خصائص الحاكم الإسلامي أو خصائص القيادة الإسلامية
خصائص الحاكم الإسلامي أو خصائص القيادة الإسلامية
محسن السماوي - قم
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
قال تعالى:﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَاراً﴾(1).
وقال تعالى:﴿... وَاذكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(2).
الخلافة والخليفة، والخلائف، كلها مفردات قرآنية وردت في العديد من المواضيع والنصوص القرآنية، وورود هذه المفردات في القرآن يوحي على أهمية وحساسية موضوع الخلافة في القرآن الكريم، لذا كانت موضع اهتمامه من حيث التركيز والتكثيف لوجود الملازمة والرابطية الفكرية والحركية بين الخليفة والمجتمع من جهة، والخليفة وأقامته لأحكام الله من جهة ثانية، وهى الميثاق والعهد مع الله تعالى.
قال الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ...﴾(3) والميثاق يترتب عليه الاستخلاف وخلافة الإنسان في الأرض، ولكن «هذه الخلافة العامة للإنسان على الأرض ليست مطلقة،
ـ(520)ـ
ولا يتمتع بها الإنسان كيفما كان حاله، بل هي مشروطة بأصل التوحيد وأعمار الأرض»(4). وشرطية أعمار الأرض، وتوحيد الله تعالى يستبطن شروطاً وخصوصيات لدى الخليفة القائم على هذا الأعمار لتحقيق معنى العدالة الاجتماعية، وهناك ضوابط وكوابح «حددتها الشريعة من خلال القرآن وسنّة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام» كوظيفة أساسية لتحقيق مفهوم الميثاق، هذه الضوابط لها قيمتها العملية على صعيد الواقع.. وبما ان الأُمة الإسلامية آمنت بالعقيدة الإسلامية كمنهج في حياتها الواقعية فهي بحاجة إلى الخليفة الذي يمتلك خصوصيات قيادة التجربة لإدارة عملية الصراع الحضاري، والسياسي، والفكري، والنهوض بمستوى عُمق وطموح هذه التجربة، وستكون هذه الخصائص صمام الأمان في توجيه الخلافة، وتحديد إطارها العام.
يقول الإمام الشهيد الصدر «قدس سره» «الخلافة.. حركة دائبة نحو قيم الخير والعدل والقوة وهي حركة لا تتوقف فيها لأنها متجهة نحو المطلق وأي هدف آخر للحركة ـ سوى المطلق ـ سوى الله سبحانه وتعالى ـ سوف يكون هدفاً محدداً، وبالتالي سوف يجمد الحركة ويوقف عملية النمو في خلافة الإنسان. وعلى الجماعة التي تتحمل مسؤولية الخلافة أن توفر لهذه الحركة الدائبة نحو هدفها المطلق الكبير كلّ الشروط الموضوعية، وتحقّق لهـا منافعها اللازمة وتصوغ العلاقات الاجتماعية على أساس الركائز للخلافة الربانية»(5).
والسير إلى الله، والعمل على إقامة أحكامه، يستدعي الخليفة التلبّس بهذه الخصائص كوظائف مؤثرة في العقيدة والمجتمع. لانّ « الله ـ عزّ وجلّ ـ الذي استخلفه واسترعاه أمر الكون. فصفات الله ـ تعالى ـ وأخلاقه من العدل والعلم والقدرة والرحمة بالمستضعفين والانتقام من الجبارين والجور الذي لا حدّ لـه هي مؤشرات للسلوك في مجتمع الخلافة، وأهداف للإنسان الخليفة، فقد جاء في الحديث «تشبهوا بأخلاق الله». ولـمّا كانت هذه القيم على المستوى الإلهي مطلقة ولا حدّ لها، وكان الإنسان الخليفة كائناً
ـ(521)ـ
محدداً فمن الطبيعي أن تتجسد عملية تحقيق تلك القيم إنسانياً في حركة مستمرة نحو المطلق وسير حثيث إلى الله...»(6).
يقول العلاّمة الطباطبائي في هذا الصدد: «ومن شأن الخلافة أن يحاكي الخليفة من استخلفه في صفاته وأعماله فعلى خليفة الله في الأرض أن يتخلق بأخلاق الله، ويريد ويفعل ما يرده الله ويحكم ويقضي بما يقضي به الله ـ والله يقضي بالحق ـ ويسلك سبيل الله ولا يتعداها»(7).
«إذن فهي المشيئة العليا تريد أن تسلم لهذا الكائن الجديد في الوجود زمام هذه الأرض، وتطلق فيها يده، وتكل إليه إبراز مشيئة الخالق في الإبداع والتكوين، والتحليل والتركيب، والتحوير والتبديل، وكشف ما في هذه الأرض من قوى وطاقات، وكنوز وخامات، وتسخير هذا كلّه ـ بإذن الله ـ في المهمة الضخمة التي وكلّها الله إليه»(8).
إذن فالاتصاف بأخلاق الله تعالى من العدل، والرحمة، والعطف، والحنان والشجاعة إلى غيرها من الصفات، يُعدُّ أحد القواعد الفكرية المهمة لاختيار القيادة في الأُمة.
ولما كانت الخلافة والإمامة حالة طبيعية يتم تشخيصها من قبل الأُمة في واقعنا السياسي والاجتماعي المعاصر، فيحتّم على الأُمة اختيار الإنسان الذي تتوفر فيه الشروط الموضوعية لتسلم منصب الخلافة والإمامة في المجتمع والتي أخضعها القرآن الكريم لاعتبارات منطقية، فالاختيار يحتوي على الدّقة الموضوعية، لذا فالقرآن لم يعتبر اختيار الإمامة للأُمة يتم من خلال النزعة الشخصية، أو تتم في الإطار الحزبي الفئوي الضيّق، أو أسروي عشائري عشوائي قال تعالى:
﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(9).
فهو جعل تشريعي يخضع لاعتبارات وأسس فكرية واجتماعية سليمة، لذا تشكل
ـ(522)ـ
عملية الاختيار والانتقاء القاعدة البنيوية والفكرية الثانية في العملية الاستخلافية.
أما ما هي تلك الخصائص الفكرية والأسس الحركية العملية لذلك الاختيار؟
يقع البحث في ثلاثة عناصر بنيوية، تستبطن عدة مفاهيم ورؤى ذات العلاقة بموضوع منصب الخلافة والإمامة.
المبحث الأول: الكفاءة والقدرة والتي تدخل تحتها مفاهيم النضوج العلمي، والحس الاجتماعي، والشجاعة، والأقدام، والانفتاح لبناء العلاقات..
المبحث الثاني: الملامح الأخلاقية العامة كخصائص في الشخصية القيادية. كالمحبة والتواضع، والأسلوبية في التعامل مع القاعدة الجماهيرية.
المبحث الثالث: البناء الفكري والاجتماعي، بناء الأُمة عقائدياً، والرقابة والصيانة الاجتماعية، والمساواة والعدل بين أفراد المجتمع.
المبحث الأول:
الكفاءة والقدرة
1 ـ العلمية:
لا يمكن أن نتصور لخليفة ربّاني ينهض لقيادة الأُمة عقائدياً، لا يتمتع بمستوى علمي بارز يؤهله في قيادة المسيرة، ومواجهة المشاكل العقائدية والاجتماعية التي تحيط بالواقع الاجتماعي والسياسي.
