وذعر ذعرا شديدا فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة فدفع إليه كتاب النبي صلى الله عليه وآله فقرأه فقال له الأسقف : ما رأيك .
؟ فقال شرحبيل : قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة فما يؤمن أن يكون هذا الرجل ! ليس لي في النبوة رأي لو كان رأي من أمر الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك .
فبعث الأسقف إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلهم قال مثل قول شرحبيل فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة وعبد الله بن شرحبيل وجبار بن فيض فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وآله فانطلق الوفد حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فسألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له : ما تقول في عيسى بن مريم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما عندي فيه شيء يومي هذا فأقيموا حتى أخبركم بما يقال لي في عيسى صبح الغد .
فأنزل الله هذه الآية إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب إلى قوله فنجعل لعنة الله على الكاذبين فأبوا أن يقروا بذلك .
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله الغد بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي خلف ظهره للملاعنة وله يومئذ عدة نسوة فقال شرحبيل لصاحبه : إني أرى أمرا مقبلا إن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك فقالا له : ما رأيك ؟ فقال : رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا ابدا .
فقالا له : أنت وذاك .
فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك قال : وما هو ؟ قال : حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز .
فرجع رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية " .
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو نعيم في الدلائل عن حذيفة " أن العاقب والسيد أتيا رسول الله صلى الله عليه وآله فأراد أن يلاعنهما فقال أحدهما لصاحبه : لا تلاعنه فوالله لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعده فقالوا له : نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلا أمينا فقال : قم يا أبا عبيدة .
فلما وقف قال : هذا أمين هذه الأمة " .
وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال " قدم على النبي صلى الله عليه وآله العاقب والسيد فدعاهما إلى الإسلام فقالا : أسلمنا يا محمد