رعاية الأقليات المسلمة وحماية هويتها الإسلامية

رعاية الأقليات المسلمة وحماية هويتها الإسلامية

 

 

رعاية الأقليات المسلمة وحماية هويتها الإسلامية

 

د. مصطفى ابراهيم تسيرتش

رئيس العلماء والمفتي العام لدولة البوسنة والهرسك  

 

 

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: )وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ( (المؤمنون:52) .

وقال أيضاً: )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ( (آل عمران:103) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثلُ المسلمين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى» (صحيح البخاري).

وقال أيضا: «إن الله يرضى لكم ثلاثا، ويكره لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا، ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال» (متفق عليه).

لقد ركز الإسلام على أهمية وحدة الأمة الاسلامية، فجعل قوة المسلمين وعزتهم في اعتصامهم بحبل الله وعدم تفرقهم.

وقد انتشر الإسلام انتشارا واسعا، وتوسعت رقعة البلاد الإسلامية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، فدخلت شعوب بأسرها في الإسلام، ومع انحسار السلطة السياسية للمسلمين عن مناطق كثيرة في العالم، بقيت مجموعات من المسلمين موزعة في شتى البلدان والأقطار، وقد اصطلح الناس اليوم على تسمية تلك المجموعات بالأقليات المسلمة، ولكن انحسار السلطة السياسية لم يكن العامل الوحيد لنشأة تلك الأقليات، بل إن الأقليات المسلمة الحالية يمكن تصنيفها من حيث نشأتها إلى أربعة أصناف:

1ـ أقليات مسلمة قوامها سكان البلاد الأصليين، وهي التي نشأت بعد انحسار السلطة السياسية الاسلامية عن بلادهم.

2- أقليات مسلمة قوامها المسلمون الذين هاجروا إلى بلاد غير المسلمين لغرض العمل أو التحصيل العلمي أو فرارا من وطأة الاضطهاد السياسي.

3- أقليات مسلمة هي في الحقيقة نتاج الصنف السابق، وأعني بها أبناء المهاجرين من المسلمين إلى البلاد غير الإسلامية.

4- أقليات مسلمة محلية قوامها المعتنقون الجدد للإسلام من أبناء البلاد غير الاسلامية.

وتفيد الإحصائيات بأن الأقليات المسلمة تمثل ربع الأمة الإسلامية وهي موزعة على جميع القارات.

ولذا فإن الحديث عن وحدة المسلمين والعمل من أجل تحقيق هذه الوحدة لن يكتمل بدون التعرف على قضايا الأقليات المسلمة ورعاية مصالحها وحماية هويتها الإسلامية باعتبارها عضوا في جسد الأمة الإسلامية الواحدة.

وبحكم كوني مسلما أوروبيا، اسمحوا لي أن أتخذ الأقليات المسلمة في أوروبا مثالا للحديث عن قضايا الأقليات المسلمة ورعايتها وحماية هويتها الدينية.

أنوه في البداية بأنّ الإسلام في الإعلام الأوربي. يمثله الإرهابيون المسلمون، وفي المدارس العامة تمثله الفتيات المسلمات المحجبات، وفي دوائر الفكر الأوروبي يعرضُ الإسلام في صورة «سيف»، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى ترسيخ ظاهرة التخوف من الإسلام في عقول عامة الشعب الأوروبي.

ولكن وعلى الرغم من هذا ينبغي علينا أن نلاحظ أن ما تنقله وسائل الإعلام الإسلامية عن تصوير أوروبا للإسلام ليس دائما صائباً، إذا إننا كثيرا ما نقرأ في صحف العالم الاسلامي عن مبالغات لا معنى لها عن وضع الإسلام في أوروبا، فالإسلام يعرض أحياناً على أنه يحقق نصرا لم يسبق له مثيل، وتارة أخرى يبكى على وضعه إلى حدٍّ يلاحظ معه المرء أنه لا أمل للإسلام في أوروبا، وهكذا يتضح جليّا أن ظاهرة التخوف من الإسلام في عقول الأوروبيين تؤدي إلى أيجاد ظاهرة أخرى في عقول المسلمين يطلق عليها الخوف من أوروبا.

دعنا نقول أن أوروبا دار الصلح – دار العقد الاجتماعي – فأوربا ليست دار الإسلام لأن المسلمين لا يشكلون الغالبية الحاكمة في الأراضي الأوربية، الأمر الذي لا يمكن معه تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقا يشمل كل نواحي الحياة، وهي أيضا ليست بِدار الحرب لأنه يمكن تطبيق بعض جوانب الشريعة الإسلامية فيها، ولذا فإن الأراضي الأوروبية تعتبر دار صلح، فهي في هدنة مع بلاد الإسلام، ويمكن للمسلم فيها أن يعيش ملتزما بالإسلام في إطار العقد الاجتماعي، لاسيما أن الأشخاص ذوي التوجه الحر المنطقي والمهتمين بمصالحهم الخاصة سيقبلون – كموقف مبدئي لتحقيق مصالحهم الخاصة وتحقيق المساواة – بمبادئ ذلك العقد الذي يحدد الشروط الأساسية لارتباطهم بالآخرين.