وقد اختلف الفقهاء في تعيين المراد من الإمام. أو الخليفة من حيث المؤهلات العلمية.
قال ابن خلدون «... وأما شروط هذا المنصب فهي أربعة: العلم... فأما اشتراطه العلم
ـ(523)ـ
فظاهر لأنه إنّما يكون منفذاً لأحكام الله تعالى إذا كان عالماً بها، وما لا يعلمها لا يصح تقديمه لها. ولا يكفي من العلم إلاّ أن يكون مجتهداً لأنّ التقليد نقص، والإمامة تستدعي الكمال في الأوصاف والأحوال...(10).
وقال عبد القادر البغدادي: «أحدهما العلم، واقل ما يكفيه من أن يبلغ فيه مبلغ المجتهدين في الحلال والحرام وفي سائر الأحكام...»(11).
أما أبو بكر الباقلاني فيرى: «.. ان يكون من العلم بمنزلة من يصلح أن يكون قاضياً من قضاة المسلمين.. وأما ما يدل على أنه يجب أن يكون من العلم بمنزلة ما وصفناه فأمور.
منها: إجماع الأُمة على ذلك ممّن قال بالنصّ والاختيار.
ومنها: أنه الذي يولي القضاة والحكام وينظر في أحكامهم، وما يوجب صرفهم وجرحهم ونقض أحكامهم، ولن يملك علمه بذلك وتمكنه منه إلا بأن يكون منهم في العلم أو فوقهم.
ومنها: إجماع الأُمة على أن للإمام أن يباشر القضاء والأحكام بنفسه، ولا يستخلف قاضياً، ما استغنى بنفسه ونظره...»(12).
وقد تمت الإشارة إلى هذه الخصوصية وأهميتها عند الكثير من الفقهاء والمفكرين المسلمين، وقد أشار القرآن على ذلك عند وصفه للرسول القائد صلّى الله عليه وآله وسلم، قال تعالى:﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾(13).
وقد أشار العلامة الطباطبائي في تفسير هذا النص على أن الدين الذي جاء به الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم، هو الدين الوحيد الذي أحصى جميع ما يتعلق بحياة الإنسان من الشؤون والأعمال التي قسمها إلى طيبات فأحلها وإلى خبائث فحرّمها، ولا يعادله في تفصيل القوانين المشرعة أي شريعة دينية وقانون اجتماعي(14).
ـ(524)ـ
وقد أنجز الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم بنفسه المهام الأساسية في الحكم والإدارة، وتشريع القوانين وتنظيم حياة الفرد والجماعة، يمارس هذا الدور بحكم ولايته الشرعية المطلقة على الناس، وهذا ما يتطلب فيه من القدرة العلمية في تنظيم وتشريع هذه القوانين.
وقال الإمام علي عليه السلام: «يا أيّها الناس إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله»(15).
فالعمل السياسي والفكري النهضوي الذي يستهدف في تحركه إقامة الدولة والمجتمع الصالح يتطلّب قيادة إسلامية عالمة بالأحكام والقوانين التشريعية ومصادرها الأساسية، لأن الأحكام والتشريع هو العمود الفقري لجسم الدولة وهو يحدد مسيرتها وإطارها الفكري العام. والفقيه، العالم هو صمام الأمان لتنفيذ مبادئ الشريعة على أساس قدراته الفقهية التشريعية الفذة حتى لا تتخبط مسيرة الدولة في متاهات القوانين الوضعية..
ولهذا فالقرآن الكريم يرفض كل المقاييس والمعايير عدا المعيار العلمي، والقدرة الكفائية في بعث القادة الرساليين قال تعالى:﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾(16).
فالعمل التغييري الثوري والتجديدي ينطوي على تغيير في المفاصل الفكرية والعقيدية في حياة الناس وهذا ما يستدعي إلى توفير قواعد فكرية، وقوالبا عقيدية في تغيير المفاهيم السائدة في حياة هذا المجتمع، أو تلك الأُمة، وتلعب القيادة دوراً كبيراً مؤثراً في العمل على توفير الأرضية المناسبة لتأخذ هذه المفاهيم التغييرية موقعها المناسب في حياة الناس، والمسيرة الإلهية حركة واحدة، ذات سلسلة تاريخية ممتدة طويلة وان اختلف الزمان والمكان في بعث الأنبياء، فالحركة واحدة، وغاياتها واحدة، وان اختلفت
ـ(525)ـ
الخصوصيات الفكرية تبعاً لاختلاف الأزمنة. قال تعالى:﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً﴾(17).
والعلمية التي نريد ليس أن تتوفر الشخصية القيادية، وأن تكون مستوعبة لكل المعارف والعلوم الإنسانية والطبيعية، بل الذي نريد هو الإحاطة بعلوم الشريعة الإسلامية، ومعرفة القواعد الكلية العامة للتشريع الإسلامي فمن العسير أن يحيط القائد أو الفقيه المرجع بكل العلوم وإن كان يحتاج على سبيل الإيجاب الجزئي إلى التوفر على بعض العلوم والمعارف الإنسانية حتى يكون قادراً على تطبيق القواعد التشريعية للفقه الإسلامي من خلال هذه المعرفة.. ولهذا يمكن أن يستعين الفقيه القائد بالخبرات والاختصاصات العلمية من أبناء المجتمع الذين يرفدونه بالتجارب والخبرات العلمية الحديثة ليطبق تلك القواعد الكلية العامة أو يستنتج منها أحكامه الشرعية، لهذا تأتي أهمية هذه الخصوصية في رفد حركة الأُمة بالأحكام الإسلامية المنسجمة مع الواقع الفكري والاجتماعي المعاصر والعام في الحياة ويحقق معنى الخلافة الإلهية الحقّة على الأرض..
2 ـ الحس الاجتماعي:
لكل أمة من الأمم، ولكل مجتمع من المجتمعات تقاليد وأعراف اجتماعية سائدة. بل هناك مجتمعاً واحداً نجد فيه نسيجاً مختلفاً غير متجانس من الثقافة والأعراف بوجود القوميات المختلفة فيه من حيث اللغة، والثقافة والتمدّن، والمعتقدات الدينية والمذهبية والأعراف الاجتماعية التي تتحكم بقومية دون أخرى في ذلك المجتمع.
وعلى ضوء هذا يتحتم على القائد المثالي أن تكون لـه إحاطة اجتماعية واسعة من خلال الحس والحركة في الواقع، فهناك بوناً شاسعاً بين المعرفة الحسية الواقعية من خلال الدراسة الميدانية، وبين المعرفة النظرية المحضة كما هو الحال، الفرق بين النظرية والتطبيق للمفاهيم والأفكار.
ـ(526)ـ
هذا الحس الواقعي يمكن ملاحظته من خلال حركة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم، وهو يمارس دوره الاجتماعي كقائد للأُمة. فقد تولى مسؤوليات القضاء في المدينة بين الناس، ونفذ العقوبات، والتعزيرات والحدود، كما نفذ بعض أصحابه مسائل قضائية عندما تولوا القضاء كالإمام علي عليه السلام الذي تولى القضاء في اليمن.. كذلك معاذ بن جبل، ومعاذ بن نوفل، وأبو موسى الاشعري...(18).
