البعض لما فيه من التكلف وذهب بعضهم للتخلص من الايراد الى الاستثتاء من قوله تعالى : أذاعوا به وروى عن ذلك ابن عباس وهو اختيار المبرد والكسائى والفراء والبلخى والطبرى واتخذ القاضى أبو بكر الآية دليلا في الرد على من جزم بعود الاستثناء عند تعدد الجمل الى الأخيرة .
وعن بعض أهل اللغة أن الاستثناء من قوله سبحانه : لوجدوا فيه اختلافا كثيرا وعن أكثرهم أنه من قوله تعالى لعلمه الذين يستنبطونه واعترضه الفراء والمبرد بأن مايعلم بالاستنباط فالأقل يعلمه والأكثر يجهله وصرف الاستثناء الى ماذكروه يقتضى ضد ذلك وتعقب ذلك الزجاج بانه غلط لأنه لايراد بهذا الاستنباط مايستخرج بنظر دقيق وفكر غامض انما هو استنباط خبر وإذا كان ذلك فالأكثرون يعرفونه ولايجهله الا البالغ في البلادة وفيه نظر وبعضهم الى جعل الاستثناء مفرغا من المصدر فما بعد إلا منصوب على أنه مفعول مطلق أى لاتبعتموه كل اتباع إلا اتباعا قليلا بأن تبقوا على إجراء الكفر وآثاره إلا البقاء القليل النادر بالنسبة إلى البعض وذلك قد يكون بمجرد الطبع والعادة وأحسن الوجوه وأقربها الى التحقيق عند الإمام ماذكره أبو مسلم وأيد التخصيص فيما ذهب اليه الانبارى بأن قوله تعالى : ومن يطع الرسول الخ وقوله سبحانه : أفلا يتدبرون القرآن يشهدان له وفى الذى بعده بأن قوله D : وإذا جاءهم أمر من الأمن أوالخوف الخ وقوله جلا وعلا فقاتل في سبيل الله لاتكلف إلا نفسك يشهد له وأنت تعلم أن قرينة التخصيص بهما غير ظاهرة والفاء في هذه الآية واقعة في جواب شرط محذوف ينساق اليه نظم الكريم أى اذا كان الأمر كما حكى من عدم طاعة المنافقين وتقصير الآخرين في مراعاة أحكام الاسلام فقاتل أنت وحدك غير مكترث بما فعلوا .
ونقل الطبرسى فى اتصال الآية قولين : أحدهما أنها متصلة بقوله تعالى : ومن يقاتل فى سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما والمعنى فأن أردت الأجر العظيم فقاتل ونقل عن الزجاج وثانيهما أنها متصلة بقوله D : ومالكم لاتقاتلون في سبيل الله والمعنى إن لم يقاتلوا فى سبيل الله فقاتل أنت وحدك وقيل هى متصلة بقوله تعالى : فقاتلوا أولياء الشيطان ومعنى لاتكلف إلا نفسك لاتكلف إلا فعلها اذ لاتكليف بالذوات وهو استثناء مقرر لما قبله فان اختصاص تكليفه E بفعل نفسه من موجبات مباشرته صلى الله عليه و سلم للقتال وحده وفيه دلالة على أن مافعلوه من التثبيط والتقاعد لايضره صلى الله عليه و سلم ولايؤاخذ به وذهب بعض المحققين إلى ان الكلام مجاز أو كناية عن ذلك فلا يرد أنه مأمور بتكليف الناس فكيف هذا ولاحاجة الى ماقيل بل فى ثبوته فقال : انه E كان مأمورا بأن يقاتل وحده أولا ولهذا قال الصديق لرضى الله تعالى عنه فى أهل الردة : أقاتلهم وحدى ولو خالفتنى يمينى لقاتلتها بشمالي وجعل أبو البقاء هذه الجملة فى موضع الحال من فاعل أى فقاتل غيلر مكلف إلا نفسك وقرىء لاتكلف بالجزم على أن لاناهية والفعل مجزوم بها أى لاتكلف أحد الخروج الا نفسك وقيل : هو مجزوم فى جواب الأمر وهو بعيد ولانكلف بالنون على بناء الفاعل فنفسك مفعول ثان بتقدير مضاف وليس فى موقع المفعول الأول أى لانكلفك إلا فعل نفسك لا أنا لانكلف أحدا الانفسك وقيل : لامانع من ذلك على معنى لانكلف أحدا هذا التكليف إلا نفسك والمراد من هذا التكليف مقاتله وحده وحرض المؤمنين أى حثهم على القتال ورغبهم فيه وعظهم