إن المرء لا يجد صعوبة في إثبات أن فكرة العقد – اجتماعيا كان أو غير ذلك – تعد فكرة مشروعة في الإسلام، إذ لدينا العديد من الوثائق التاريخية والعقدية تشير إلى مفهوم الصلح والسلام والتصالح الذي يقف ضد مفهوم الحرب والقتال، ذلك أن جوهر الإسلام هو السلام مع الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم.

يقول الله سبحانه وتعالى: )وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ ( (يونس:25)، ويقول جل شأنه )وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً( (الفرقان:63) ويقول الله سبحانه وتعالى أيضا: )وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً( (الأحزاب:36) ويقول البارئ أيضاً: ) لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ( (المائدة:48).

وبالأضافة إلى الآيات الآنفة الذكر نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أبرم المواثيق والعهود مع المشركين في الحديبية، ومع اليهود في المدينة المنورة، ومع نصارى جزيرة العرب، وخاطب ملوك الحبشة وبلاد فارس والروم المجاورين له، ودعاهم إلى الصلح، وقد سار الخلفاء الراشدون بإخلاص على نهج الرسول الكريم، كما سار على دربهم الحكام المسلمون الصالحون عبر التاريخ.

إن هذه الحقيقة التاريخية متعلقة بالعقد الاجتماعي الذي تبنّاه المسلمون بحسن نية تجاه الأمم والأديان الأخرى الذي عنوانه (مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة).

وكما ذكرنا آنفا، ليست لدينا صعوبة في أن نثبت صحة نظرية العقد الاجتماعية لأنه أصل في تاريخ الإسلام وعقيدته، ولكن الصعوبة التي نواجهها تكمن أولا في عدم وجود مفهوم حقيقي لدار الصلح يمكن أن يطبق في إطار البيئة الأوربية التي توفر وضعا محترما للإسلام كنمط حياة وللمسلمين كمواطنين أوروبيين، وثانيا في وجوب معرفة القضايا التي يجب أن تضمَّن في إطار العقد، وثالثاً في وجوب إنشاء منظمة أو هيئة يمكنها تمثيل الإسلام وتقديمه كدين عالمي، والمسلمين كمواطنين أوروبيين صالحين.

يجب أن نقول: إن العقد الذي يصيغه الناس ليس قانون الطبيعة، بل هو شيء يمليه منطق العقل، بينما الميثاق تجسيد لإرادة الدين، ولذا نعرِّف المسلم بأنه إنسان صاحب بيعة مع الله باعتبار ذلك عملا تجسده إرادة الدين (الميثاق)، ونعرِّف المواطن على أنه فرد عليه واجب تجاه الدولة باعتبار ذلك عملا يمليه عليه عقد (الصلح).

ومن خلال الميثاق يتجه قلب الإنسان لخالقه ويحصل له الأمن الداخلي، ومن خلال العقد يعطي الدولة عقله ويتلقى بذلك الأمن الاجتماعي، شأنه في ذلك شأن أي مواطن، فالمواطن له حقوق وامتيازات الرجل الحر، وهو عضو في الدولة سواء كان مواطنا بالميلاد أو بالتجنس، وهو مدين للدولة بالإخلاص، وله عليها حق توفير الحماية له، وهو في ذلك كله مأجور لأنه عمل نابع من التزامه الديني.

وأعتقد أن أوروبا بوصفها دار العقد تفتح الطريق أمام المسلمين للحوار الصادق ليس مع النصارى فحسب، بل مع المجتمع الأوروبي أو الغربي بأسره، ولتأكيد ذلك الأمر يقول جل وعلا: )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ( (النحل:125).

ويقرر هذا المبدأ القرآني أن الحوار بين الأديان والثقافات يجب أن يكون مؤطر ا وعادلاً وعلميّا وهادفاً وشاملاً وذا معنى، ومن أجل تحقيق هذا المستوى في التخاطب مع المجتمع الأوروبي يتحتم علينا أن نفهم الفلسفة الثقافية والسياسية المعاصرة، ففلسفة هذا الحوار ترتكز على منطق العقل والعلوم، وثقافته مأخوذة من تاريخ النصرانية، وسياسته تستند إلى فكر البقاء للأصلح.

أرجو أن تسمحوا لي أن أوضح بأنّ فهم الشيء لا يعني بالضرورة قبوله، بل العكس هو الصحيح، إذ يؤدي عدم الفهم إلى قبول أشياء ترفضها روح الميثاق، إلى جانب رفض أشياء تـُقبل بقوة العقد، وفضلا عن ذلك فإن جهلنا بحقيقة أبعاد المجتمع الأوروبي المختلفة يجعلنا غير قادرين على التمييز بين الصالح والطالح والمفيد والضار من المنتجات الأوروبية المتاحة لنا.

