واقع التشريع الإسلامي معالمه وملامحه
واقع التشريع الإسلامي معالمه وملامحه
آية الله جعفر السبحاني
قم ـ إيران
بسم الله الرحمن الرحيم
التشريع أحد أركان الحضارة فلا تجد مجتمعا حضاريا إلا وعنده قوة التشريع والتقنين وهذا مما لا كلام فيه.
وإنما الكلام في الأصل الذي يعتمد عليه التشريع ويستمد منه. فهناك منهجان:
منهج يعتمد في التحليل والتحريم على رأي الأكثرية فما صوبته الاكثرية يصبح قانونا محترما لدى الكل وما لم تصوبه الاكثرية يكون مرفوضا.
ومنهج يعتمد في التشريع على الواقعيات والمصالح والمفاسد فما كان واقعيا وصالحا للبشرية فهو القانون السائد، وما لم يكن كذلك لا يعبر أبدا.
والإسلام في تشريعة يتبع المنهج الثاني لأن التشريع بيد الله سبحانه وتعالى وحده فلا حاجة إذا إلى رعاية التصويت والتصويب. وتتجلى واقعية التشريع الإسلامي في ملامحه ومعالمه.
فالتشريع الإسلامي يتميز بملامح، بينما هي ملامح ثبوتية ترجع إلى مادة
ـ (28)ـ
التشريع وروحه، وبينما هي ملامح اثباتية ترجع إلى دلالة التشريع.
فما يرجع إلى القسم الأول يتلخص في أمور ستة:
1 ـ الفطرة الإنسانية هي المقياس في التقنين.
2 ـ التشريع حسب المصالح والمفاسد الواقعية.
3 ـ النظر إلى المادة والروح على سواء.
4 ـ النظر إلى الحقائق دون الظواهر.
5 ـ المرونة في التشريع.
6 ـ العدالة في التقنين.
فلنأخذ كل واحد بالبحث واحداً تلو الآخر ثم نرجع إلى بيان ملامح التشريع الإسلامي في مقام الدلالة والإثبات.
أما الملامح الثبوتية فهي عبارة:
1 ـ الفطرة هي المقياس
إن للإنسان مع قطع النظر عن الظروف الموضوعية المحيطة به شخصية تكوينية ثابتة لا تنفك عنه عبر الزمان، فالغرائز السفلية والعلوية هي التي تكّون شخصيته ولا تنفك عنه ما دام الإنسان إنسانا، فجعل الإسلام الفطرة معيارا للتشريع، فكل عمل يجاوب وينساق مع الفطرة فقد أحله، وما هو على موضع الضد منها فقد حرّمه.
فقد ندب إلى الروابط العائلية وتنسيق الروابط الاجتماعية، كرابطة الولد بوالديه، والأخ بأخيه، والإنسان المؤمن بمثله، كما قد حذر عما ينافي خلقه وإدراكه العقلي، كتحريمه الخمر والميسر والسفاح لما فيها من إفساد للعقل
ـ (29)ـ
الفطري والنسل والحرث.
فالأحكام الثابتة في التشريع القرآني تشريع وفق الفطرة.
2 ـ التشريع حسب المصالح
نعم ثمة ميزة أخرى للتشريع القرآني، وهو انه مبني على المصالح والمفاسد الواقعية. فلا واجب إلا لمصلحة في فعله، ولا حرام إلا لمصلحة في تركه، قال سبحانه:﴿إنما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون﴾ (1) وقال سبحانه: ﴿وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ (2).
وعلى هذا الأساس فقد عق فقهاء الشيعة بابا خاصا باسم تزاحم الأحكام في ملاكاتها حيث يقدم الأهم على المهم، ويتوصل في تمييزهما بالقرائن المفيدة للاطمئنان.
3 ـ النظر إلى المادة والروح على حد سواء
آلف القرآن بتعاليمه القيمة بينهما مؤالفة تفي بحق كل منهما حيث يفسح للإنسان ان يأخذ قسطه من كل منهما بقدر ما يصلحه.
لقد غالت المسيحية (الغابرة) بالاهتمام بالجانب الروحي من الإنسان حتى كادت أن تجعل كل مظهر من مظاهر الحياة المادية خطيئة كبرى، فدعت إلى الرهبانية والتعزب، وترك ملاذ الحياة، والانعزال عن المجتمع، والعيش في
_____________________________________
1 ـ سورة المائدة: 91.