ولهذا فان الجهل بالواقع، أو فقدان الإحساس بأوضاعه يبعده عنه أولاً ويسلّمه إلى القوى الأخرى.. فيوجهوه في غير الوجهة التي يتجه إليها في عقيدته ودينه ثانياً(19).
وقد وجه القرآن النبيّ الأعظم في أن يكون لـه حضوراً اجتماعياً فاعلاً ومؤثراً في الوسط الاجتماعي قال تعالى:﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾(20).
لأنّ الأسلوب الانزوائي في العمل الفكري والاجتماعي، لا يجعل القيادة لها الدور الكبير في العملية التغييرية، ولهذا فقد أحس الكافرون والمشركون ما لدور النبي صلّى الله عليه وآله وسلم المؤثر في المجتمع، فأخذوا يبحثون عن الأساليب الفاعلة لأبعاده صلّى الله عليه وآله وسلم عن هذا الدور، قال تعالى:
﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُوراً﴾(21).
وقد أجاب القرآن على هذا الاتهام بقوله: ﴿وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً﴾(22).
ومن هنا يظهر معنى قولهم:(مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق)
ـ(527)ـ
يراد منه ان الرسالة لا تجامع أكل الطعام والمشي في الأسواق لاكتساب المعاش فإنها اتصال غيبي لا يجامع المتعلقات المادية، وليست إلاّ من شؤون الملائكة(23)..
ومن خلال هذا يتضح ان المشركين كانوا يسعون جادين في ممارسة الضغوط النفسية والاجتماعية على الرسول لأبعاده عن الحياة الاجتماعية والقرآن الكريم يدفعه إلى الحضور الاجتماعي الفاعل لممارسة دوره الرسالي والتبليغي بين أفراد المجتمع من خلال حضوره الواقعي المثالي الفاعل لأن طبيعة الإنسان يتأثر بأخيه الإنسان، ويتفاعل معه، يتأثر بتفكيره وبأخلاقه، وسلوكه، ويستمع إلى ما يقولـه من الحق والصدق لهذا أخذوا يحاولون عزل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم عن الأُمة بإثارة بعض الشكوك وانتحال بعض الشبهات لأبعاد الناس عنه صلّى الله عليه وآله وسلم، حتى ان الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام حذّر واليه في مصر من مغبة الإطالة في الاحتجاب عن الناس إذ قال عليه السلام: «وأما بعد فلا تطولن احتجاجك عن رعيتك فان احتجاب الولاة عن الرعية شُعة من الضيق وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل»(24).
وإذا كان القرآن الكريم قد دفع بالقيادة الإسلامية إلى عمق المجتمع فانه لم يطلب منها الحضور الاجتماعي فحسب بل أكّد على وجود الرابطية والتفاني والإيثار بين القيادة والأُمة لأنّ الأُمة عندما تتحسس وجود حالة التفاني والإيثار والسلوكية الأخلاقية العالية لدى قيادتها فإنها تنظر بعين الود والاحترام والالتزام بخط ونهج قيادتها، لان القيادة أضحت تعيش الهموم والمعاناة التي تحملها الأُمة فلا تنفصل عنها، وقد أكد القرآن في العديد من آياته على تلك الرابطة التي تحكم علاقة الأُمة بقائدها من خلال السلوك المثالي للقيادة. قال تعالى:﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً﴾(25).
وقولـه تعالى:
ـ(528)ـ
﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾(26).
وقولـه تعالى:﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾(27).
ومن خلال ذلك يتضح إرسال الأنبياء والرسل قادة للأُمة، لماذا لم يختار الله ملائكة لأداء هذا الدور الرسالي الخطير؟ وهذه شبهة أثارها المشركون بوجه رسول الله كما مرّ سلفاً: ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً﴾.
ومن الواضح ان الرسول(الإنسان) يختلف جوهرياً عن الرسول(الملك) لان الرسول(الإنسان) يمتلك من مقومات الإنسانية ما تجعله أن يؤثر في الحياة الإنسانية، فيكون القدوة في حياة الإنسان، القدوة في الحركة، القدوة في الفعل، القدوة في العمل، القدوة في التفكير، القدوة في العواطف والأحاسيس، ولهذا فان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم لم يأمر قومه بشيء إلاّ أتمر به قبلهم، ولم ينهاهم عن شيء إلاّ ونهى نفسه عنه أولاً لهذا يكون قدوة وأسوة لهم يتأثرون به فهو يأكل كما يأكلون، ويشرب كما يشربون، وينكح كما ينكحون النساء ويحب ويبغض وينام ويمشى، ويتعب فيستراح... وهكذا فان الرسول(الإنسان) تتوفر عنده كل الخصائص والمقومات الإنسانية، مادية ومعنوية معاً، أما الرسول(الملك) فانه يفتقد الكثير من هذه المقومات، لهذا لا يصلح لأداء هذه المهام الاجتماعية الخطيرة فيكون نصيبه الفشل في الميدان لأنه سيواجه نوعاً من المخلوق يختلف عنه جوهرياً. لذا تأتي حكمة وفلسفة بعث الأنبياء كقادة للناس من النوع الذي يتأثرون به ويتأثر بهم، وهذا التأثر بين القيادة والأُمة لا يأتي جزافاً، بل يأتي من خلال الحس والروح الاجتماعية التي
ـ(529)ـ
تتطبع بشخص القائد الرسالي، فالعزوف أو الاعتزال والهروب من الميدان الاجتماعي نصيبه الفشل والسقوط الفكري والسياسي معاً، لأنّ الأُمة لا تتأثر بإنسان يعيش في الأبراج بعيداً عن همومها مهما أوتي من العلم والمعرفة.. أما الحضور الميداني خصيصة مهمة من خصائص القيادة تذلل رقاب الناس، وتنقاد إليه وتتأثر به.
3 ـ المواجهة والأقدام
يحتاج العمل التغييري، في الكثير من الظروف التي يمرُّ بها، وحركة الصراع الذي تمارسه حركة الرسالة الإسلامية، إلى المواجهة والأقدام والشجاعة الميدانية، وهي إحدى متطلبات الخصائص المهمة في الشخصية القيادية، سواء كان على مستوى العمل الخارجي، والذي يتطلب في بعض الحالات إلى تلك الجرأة والشجاعة لمواجهة التحديات الخارجية أو على المستوى الداخلي من تقنين وتطبيق الأحكام الإسلامية والذي يتطلب هذا الأقدام والجرأة، ولذلك أمرّ الله تعالى النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم في تطبيق الأحكام في المجتمع المسلم، وعدم التواني والتقاعس لاجراءها. قال تعالى: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(28).
وقد أماط الفقهاء المسلمون اللثام عن خصوصية الشجاعة في شخصية القيادة الإسلامية، وتحدثوا عنها بإسهاب لأهميتها وضروريتها.
قال ابن خلدون: «وأما الكفاية فهو أن يكون جريئاً على إقامة الحدود، واقتحام الحروب بصيراً بها، كفيلاً بحمل الناس عليها، عارفاً بالعصبية وأحوال الدهاء، قوياً على معاناة السياسية ليصح لـه بذلك ما جعل إليه من حماية الدين، وجهاد العدو وإقامة الأحكام، وتدبير المصالح...»(29).