في الحقيقة، إنني أميل للإيمان بأن درجة معرفة أوروبا – والغرب عموما – بالمسلمين أكبر من مستوى إرادتها في قبولهم، بينما يقل مستوى معرفة المسلمين بأوروبا عن درجة استعدادهم لتقبـلُّها، وهذا هو التباين الأساس بين النظرة الأوروبية للإسلام والنظرة الإسلامية لأوروبا، وبعبارة أخرى، يوجد نقص في الرغبة الأوروبية لقبول المسلمين على حالتهم الراهنة، كما يوجد نقص في معرفة المسلمين لأوروبا كما هي عليه الآن.

ويلاحظ المرء أن أوروبا مستعدة للتسامح مع وجود الإسلام في دارها، لكنها غير مستعدة حتى الآن لقبول المسلمين في حياتها السياسية والاجتماعية والثقافية.

ومن ناحية أخرى يقبل المسلمون أوروبا على شكلها الحالي لكنهم لا يقومون بما هو كاف لزيادة مستوى معرفتهم بالبيئة السياسية والاجتماعية والثقافية في أوروبا، تلك المعرفة التي ستغير من أوضاعهم في المجتمع الأوروبي.

وإذا قبلنا مفهوم دار الصلح لأوروبا كما يراها المسلم الحقيقي بوصفه مواطناً أوروبيا صالحاً، فإنه يجب علينا أن نعرف القضايا التي تهمنا لجعل هذا المفهوم عملياً.

ينبغي أن نعرف القضايا التي توجد نوعاً من الشد والجذب بين المواطنة الإسلامية والمواطنة الأوروبية؟ وهل هذه القضايا ذات صفة سياسية أم اقتصادية أم ثقافية أم دينية؟

أعتقد أنه من الصحيح أن نقول: إن القضايا تتسم بكل الصفات المذكورة أعلاه، فعلى الجانب السياسي يجب أن يعرف المسلمون في أوروبا حقوقهم الإنسانية لا سيما فيما يتعلق بتمثيلهم لمجموعتهم، وينبغي أن يصر المسلمون على إزالة كل جوانب الكراهية في وسائل الإعلام المتحيزة ضد الإسلام والتي دعمتها بقوة المؤسسة السياسية الأوروبية وأعني بهذا الأمر الشعور المناهض للإسلام والذي نجم عن عدم التسامح السياسي والكراهية العنصرية.

يجب علينا أن نـُعرِّف أوروبا بمسألة قبول القيم الإسلامية وإدراك قيمة العَرَقِ الذي سال من جباه العمال والمفكرين المسلمين في سبيل بناء أوروبا الحرة الغنية، فكما أنّ أوروبا مدينة للمسلمين تاريخيا فيما يتعلق بحريتها وازدهارها؛ فإن إسهام المسلمين المعاصر في تطوير أوروبا وتقدُّمها يعطينا الحق بأن نقول: إن أوروبا مدينة لنا فعلاً بالكثير، وعلى الجانب الاقتصادي يجدر بنا ان نطالب بتساوي الفرص وذلك لتحقيق قدر معقول من النمو الاقتصادي للمجتمع المسلم في الغرب.

ومن هنا فمن الطبيعي أن تكون القضايا الاقتصادية مرتبطة ارتباطاً عضويا متينا بقضية التعليم التي يجب أن تكون محور اهتمامنا الأول، حيث تدل كلمة التعليم على جملة التأثيرات التي تمارسها الطبيعة والأفراد سواء على عقولنا أو على إرادتنا، وتشمل أيضا التأثيرات غير المباشرة على شخصيات الرجال وعقولهم والتي نجمت عن أشياء لها هدف مختلف تماماً، سواء بسبب القانون أو بنوع الحكومات أو بالفنون الصناعية، وحتى بفعل الظواهر الطبيعية مثل المناخ والتربة والمنطقة والتي ليس للإرادة البشرية سلطان عليها.

يذكرنا تعريف التعليم هذا بأربع حقائق يتحتم علينا معرفتها وهي:

ـ الأمور التي يجب علينا فعلها كي نتمكن من التأثير على عقول وإرادة أبنائنا.

ـ أن ندرك الأمور التي يفعلها الآخرون من أجل التأثير على شخصيات وعقول أبنائنا.

ـ أن نـُلمَّ بقوانين وأنماط الحكومات الأوروبية التي تسهم بصورة غير مباشرة في تشكيل عقول أبنائنا.

ـ أن ندرك الظواهر الطبيعية في أوروبا، وذلك حتى يتسنى لنا أن نفهم الاحتياجات الثقافية والاقتصادية للمجتمع المسلم في أوروبا.

لذا، وقبل أن نطلب من الآخرين أداء ما هو مطلوب منهم تجاهنا، يجب علينا أن نقوم بأنفسنا بأداء ما هو مطلوب منا في مجال التعليم.