2 ـ سورة العنكبوت: 45.
ـ (30)ـ
الأديرة وقلل الجبال والتسامح مع المعتدين.
كما غالت اليهودية في الانكباب على المادة حتى نسيت كل قيمة روحية، وجعلت الحصول على المادة بأي وسيلة كانت، المقصد الاسنى، ودعت إلى القومية الغاشمة.
لكن الإسلام أخذ ينظر إلى واقع الإنسان بما هو كائن ذو بعدين، فبالبعد المادي لا يستغني عن المادة، وبالبعد الروحي لا يستغني عن الحياة الروحية، فأولاهما عنايته، فدعا إلى المادة والالتذاذ بها بشكل لا يؤثرها على حياته الروحية، كما دعا إلى الحياة الروحية بشكل لا يصادم فطرته وطبيعته؛ وهكذا فقد قرن بين عبادة الله وطلب الرزق وترفيه النفس، فندب إلى القيام بالليل وإقامة النوافل، وفي الوقت نفسه ندب إلى طلب المعاش وتوخي اللذة، قال سبحانه:
﴿والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما﴾ (1) وقال أيضاً:﴿قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق﴾ (2).
وقال علي أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ: «للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يروم فيها معاشه، وساعة بينه وبين لذاتها» (3).
4 ـ النظر إلى المعاني لا الظواهر
إن التشريع القرآني ينظر إلى الحقائق لا إلى القشور، فلا تجد في الإسلام مظهرا خاصا من مظاهر الحياة يكون لـه من القداسة ما يمنع من تغييره ويوجب
__________________________________
1 ـ سورة الفرقان: 64.
2 ـ سورة الأعراف: 32.
3 ـ نهج البلاغة: باب الحكم، الحكمة 93.
ـ (31)ـ
حفظه إلى الأبد بشكله الخاص، فليس هناك تناقض بين تعاليمه والتقدم العلمي.
فلو كان التشريع الإسلامي مصرّا على صورة خاصة من متطلبات الحياة لما انسجم مع الحياة، فمثلاً ينهى الإسلام عن أكل الأموال بالباطل، وعلى هذا فرّع الفقهاء حرمة بيع الدم لعدم وجود منفعة محللة لـه في تلك الإعصار الغابرة بيد أن تقدم العلوم والحضارة أتاح للبشر ان يستخدم الدم في منافع محللة لم يكن لها نظير من قبل، فعادات المعاملة بالدم في هذه الأعصار معاملة صحيحة لا بأس بها، وليس هذا من قبيل نسخ الحكم، بل من باب تبدل الحكم بتبدل موضوعه كانقلاب الخمر خلا.
فالإسلام حرّم أكل المال بالباطل، فما دام بيع الدم مصداقا لتلك الآية كان محكوما بالحرمة، فلما أُتيح للبشر ان يستفيد منه في علاج المرضى خرج عن كونه مصداقا للآية، وهذا هو الذي عبرنا عنه في عنوان البحث بأن الإسلام ينظر إلى المعاني لا إلى القشور.
5 ـ المرونة في التشريع
إن من ملامح التشريع القرآني مرونته وقابليته للانطباق على جميع الحضارات الإنسانية، وما ذلك إلا لأنه جاء بتشريعات خاصة لها دور التحديد والرقابة على سائر تشريعاته، وهذا التشريع أعطى للدين مرونة ومنعطفاً جديداً قال سبحانه: ﴿وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ (1) وقال: ﴿ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون﴾ (2).
__________________________________
1 ـ سورة الحج 78.
2 ـ سورة المائدة: 6.
ـ (32)ـ
وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ: (لا ضرر ولا ضرار) (1).
فحدد كل تشريع بعدم استلزامه الضرر والضرار، فأوجب التيمم مكان الوضوء إذا كان استعمال الماء مضرا، كما أوجب الإفطار على المريض والمسافر لغاية اليسر، قال سبحانه: ﴿ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾ (2). إلى غير ذلك من الآيات والروايات التي لها دور التحديد والرقابة.
وجاء في الحديث عن الصادع بالحق أنه قال: «بعثت بالحنيفية السمحة» (3).
وقال الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ: «إن هذا الدين لمتين، فأوغلوا فيه برفق، لا تكرهوا عبادة الله لعباد الله» (4).