وقال شارح «المواقف»: «ذو رأي وبصيرة بتدبير الحرب والسلم، وترتيب
ـ(530)ـ
الجيوش، وحفظ الثغور، ليقوم بأمور الملك شجاع قوي القلب، ليقوى على الذب عن الحوزة، ولحفظ بيضة الإسلام بالثبات في المعارك»(30).
لذلك فان بعض الظروف الحركية التي تمرّ بها حركة الدعوة الإسلامية تتطلب شيئاً من الأقدام والحدّية. ولهذا عندما استنفذت أغراض الحوار الفكري والعقائدي، وأخذ المشركين يواجهون النبي ودعاة الإسلام باستحداث أساليب القتل والسجن والتعذيب، أمر الله تعالى رسوله في الإعلان عن الدعوة لضرورة الظرف الذي تمرُّ به حركة الإسلام بعدما أضحى أمراً واقعاً في المجتمع لا يحتاج فيه العمل أسلوب السرية والإخفاء، قال تعالى:﴿وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ * كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ * فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ﴾(31).
وهذا الأقدام والتحدي نتلمسه في شخصية إبراهيم عليه السلام عندما استنفذ جميع الأغراض السلمية، رأى من الحكمة المواجهة لكسر طوق العزلة الذي يحاول الظالمون والمترفون فيه، الوقوف بوجه الرسالة، ولهذا قال لهم إبراهيم عليه السلام ـ كما جاء النص في القرآن: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾(32).
ولا يعني هذا ان العقيدة الإسلامية تدعو إلى العنف وممارسة القوة في نشر دعوتها وهذه شبهة وجهها الاستعمار الحديث إلى الدين الإسلامي. بل ان الإسلام هو دعوة للحوار العقيدي من خلال الأدلة والبراهين المنطقية دون ممارسة الضغط والقول وهذا هو الشعار
ـ(531)ـ
الذي يرفعه لممارسة الكلمة الطيبة والحوار الهادف بالحكمة والموعظة الحسنة، بيد ان ظروف هذه الكلمة، حاول أعداء الإسلام مواجهتها بالقوة وممارسة الظلم، هذا ما شهدته رسالات السماء في الكثير من العصور، لذلك كانت الدعوة بحاجة إلى القوة والاستعدادات للدفاع عن أسلوب الحوار العقائدي والفكري. لأنّ المجتمع الإسلامي قائم على أساس «العدالة، ويحمل رسالة العدالة، فهو بطبيعة الحال معرض للعدوان بالإضافة إلى ملاحظة أن العدوان طبيعة ثابتة في الدول ذات الأنظمة والفلسفات المادية والضالة.. ولذا ففي حين ان مبادئ السلام، والحوار، والتعايش، والتعاون مع الآخرين، سمات ثابتة في تكوين المجتمع الإسلامي فانه ـ بسبب استهدافه للعدوان من القوى الخارجية ـ يستعد للحرب الرادعة وللدفاع ضد العدوان»(33).
ولهذا فرض الله تعالى على المسلمين الاستعداد والتهيأ لمواجهة أي عدوان يفرضه الظرف الذي يعيشه الإسلام مع القوى الضالة قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾(34).
ولهذا نجد العديد من النصوص الحركية في القرآن الكريم تدعو القيادة الإسلامية إلى ممارسة العمل الميداني من خلال الأقدام في مواجهة أي تحدي عدواني على مستوى مشاكل الداخل التي تواجه المجتمع المسلم، وتعمل على هتك حرمة النظام والقانون الإسلامي، لذا جاءت أهمية توفر عامل الشجاعة بالنسبة للقائد الإسلامي في مواجهة ذلك. كذلك عندما ندرس التاريخ الإسلامي دراسة واعية فإننا سنجد على مواقف كبيرة وقفها الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في مواجهة هذه التحديات التي يمكن الاستعانة بها في حركة الإسلام الحديث وهو يواجه التحديات في العصر الحاضر كمنطلق في حركة العقيدة والفكر السياسي الإسلامي.
ـ(532)ـ
4 ـ الانفتاح وبناء العلاقات:
الإسلام رسالة عالمية شمولية لجميع أبعاد الحياة، لا يختص بإقليم معين، وليس يعيش الحالة الطائفية الضيقة، لهذا فان الله تعالى قد خاطب رسوله، بأنه رسولاً للناس جميعاً:﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً...﴾(35).
وهذا الانفتاح الرسالي الشامل خصوصية ذات معنى سياسي وعقائدي لاستيعاب والتأثير على كل الأقطاب والمحاور التي تعيش الحالة غير الإسلامية، وهذا ما يتطلبه العمل الرسالي والقيادة الرسالية من توفير كل مقومات الانفتاح الفكري والسياسي على تلك الأقطاب والمحاور لبناء العلاقات السياسية والفكرية وفق الضوابط والأسس الإسلامية الصحيحة حتى ان الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلم «وضع.. أسس العلاقات الخارجية مع الأقوام والدول الأخرى. فأنشأ علاقات مع نصارى(نجران) وبعض القبائل. وأوفد السفراء إلى الدول الأجنبية(مصر، وفارس، وبيزنطية، والغساسنة) وغيرهم. وعقد المعاهدات، وهادن بعض الجماعات، والقبائل، ورفض الهدنة مع البعض الآخر(36).
فالإسلام يملك رؤية واعية لدراسة وبناء العلاقات الدولية، لأنه يحمل أهم أيديولوجية عالمية واسعة، لأنه ينظر إلى الناس جميعاً نظرة إسلامية وإنسانية واعية قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾(37).
ويقول أحد المستشرقين: «ان الإسلام ترسّخ، بطموحه لحمل الشريعة النهائية، وإصلاح النظام الكوني. أيديولوجية عالمية. وكان على العالم الإسلامي الخاضع لشريعة إلهية صريحة ذات دعوة عالمية، أن يحدد نمط العلاقات التي كان في وسعه عقدها مع الأمم المجاورة..»(38).
وقد وجه القرآن الكريم رسوله الكريم في تأسيس مبدء الحوار الفكري ومد
ـ(533)ـ
جسور العلاقات العقائدية مع الفكر الآخر رغم الاختلافات الأيديولوجية، وفق الضوابط والموازين الشرعية قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾(39).
«وأنها لدعوة منصفة من غير شك، دعوة لا يريد بها النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أن يتفضل عليهم هو ومن معه من المسلمين.. كلمة سواء يقف أمامها الجميع على مستوى واحد لا يعلو بعضهم على بعض، ولا يتعبد بعضهم لبعضاً..»(40).
وهذه الانطلاقة القرآنية تحدد طبيعة الانفتاح الفكري، وتنظيم أسس العلاقات الخارجية مع القوى الفكرية الأخرى، خصوصاً إذا كانت تحمل متبنيات فكرية ذات قواسم مشتركة مع الفكرة الإسلامية، وان اختلفت في بعض الأطر والوظائف والمباني الفكرية فإنها تلتقي في مفهوم التوحيد كركيزة أساسية في العلاقات الدينية والمذهبية.. «وبذلك نبتعد عن أجواء التعصب الذي يتجمد فيه الإنسان أمام قناعاته ولا يتحرك خطوة واحدة إلى الأمام في مجال المناقشة والحوار، بل يعمل على المحافظة، بكل ما في طاقته على مواقعه الفكرية والعملية، وبروح متزمتة حاقدة ويمكننا في هذا الاتجاه أن نلتقي بالأساليب الهادئة المتزنة التي تحتفظ بأفكارها عندما نحتفظ بها من موقع الانفتاح على الأفكار الأخرى ومناقشتها لحساب وتحصيل القناعات من خلال ذلك كله.»(41).
