فى نسبة الكفر اليهم على أنه مخلوق لهم استقلالا لادخل لله تعالى فيه لتكون هذه الآية دليلا على صرف ماتقدم عن ظاهره كما زعمه ابن خرب لأن أفعال العباد لها نسبة الى الله تعالى باعتبار الخلق ونسبة الى العباد باعتبار الكسب بالمعنى الذي حققناه فيما تقدم وقوله تعالى : فتكونون سواء عطف على لةوتكفرون داخل معه في حكم التمني أى ودوا لو تكفرون فتكونون مستوين فى الكفر والضلال وجوز أن تكون كلمة لو على بابها وجوابها محذوف كمفعول ود أى ودوا كفركم تكفرون كما كفروا فتكونون سواء لسروا بذلك فلا تتخذوا منهم أولياء الفاء فصيحة وجمع أولياء مراعاة لجمع المخاطبين فان المراد نهى كل من المخاطبين عن اتخاذ كل من المنافقين وليا أى إذا كان حالهم ماذكر من الودادة فلا توالوهم .
حتى يهاجروا في سبيل الله أى حتى يؤمنوا وتحققوا إيمانهم بهجرة هى لله تعالى ورسوله صلى الله عليه و سلم لالغرض من أغراض الدنيا وأصل السبيل الطريق واستعمل كثيرا فى الطريق الموصلة اليه تعالى وهي امتثال الأوامر واجتناب النواهى والآية ظاهرة فى وجوب الهجرة .
وقد نص في التيسير على أنها كانت فرضا فى صدر الاسلام وللهجرة ثلاث استعمالات : أحدها الخروج من دار الكفر إلى دار الاسلام وهو الاستعمال المشهور وثانيها ترك المنهيات وثالثها الخروج الى القتال وعليه حمل الهجرة من قال : ان الآية نزلت فيمن رجع يوم أحد على ماحكاه خبر الشيخين وجزم به فى الخازن فإن تولوا أي أعرضوا عن الهجرة في سبيل الله تعالى كما قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فخذوهم إذا قدرتم عليه وأقتلوهم حيث وجدتموهم من الحل والحرم فان حكمهم حكم سائر المشركين أسرا وقتلا وقيل : المراد القتل لاغير إلا أن الامر بالأخذ على القتل عادة .
ولاتتخذوا منهم وليا ولانصيرا أى جانبوهم مجانبة كلية ولاتقبلوا منهم ولاية ولانصرة أبدا كما يشعر بذلك المضارع الدال على الاستمرار أو التكرير المفيد للتأكيد الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق استثناء من الضمير فى قوله سبحانه : فخذوهم واقتلوهم أى الا الذين يصلون وينتهون الى قوم عاهدوكم ولم يحاربوكم وهم بن مدلج .
أخرج ابن أبى شيبة وغيره عن الحسن أن سراقة بن مالك المدلجى حدثهم قال : لما ظهر رسول الله صلى الله عليه و سلم على أهل بدر وأحد وأسلم من حولهم قال سراقة : بلغنى أنه E يريد أن يبعث خالد بن الوليد الى قومى من بنى مدلج فأتيته فقلت : أنشدك النعمة فقالوا : مه فقال : دعوه ماتريد قلت : بلغني أنك تريد أن تبعث الى قومى وأنا أريد أن تواعدهم فان أسلموا قومك أسلموا ودخلوا فى الاسلام وإن لم يسلموا لم تخشى بقلوب قومك عليهم فأخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيد خالد فقال : اذهب معه فافعل مايريد فصالحهم خالد على أن لايعينوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم وان أسلمت قريش أسلموا معهم ومن وصل اليهم من الناس كانوا على مثل عهدهم فأنزل الله تعالى ودوا حتى بلغ إلا الذين يصلون فكان من وصل اليهم كانوا معهم على عهدهم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن الآية نزلت فى هلال بن عويمر الألسلمي وسراقة بن مالك المدلجى وفى بنى جذيمة بن عامر