6 ـ العدالة في التقنين
ومن ملامح التشريع القرآني، العدالة حيث تراها متجلية في كافة تشريعاته، خاصة فيما يرجع إلى القانون والحقوق، قال سبحانه:﴿ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين﴾ (5).
وقال تعالى:﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم﴾ (6).
وقال تعالى:﴿وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه
_______________________________
1 ـ الوسائل: الجزء 16.
2 ـ سورة البقرة: 185.
3 ـ احمد بن حنبل: المسند: 5: 266.
4 ـ الكافي: 2 / 70 ح 1.
5 ـ سورة البقرة: 190.
6 ـ سورة البقرة: 194.
ـ (33)ـ
لا يحب الظالمين﴾ (1).
وقال سبحانه: ﴿ولا تزر وازرة وزر أخرى﴾ (2).
وقال سبحانه: ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف﴾ (3).
إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على ان هيكل التشريع الإسلامي بني على أساس العدل والقسط.
هذه الملامح ترجع إلى سمات القانون الإسلامي ثبوتا.
ملامح التشريع الإسلامي في مقام الإثبات
أما سماته في عالم الإثبات والدلالة فهي عبارة عن الأمور التالية:
أ ـ شموليته لعامة الطبقات.
ب ـ سعة آفاق دلالة القرآن والحديث.
ج ـ التدريج في التشريع.
أ ـ شمولية التشريع
أخذ القرآن الإنسان محور التشريعة، مجردا عن النزعات القومية والوطنية والطائفية واللونية واللسانية، فنظر إلى الموضوع بنظرة شمولية وقال: ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير﴾ (4).
_______________________________________
1 ـ سورة الشورى 40.
2 ـ سورة الأنعام: 164.
3 ـ سورة البقرة: 228.
4 ـ سورة الحجرات: 13.
ـ (34)ـ
التشريع القرآني تشريع من جانب رب العالمين إلى نوع البشر، فالوطن والقوم والقبيلة لم تؤخذ بنظر الاعتبار، والكرامة للإنسان وحده، ولا فضل لإنسان على آخر إلا بالمثل والأخلاق.
فترى أنه يخاطب المجتمع الإنساني بقوله: (يا أيها الناس) أو (يا بني آدم) أو (يا أيها المؤمنون) وما ضاهاها، فكسر جميع الحواجز والقيود التي يعتمد عليها المفكر المادي في التقنين الوضعي، والذي يقتفي أثر اليهود في مزعمة الشعب المختار.
إن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ هو القائل بأنه ليست العربية بأب والد، وإنما هو لسان ناطق، وفي الوقت نفسه لا يعني بكلامه هذا ان العلائق الطبيعية، كالانتماء الوطني أو القومي بغيضة لا قيمة لها، وإنما يندد باتخاذها محاور للتقنين، وسببا للكرامة والمفخرة، أو سبيلا لتحقير الآخرين، وإيثارها على الدين والعقيدة، يقول سبحانه: ﴿لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا ان حزب الله هم المفلحون﴾ (1).
والعجب انه قد صدر هذا من لدن إنسان أمي نشأ في بيئة تسودها خصلتان على جانب الضد من هذا النمط من التشريع، وهما:
الأمية والتعصب.
وهذا الإنسان المثالي صان بأنظمته كرامة الإنسان، ورفعه إلى الغاية القصوى
________________________________________
1 ـ سورة المجادلة: 22.
ـ (35)ـ
من الكمال، وأخذ يخاطب ضميره الدفين، ومشاعره النبيلة، ويكلفه بما فيه صلاحه، ويقول:
﴿وهذا بيان للناس﴾ (1).
﴿هذا بلاغ للناس﴾ (2).
﴿بصائر للناس وهدى ورحمة﴾ (3).
﴿يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور﴾ (4).
وإذا قورن هذا النوع من التشريع الذي ينظر إلى الإنسان بنظرة شمولية وبرأفة ورحمة، دون فرق بين عنصر وآخر، بالتقنين الوضعي السائد في أعصارنا في الشرق والغرب، الناظر إلى الإنسان من منظار القومية أو الطائفية وغيرهما من النزعات المقيتة، لبان ان التشريع الأول تشريع سماوي لا صلة لـه بتلك النزعات، والآخر تشريع بشري متأثر بنظرات ضيقة تجود لإنسان وتبخل لآخر، وكفى في ذلك فرقا بين التشريعين.