وقد ولدت القناعات القرآنية في أن تبعث الرسول إلى مخاطبة فرعون الذي كان يتمشرق بالألوهية الواهية لتثبت قاعدة سياسة الانفتاح رغم وجود الحواجز النفسية قال تعالى كما في قصة موسى عليه السلام: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾(42).
وفي موضع آخر من القرآن:
ـ(534)ـ
﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى﴾(43).
وهنا تكمن من خلال هذه النظرة القرآنية في تحديد ملامح ومقومات السياسة الانفتاحية لبسط النفوذ وإيصال الكلمة الرسالية الهادفة في بناء العلاقات، والتخلص من الموانع والحواجز التي تقف دون ذلك، وهذه خصوصية من خصائص القيادة الإسلامية المنفتحة على الواقع لترشيد وتكوين المفهوم الإسلامي الواعي لإنجاز هذه المهام.. والتخلص من النظرة الضيقة، والتشويه المتعمد الذي يثيره خصوم الإسلام تجاه الدعوة والعنصر الضيق في حركته.
المبحث الثاني:
الملامح الأخلاقية العامّة
وفي هذا المبحث نريد التركيز على بعض الخصائص الخلقية المهمة المتكونة في شخصية القائد الرسالي، والتي تترك أثارًا إيجابية فاعلة في حياة الأُمة ومنها:
1 ـ المحبة:
عند دراسة الأبعاد الحركية والفكرية للقرآن الكريم نجده قد تحدث بإسهاب عن حالة المعاناة في شخصية الرسالات من موقع حبهم وشعورهم العاطفي المرهف تجاه الأُمة التي عاشوها قال تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾(44).
ـ(535)ـ
وقولـه تعالى: ﴿... فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾(45).
ثم قولـه تعالى: ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾(46).
ففي هذه النصوص القرآنية محفزاً قوياً لتهدئة خواطر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم لأنه يتألم ويحزن على سلوك قومه ومعاندتهم لخطه الرسالي فالقرآن من خلال هذه اللفتات يريد أن يُؤسس قواعد في شخصية الرسول كأسس ومنطلقات حركية تخدمه في سيرته الرسالية، وأن تتكون في روحه أن قبول المجتمع لدعوته أو رفضها لا تعدوا أن تكون مسألة طبيعية في خط الرسالة، وان يحمل هم التوازنية، وان لا يتحسس ويتألم من قومه.. ولهذا نجد من خلال ذلك وجود هذا الهم الرسالي الفياض تجاه الأُمة لأن القيادة الإسلامية الميدانية كلما كانت تحمل هذا الهم وتلك الروح، وذلك الإحساس الرسالي المرهف كلما كان لها التأثير العملي والواقعي في حياة الناس. فتتلاحم معه، وتذوب في خطه ومنهجه. قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾(47).
وقولـه تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾(48).
وقولـه تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾(49).
ولهذا فإننا «نلتقي بالصورة المشرقة المتمثلة في رسول الله في قلبه الكبير الرحيم الرقيق الذي يتسع لكل مشاكل المسلمين وأخطائهم فلا يتعقد ولا يتشنج ولا يضيق ولا يقسو، بل ينفتح ويتسع ويرق ويلين، وفي أسلوبه الرقيق الذي يتفايض بالأحاسيس الطيبة والمشاعر الطاهرة، والنبضات الرحيمة.. فلا تتحرك كلماته من موقع قوة لتؤذي المشاعر،
ـ(536)ـ
ولا تنطلق من حالة فظاظة لتدمي الإحساس، بل هو اللين والرحمة والعطف والعاطفة والحميمة التي تدخل إلى القلوب بكل عفوية وبساطة ومحبة..»(50).
وإذا كان قلب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم يحمل تلك المحبة والعاطفة تجاه أمته فان الأُمة ستنقاد إليه، مادامت تتحسس تلك العاطفة الرحيمة الودودة، لهذا فالقرآن يوجه الأُمة في الانقياد والطاعة للرسول والالتفاف حول قيادته الرشيدة الواعية قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ الله كَثِيراً﴾(51).
وقولـه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾(52).
وبدون هذه العاطفة وذلك الحنان فان الأُمة ستتمرد على قيادتها عندما تحس منها الغلظة والخشونة والقسوة في المعاملة، فالقرآن يريد أن يوجد رابطة محكمة بين القيادة والقاعدة من خلال هذه المشاعر والعواطف والتي ستترك آثارها الإيجابية في حركة الصراع قال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾(53).
وقد جسّد الإمام علي هذا المعنى في خطابه السياسي لعامله على مصر إذ قال عليه السلام: «واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولاتكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فانهم صنفان إمّا أخٌ لك في الدين وأما نظير لك في الخلق يفرط بينهم الزلل، وتعرض لهم العلل وتؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه..»(54).
ـ(537)ـ
2 ـ الأسلوب وآلية الخطاب:
أما البُعد الأخلاقي الآخر الذي يلعب دوراً خطيراً في عملية التغيير الاجتماعي هو الأسلوبية، وآليات التخاطب الفكري والسياسي، والذي يستدعي توفرها في الشخصية القيادية، من خلال الأسلوب المنسجم مع الخط الإسلامي بصورة عامة، حتى أن القرآن الكريم استعمل مفهوم الحكمة في هذا التعامل والتخاطب. قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾(55).
وهذا النص القرآني يريد أن يقول ابحثوا عن أدوات التخاطب من خلال الدليل والبرهان المنطقي، والأسلوب الذي يكسب العدو ولا ينفره من الدين الإسلامي، كما ان القرآن يطالب المعاندين والجاحدين لمنهج الرسالة إبداء دليلهم في القضايا التي يطرحونها «قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين» فانه يوجه المسلمين إلى الالتزام بهذا المبدأ الفكري العام للوصول إلى الأهداف العليا في حركة الإسلام، لذلك دعى الله نبيه إلى الابتعاد عن أسلوب الخشونة والغلظة كما مرّ سلفاً قال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾(56).
فالآلية، الناجحة في التخاطب الفكري والسياسي قد تفتح الطريق أمام العقد والحواجز التي تعمل على إبعاد الناس عن الفكرة الصحيحة، لهذا أمر القرآن النبي الأعظم أن يفتح قلبه وأحاسيسه للمشركين الذين حاربوه لان هؤلاء قد يعيشون البعد وعدم النضوج العقائدي لتقبل الفكرة الإسلامية وعن طريق هذا الانفتاح الواسع قد يهتدي الإنسان به إلى الصواب قال تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ﴾(57).
ـ(538)ـ
فالقرآن يوجه القيادة الإسلامية في أن تهيأ أجواء الأمان والطمأنينة للعدو ليكسب العقول والنفوس من خلال آلية خطابية تعتمد الذكاء والمرونة، والانفتاح، رافظاً الانفعالية، وهذا معناه انه يفتح الطريق أمام خصومه ليطرحوا الأفكار والمباني التي تزخر بها عقائدهم. فلا ينفعل أو تسري إلى نفسه روح الانهزامية الفكرية، مادام يعتمد في أسلوبه ومنهجه على القدرة الإلهية المطلقة التي تزوده بكل أدوات المعرفة واليقينية للخط الذي سار عليه. ولهذا يدعوه القرآن إلى الصبر وعدم إبداء الضيق قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾(58).
