هذا ما ظهر لنظري القاصر وفكري الفاتر ولقد سألت بالرفق عن هذا الفرق جمعا من علماء عصري وراجعت لشرح ذلك المتن جميع الفضلاء الذين تضمنتهم حواشي مصري فلم أر من نطق ببنت شفة ولامن أدعى في حل ذلك الإشكال معرفة مع أن منهم من خضعت له الأعناق وطبقت فضائله الآفاق وما رأيت من المرؤة أن أمهلهم حتى ينقر في الناقور أو أنتظر بنات أفكارهم إلى أن يلد البغل العاقور الباقور فكتبت ما ترى ولست على يقين أنه الأولى والأحرى فتأمل فلمسلك الذهن إتساع والحق أحق بالإتباع وأمهات نسائكم شروع في بيان المحرمات من جهة المصاهرة إثر بيان المحرمات من جهة الرضاعة التي لها لحمة كلحمة النسب .
والمراد بالنساء المنكوحات على الإطلاق سواء كن مدخولا بهن أولا وهو مجمع عليه عند الأئمة الأربعة لكن يشترط أن يكون النكاح صحيحا أما إذا كان فاسدا فلا تحرم الأم إلا إذا وطيء بنتها أخرج البيهقي في سننه وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : إذا نكح الرجل المرأة فلا يحل له أن يتزوج أمها دخل بالإبنة أو لم يدخل وإذا تزوج الأم ولم يدخل بها ثم طلقها فإن شاء تزوج الإبنة وإلى ذلك ذهب جماعة من الصحابة والتابعين وعن إبن عباس روايتان فقد أخرج إبن المنذر عنه أنه قال : النساء مبهمة إذا طلق الرجل أمرأته قبل أن يدخل بها أو ماتت لم تحل له أمها .
وأخرج هوأيضا عن مسلم بن عويمر أنه قال : نكحت أمرأة فلم أدخل بها حتى توفي عمي عن أمها فسألت إبن عباس فقال : أنكح أمها وعن زيد بن ثابت أيضا روايتان فقد أخرج مالك عنه أنه سئل عن رجل تزوج أمرأة ففارقها قبل أن يمسها هل تحل له أمها فقال : لا الأم مبهمة ليس فيها شرط إنما الشرط في الربائب .
وأخرج إبن جرير وجماعة عنه أنه كان يقول : إذا ماتت عنده فأخذ ميراثها كره أن يخلف على أمها وإذا طلقها قبل أن يدخل بها فلا بأس أن يتزوج أمها و حكى عن إبن مسعود كان يفتي بحل أم الأمرأة إذا لم يكن دخل ببنتها ثم رجع عن ذلك فقد أخرج مالك عنه أنه أستفتى بالكوفة عن نكاح الأم بعد البنت إذا لم تكن البنت مست فأرخص في ذلك ثم أنه قدم المدينة فسئل عن ذلك فأخبر أنه ليس كما قال وإن الشرط في الربائب فرجع إلى الكوفة فلم يصل إلى بيته حتى أتى الرجل الذي أفتاه بذلك فأمره أن يفارقها .
وأخرج إبن أبي حاتم عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه سئل في الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها أو تموت قبل أن يدخل بها هل تحل له أمها فقال : هي بمنزلة الربيبة وإلى ذلك ذهب إبن الزبير ومجاهد ويدخل في لفظ الأمهات الجدات من قبل الأب والأم وإن علون وإن كانت أمرأة الرجل أمة فلا تحرم أمها إلا بالوطء أو دواعيه لأن لفظ النساء إذا أضيف إلى الأزواج كان المراد منه الحرائر كما في الظهار والإيلاء وقريء وأمهات نسائكم اللاتي دخلتم بهن وربائبكم اللاتي في حجوركم الربائب جمع ربيبة ورب وربى بمعنى والربيب فعيل بمعنى مفعول ولما ألحق بالأسماء الجامدة جاز لحوق التاء له وإلا ففعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث وهذا معنى قولهم : إن التاء للنقل إلى الأسمية والربيب ولد المرأة من آخر سمى به لأنه يربه غالبا كما يرب ولده والحجور جمع حجر بالفتح والكسر وهو في اللغة حضن الإنسان أعني مادون إبطه إلى الكشح وقالوا : فلان في حجر فلان أي في كنفه ومنعته وهو المراد في الآية ووصف الربائب بكونهن في الحجور مخرج مخرج الغالب والعادة إذ الغالب كون البنت مع الأم عند الزوج وفائدته تقوية علة الحرمة كماأنها النكتة في إيرادهن بأسم الربائب دون بنات النساء وقيل : ذكر ذلك للتشنيع عليهم نحو أضعافا مضاعفة