ب ـ سعة آفاق دلالة القرآن والحديث
إن من تمعن في القرآن الكريم وتدبر في معانيه ومفاهيمه، وقف على سعة آفاق دلالته على مقاصده، غير إن ثلة من الفقهاء مروا على القرآن مرورا عابرا مع انه سبحانه يعرف القرآن بقوله: ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين﴾ (1).
________________________________
1 ـ سورة آل عمران: 138.
2 ـ سورة إبراهيم 52.
3 ـ سورة القصص: 43.
4 ـ سورة يونس: 57.
ـ (36)ـ
وعلى ضوء ذلك لا غنى للفقيه عن دراسة آيات الأحكام دراسة معمقة ثاقبة، ليجد فيها الجواب عن أكثر المسائل المطروحة، ولا ينظر إليها بنظرة عابرة.
وقد استدل أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ بالقرآن على كثير من الأحكام التي غفل عنها فقهاء عصرهم، ونذكر هنا نموذجا على ذلك:
قُدّم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة، فأراد ان يقيم عليه الحد، فأسلم، فقال يحيى بن اكثم: الإيمان يمحو ما قبله، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود. فكتب المتوكل إلى الإمام الهادي ـ عليه السلام ـ يسأله، فلما قرأ الكتاب، كتب: «يضرب حتى يموت». فأنكر الفقهاء ذلك، فكتب المتوكل إلى الإمام الهادي ـ عليه السلام ـ يسأله عن العلة فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنابه مشركين _ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون﴾ (2) فأمر به المتوكل، فضرب حتى مات (3).
تجد أن الإمام الهادي ـ عليه السلام ـ استنبط حكم الموضوع من آية مباركة، لا يذكرها الفقهاء في عداد آيات الأحكام، غير أن الإمام لوقوفه على سعة دلالة القرآن، استنبط حكم الموضوع من تلك الآية، وكم لها من نظير. ولو أن القارئ الكريم جمع الروايات التي استشهد بها أئمة أهل البيت على مقاصدهم استشهادا تعليميا
_____________________________________
1 ـ سورة النحل 89.
2 ـ سورة غافر 84 ـ 85.
3ـ ابن شهر آشوب: مناقب أبي طالب 4: 403 ـ 405.
ـ (37)ـ
لا تعبديا لوقف على سعة آفاق القرآن.
وهانحن نذكر مثالين على سعة آفاق دلالته:
1 ـ إن الأصوليين تحملوا عبئا ثقيلا لإثبات كون الأمر موضوعا للوجوب ومجازا في الندب، فإذا ورد الأمر في الكتاب احتاجوا في استفادة الوجوب منه إلى نفي المدلول المجازي، بإجراء أصالة الحقيقة.
ولكن هذا النمط جار في المحاورات العرفية، والقرآن في غنى عنها في اغلب الموارد أو اجمعها، فإن لاستفادة الوجوب أو الندب في الأوامر الواردة في القرآن طريقا آخر، وهو الإيعاز بالعذاب أو النار كما نجد في كثير من الواجبات مثل الصلاة والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال سبحانه:﴿ما سلككم في سقر_ قالوا لم نك من المصلين﴾ (1).
وقال سبحانه:﴿ وسيحنيها الاتقى _ الذي يؤتي ماله يتزكى﴾ (2) بل كل ما أوعد على فعله أو تركه يستفاد منه الوجوب أو الحرمة.
2 ـ اختلفت الفقهاء في وجوب الكتابة في التداين بدين والاستشهاد بشاهدين الواردين في قوله سبحانه: ﴿وليكتب بينكم كاتب بالعدل.. واستشهدوا شهيدين من رجالكم﴾ (3).
فمن قائل بالوجوب أخذا بأصالة الحقيقة، وقائل باستحبابه مستدلا بالإجماع، ومعتذرا عن الأصل المذكور بكثرة استعمال صيغة الأمر في الندب، مع ان الرجوع إلى نفس الآية وما ورد حولها من الحكمة يعطي بوضوح ان
________________________________
1 ـ سورة المدثر 42 ـ 43.
2 ـ الليل 17 ـ 18.
3 ـ سورة البقرة: 282.
