وهو مبني على كون وجه الاعجاز عند علماء العربية كون القرآن في مرتبة الأعلى من البلاغة وكون المقصود من الآية اثبات القرآن كله وبعضه من الله تعالى وحينئذ لايمكن وصف الاختلاف بالكثرة لأنه لايكون الاختلاف حينئذ الا بأن يكون البعض منه معجزا والبعض غير معجز وهو اختلاف واحد فلذا جعل وجدوا متعديا الى مفعولين أولهما كثيرا وثانيهما اختلافا بمعنى مختلفا واليه يشير قوله : لكان الكثير منه مختلفا وإنما جعل اللازم على تقدير كونه من عند غير الله تعالى كون الكثير مختلفا مع أنه يلزم أن يكون الكل مختلفا اقتصارا على الأقل كما في قوله تعالى : يصبكم بعض الذي يعدكم وهو من الكلام المنصف وبهذا يندفع مأورد من أن الكثرة صفة الاختلاف والاختلاف صفة للكل في النظم وقد جعل صفة الكثرة والكثرة صفة الكثير لأنا لانسلم أن الكثرة صفة الاختلاف بل هما مفعولا وجدوا وكذا ماأورد من أنه يفهم من قوله : لكان بعضه بالغا حد الاعجاز ثبوت قدرة غيره تعالى على الكلام المعجز وهو باطل لانا لانسلم ذلك فان المقصود أن القرآن كلا وبعضا من الله تعالى أى البعض الذي وقع به التحدى وهو مقدار أقص سورة منه ولو كان بعض من أبعاضه من غيره تعالى لوجدوا فيه الاختلاف المذكور وهو أن لايكون بعضه بالغا حد الاعجاز قاله بعض المحققين وقال بعضهم : لامحيص عن الايراد الأخير سوى أن يحمل الكلام على الفرض والتقدير أى لوكان فيه مرتبة الاعجاز ففى البعض خاصة على أن يكون ذلك القدر مأخوذا من كلام الله تعالى كما في الاقتباس ونحوه إلا أنه لايخفى بعده والى تفسير الاختلاف بالتفاوت بلاغة وعدم بلاغة ذهب أبو على الجبائى الى هذا ونقل عن الزمخشرى أن فى الآية فوائد : وجوب النظر في الحجج والدلالات وبطلان التقليد وبطلان قول من يقول : إن المعارف الدينية ضرورية والدلالة على صحة القياس والدلالة على أن أفعال العباد ليست بخلق الله تعالى لوجود التناقض فيها انتهى .
ولايخفى أن دلالتها على وجوب النظر في الجملة وبطلان التقليد للكل وقول من يقول : ان المعارف الدينية كلها ضرورية اما على صحة القياس على المصطلح الأصولي فلا وإما تقرير الأخير على مافى الكشف فلأن اللازم كل مختلف من عند غير الله تعالى على قولهم : أن لو عكس لولا ولو كان أفعال العباد من خلقه لكانت من عنده بالضرورة وكذبت القضية أو بعض المختلف من عند غير الله تعالى على ماحققه الشيخ ابن الحاجب والمشهور عند أهل الاستدلال فيكون بعض أفعال العباد غير مخلوقة له تعالى ويكفى ذلك فى الاستدلال اذ لاقائل بالفرق بين بعض وبعض اذا كان اختياريا وأجاب فيه بأن اللازم كل مختلف هو قرآن من عند الله تعالى على الأول وحينئذ لايتم الاستدلال وذكر أن معنى ولو كان من عند غير الله تعالى عند الجماعة ولو كان قائما بغيره تعالى ولامدخل للخلق في هذه الملازمة وأنت تعلم أنه غير ظاهر الارادة هنا وكذا استدل بالآية على فساد قول من زعم : إن القرآن لايفهم معناه الا بتفسير الرسول صلى الله عليه و سلم أو الامام المعصوم كما قال بعض الشيعة واذا جاءهم أى المنافقين كما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما والضحاك وأبى معاذ أو ضعفاء المسلمين كما روى عن الحسن وذهب اليه غالب المفسرين أو الطائفتين كما نقله ابن عطية أمر من الأمن أو الخوف أى مما يوجب الأمن والخوف اذاعوا به أى أفشوه والباء مزيدة وفي الكشاف يقال : أذاع الشر وأذاع به ويجوز أن يكون المعنى فعلوا به الإذاغة وهو