العرق أطيب من ريح المسك وينادى عند ذلك من السماء نداء خفيا صدق عبدي فلينفعه صدقه ثم يفسح له في قبره مد بصره ويتبذله فيه الريحان ويستر بالحرير فإن كان معه من القرآن شيء كفاه نوره وإن لم يكن معه جعل له نور مثل الشمس في قبره ويفتح له أبواب وكوى إلى الجنة فينظر إلى مقعده منها مما كان عاين حين صعد به ثم يقال : نم قرير العين فما نومه ذلك إلى يوم يقوم إلا كنومة ينامها أحدكم شهية لم يرو منها يقوم وهو يمسح عينيه فكذلك نومه فيه إلى يوم القيامة .
وإن كان غير ذلك إذا نزل به ملك الموت صف له سماطان من الملائكة نظموا ما بين الخافقين فيخطف بصره إليهم ما يرى غيرهم وإن كنتم ترون أنه ينظر إليكم ويشدد عليه وإن كنتم ترون أنه يهون عليه فيلعنونه ويقولن : اخرجي أيتها النفس الخبيثة فقد أعد الله لك من النكال والنقمة والعذاب كذا وكذا ساء ما قدمت لنفسك ولا يزالون يسلونها في غضب وتعب وغلظ وشدة من كل ظفر وعضو ويموت الأول فالأول وتنشط نفسه كما يصنع السفود ذو الشعب بالصوف حتى تقع الروح في ذقنه فلهي أشد كراهية للخروج من الولد حين يخرج من الرحم مع ما يبشرونه بأنواع النكال والعذاب حتى تبلغ ذقنه فليس منهم ملك إلا وهو يتحاماه كراهية له فيتولى قبضها ملك الموت الذي وكل بها فيتلقاها أحسبه قال : بقطعة من بجاد أنتن ما خلق الله وأخشنه فيلقى فيها ويفوح لها ريح أنتن ما خلق الله ويسد ملك الموت منخريه ويسدون آنافهم ويقولون : اللهم العنها من روح والعنه جسدا خرجت منه فإذا صعد بها غلقت أبواب السماء دونها فيرسلها ملك الموت في الهواء حتى إذا دنت من الأرض انحدر مسرعا في أثرها فيقبضها بحديدة معه يفعل بها ذلك ثلاث مرات ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق الحج الآية 31 والسحيق البعيد .
ثم ينتهي بها فتوقف بين يدي الملك الجبار فيقول : لا مرحبا بالنفس الخبيثة ولا بجسد خرجت منه ثم يقول : انطلقوا بها إلى جهنم فأروها مقعدها منها واعرضوا عليها ما أعددت لها من العذاب والنقمة والنكال .
ثم يقول الرب : اهبطو بها إلى الأرض فإني قضيت أني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى .
فيهبطون بها على قدر فراغهم منها فيدخلون