ـ (38)ـ
الأمرين لا للوجوب ولا للندب، بل الأمران إرشاديان لئلا يقع الاختلاف بين المتداينين فيسد باب النزاع والجدال. قال سبحانه: ﴿ذلك اقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى إلا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينك﴾(1).
ويدل على سعة دلالته أيضاً ما رواه المعلى بن خنيس، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام : «ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله اصل في كتاب الله عز وجل، ولكن لا تبلغه عقول الرجال»(2).
وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : «ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق لكم، أخبركم عنه إن فيه علم ما مضى، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، وحكم ما بينكم، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون، فلو سألتموني عنه لعلمتكم» (3).
وقال الصادق عليه السلام: «كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وفصل ما بينكم، ونحن نعلمه» (4).
والسابر في روايات أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ يقف على انهم كانوا يستنبطون من الآيات نكاتا بديعة ومعاني رفيعة عن مستوى الافهام.
وربما يتصور الساذج ان هذا النوع من التفسير تفسير بالرأي وفرض على الآية، ولكن بعد الإمعان في الرواية والوقوف على كيفية استدلالهم عليهم السلام يذعن بأن لها دلالة خفية على ذلك المعنى الرفيع الشامخ وقد غفل عنه.
مثال ذلك ما رواه العياشي في تفسيره، عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد: أن
__________________________________
1 ـ سورة البقرة: 282.
2 ـ الكافي 1: 60 ـ 61، باب الرد إلى الكتاب والسنة، الحديث6 و 7 و 9.
3 ـ الكافي 1: 60 ـ 61، باب الرد إلى الكتاب والسنة، الحديث6 و 7 و 9.
4 ـ الكافي 1: 60 ـ 61، باب الرد إلى الكتاب والسنة، الحديث6 و 7 و 9.
ـ(39)ـ
سارقا اقر على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد احضر محمد بن علي ـ عليه السلام ـ فسألنا عن القطع في أي موضع يجب ان يقطع، فقال الفقهاء: من الكرسوع، لقول الله في التيمم: ﴿فامسحوا بوجوهكم وأيديكم﴾(1).
فالتفت الخليفة إلى محمد بن علي فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟
فأجاب: «انهم اخطأوا فيه السنة، فإن القطع يجب ان يكون من مفصل أصول الأصابع، ويترك الكف» قال: لم؟
قال: لقول رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ السجود على سبعة أعضاء: الوجه، واليدين، والركبتين، والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع لم يبق لـه يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وأن المساجد لله﴾ يعني به الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ﴿فلا تدعوا مع الله أحدا﴾ وما كان لله لم يقطع.
فأعجب المعتصم ذلك، فأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف(2).
وروي عن الإمام أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أنه كان إذا قطع السارق ترك الإبهام والراحة، فقيل لـه: يا أمير المؤمنين تركت عليه يده؟ قال: فقال لهم: «فإن تاب فبأي شيء يتوضأ؟ لأن الله يقول: ﴿والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما﴾ ـ إلى قولـه ـ : ﴿فمن تاب من بعد ظلمه واصلح فإن الله يتوب عليه ان الله غفور رحيم﴾(3).»(4)
فهذا النمط من الاستدلال يوقف القارئ على سعة دلالة الآيات القرآنية،
_________________________________________
1 ـ سورة النساء: 43.
2 ـ الوسائل 18: الباب 4 أبواب حد السرقة، الحديث 5 و6.
3 ـ الوسائل 18: الباب 4 أبواب حد السرقة، الحديث 5 و6.
4 ـ سورة المائدة 38 ـ 39.
ـ (40)ـ
وان أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ هم السابقون في هذا المضمار، يستنبطون من القرآن مالا تصل إليه الافهام.
وأما عدد آيات الأحكام فقد ذكر الفاضل المقداد في تفسيره «كنز العرفان» ما هذا نصه:
اشتهر بين القوم ان الآيات المبحوث عنها نحو خمسمائة آية، وذلك إنما هو بالمتكرر والمتداخل، وإلا فهي لا تبلغ ذلك، فلا يظن من يقف على كتابنا هذا ويضبط عدد ما فيه، انا تركنا شيئا من الآيات فيسيء الظن به ولم يعلم أن المعيار عند ذوي البصائر والأبصار، إنّما هو التحقيق والاعتبار لا الكثرة والاشتهار (1).
