56 - حدثنا عبد الله قال : حدثني محمد بن الحسين قال : حدثني بكر بن محمد قال : حدثنا السكن بن إسماعيل عن حوشب عن أبي المتوكل الناجي قال : قال لي سليمان بن عبد قيس : يا أبا المتوكل ! .
قلت : لبيك .
قال : عليك بما يرغبك في الآخرة ويزهدك في الدنيا ويقربك إلى الله .
قلت : وما هو يا عبد الله ؟ قال : تقصر عن الدنيا همتك وتسمو إلى الآخرة بنيتك وتصدق ذلك بفعلك .
قلت : فكيف لي ما أستعين به على ذلك ؟ قال : تقصر أملك في الدنيا وتكثر رغبتك في الآخرة حتى تكون بالدنيا برما وبالآخرة كرثا . فإذا كنت كذلك لم يكن شيء أحب إليك ورودا من الموت ولا شيء أبغض إليك من الحياة .
قال : قلت : يا عبد الله ما كنت أحسبك تحسن مثل هذا ! .
قال : كم من شيء أحسنه وددت أني لا أحسنه وكم من شيء لا أحسنه وددت أني أحسنه وما يغني ما أحسن من الخير إذا كنت لا اعمل به ؟ والله لو جاءني النذير من ربي عند الموت فأخبرني أني من أهل النار وأنه لم يبقى من أجلي إلا ساعة من نهار ما ... نفسي عن نفسي بهلاكها ولا اجتهدت نفسي فيما بقي من عمرها لتكون أعذر لها عندي إذا نزل الموت .
57 - حدثنا عبد الله قال : حدثني محمد بن العباس قال : حدثنا محمد بن صالح الحناط قال : حدثني أبو عبد الله محمد بن مرثد قال : حدثني بعض أصحابنا : انهم خرجوا إلى مكة فنزلوا منزلا فجاءهم رجل ليس معه إداوة ولا حذاء فقال : أتريدون أن أجيئكم بماء ؟ فأعطوه إداواتهم فجاءهم بماء فناوله بعضهم رغيفا فأخذه فقام غير بعيد أكله ثم غطى رأسه فنام . فزوله صاحب الرغيف - وكانوا قد طعموا - فعمد إلى رغيفين فجعل بينهما لحما ثم أتاه فأيقظه فقال : قم فكل . فقال : لا حاجة لي فيه . فحرص به فأبى فقال له المعطي : لما استغرق أهل الولاية الولاية . قال : يقول له الرجل : لعلك تريد أن تقول : بما استنم به . قال : نعم . قال : بقطعهم الأمل . قال : وكيف قدروا على قطع الأمل قال : بقلة الادخار . قال : وكيف قدروا على قلة الادخار ؟ قال : بأخذهم الشيء على الحاجة . قال : فيكون العطاء والمنع عندك واحدا ؟ قال : لو زاد أحدهما على الآخر مقياس شعيرة لم يكن ثم رضا ! .
ثم مضى نحو مكة وترك الرغيفين . قال : فبينا أنا أطوف في الطواف فعرفني فقال : صاحب الرغيفين ؟ قلت : نعم . قال : الأمر والله على ما قلت . ثم غاب في الزحام فلم أره ! .
58 - حدثنا عبد الله قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال : حدثنا سفيان عن مسعر أو غيره عن عون بن عبد الله بن عتبة قال : ما أنزل الموت كنه منزلته من عد غدا من أجله ! .
كم من مستقبل يوما لا يستكمله ! .
وكم من مؤمل لغد لا يدركه ! .
إنكم لو رأيتم الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره ! .
59 - حدثنا عبد الله قال : حدثنا عبد الله بن عيسى الطفاوي قال : حدثنا عبيد الله بن شميط بن عجلان قال : سمعت أبي يقول : إن المؤمن يقول لنفسه : إنما هي أيام ثلاثة : فقد مضى أمس بما فيه .
وغدا أمل لعلك لا تدركه إنك إن كنت من أهل غد فإن غدا يجيء برزق غد إن دون غد يوما وليلة تخترم فيه أنفس كثيرة لعلك المخترم فيها . كفى كل يوم همه .
ثم قد حملت على قلبك الضعيف هم السنين والأزمنة وهم الغلاء والرخص وهم الشتاء قبل أن يجيء الشتاء وهم الصيف قبل أن يجيء الصيف فماذا أبقيت من قلبك الضعيف لآخرته ؟ ! .
كل يوم ينقص من أجلك وأنت لا تحزن وكل يوم تستوفي رزقك وأنت لا تحزن ! .
أعطيت ما يكفيك فأنت تطلب ما يطغيك ! .
لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع ! .
وكيف لا يستبين بعالم جهله وقد عجز عن شكر ما هو فيه وهو مغتر في طلب الزيادة ؟ أم كيف يعمل للآخرة من لا ينقطع من الدنيا شهوته ولا تنقضي منها نهمته ؟ ! .
فالعجب كل العجب لمن يصدق بدار الحيوان وهو يسعى لدار الغرور ! .
60 - حدثنا عبد الله قال : حدثنا عبيد الله بن سعد القرشي قال : حدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا هشام بن حسان قال : سمعت الحسن يقول : كان آدم قبل أن يخطئ : أمله خلف ظهره وأجله بين عينيه . فلما أصاب الخطيئة حول فجعل أمله بين عينيه وأجله خلف ظهره