علينا أن نعمل على إعداد برنامج تعليمي واضح وشامل نراعي فيه ضرورة ارتكازه على المبادئ الجوهرية لروح ديننا باعتبار ذلك عملاً من إرادتنا، بجانب ارتكازه على واجباتنا وحقوقنا الأساسية كمواطنين أوروبيين، وفي إطار التوافق التام بين هذين المطلبين أرى الحاجة ماسّة لتطوير مفهوم دار الصلح الذي ينبغي تطبيقه في أوروبا.

وفيما يتعلق بالقضايا الدينية، فإنها تعتمد بدرجة كبيرة على القضايا المذكورة أعلاه والمرتبطة بالسياسة والاقتصاد والثقافة، وبما أننا نفهم الدين منهاج حياة فإنه لا يمكننا عزل القضايا الدينية عن شؤون حياتنا، فبناء أي مسجد في أوربا يعد قضية دينية لكنه لا يتم حلها دون الإرادة السياسية للحكومات الأوروبية، وكذلك لا تتم المحافظة عليه دون المقدرة الاقتصادية للمجتمع المسلم، كما أن المسجد لن يؤدي وظيفته بنجاح إن لم تتوفر فيه الوسائل التعليمية.

ينبغي علينا ألا نحصر شؤون المسلمين في القضايا الدينية فقط، بل يجب أن توسع لتشمل القضايا الاجتماعية، كذلك يجب أن يعامل ديننا بوصفه شيئا طبيعيا وقانونيّا ووفق مبدأ حرية الضمير والاعتقاد.

لكن مما يؤسف له أن أوروبا حتى الآن لم تمنح الإسلام وضعه الطبيعي كباقي الأديان، بل على العكس تماماً لا يزال الإسلام يعامل على أنه شيء غريب وأجنبي أو يعطى وضعا خاصا يتم التسامح مع وجوده الواقعي، فهو لا يُقبل ضمن التراث الروحي الأوروبي العام كدين متساو مع باقي الأديان الأخرى، على الرغم من أن الإسلام في معظم البلدان الأوروبية اليوم يحتل – من حيث عدد الأتباع – المرتبة الثانية بعد النصرانية.

هذا ويواجه المسلمون الأوروبيون اليوم صعوبات كبيرة في سبيل المحافظة على هويتهم نظرا لعدم توفر الإرادة لدى بعض الحكومات الأوروبية للتجاوب مع تنظيم احتياجاتهم الدينية وحقوقهم الاجتماعية، بل إن المسلمين مطالبون بأن ينسجموا تماماً مع شرائح المجتمع الى درجة تجعلهم أحيانا يفقدون هويتهم الإّسلامية، وبصفة عامة يتكون لديَّ انطباع عام عن الإعلام الغربي مفاده أن المسلم لن يصبح مواطناً أوروبيا صالحاً إلا إذا تنكر لأصله الإسلامي، فإن لم يفعل ذلك فسوف يواجه الاتهام بأنه مسؤول عن اي جريمة ترتبك في العالم الاسلامي وكأنه هو الذي اقترفها.

وبسبب هذا الانطباع نجد أن شؤون المسلمين وأوضاعهم في أوروبا ليست دينية فحسب، لا سيما الجانب المتعلق بأخلا ق الشخصية الاسلامية، بل في العديد من الحالات نجد أن الطابع السياسي يغلب على أمورهم تلك ، الأمر الذي يجعلهم يعيشون بصورة دائمة تحت هاجس الخوف وعدم الاطمئنان.

ولذا لابد أن يبعد الإسلام عن التأثير السياسي حتى يكون ديناً عالميا هدفه الأساس تعليم أتباعه ممارسة السلوك الحسن في المجتمع الدولي، وهذا بطبيعة الحال لا يعفي المسلمين من وجوب الإلمام بسياسة المجتمع الدولي، بل على العكس من ذلك، يجب على المسلمين أن يتسلحوا بمعرفة السياسة الدولية حتى يتمكنوا من إنقاذ دينهم من التسييس السيئ.

واستنادا لما ذكرناه آنفا نكون قد وضعنا أصابعنا على أهم قضية للإسلام في أوروبا وهي قضية التمثيل والمؤسسات، إذ ينبغي أن يكون معلوماً في بادئ الأمر أن هناك حوالي ثلاثين مليون مسلم يعيشون اليوم في أوروبا ويشتركون جميعا في شيء واحد، هو الانتماء إلى الإسلام، لكنهم يختلفون من حيث تجاربهم الإنسانية وتوقعاتهم في الحياة، فالمجموعة الأصلية تحمل على كاهلها عبئا ثقيلاً من التاريخ، وتتوقع أن تحظى بالدعم في نضالها من أجل بقائها الديني والثقافي في أوروبا.

أما مجموعة المهاجرين فإنها تبذل كل الجهود الممكنة من أجل أن تجد لنفسها موطئ قدم في أوروبا وتتوقع أن تتغلب على وضع الغربة الذي تعيشه في أوروبا.

وأخيراً مجموعة المسلمين المولودين في أوروبا فهم يعيشون حالة صراع ونضال من أجل المحافظة على هويتهم الإسلامية في وجه التحديات البيئية الأوروبية في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة.