ويظهر من البعض ان عدد آيات الأحكام ربما تبلغ 340 آية، قال عبد الوهاب خلاف:
ففي العبادات بأنواعها نحو 140 آية.
وفي الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وارث ووصية وحجر وغيرها نحو سبعين آية.
وفي المجموعة المدنية من بيع وإجارة ورهن وشركة وتجارة ومداينة وغيرها نحو سبعين آية.
وفي المجموعة الجنائية من عقوبات وتحقيق جنايات نحو ثلاثين آية.
وفي القضاء والشهادة وما يتعلق بها نحو عشرين آية (2).
ولكن بالنظر إلى ما ذكرنا من سعة آفاق دلالته يتبين ان عددها ربما يتجاوز عن الخمسمائة، إذ رُب آية لا تمت إلى الأحكام بصلة، ولكن بالدقة والإمعان
________________________________
1 ـ جمال الدين المقداد السيوري: كنز العرفان في فقه القرآن 1: 5.
2 ـ عبد الوهاب خلاف: خلاصة تاريخ التشريع الإسلامي: 28 ـ 29.
ـ(41)ـ
يمكن أن يستنبط منها حكم شرعي.
فمثلا سورة المسد، أعني قوله سبحانه: ﴿تبت يدا أبي لهب وتب _ ما أغنى عنه ماله وما كسب...﴾(1) بظاهرها ليست من آيات الأحكام، ولكن للفقيه ان يستند إليها في استنباط بعض الأحكام الشرعية، وقد حكي عن بعض الفقهاء أنه استنبط من سورة «المسد» قرابة عشرين حكما فقهيا، كما استنبطوا من قوله سبحانه: ﴿قال أني أريد ان أنكحك إحدى ابنتي هاتين على ان تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك...﴾(2) أحكاما شرعية.
وهذا بالنسبة إلى ما ذكرناه من سعة آفاق دلالة القرآن ليس بغريب.
التدرج في التشريع
نزل القرآن تدريجيا قرابة ثلاث وعشرين سنة لأسباب ودواع مختلفة اقتضت ذلك، وأشار إليها الذكر الحكيم في غير واحد من الآيات:
قال سبحانه: ﴿وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا﴾(3).
أي فرقنا نزوله كي تقرأه على الناس على مهل وتريث.
كما أشار في آية أخرى إلى داع آخر، قال سبحانه: ﴿وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا﴾(4) فتثبيت فؤاد النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أحد الأسباب التي دعت إلى نزول القرآن بين الحين والآخر
________________________________
1 ـ سورة المسد: 1 ـ2.
2 ـ سورة القصص: 27 ـ 28.
3 ـ سورة الإسراء: 106.
4 ـ سورة الفرقان: 32.
ـ (42)ـ
وفي غضون السنين، شاحذا عزمه ـ صلى الله عليه وآله ـ للمضي في طريق الدعوة بلا مبالاة لما يتهمونه به.
والآية تعرب عن أن الكتب السماوية الأخرى كالتوراة والإنجيل والزبور نزلت جملة واحدة، فرغب الكفار في ان ينزل القرآن مثلها دفعة واحدة.
وليست الدواعي للنزول التدريجي منحصرة فيما سبق، بل إن هناك أسبابا ودواعي أُخر دعت إلى نزوله نجوما، وهي مسايرة الكتاب للحوادث التي تستدعي لنفسها حكما شرعياً، فإن المسلمين كانوا يواجهون الأحداث المستجدة في حياتهم الفردية والاجتماعية ولم يكن لهم محيص من طرحها على النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بغية الظفر بأجوبتها، وقد تكرر في الذكر الحكيم قوله سبحانه: ﴿يسألونك﴾ قرابة خمس عشرة مرة وتصدى النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ للإجابة عنها، وتختلف تلك المواضيع بين الاستفسار عن حكم شرعي، كحكم القتال في الشهر الحرام، والخمر، والميسر، والتصرف في أموال اليتامى، والأهلة، والمحيض، والأنفال، وغير ذلك؛ أو الاستفسار عن أمور كونية كالروح والجبال والساعة.
