ولا يخفى مافى الابهام والتفسير من العطف وأما ماقيل من إفراد الدرجة أولا لأن المراد هناك تفضيل كل مجاهد والجمع ثانيا لأن المراد فيه تفضيل الجمع ففى الدرجات مقابلة الجمع بالجمع فلكل مجاهد درجة ومآل العبارتين واحد والاختلاف تفنن فمن الكلام الملفوظ لامن اللوح المحفوظ واما للاختلاف بالذات بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات وفى هذا رغب الراغب واستطيبه الطبى على أن المراد بالتفضيل الأول ماخولهم الله تعالى عاجلا فى الدنيا من الغنيمة والظفر والذكر الجميل الحقيقى بكونه درجة واحدة وبالتفضيل الثانى ماادخره سبحانه لهم ما الدرجات العاية والمنازل الرفيعة المتعالية عن الحصر كما ينبىء عنه تقديم الأول وتأخير الثانى وتوسيط الوعد بالجنة بينهما كأنه قيل : فضلهم فى الدنيا درجة واحدة وفى الأخرى درجات لاتحصى وقد وسط بينهما فى الذكر ماهو متوسط بينهما فى الوجود أعنى الوعد بالجنة توضيحا لحالهما ومسارعة الى تسلية المضول كذا قرره الفاضل مولانا شيخ الاسلام وقيل : المراد من التفضيل الأول رضوان الله تعالى ونعيمه الروحانى ومن التفضيل الثانى نعيم الجنة المحسوس وفيه أن عطف المغفرة والرحمة يبعد هذا التخصيص وقيل : المراد من المجاهدين الأولين من جاهد الكفار ومن المجاهدين الآخرين من جاهد نفسه وزيد لهم فى الأجر لمزيد فضلهم كما يدل عليه قوله E : رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر وفيه أن السياق وسبب النزول يأبيان ذلك والحديث الذى ذكره لاأصل له كما قال المحدثون .
وقيل المراد من القاعدين فى الأول الأضراء وفى الثاني غيرهم كما قال ابن جريج وأخرجه عنه ابن جرير وفيه من تفكيك النظم ما لايخفى .
بقى أن الآية لاتدل نصا على حكم أولى الضرر بناءا على التفسير المقبول عندنا نعم فى بعض الأحاديث مايؤذن بمساواتهم للمجاهدين فقد صح من حديث أنس رضى الله تعالى عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم لما رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة قال : إن فى المدينة لأقواما ماسرتم من سير ولاقطعتم من واد إلا كانوا معكم فيه قالوا : يارسول الله وهم بالمدينة قال : نعم وهم بالمدينة حبسهم العذر وعليه دلالة مفهوم الصفة والاستثناء فى غير أولى الضرر وعن الزجاج أنه قال : الا أولوا الضرر فانهم يساوون المجاهدين وعن بعضهم إن هذه المساواة مشروطة بشريطة أخرى غير الضرر قد ذكرت فى قوله تعالى : ليس على الضعفاء ولا على المرضى الى قوله سبحانه : إذا نصحوا لله ورسوله والذي يشهد له النقل والعقل أن الأضراء أفضل من غيرهم درجة كما أنهم دون االمجاهدين فى الدرجة الدنيوية وأما انهم مساوون لهم فى الدرجة الأخروية فلا قطع به والآية على ماقاله ابن جريج تدل على أنهم دونهم فى ذلك أيضا .
وقد أخرج ابن المنذر من طريق ثابت عن عبد الرحمن بن أبى ليلى أن ابن أم مكتوم كان بعد نزول الآية يغزو ويقول : ادفعوا الى اللواء وأقيمونى بين الصفين فانى لن أفر وأخرج ابن منصور عن أنس بن مالك أنه قال : لقد رأيت ابن أم مكتوم بعد ذلك فى بعض مشاهد المسلمين ومعه اللواء ويعلم من نفى المساواة فى صدر الآية المستلزم للتفضيل المصرح به بعد بين المجاهد بالمال والنفس والقاعد نفيها بين المجاهد بأحدهما والقاعد واحتمال أن يراد من الآية نفى المساواة بين القاعد عن الجهاد بالمال بالنفس والمجاهد بها بأن يكون المراد بالمجاهدين فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم المجاهدين فيه بأموالهم والمجاهدين