المذكر على المؤنث عند إجتماعهما بإتفاق وأيضا لو لم تدخل الإناث في ذلك لما شاركن في الأحكام لثبوت أكثرها بمثل هذه الصيغة واللازم منتف بالإتفاق كما في أحكام الصلاة والصيام والزكاة وأيضا لو أوصى لرجال ونساء بمائة درهم ثم قال : أوصيت لهم بكذا دخلت النساء بغير قرينة وهو معنى الحقيقة فيكون حقيقة في الرجال والنساء ظاهرا فيهما وهو المطلوب وأجيب أما عن الأول فبأنه إنما يدل على أن الإطلاق صحيح إذا قصد الجميع والجمهور يقولون به لكنه يكون مجازا ولا يلزم أن يكون ظاهرا وفيه النزاع .
وأما عن الثاني فبمنع الملازمة نعم يلزم أن لا يشاركهن في الأحكام بمثل هذه الصيغة وما المانع أن يشاركن بدليل خارج والأمر كذلك ولذلك لم يدخلن في الجهاد والجمعة مثلا لعدم الدليل الخارجي هناك وأما عن الثالث فبمنع المبادرة ثمة بلا قرينة فإن الوصية المتقدمة قرينة دالة على الإرادة فالحق عدم دخول الإناث ظاهرا نعم الأولى هنا القول بدخولهن بإعتبار التغليب وزعم بعضهم أن لا تغليب بل الأمر للرجال فقط كما يقتضيه ظاهر الصيغة ودخول الإناث في الأمربالتقوىللدليل الخارجي ولا يخفى أن هذا يستدعي تخصيص لفظ الناس ببعض أفراده لأن إبقاؤه حينئذ على عمومه مما يأباه الذوق السليم والمأمور به إما الإتقاء بحيث يشمل ما كان بإجتناب الكفر والمعاصي وسائر القبائح ويتناول رعاية حقوق الناس كما يتناول رعاية حقوق الله تعالى .
وأما الإتقاء في الإخلال بما يجب حفظه من الحقوق فيما بين العبادوهذا المعنى مطابق لما في السورة من رعاية حال الأيتام وصلة الأرحام والعدل في النكاح والإرث ونحو ذلك بالخصوصبخلاف الأول فإنه إنما يطابقها من حيث العموم وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين ما لا يخفى من تأييد الأمر وتأكيد إيجاب الإمتثال وكذا في وصف الرب بقوله سبحانه : الذي خلقكم من نفس واحدة لأن الإستعمال جار على أن الوصف الذي علق به الحكم علة موجبة له أو باعثة عليه داعية إليه ولا يخفى أن ما هنا كذلك لأن ما ذكر يدل على القدرة العظيمة أو النعمة الجسيمة ولاشك أن الأول يوجب التقوى مطلقا حذرا عن العقاب العظيم وأن الثاني يدعو إليها وفاءا بالشكر الواجب وإيجاب الخلق من أصل واحد للإتقاء على الإحتمال الثاني ظاهر جدا وفي الوصف المذكور تنبيه على أن المخاطبين عالمون بما ذكر مما يستدعي التحلي بالتقوى وفيه كمال توبيخ لمن يفوته ذلك والمراد من النفس الواحدة آدم عليه السلام والذي عليه الجماعة من الفقهاء والمحدثين ومن وافقهم أنه ليس سوى آدم واحدوهو أبو البشروذكر صاحب جامع الأخبار من الإمامية في الفصل الخامس عشر خبرا طويلا نقل فيه أن الله تعالى خلق قبل أبينا آدم ثلاثين آدم بين كل آدم وآدم ألف سنة وأن الدنيا بقيت خرابا بعدهم خمسين ألف سنة ثم عمرت خمسين ألف سنة ثم خلق أبونا آدم عليه السلاموروى إبن بابويه في كتاب التوحيد عن الصادق في حديث طويل أيضا أنه قال : لعلك ترى أن الله تعالى لم يخلق بشرا غيركم بلى والله لقد خلق ألف ألف آدم أنتم في آخر أولئك الآدميين وقال الميثم في شرحه الكبير على النهج ونقل عن محمد بن علي الباقرأنه قال :