وهناك شيء آخر ربما يؤكد لزوم كون التشريع أمرا تدريجيا، وهو أن موقف النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ تجاه أمته كموقف الطبيب من مريضه، فكما ان الطبيب يعالج المريض شيئاً فشيئاً حسب استعداده، فكذلك الطبيب الروحي يمارس نشاطه التربوي طبقا لقابليات الأمة الكامنة بغية الاستجابة، لئلا تثبط عزائمهم ويطفأ نشاطهم ويثقل كاهلهم.
ومع ذلك فإن كانت الظروف مهيئة لنزول تشريع أكثر تفصيلا وأوسع تعقيدا وافاهم الوحي به، كما في قوله سبحانه: ﴿قل تعالوا اتل ما حرم ربكم عليكم الا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم
ـ (43)ـ
وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون﴾ (1).
وقال سبحانه: ﴿ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون﴾(2).
حيث تجد أن الآيتين تتكفلان تشريع عشرة أحكام تعد من جوامع الكلم، وقد روى أمين الإسلام الطبرسي، قال: روى علي بن إبراهيم، قال: خرج أسعد بن زراره وذكوان إلى مكة في عمرة رجب يسألون الحلف على الأوس، وكان أسعد بن زراره صديقا لعتبة بن ربيعة، فنزل عليه، فقال لـه: انه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناكم نطلب الحلف عليهم، فقال عتبة: بعدت دارنا عن داركم ولنا شغل لا نتفرغ لشيء، قال: وما شغلكم وانتم في حرمكم وأمنكم؟!
قال لـه عتبة: خرج فينا رجل يدعي انه رسول الله، سفه أحلامنا، وسب آلهتنا، وافسد شبابنا، وفرق جماعتنا، فقال لـه أسعد: من هو منكم؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب، من أوسطنا شرفا، واعظمنا بيتا؛ وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم أبناء «النضير» و«قريظة» و«قينقاع» ان هذا أوان نبي يخرج بمكة يكون مهاجره بالمدينة لنقتلنكم به يا معشر العرب، فلما سمع ذلك اسعد وقع في قلبه ما كان سمعه من اليهود، قال: فأين هو؟ قال: جالس في الحجر، وانهم لا يخرجون من شعبهم إلا في الموسم، فلا تسمع منه ولا تكلمه، فإنه ساحر يسحرك بكلامه، وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب،
_____________________________________
1 ـ سورة الأنعام: 151.
2 ـ سورة الأنعام: 152.
ـ (44)ـ
فقال لـه اسعد: فكيف اصنع وأنا معتمر لابد لي ان اطوف بالبيت؟ فقال: ضع في أذنيك القطن، فدخل اسعد المسجد وقد حشا أذنيه من القطن، فطاف بالبيت ورسوله الله ـ صلى الله عليه وآله ـ جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم، فنظر إليه نظرة، فجازه.
فلما كان في الشوط الثاني قال في نفسه: ما أجد أجهل مني أيكون مثل هذا الحديث بمكة فلا أعرفه حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم، ثم أخذ القطن من أذنيه ورمى به، وقال لرسول الله: أنعم صباحاً، فرفع رسول الله رأسه إليه وقال: «وقد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا تحية أهل الجنة: السلام عليكم » فقال لـه أسعد: ان عهدك بهذا لقريب إلام تدعو يا محمد؟ قال: «إلى شهادة ان لا اله إلا الله وإني رسول الله، وأدعوكم:
﴿إلا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون_ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ اشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون﴾(1).
فلما سمع اسعد هذا قال: اشهد ان لا اله إلا الله وحده لا شريك لـه، وانك رسول الله يا رسول الله بأبي أنت وأمي أنا من أهل يثرب من الخزرج، وبيننا وبين اخواننا من الأوس حبال مقطوعة، فإن وصلها الله بك فلا أجد اعز منك، ومعي رجل من قومي فإن دخل في هذا الأمر رجوت ان يتمم الله لنا امرنا فيك،
______________________________________
1 ـ سورة الأنعام: 151 ـ 152.
ـ (45)ـ
والله يا رسول الله لقد كنا نسمع من اليهود خبرك، وكانوا يبشروننا بمخرجك، ويخبروننا بصفتك، وأرجو ان تكون دارنا دار هجرتك، وعندنا مقامك، فقد أعلمنا اليهود ذلك، فالحمد لله الذي ساقني إليك، والله ما جئت إلا لنطلب الحلف على قومنا، وقد أتانا الله بأفضل ما أتيت لـه (1).