فما الذي يمكن فعله حتى تصبح قيم الإسلام العامة أرضاً مشتركة لكل المسلمين في أوروبا؟

أعتقد أنه يتوجب علينا في هذا الوقت بالذات أن ندرس جديا طريقة جعل كل من وجود الإسلام كدين عالمي والمسلمين كمواطنين دوليين أمراً مؤسسياً.

أظن أن الجميع يدرك أن التمثيل الطوعي (العفوي وغير المؤسسي) للإسلام والمسلمين في أوروبا يعد أمراً مضللاً باعتباره ضد كرامة المسلم والإسلام في أوروبا، إذ لا يكفي أن تقرَّ أوروبا بوجود الإسلام على أراضيها لأن المسلمين يستحقون أكثر من مجرد الإقرار بوجودهم، بل يريدون أن يكون الاعتراف بهم قانونياً بحيث يسمح ذلك بإيجاد مناخ سياسي واقتصادي يمكِّن المسلمين من أن يمثلوا أنفسهم عبر المؤسسات التي ينبغي أن تحظى بالدعم الحكومي والقبول الشعبي، إذ إن وسائل الإعلام تجرح مشاعرنا من خلال إصرارها على عرض الإسلام في أوروبا بصورة الإرهاب وربطه بالمسلمين.

إنني أرى أن جميع الدول الإسلامية وكافة المنظمات الإسلامية الدولية  كمنظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي والإيسيسكو، وغيرهم مدعوون للاضطلاع بمهمة معالجة وضعية مؤسسية الإسلام في أوروبا، وربما تكون رابطة العالم الإسلامي هي المرشحة للتصدي لهذه المهمة العظيمة، سيَّما وأنها قد كسبت ثقة كل المسلمين المخلصين عبر عقود من عملها الصامت والدَّؤوب، هذا فضلا عن أن الرابطة حملت صوت المسلمين الأوربيين إلى المنابر العالمية عندما لم تكن هناك أية أصوات تتحدث باسمهم.

واستناداً إلى هذه الحقائق أقترح تبني الخطوات التالية في سبيل تحقيق المؤسسية الشاملة للإسلام في القارة الأوروبية وهذا يمكن تطبيقه على باقي القارات والبلدان مع الأخذ بعين الاعتبار لخصوصيات التركيبة الدينية والثقافية والإثنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية فيها:

1ـ تشكيل فريق من الخبراء، توكل إليهم مهمة إيراد التفاصيل المتعلقة بمفهوم دار الصلح الذي يمكن أن يطبق اليوم في أوروبا بجانب النظرة الواعية للمستقبل، ويهدف هذا التفصيل إلى التعبير عن نوايا المسلمين الحسنة تجاه أوروبا وعرضها على الحكومات الأوروبية ووسائل إعلامها العامة.

2- تكوين مجلس للعلماء المسلمين توكل إليه مهمة الإشراف على تطوير المؤسسات الإسلامية في أوروبا مع تقديم توصيات لتحسينها.

3- تشكيل فريق عمل توكل له مهمة متابعة نشاط الأديان الأخرى في أوروبا بهدف تطوير الحوار معهم.

4- اتخاذ خطوات عملية جدية نحو تفعيل مقررات منظمة المؤتمر الاسلامي والمنظمات الاسلامية الدولية الأخرى المتعلقة برعاية الأقليات الإسلامية وحماية هويتها الإسلامية ومساندتها سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا.

وأرفق مع كلمتي هذه نموذجا أسميته «نظرة في واقع مسلمي البلقان وتطلعات المستقبل «على اعتبار أن منطقة البلقان تمثل الفضاء الجغرافي الأقرب إليّ، إضافة إلى تميزها بأن الغالبية العظمى من المسلمين فيها هم من سكان البلاد الأصليين، ولهم تراثهم الإسلامي العريق من خلال المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 

نظرة في واقع مسلمي البلقان وتطلعات المستقبل

لمحة تاريخية:

المسلمون في  منطقة البلقان سكان أصليون، دخلوا في الإسلام مع الفتوحات العثمانية لهذه المنطقة منذ أكثر من خمسمائة عام، وكانت حدود الدولة الاسلامية آنذاك قد وصلت إلى تخوم فيينا عاصمة النمسا.

وبعد انسحاب الدولة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تقسمت المنطقة إلى عدة دول، وخضع بعضها للاحتلال النمساوي الهنغاري.

وبعد الحرب العالمية الثانية تشكلت دول البلقان الحالية ومن بينها دولة يوغوسلافيا الاتحادية التي كانت تضم حوالي 6 ملايين مسلم من البوشناق والألبان والـأتراك.

