من وجه محدث من وجه فباطل لأنه إذا كان جوهر المسيح متحدا لاكثرة فيه فالحدوث إما أن يكون لعين ماقيل بقدمه أو لغيره فان كان الأول فهو محال وإلا لكان الشىء الواحد قديما لاأول له حادثا له أول وهو متناقض وإن كان الثانى فهو خلاف المفروض وأما قول من قال : إن الكلمة مرت بمريم كمرور الماء فى الميزاب فيلزم منه انتقال الكلمة وهو كما لايخفى وبه يبطل قول من قال : إن الكلمة وهو ممتنع كما لايخفى وبه يبطل قول من قال : إن الكلمة كانت تدخل جسد المسيح تارة وتفارقه أخرى وقولهم : إن ماظهر من صورة المسيح فى الناسوت لم يكن جسما بل خيالا كالصورة المرئية فى المرآة باطل لأن من أصلهم أن المسيح إنما أحيا الميت وأبرأ الاكمه والابرص بما فيه من اللاهوت فاذا كان ماظهر فيه من اللاهوت لاحقية له بل هو خيال محض لايصلح لحدوث ماحدث عن الإله عنه والقول : بأن أقنوم الحياة مخلوق حادث ليس كذلك لقيام الأدلة على قدم الصفات فهو قديم أزلى كيف وأنه لو كان حادثا لكان الإله قبله غير حى ومن ليس بحى لايكون عالما ولاناطقا وقول من قال : إ ن المسيح مخلوق قبل العالم وهو خالق لكل