ومع ذلك كله فالتدرج هو المخيم على التشريع، خاصة فيما إذا كان الحكم الشرعي مخالفا للحالة السائدة في المجتمع، كما في شرب الخمر الذي ولع به المجتمع الجاهلي آنذاك، فمعالجة هذه الرذيلة المتجذرة في المجتمع رهن طي خطوات تهييء الأرضية اللازمة لقبولها في المجتمع.
وقد سلك القرآن في سبيل قلع جذور تلك الرذائل مسلك التدرج.
فتارة جعل السكر مقابلا للرزق الحسن، وقال: ﴿ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسناً﴾(2).
فاعتبر اتخاذ الخمر من التمور والأعناب ـ في مجتمع كان تعاطي الخمر فيه جزءً أساسيا من حياته ـ مخالفا للرزق الحسن، وبذلك ايقظ العقول.
وهذه الآية مهدت وهيئت العقول والطبائع المنحرفة لخطوة أخرى في سيرها نحو تحريم الخمر، فتلتها الآية الثانية معلنة بأن في الخمر والميسر اثما ونفعا، ولكن اثمهما اكبر من نفعهما، قال سبحانه: ﴿يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما﴾(3).
إن هذا البيان وان كان كافيا إلا أن جماهير الناس لا يقلعون عن عادتهم
__________________________________________
1 ـ الطبرسي: العام الورى: 55 ـ 57.
2 ـ سورة النحل: 67.
3 ـ سورة البقرة: 219.
ـ (46)ـ
المتجذرة ما لم يرد نهي صريح حتى وافتهم الآية الثالثة، قال سبحانه: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون﴾(1). فالآية الكريمة جاءت بالنهي الصريح عن شرب الخمر في وقت محدد، أي عند إرادة الصلاة بغية الوقوف على ما يتلون من القرآن والأذكار.
فهذه الخطوات الثلاث هيّئت ارضية صالحة للتحريم القاطع الذي بينه سبحانه في قوله: ﴿يا أيها الذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون﴾(2).
وأدل دليل على ان التشريع القرآني كان يتمتع بالتدرج، تتابع الأسئلة على النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في فترات مختلفة بغية إجابة الوحي عنها، قال سبحانه:
1 ـ ﴿يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين﴾(3).
2 ـ ﴿يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير﴾(4).
3 ـ ﴿يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير﴾(5).
4 ـ ﴿ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو﴾(6).
5 ـ ﴿ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير﴾(7).
6 ـ ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذى﴾(8).
_______________________________
1 ـ سورة النساء: 43.
2 ـ سورة المائدة: 90.
3 ـ سورة البقرة: 215.
4 ـ سورة البقرة: 217.
5 ـ سورة البقرة: 219.
6 ـ سورة البقرة: 219.
7 ـ سورة البقرة: 220.
8 ـ سورة البقرة: 222.
ـ (47)ـ
7 ـ ﴿يسألونك ماذا احل لهم قل أحل لكم الطيبات﴾(1).
8 ـ ﴿يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول﴾(2).
وقد جاء في بعض الآيات لفظ الاستفتاء بدل السؤال: قال سبحانه:
9 ـ ﴿ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن﴾(3).
10 ـ ﴿يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة﴾(4).
ومما يدل أيضاً على ان التشريع القرآني أخذ لنفسه صورة التدرج هو أن الآيات المتضمنة للأحكام الشرعية منبثة في سور شتى غير مجتمعة في محل واحد، وهذا يوضح أن التشريع لم يكن على غرار التشريع في التوراة الذي نزل دفعة واحدة يقول سبحانه: ﴿وكتبنا لـه في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء فخذها بقوة وامر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين﴾(5).
وقال: ﴿ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون﴾ (6).
هذا بعض الكلام في ملامح التشريع الإسلامي ثبوتا وإثباتا قدمتها للمؤتمر العالمي الحادي عشر (ربيع الأول 1419) للوحدة الإسلامية، عسى ان يوفق أصحابنا لجمع شمل المسلمين وتقريب خطاهم.
____________________________________________
1 ـ سورة المائدة 4.
2 ـ سورة الأنفال: 1.
3 ـ سورة النساء: 127.
4 ـ سورة النساء: 176.
5 ـ سورة الأعراف 145.
6 ـ سورة الأعراف: 154.