أحد الدليلين على ذلك وهما العزل أو عدم التحصين وفيه روايتان أخريان عن أبي يوسف ومحمد ذكرهما في المبسوط فقال : وعن أبي يوسف إذا وطئها ولم يستبرئها بعد ذلك حتى جاءت بولد فعليه ان يدعيه سواء عزل عنها أو لم يعزل حصنها أو لم يحصنها تحسينا للظن بها وحملا لأمرها على الصلاح مالم يتبين خلافه وهذا كمذهب الجمهور لأن ماظهر بسببه يكون حالا به عليه حتى يتبين خلافه وعن محمد لا ينبغي أن يدعي ولدها إذا لم يعلم أنه منه ولكن ينبغي أن يعتق الولد وفي الإيضاح ذكرهما بلفظ الإستحباب فقال : قال أبو يوسف : أحب أن يدعيه وقال محمد : أحب أن يعتق الولد وقال في الفتح بعد كلام : وعلى هذا ينبغي أن لو أعترف فقال : كنت أطأ لقصد الولد عند مجيئها بالولد أن يثبت نسب ما أتت به وإن لم يقل هو ولدي لأن ثبوته بقوله : هو ولدى بناءا على أن وطأه حينئذ لقصد اولد وعلى هذا قال بعض فضلاء الدرس : ينبغي أنه لو أقر أنه كان لا يعزل عنها وحصنها أن يثبت نسبه من غير توقف دعواه وإن كنا نوجب عليه في هذه الحالة الإعتراف به فلا حاجة إلى أن توجب عليه الإعتراف ليعترف فيثبت نسبه بل يثبت نسبه إبتداءا وأظن أن لا بعد في أن يحكم على المذهب بذلك إنتهى وفي المبسوط أنه إذا تطاول الزمان ألحق به لأن التطاول دليل إقراره لأنه يوجد منه حينئذ ما يدل على الإقرار من قبول التهنئة ونحوه فيكون كالتصريح بإقراره .
ومن مجموع ما ذكر يعلم ما في كلام المعترض وأن للخصم عدم تسليمه لكن ذكر في البحر متعقبا : ظن بعض الفضلاء أنه لا يصح أن يحكم على المذهب به لتصريح أهله بخلافه ونقل نص البدائع في ذلك ثم قال فإن أراد الثبوت عند القاضي ظاهرا فقد صرحوا أنه لا بد من الدعوة مطلقا وإن أراد فيما بينه وبين الله تعالى فقد صرح في الهداية وغيرها بأن ماذكرناه من إشتراط الدعوة إنما هو في القضاء إلى آخر ماذكرناه لكن في المجتبي لا يصح إعتاق المجنون وتدبيره ويصح إستيلاده فهذا إن صح يستثنى من الحكم وهو مشكل إنتهى وعلى هذا يقال في المسألة التي ذكرها المعترض : المولود ولد للمولى في نفس الأمر لأنه مخلوق من مائه وولد الزنا كذلك وزيادة حيث أنضم إلى ذلك الإقرار والله سبحانه جعل مناط الحرمة البنوة وهي متحققة في مسألتنا فكيف يحل النكاح في نفس الأمر وعدم ثبوت التوارث ونحوه كما قلنا كان إجماعا وعدم الإستلحاق قضاءا إلا بالدعوى أمر آخر وراء تحقق البنوة في نفس الأمر فكم متحقق في نفس الأمر لا يقضى به وكم مقضى به غير متحقق في نفس الأمركما في خبر الفرس التي أشتراها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من الإعرابي وشهد له خزيمة لما أنكر الأعرابي البيعوقد حقق الكلام في بحث الإستيلاد في فتح القدير وغيره من مبسوطات كتب القوم وما ذكر في إبطال العكس من مسألة تزوج المشرقي بمغربية فلا نسلم القطع فيها بأن الولد ليس مخلوقا من مائه لثبوت كرامات الأولياء والإستخدامات فيتصور أن يكون الزوج صاحب خطوة أو جني وأنه ذهب إلى المغرب فجامعها ولولا قيام هذا الإحتمال مع قيام النكاح لم يلحق الولد به ألا ترى كيف قال الأصحاب : لو جاءت أمرأة الصبي بولد لم يثبت نسبه منه لعدم تصور ذلك هناك والتصور شرط وقيام الفراش وحده غير كاف على الصحيح ولعل إعتبار هذه البنوة قضاءا وإلا فحيث لم يكن الولد مخلوقا من مائه لا يقال له ولد الزوج في نفس الأمر وإنما أعتبروا ذلك مع ضعف الإحتمال سترا للحرائر وصيانة للولد عن الضياع وقريب من هذا ماذهب إليه الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله تعالى في باب الإستيلاد أن الجارية إذا ولدت يثبت نسب الولد من المولى إذا أقر بوطئها مع العزل كما يثبت مع عدم العزل بل لو وطئها في دبرها يلزمه الولد عند مالك ومثله عن أحمد وهو وجه مضعف للشافعية