وفي بداية التسعينيات من القرن العشرين تفككت جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية، ونشأت عنها دول مستقلة، كانت أهمها بالنسبة للمسلمين البوشناق دولة البوسنة والهرسك، حيث يبلغ عددهم فيها 25/2 مليون نسمة، ويشكلون غالبية السكان بنسبة 50%، وفي منطقة السنجق المقسمة بين صربيا والجبل الأسود يوجد حوالي 700 ألف مسلم بوشناقي، بينما يعيش حوالي 120 ألف بوشناقي في جمهورية كرواتيا، و80 ألف بوشناقي في جمهورية سولفينيا.

أما في ألبانيا وإقليم كوسوفو وأجزاء من جمهورية مقدونيا فيشكل المسلمون الألبان غالبية السكان.

ومما يميز تاريخ هذه المنطقة في القرن العشرين أن مناطق المسلمين كانت مهملة من جميع أشكال التطوير، وقد تعرض المسلمون فيها لحملات متكررة من الاضطهاد والإبادة الجماعية والتهجير والتطهير العرقي، كما تتميز تلك الفترة بمصادرة ممتلكات المسلمين والمؤسسات الدينية الإسلامية ولاسيما الأوقاف.

ثم جاءت الحرب العدوانية التي شنتها صربيا والجبل الأسود ضد البوسنة والهرسك وإقليم كوسوفو، كما شاركت جمهورية كرواتيا في هذه الحرب الإبادية ضد البوشناق في البوسنة والهرسك.

وعلى سبيل المثال، تفيد الدراسات الأخيرة أن حجم الخسائر التي تكبدتها البوسنة والهرسك يفوق 80 مليار دولار، وقد شمل الخراب والدمار مختلف مرافق الحياة، مع التركيز بشكل أساسي على تدمير وإحراق المساجد والجوامع والكتاتيب ومقابر المسلمين والمدخارس الدينية، ونهب المصانع، وتدمير البنية التحتية من شبكة الكهرباء وسكك الحديد والجسور والطرق ومباني الجامعات والمدارس والمستوصفات والمستشفيات والمراكز التجارية والمباني السكنية، ناهيك عن الخسائر البشرية، حيث قتل أكثر من 12% من مسلمي البوسنة وشرد نصفهم، كما اغتصب جنود الغزاة عشرات الآلاف من النساء والفتيات المسلمات.

 

واقع المنطقة مع التركيز على أحوال المسلمين:

تعيش  المنطقة اليوم في ظل شيء من الاستقرار السياسي مع تنام خجول لمشاعر التعاون بين دول المنطقة ولاسيما بين دول يوغسلافيا السابقة، ويتمتع المسلمون في دول البلقان بدرجات متفاوتة من الحريات الدينية والسياسية والاقتصادية، مع وجود مظاهر ومؤشرات توحي برغبة بعض الجهات المحلية أو الخارجية بالإبقاء على التخلف والفقر بين المسلمين، والتقليل من تأثيرهم في شتى جوانب الحياة.

ويخوض المسلمون في البلقان عموما ودول يوغوسلافيا السابقة خصوصا معارك ضروسة من أجل تحصيل حقوقهم التي تضمنها لهم الشرائع السماوية والمعاهدات والمواثيق الدولية:

ـ قانونيا يسعى المسلمون لاستصدار قوانين تحفظ لهم حقوقهم كمواطنين شرفاء على أرضهم، ولقد صدر في الآونة الأخيرة قانون جديد للأديان والطوائف الدينية في البوسنة والهرسك.

ـ وسياسيا، فالمسلمون منظمون في أحزاب وجمعيات سياسية مختلفة الاتجاهات، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولكن التوجه السياسي الأساس يتمثل في حزب الحركة الديموقراطية الذي أسسه الرئيس المغفور له – بإذن الله – علي عزت بيغوفيتش، حيث يعتبر هذا الحزب، الحزب الأكبر بين المسلمين البوشناق في جميع دول يوغوسلافيا السابقة.

ـ وأقتصاديا، يعاني المسلمون من تأخر ملحوظ في هذا المجال، فقد استنفذت معركة الدفاع عن أراضيهم وأنفسهم كل ما لديهم من طاقات، وبلغ الدمار حدودا لا يستطيعون معا اتخاذ أي خطوة جدية للإصلاح الاقتصادي دون الحصول على مساعدات جدية وغير مشروطة من الدول المانحة.

ـ أما دينيا فإن المسلمين في الفترة الأخيرة يبدون اهتماما كبيرا بشؤونهم الدينية، فقد ارتفع عدد المدارس والمعاهد الدينية، وانتشرت ظاهرة ترجمة الكتب الدينية إلى اللغات المحلية، واندفعت أفواج الشباب البوشناقي إلى جامعات الدول العربية والإسلامية، وانطلقت عجلة تعاون المؤسسات الدينية المحلية مع نظيراتها في الدول الاسلامية والغربية، مع التزايد الملحوظ في اهتمام العالم بأوضاع المسلمين في المنطقة.