وقولـه تعالى:﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾(59).
والقرآن الكريم يريد أن يضع الرسول أمام هذه الحقائق والسنن الاجتماعية، فالتجرد والرفض والعناد والمكابرة مفاهيم متأصلة في سلوك المجتمعات فهي بحاجة إلى التروي والحكمة والأسلوبية للتخلص منها بلا مجافاة أو لا أبالية تعمل على هتك حرمة العلاقات الاجتماعية أو تُنفرز المجتمع من قيادته ولهذا نجد الإمام علي عليه السلام يوصي أحد ولاته بالموازنة والسلوكية المنضبطة عند مواجهة الناس فيقول عليه السلام: «واخفض للرعية جناحك وألن لهم جنابك وآس بينهم في اللحظة والنظرة»(60).
3 ـ التواضع:
وهذه من أبرز الخصائص الأساسية في الفكر السياسي الإسلامي، فالتواضع يعمل على تأسيس وتكوين قوة اجتماعية كبيرة تلتف حول القيادة الإسلامية، حتى أن القرآن الكريم وسيرة الرسول وأهل بيته ركزت على هذه الخصيصة لأهميتها ودورها الاجتماعي
ـ(539)ـ
الكبير. وقد جاءت الخطابات القرآنية مرّة بصفة عامة، تخاطب الجماعة الإسلامية المؤمنة. كما في قولـه تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً﴾(61).
وأخرى خصصت النصوص القرآنية خطابها بتوجيهه مباشرةً إلى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم قال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(62).
وهناك نصوص قرآنية أخرى تناولت مفهوم التواضع بشكل واضح وصريح داعية الجماعة الإسلامية الواعية إلى التحلي بهذا المفهوم قال تعالى: ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً﴾(63).
وفي وصية لقمان الحكيم لابنه:
﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير﴾(64).
وقد حذر أمير المؤمنين علي عليه السلام أحد ولاته من الإعجاب بالنفس، وحب الإطراء والتمرد الخلقي قائلاً: «وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء، فإنّ ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين. وإياك والمّن على رعيتك بإحسانك، أو التزيد فيما كان من فعلك»(65).
والوالي يعتبر في موضع القائد والممثل الشرعي للخلافة الإسلامية، فلابد أن تتوفر فيه خصال التواضع وخفض الجناح ليشكل هذا المفهوم بُعداً أخلاقياً تأثيراً على نفوس الناس فتلتزم الطاعة والانقياد للوالي أو الخليفة. لذا ركز أمير المؤمنين على هذا البُعد
ـ(540)ـ
الأخلاقي..
المبحث الثالث:
البناء الفكري والاجتماعي
1 ـ بناء الأُمة عقائدياً:
تحتل المسألة العقائدية والفكرية موقعاً مهماً في حياة الأُمة. فكل مجتمع لـه تركيبة عقائدية، وقاعدة فكرية ينطلق من خلالها في حياته وحركته، وهذه العقائد أو الأفكار هي التي يتكون منها تاريخ وحضارة الأُمة. والإسلام أراد أن يعالج واقع الإنسان على ضوء ما آمن من المثل والقيم في منهجه كطريق للحياة، ودون الاعتماد على الأفكار الأخرى، كي يحافظ على سلامة المجتمع من الأفكار الأخرى، فيسعى إلى تأطير المجتمع بسياج فكري متين للتخلص من مشارب الأفكار المادية الضالة. ولهذا أخذ الإسلام يهتم ببناء المجتمع الإسلامي بناءً عقائدياً وفكرياً من خلال مؤسساته ومعاهده الفكرية التي تخضع لسلطة الولي الفقيه، والقائد الإسلامي النموذجي لهذا فالإسلام لم يعمل لإصلاح الإنسان دون إصلاح المؤسسات الاجتماعية.. كما فعلت المذاهب والدعوات الحديثة ففشلت وإنّما أصلح الواقع والإنسان معاً(66).
لذا ركزت كل دعوات الأنبياء على مسألة الإصلاح الفكري والعقائدي. قال تعالى: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾(67).
وقولـه تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾(68).
وعن الإمام الحسين عليه السلام قال: «اللهم انك تعلمُ انه لم يكن الذي كان منا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فضول الحطام ولكن لنري المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلومون من عبادك..»(69).
ولهذا تظهر فلسفة بعث الأنبياء والمصلحين في تاريخ البشرية، ان هناك وضعاً اجتماعياً وعقائدياً فاسداً بحاجة إلى التغيير والإصلاح وهذا يتم من خلال قطبين أساسيين في العملية التغييرية. القطب الأول: وهو عملية هدم الأفكار الفاسدة، والقضاء على كل ألوان التخلف الفكري والاجتماعي، والثاني هو ممارسة العمل الفكري من خلال وضع المناهج الدراسية الواعية، لأن المجتمع لا يمكن أن يكن يعيش في فراغ فكري، والإسلام كعقيدة تملك مقومات ملئ هذا الفراغ، ومن الطبيعي إنّ العمل العقائدي والبنيوي يواجه مشاكل فكرية واجتماعية كبيرة وشاقة. لأن عملية هدم الأفكار والمخلفات الاجتماعية قضية ليست بالسهولة القضاء عليها، كذلك وضع الأدوات العقائدية الجديدة بحاجة إلى النفس الطويل الذي تتمتع بها القيادة الإسلامية التي تمتلك الدولة فتعمل من خلال مؤسساتها الثقافية الواعية على ترشيد حركة الفكر والبناء العقائدي للأُمة، لهذا دعي القرآن الكريم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم إلى الصبر والاستقامة في طريق المعاناة: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾(70).
﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً﴾(71).
وقولـه تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾(72).
وفي هذا الخطاب دعوة إلى النبي في الاستمرارية في خط الأنبياء والرُسل، لهذا يظهر من خلال ذلك ما للمشاكل من دور كبير في تثبيت القيادة، ومحاولة شل حركتها السياسية، لهذا فهي بحاجة إلى المواصلة في الطريق لتكوين بنية تحتية ذات بُعد عقائدي وفكري لتحصين المجتمع..
ـ(542)ـ
2 ـ الرقابة والصيانة الاجتماعية:
أما الرقابة وصيانة الحقوق والواجبات الاجتماعية تُعدُّ من أساسيات النظام السياسي الإسلامي، وقد بذل الإسلام جهوداً حثيثةً في سبيل ضمان الحقوق الفردية والاجتماعية للمجتمع، وعلى سبيل المثال، اننا عندما ندرس النصوص النبوية. فان هناك اهتماماً واضحاً من قبل الرسول الأعظم لتنظيم الاقتصاد الإسلامي وتطبيقه في مجالات متعددة حتى لا يتم استغلال واحتكار البضائع من قبل المتلاعبين بالسوق..
روى الطبراني أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أقرّ اختيار موضع في المدينة ليكون سوقاً لها: وقال: «نعم سوقكم هذا، فلا ينقص ولا يضربن عليكم خراج»(73).
«والظاهر ان المراد من الخراج ضريبة الانتفاع بالسوق، فدلّ على أن السوق من المرافق العامة التي ينتفع بها مجاناً..»(74).
