إلهية وتصحبهم نفس فى أعلى مراتب القدسية ومثلهم كمن يرى الشىء عيانا من قريب ولذلك قال تعالى فى صفة نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم : أفتمارونه على مايرى والثانى منازل الصديقين وهم الذين يتأخرون على الأنبياء عليهم السلام فى المعرفة ومثلهم كمن يرى الشىء عيانا من بعيد وإياه عنى على كرم الله وجهه حيث قيل له : هل رأيت الله تعالى فقال : ماكنت لأعبد ربا لم أره ثم قال لم تره العيون بشواهد العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان والثالث منازل الشهداء وهم الذين الشىء بالبراهين ومثلهم كمن يرى الشىء فى المرآة من مكان قريب كحال من قال : كأنى أنظر الى عرش ربى بارزا وإياه قصد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله : اعبد الله كأنك تراه والرابع منازل الصالحين وهم الذين يعلمون الشىء بالتقليد الجازم ومثلهم كمن يرى الشىء من بعيد فى مرآة وإياه قصد النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بقوله : فان لم تكن تراه فانه يراك قاله الراغب ونقله الطيبى وغيره ونقل بعض تلامذة مولانا الشيخ خالد النقشبندي قدس سره أنه قرر يوما أن مراتب الكمل أربعة : نبوة وقطب مدارها نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ثم صديقية وقطب مداراها أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه ثم شهادة وقطب مدارها عمر الفاروق رضى الله تعالى عنه ثم ولاية وقطب مدارها على كرم الله تعالى وجهه وأن الصلاح فى الآية إشارة الى الولاية فسأله بعض الحاضرين عن عثمان رضي الله تعالى عنه في أي مرتبة هو من مراتب الثلاثة بعد النبوة فقال : ان رضى الله تعالى عنه قد نال حظا من رتبة الشهادة وحظا من رتبة الولاية وأن معنى كونه ذا النورين هو ذلك عند العارفين انتهى .
وأنا مستعينا بالله تعالى ومستمدا من القوم قدس الله تعالى أسرارهم أقول : ان الولاية هى المحيطة العامة والفلك والدائرة الكبرى وأن الولى من كان على بينة من ربه فى حاله فعرف ماله باخبار الحق إياه على الوجه الذي يقع به التصديق عنده ويصدق على أصناف كثيرة إلا أن المذكور منها فى هذه الآية أربعة : الصنف الأول الأنبياء والمراد بهم هنا الرسل أهل الشرع سواء بعثوا أو لم يبعثوا أعنى بطريق الوجوب عليهم ولابحث لأهل الله تعالى عن مقاماتهم وأحوالهم إذ لاذوق لهم فيها وكلهم معترفون بذلك غير أنهم يقولون : ان النبوة عامة وخاصة والتي لاذوق لهم فيها هى الخاصة أعنى نبوة التشريع وهى مقام خاص فى الولاية .
وأما النبوة العامة فهي مستمرة سارية فى أكابر الرجال غير منقطعة دنيا وأخرى لكن باب الاطلاق قد أنسد وعلى هذا يخرج مارواه البدر التماسكى البغدادى عن الشيخ بشير عن القطب عبد القادر الجيلى قدس سره أنه قال : معاشر الانبياء أوتيتم اللقب وأوتينا مالم تؤتوا فان معنى قوله أوتيتم اللقب أنه حجر علينا اطلاق لفظ النبى وإن كانت النبوة العامة أبدية وقوله : وأوتينا مالم تؤتو على حد قول الخضر لموسى عليه السلام وهو أفضل منه يا موسى أنا على علمنيه الله تعالى لاتعلمه أنت وهذا وجه آخر غير ماأسلفناه من قبل توجيه هذا الكلام .
والصنف الثانى الصديقون وهم المؤمنون بالله تعالى ورسله عن قول المخبر لاعن دليل سوى النور الايمانى الذي أعد فى قلوبهم قبل وجود المصدق به المانع لها من تردد أوشك يدخلها فى قول المخبر الرسول ومتعلقه فى الحقيقة الإيمان بالرسول يكون الايمان بالله تعالى على وجهة القربة لا على إثباته إذ كان بعض الصديقين قد ثبت عندهم وجود الحق جل وعلا ضرورة أو نظرا لكن ثبت ماكونه قربة وليس بين النبوة والصديقية كما قال حجة الاسلام وغيره مقام ومن تخطى رقاب الصديقين وقع فى النبوة وهى باب مغلق وأثبت الشيخ الأكبر قدس سره مقاما بينهما سماه مقام القربة وهو السر الذي وقر في قلب أبى بكر رضى الله تعالى عنه المشار اليه فى الحديث فليس بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأبى بكر رضي الله تعالى عنه رجل أصلا لاأنه ليس بين الصديقية والنبوة