ولقد أدى هذا الانفتاح إلى بروز بعض الظواهر السلبية في مجال فهم الدين وتطبيقه وطبيعة العلاقات مع الغير، بينما تعاني المؤسسات الدينية الرسمية من نقص الموارد المالية مما ينعكس سلبا على أدائها في توفير الظروف الجيدة  لتطوير مستوى الكوادر الحالية وتخريج كوادر جديدة تكون على فهم جيد للواقع وتتقن الأساليب الناجعة في التعامل معه في سبيل تحقيق غايتها الدعوية والإرشادية.

ـ وعلى الصعيد الاجتماعي، فيعاني سكان المنطقة من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وسوء خدمات المؤسسات الاجتماعية، مع ارتفاع في تكاليف الخدمات الصحية والمرافق العامة، ومشكلة إعادة اللاجئين، وظهور فارق كبير بين طبقات المجتمع.

ـ وعلى الصعيد التعليمي والثقافي والإعلامي، ففي دول البلقان يعاني المجتمع المسلم في معظم جوانب الحياة التعليمية والثقافية والإعلامية، من نقص الموارد المالية والقدرات الفنية، وهذا ينعكس سلبا على وضع الخطط والبرامج الجيدة والكفيلة بتوفير مستويات أفضل في مجال التعليم والثقافة والإعلام الأيجابي للأجيال الناشئة، بما يتناسب مع الثوابت ومتطلبات العصر.

 

الاحتياجات:

بالرغم من الموقع الجغرافي الاستراتيجي لدول البلقان، والتجربة الطويلة لمسلمي المنطقة في التعايش مع أتباع الديانات السماوية الأخرى – سواء تحت الحكم الإسلامي أو في ظل حكومات غير إسلامية – مع إصرارهم على المحافظة على انتمائهم الروحي والثقافي إلى الأمة الإسلامية، وبالرغم من نجاحهم في التأقلم مع الأجواء الغربية دون التخلي عن هويتهم الإسلامية، إذ سجل التاريخ لمسلمي البلقان مواقف مشرفة في دعم القضايا الإسلامية المحلية والدولية، فبالرغم من كل ذلك فإنه يمكننا القول: إن هؤلاء المسلمين لم يحظوا في القرن العشرين بالاهتمام المنهجي المدروس، ولا سيما من إخوانهم في الدين، بل اقتصر الأمر على المساعدات العاجلة التي كان هدفها تخفيف وطأة المآسي التي كانوا يعاون منها، أو الاهتمام الفردي والمؤقت من حين لآخر.

ولكن مع الاعتراف بمسؤولية مسلمي البلقان وقياداتهم وتقصيرهم في التعريف بقضاياهم الحيوية،  فإنه من حق المسلمين في البلقان على إخوانهم أن يفسحوا لهم المجال للمشاركة الفعالة والجدية في مناقشة قضايا الأمة الإسلامية ومشاكلها الداخلية والخارجية، ولا سيما قضية العلاقة بالغرب، ومن حقهم أيضا على إخوانهم أن يولوهم اهتماما خاصا وأن يوجهوا شيئا من جهودهم المدروسة والمنهجية نحو الارتقاء بأحوالهم على مختلف الأصعدة.

واليوم يحتاج مسلمو البلقان من جهة إلى وقفة مع أنفسهم يراجعون فيها واقعهم ويتعرفون من خلالها على نقاط ضعفهم وتقصيرهم ، ويضعون الخطط والبرامج القصيرة والطويلة الأجل للنهوض من عثرتهم واللحاق بركب الحضارة.

ومن جهة ثانية فإنهم يحتاجون إلى وقفة منهجية مدروسة جدية وجريئة، يقفها معهم إخوانهم بحيث يتم وضع الخطط والبرامج والوسائل الكفيلة بتقديم جميع أشكال الدعم والتأييد على جميع الأصعدة، السياسية محليا ودوليا، وكذلك الاقتصادية والدينية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والإعلامية.

 

الحلول المقترحة:

لابد في البداية من التركيز على أن الحلول لن ترى ضوء النهار إلا باتخاذ قرار رسمي تشارك في اتخاذه، الجهات الرسمية والمؤسسات الحكومية والدولية المسؤولة والمختصة في العالم الاسلامي من جهة، والمؤسسات الممثلة لمسلمي البلقان من جهة اخرى، بحيث يحدد هذا القرار ضرورة البحث عن حلول لأوضاع المسلمين في منطقة البلقان. ويعتبر اتخاذ القرار السليم بهذا الشأن أمرا جوهريا تبنى عليه جميع الخطوات التالية.

كما يجب التركيز على ضرورة الاعتماد على المؤسسات الرسمية الممثلة للمسلمين في دول البلقان، بحيث تكون الطرف المشارك والفعال في جميع الإجراءات الهادفة الى تنفيذ قرار إصلاح أوضاع المسلمين في المنطقة، كل منها في تخصصها.