«والظاهر أنه صلّى الله عليه وآله وسلم كان يعهد إلى بعض النساء أن يتولين مراقبة النساء البائعات، ومسلكهن في السوق التي تختلط فيه النساء بالرجال، وقد يحصل نتيجة ذلك بعض ما يخالف الشرع والآداب العامة»(75).
«ويظهر من الأخبار الكثيرة التي رويت عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في تحريم الاحتكار، وذمه، والنهي عنه، ولعن المحتكرين، ان ظاهرة الاحتكار كانت شائعة في المدينة، وغيرها في الدول الإسلامية.. وإنها تكررت في عهد النبي صلّى الله عليه وآله وسلم مرات عدة..»(76).
وفي رسالة الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر، لما أراد توليته على مصر أمره عليه السلام أن يردع المحتكرين، ويقف أمام تصرفاتهم بحزم وقوة. إذ قال عليه السلام: «.. فامنع من الاحتكار، فان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم منع منه، وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل، وأسعاره لا تجحف بالفريقين، من البائع والمبتاع، فمن قارف حكره، بعد نهيك إياه، فنكل به، وعاقبه من غير إسراف..»(77).
هذه النصوص التاريخية، تدلل على الذهنية الاجتماعية التي تتحرك من خلالها
ـ(543)ـ
القيادة الإسلامية، المتجسدة بشخص الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم، أو الإمام علي عليه السلام لتنظيم الحياة الاقتصادية في المجتمع على أساس المتابعة الميدانية اليومية لوضع حداً للتلاعب بالشؤون الاقتصادية العامة التي تحرك اقتصاد المسلمين آنذاك، وهذا ما يمكن فهمه من خلال بعض اللقطات الفكرية للقرآن الكريم كما في حركة نبي الله شعيب عليه السلام قال تعالى: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾(78).
وقولـه تعالى: ﴿... فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ...﴾ (79).
فقد كان أصحاب الأموال والتجار يستغلون المستضعفين، ويتعدون على حقوقهم من خلال التطفيف كحالة لها ترويج لا يستند إلى أي قاعدة ومنطلق صحيح لهذا أراد شعيب أن يكون ويحقق معنى العدالة الاجتماعية في الجانب الاقتصادي الذي هو عصب حياة الناس والذي تستوفي منه الدقة في المتابعة والصيانة الذي يتحرك من خلالها القائد الرسالي لتثبيت أواصر الاخوة وتحقيق العدالة..
أو اننا عندما نقف عند حركة نبي الله لوط عليه السلام ودوره الكبير لقطع مادة الفساد الاجتماعي الذي كان يمارسه قومه دون رادع إذ قال لهم:﴿... أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾(80).
فالإسراف والتعدي الخطير لهذا المرض الاجتماعي يتطلب من القيادة العقائدية الموقف الرسالي الحازم لفرض صيانة عقائد الناس وتنظيم حياتهم الأخلاقية والاجتماعية، لأنها قد تتعرض في بعض الظروف لحالات الانهيار بعدما تداخلت فيها بعض الثقافات
ـ(544)ـ
المادية المنحرفة واننا عندما ندرس حالة المجتمعات الغربية التي أطلقت الحريات سواء كان في جانبها الاقتصادي أو الجنسي، فان مجتمعاتها لا زالت تعيش مشاكل مادية ونفسية جسيمة، والتي تثير حولها المشاكل الاجتماعية الفكرية نتيجة لهذه الانحلالية والإباحية المطلقة والتي تستدعي إلى الصيانة وتنظيم العلاقات على ضوء الأسس الصحيحة والسليمة لضمان حياة مجتمع أفضل.
3 ـ المساواة والعدالة:
عانت البشرية منذ فجر تاريخها الطويل الكثير من ألوان الظلم والطغيان نتيجة لممارسات الحكام الظلمة عبر هذا التاريخ، لهذا كانت البشرية بحاجة ماسة إلى العدل والمساواة بين أفراد المجتمع الواحد، وهذا ما يتطلب وجود حاكم عادل لقيادة البشرية نحو شاطئ الأمان. ومن أهم الشروط لتولي منصب القيادة العامة للمسلمين أن يكون الحاكم عادل في تطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية، وخلق جوّ المساواة بين أفراده.. قال القلقشندي الشافعي من ضمن ما ذكر من شروط في صفاة الحاكم: «العاشر العدالة: فلا تنعقد إمامة الفاسق، وهو التابع لشهوته، المؤثر لهواه من ارتكاب المحظورات والأقدام على المسكرات، لأن المراد من الإمام مراعاة النظر للمسلمين، والفاسق لم ينظر لنفسه في أمر دينه، فكيف ينظر في مصلحة غيره !»(81).
وقال عبد القادر البغدادي «والثاني ـ العدالة والورع وأقل ما يجب لـه من هذه الخصلة أن يكون ممن يجوز قبول شهادته تحملاً وأداءاً» و«كما يستفاد من روايات اشتراط العدالة فيما إمامة الجماعة فلئن كانت العدالة شرطاً في الإمامة لصلاة الجماعة فما ظنك بإمامة الأُمة في حلها وترحالها والتصرف في مقدّراتها، وتؤيد هذا الشرط رواية سدير»(82)(83).
والرواية مروية عن أبي جعفر عليه السلام إذ قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: لا تصلح الإمامة إلا
ـ(545)ـ
لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الولاية على من يلي حتى يكون لهم كالوالد الرحيم»(84).
من الأولويات والمهام الأساسية التي تكون مورد اهتمام القيادة الإسلامية هي إقامة العدل، وتحقيق المساواة الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد، وهذه الخصوصية تعد من أساسيات وجود الدولة الإسلامية قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا﴾(85).
وهذه هي القاعدة والمنطلق لأصول الحكم وأخلاقيته في المفهوم الإسلامي فلا يحق للقائد التجاوز على الحدود الشرعية والقواعد الأساسية في الفكر الإسلامي، لانّ هناك رقابة إلهية مستمرة ترقب تحركات الرسول، أو الإمام، أو القائد الفقيه، وتسدده في خطواته ما دامت تنسجم مع الخط الإسلامي الصحيح.
ففي حديث للإمام الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام: إذ قال لعمر بن الخطاب: «ثلاث ان حفظتهن وعملت بهن كفتك ما سواهن وان تركتهن لم ينفعك شيء سواهن قال: وما هن يا أبا الحسن؟ قال: «إقامة الحدود على القريب والبعيد والحكم بكتاب الله في الرضا والسخط والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود» قال عمر: لعمري لقد أوجزت وأبلغت»(86).
فإقامة العدل ركيزة من ركائز الإسلام. لأنها تعزز وحدة الأُمة، وتذوب شخصيتها في الكيان الإسلامي الذي تجسد القيادة الإسلامية الواعية وجوده من خلال الخصائص الأساسية لقيام الدولة الإسلامية، وتحقيق معنى المجتمع الإسلامي الصالح.
