فيه بأنفسهم وبالقاعدين أيضا قسمى القاعد ويكون المراد نفى المساواة بين كل قسم من القاعد ومقابله بعيد جدا واحتج بها كماقال ابن الغرس : من فضل الغنى على الفقر بناءا على أنه سبحانه فضل المجاهد بماله على المجاهد بغير ماله ولاشك أن الدرجة الزائدة من الفضل للمجاهد بماله إنما هى من جهة المال واستدلوا بها أيضا على تفضيل المجاهد بمال نفسه على المجاهد بمال يعطاه من الديوان ونحوه وكان الله غفورا رحميا تذييل مقرر لما وعد سبحانه من قبل إن الذين توفاهم الملائكة بيان لحال القاعدين عن الهجرة إثر بيان القاعدين عن الجهاد أو بيان الحال القاعين عن نصرة رسول الله صلى الله عليه و سلم والجهاد معه من المنافقين عقب بيان حال القاعدين من المؤمنين و توفاهم يحتمل أن يكون ماضيا وتركت علامة التأنيث للفصل ولأن الفاعل غير الؤنث حقيقى ويحتمل أن يكون مضارعا وأصله تتوفاهم فحذفت إحدى التاءين تخفيفا وهو لحكاية الحال الماضية ويؤيد الاول قراءة من قراءة من قرأ توفتهم والثانى قراءة إبراهيم توفاهم بضم التاء على أنه مضارع وفيت بمعنى أن الله تعالى يوفى الملائكة أنفسهم فيتوفونها أى يمكنهم من استيفائها فيستوفنها وإلى ذلك أشار ابن جنى والمراد من التوفى قبض الروح وهو الظاهر الذي ذهب اليه ابن عباس رضى الله تعالى عنه .
وعن الحسن أن المراد به الحشر إلى النار والمراد من الملائكة ملك الموت وأعوانه وهم كما فى البحر ستة : ثلاثة لأرواح المؤمنين وثلاثة لأرواح الكافرين وعن الجمهور أن المراد بهم ملك الموت فقط وهو من إطلاق الجمع مرادا به الواحد تفخيما له وتعظيما لشأنه ولايخفى أن اطلاق الجمع على الواحد لايخلو عن بعد والتحقيق أنه لامانع من نسبة التوفى إلى الله تعالى وإلى ملك الموت وإلى أعوانه والوجه فى ذلك أن الله تعالى هو الآمر هو الفاعل الحقيقى والاعوان هم المزاولون لإخراج الروح من نحو العروق والشرايين والعصب والقاطعون لتعلقها بذلك والملك هو القابض المباشر لأخذها بعد تهيئتها وفى القرآن الله يتوفى الأنفس ويتوفاكم ملك الموت الذى وكل بكم وتوفته رسلنا ومثله توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم بترك الهجرة واختيار مجاورة الكفار الموجبة للاخلال بأمور الدين أو بنفاقهم وتقاعدهم عن نصرة رسول الله صلى الله عليه و سلم واعانتهم الكفرة فقد أخرج الطبرانى عن ابن عباس أنه كان قوم بمكة قد أسلموا فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم كرهوا أن يهاجروا وخافوا فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية وأخرج ابن جرير عن الضحاك إن هؤلاء أناس من المنافقين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة فلم يخرجوا معه إلى المدينة وخرجوا مع مشركى قريش إلى بدر فأصيبوا فيمن أصيب فأنزل الله فيهم هذه الآية وروى عن عكرمة أن الآية نزلت في قيس بن الفاكه بن المغيرة والحرث بن زمعة بن الأسود وقيس بن لوليدة بن المغيرة وأبى العاص بن منبه الحجاج وعلى بن أمية بن خلف كانوا قد أسلموا واجتمعوا ببدر مع المشركين من قريش فقتلوا هناك كفارا ورواه أبو الجارود عن أبى جعفر رضى الله تعالى عنه و ظالمى منصوب على الحالية من ضمير المفعول فى توفاهم واضافته لفظية فلا تفيده تعريفا والأصل ظالمين أنفسهم قالوا أى الملائكة عليم السلام للمتوفين توبيخا لهم بتقصيرهم فى إظهار إسلامهم وإقامة أحكامه وشعائره أو قالوا تقريعا لهم وتوبيخا بما كانوا فيه من مساعدة الكفرة وتكثير سوادهم وانتظامهم فى عسكرهم وتقاعدهم عن نصرة رسول الله صلى الله عليه و سلم فيم كنتم أى فى أي شىء كنتم من أمور دينكم وحذفت ألف ما الاستفهامية المجرورة وفاءا بالقاعدة وتكتب متصلة تنزيلا لها مع ماقبلها منزلة الكلمة الواحدة ولهذا تكتب إلى وعلى وحتى