وبعد اتخاذ هذا القرار، يمكن تقسيم طريق الإصلاح إلى ثلاثة مراحل:

أولاً: مرحلة الفحص والتشخيص

يقع عبء هذه المرحلة على المؤسسات الرسمية المحلية لمسلمي البلقان، كل منها حسب اختصاصه، والتي يتوجب عليها اتخاذ الخطوات الآتية:

ـ تحديد لجان عمل مؤلفة من خبراء متفرغين، في كل دولة على حدة، وتقوم كل لجنة، خلال فترة زمنية محدودة، بدراسة أوضاع المسلمين في دولتها، وإعداد تقرير شامل ومفصل يتضمن وصفا تحليليا للأوضاع والاحتياجات.

ـ تقوم المؤسسات الرسمية المحلية بدراسة التقارير المقدمة من لجان العمل، وتخرج بتوصيات ومقترحات تقدمها إلى الجهات الاسلامية الحكومية والدولية المختصة.

ولابد في هذه المرحلة من مساهمة الجهات الإسلامية الحكومية والدولية المختصة وبشكل مباشر في إنجاح هذه المرحلة من خلال تقديم الدعم المادي والعلمي والفني.

ثانيا: مرحلة رسم الخطط ووضع البرامج وتحديد الوسائل وأدوات المتابعة

يقع عبء هذه المرحلة على المؤسسات الرسمية المحلية، والجهات الإسلامية الحكومية والدولية المختصة، فهي تشترك في تحديد الأجهزة المشتركة الممثلة لها، وتوفير الأجواء لالتقاء تلك الأجهزة، وتكون مهمة تلك الأجهزة أن تبحث توصيات ومقترحات المؤسسات الرسمية المحلية، وترسم الخطط وتضع البرامج وتحدد الوسائل وأدوات المتابعة.

ولابد في هذه المرحلة من مساهمة الجهات الإسلامية الحكومية والدولية المختصة وبشكل مباشر في إنجاح هذه المرحلة من خلال تقديم الدعم المادي والعلمي والفني.

وفي هذه المرحلة يتم تحديد مهام وواجبات الجهات الرسمية المحلية في دول البلقان، وكذلك مهام وواجبات الجهات الإسلامية الحكومية والدولية المختصة.

ثالثا: مرحلة التطبيق والتنفيذ

وبما أن عجلة الأيام لا تتوقف،  فإنه لابد للجهات الإسلامية الحكومية والدولية من الإسراع في اتخاذ الخطوات الجدية على طريق إصلاح أوضاع المسلمين في دول البلقان، وإننا اليوم نعتبر بعض الأمور ملحة جدا، ولا تتحمل التأجيل أو التأخير، ونذكر من هذه الأمور على سبيل المثال لا الحصر:

1ـ على الصعيد السياسي:

ـ منح مسلمي دول البلقان حق المشاركة الرسمية، من خلال ممثليهم، في المنظمات الاسلامية الرسمية الدولية، وخاصة في منظمة المؤتمر الاسلامي.

ـ تأييد قضايا مسلمي البلقان والدفاع عنها في جميع المحافل الدولية ولاسيما الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.

2- على الصعيد الاقتصادي:

ـ حث الجهات الاقتصادية المسؤولة في الدول الإسلامية على توظيف الشركات من دول البلقان في تنفيذ المشاريع الاقتصادية في دولها، وتقديم التسهيلات لها.

ـ تشجيع استيراد المنتجات من دول البلقان، وتقديم التسهيلات للشركات المستوردة.

ـ تشجيع وتوجيه المستثمرين من الدول الاسلامية لتوظيف أموالهم في مشاريع استثمارية في دول البلقان، سواء في البنية التحتية أو في مجالي الصناعة والزراعة.

3- على الصعيد الاجتماعي:

ـ المساهمة  العاجلة في برامج إعادة اللاجئين من خلال تمويل مشاريع إعادة بناء مساكنهم وتوفير الخدمات الصحية والاجتماعية.

ـ تمويل برامج إعادة التأهيل الاجتماعي، والدورات التأهيلية، للمتضررين بسبب الحروب والبطالة.

4- على الصعيد الديني:

ـ تحديد ميزانيات سنوية ثابتة للمؤسسات الدينية تساعدها على تغطية تكاليفها الإدارية، وتأهيل كوادرها للقيام بمهماتهم على النحو الأمثل.

ـ المساعدة السريعة والكافية في إعادة بناء المساجد المهدمة وترميم المتضرر منها، وإنشاء المساجد في الأماكن التي تفتقر إليها.

ـ المساعدة في ترميم المدارس الدينية وإنشاء الجديد منها، وتوفير المنح الدراسية لطلاب المدارس الدينية والجامعات الاسلامية في دول البلقان.

ـ تقديم الدعم الفني والمادي للارتقاء بالمناهج التعليمية الدينية بمختلف مستوياتها في دول البلقان.

ـ تشكيل لجنة خاصة في كل دولة من دول البلقان، تكون مهمتها إعداد دراسة خاصة عن حالة الأوقاف الإسلامية في تلك الدولة، وتقديم المقترحات للنهوض بمؤسسات الأوقاف، وتوفير الميزانيات اللازمة لعمل هذه اللجان وتدريب الكوادر التي ستشرف على عمل الأوقاف الإسلامية.