خاتمة:
ان استجلاء الخصائص الأساسية والصفاة العامة للقيادة الإسلامية في واقعنا
ـ(546)ـ
المعاصر المستوحاة من القرآن الكريم وحركة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم لها أهميتها الأساسية في الفكر الإسلامي، وهذا يتم من خلال نجاح وتجسيد معنى الدولة الإسلامية التي ترسي قواعد أساسية وتطبيقها على أساس العقيدة الإسلامية، لذلك أضحت القيادة الإسلامية والحكومة ذات أهمية بالغة في التاريخ والفكر الإسلاميين، وهي الإطار السياسي العام والمنظومة التي تحاكي الواقع الإنساني لحياة المسلم وتنظم حياته على أساس الإسلام..
ولا يفوتنا القول ان هناك إرهاصات سياسية وأيديولوجية انفجرت في العقدين الأخيرين من حياة المسلمين مثلته في المقدمة انفجار الثورة الإسلامية في إيران، وتحركات المسلمين في معظم البلاد الإسلامية، والذي مهدت لـه الثورة الإسلامية بإقامة أول نظام إسلامي ذا بُعد سياسي وفكري وعقائدي أصيل.
هذه الإرهاصات السياسية أخذت تدعوا إلى قيام نظام إسلامي مشابه في إيران، وان اختلف في بعض الخصوصيات. وهذا ما يحتاج بدوره إلى قيادة إسلامية واعية، وذا كفاءة عالية في الإدارة والتنظيم مما يستدعي إلى توفر خصوصيات وشروط موضوعية لهذه القيادة الإسلامية لتطبيق القاعدة الإسلامية وفق المنهج الإسلامي الصحيح.
وذكر هذه الخصوصيات في البحث الآنف الذكر لا يعني اننا استوعبنا تمامية البحث فلعل هناك بعض الخصوصيات المهمة والتي بحاجة إلى دراسات إسلامية واسعة، والتي يتم من خلالها دعم العمل الفكري والسياسي الإسلامي، ووضع مناهج فكرية أساسية في طبيعة التحرك لإقامة النظام الإسلامي الشامل.
الهوامش
--------------------
1 ـ سورة فاطر: 39.
2 ـ سورة الأعراف: 69.
3 ـ سورة النور: 55.
4 ـ شمس الدين، محمد مهدي، في الاجتماع السياسي الإسلامي، ص 278.
5 ـ الصدر، محمد باقر، الإسلام يقود الحياة، ص 142.
6 ـ المصدر السابق، ص 141.
7 ـ الطباطبائى، محمد حسين، الميزان، ج 23 ص 194.
8 ـ سيد قطب، في ضلال القرآن، ج 1 ص 56.
9 ـ سورة البقرة: 124.
10 ـ ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون ص 193.
11 ـ البغدادي، عبد القاهر بن طاهر، أصول الدين، ص 277.
12 ـ التمهيد في الرد ص 293 عن نظام الحكم والإدارة في الإسلام، شمس الدين محمد مهدى ص 156.
13 ـ سورة الأعراف: 157.
14 ـ الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن ج 8 ص 280.
15 ـ نهج البلاغة.
16 ـ سورة البقرة: 247.
17 ـ سورة النساء: 162.
18 ـ شمس الدين، محمد مهدي، في الاجتماع السياسي الإسلامي، ص 167 ـ 168.
19 ـ فضل الله، محمد حسين، خطوات على طريق الإسلام، ص 165.
ـ(548)ـ
20 ـ سورة الأنعام: 68.
21 ـ سورة الفرقان: 7 ـ 8.
22 ـ سورة الفرقان: 20.
23 ـ الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 15 ص 184.
24 ـ مغنية، محمد جواد، في ظلال نهج البلاغة، ج 4 ص 104.
25 ـ سورة الإنسان: 8.
26 ـ سورة التوبة: 128.
27 ـ سورة آل عمران: 159.
28 ـ سورة النور: 2.
29 ـ ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، مقدمة ابن خلدون ص 193.
30 ـ الجرجاني، علي بن محمد، شرح المواقف ج 8 ص 349.
31 ـ سورة الحجرات: 89 ـ 97.
32 ـ سورة الأنبياء: 57 ـ 61.
33 ـ شمس الدين، محمد مهدي، في الاجتماع السياسي الإسلامي ص 111.
34 ـ سورة الأنفال: 60.
35 ـ سورة الأعراف: 158.
36 ـ شمس الدين، محمد مهدي، في الاجتماع السياسي الإسلامي ص 169.
37 ـ سورة الحجرات: 13.
38 ـ بوازار مارسيل، إنسانية الإسلام ص 220.
39 ـ سورة آل عمران: 64.
40 ـ قطب، سيد، في ظلال القرآن ج 1 ص 406.
41 ـ فضل الله، محمد حسين، من وحي القرآن ج 6 ص 46.
42 ـ سورة طـه: 43 ـ 44.
ـ(549)ـ
43 ـ سورة طـه: 24.
44 ـ سورة الكهف: 6.
45 ـ سورة فاطر: 8.
46 ـ سورة يوسف: 103.
47 ـ سورة التوبة: 128.
48 ـ سورة آل عمران: 159.
49 ـ سورة القلـم: 4.
50 ـ سورة الأحزاب: 21.
51 ـ سورة الأحزاب: 21.
52 ـ سورة الأنفال: 24.
53 ـ سورة الشعراء: 215 ـ 216.
54 ـ مغنية محمد جواد، في ظلال نهج البلاغة ج 4 ص 48.
55 ـ سورة النحل: 125.
56 ـ سورة آل عمران: 159.
57 ـ سورة التوبة: 6.
58 ـ سورة الحجر: 97 ـ 98.
59 ـ سورة فاطر: 8.
60 ـ مغنية، محمد جواد، في ظلال نهج البلاغة ج 4 ـ ص 24.
61 ـ سورة الفرقان: 63.
62 ـ سورة الشعراء: 215.
63 ـ سورة الإسراء: 37.
64 ـ سورة لقمان: 18 ـ 19.
65 ـ مغنية، محمد جواد، في ظلال نهج البلاغة ج 4 ـ ص 118.
ـ(550)ـ
66 ـ الصدر، محمد باقر، رسالتنا، ص 100.
67 ـ سورة هـود: 88.
68 ـ سورة الأعراف: 142.
69 ـ تحف العقول 173، البحار ج 100 ص 81.
70 ـ سورة هـود: 112.
71 ـ سورة المعارج: 5 ـ 7.
72 ـ سورة الأحقاف: 35.
73 ـ التراتيب الإدارية، 2: 163، عن نظام الحكم والإدارة، شمس الدين محمد مهدي ص 592.
74 ـ شمس الدين، محمد مهدي، نظام الحكم والإدارة في الإسلام ص 592.
75 ـ المصدر السابق: 593.
76 ـ المصدر السابق: ص 594.
77 ـ نهج البلاغة ج 3 ص 100.
78 ـ سورة الأعراف: 85.
79 ـ سورة الأعراف: 85.
80 ـ سورة الأعراف: 80 ـ 81.
81 ـ القلقشندي، مآثر الأناقة في معالم الخلافة، ج 1 ص 36.
82 ـ البغدادي، عبد القادر بن طاهر، أصول الدين ص 277.
83 ـ الحائري، كاظم، أساس الحكومة الإسلامية ص 60.
84 ـ الحائري، كاظم، أساس الحكومة الإسلامية ص 159 عن أصول الكافي.
85 ـ سورة النساء: 105.
86 ـ الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة ج 18 ص 156 عن كتاب الحياة ج 2 ص 425 للحكيمي.