الاجتهاد والتجديد في المنهج الإسلامي

الاجتهاد والتجديد في المنهج الإسلامي

 

 

الاجتهاد والتجديد في المنهج الإسلامي

 

شهاب الدين الحسيني

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمّد وعلى آله الأطهار وصحبه الإبرار.

قال سبحانه وتعالى: (إنّ هذه أمتكم أمّة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)([1]).

الأُمّة الإسلامية أمة واحدة؛ تجتمع حول عقيدة واحدة، ومنهج واحد، ومصالح واحدة، ومصير واحد، وتواجه عدواً واحداً وحدّ صفوفه وطاقاته للقضاء عليها عقيدة وقيادة ووجوداً.

والمذاهب الإسلامية ما هي إلا مظهر من مظاهر الاجتهاد في فهم الإسلام وفهم المفاهيم والقيم الإسلامية؛ وهي تلتقي في الأفق الواسع الذي يجمعها في محاور مشتركة.

والمذاهب الإسلامية بفقهائها وعلمائها وقادتها ومبلغيها مطالبة بإعادة النظر في مسألة الاجتهاد من حيث فتح باب البحث والتحقيق بما يناسب وتطورات المرحلة الراهنة، لكي تحقق هدفها بأفضل الوسائل والطرق الموصلة؛ في هداية الإنسان وتحريره من جميع ألوان الانحراف في فكره وسلوكه، وتحريره من ضلال الأوهام وظلمة الخرافات، وتحريره من الانسياق وراء الشهوات والمطامع، وتحرير سلوكه من الانحراف؛ بتهيئة العقول والقلوب للتلقي والاستجابة للمنهج الإلهي المرسوم، واستتباعها بالعمل الايجابي – وفق المفاهيم والقيم الإلهية الثابتة – الذي يترجم الآراء والنصوص إلى مشاعر وأعمال وممارسات متجسدة في الواقع، لكي يكون الإنسان والمجتمع بمستوي المسؤولية المناطة به في الحياة، والمتمثلة بحمل الأمانة وخلافة الله تعالى في الأرض والترقي في سلم الكمال والسمو الروحي والسلوكي.

ان الظروف التي تعيشها الأُمّة الإسلامية ويعيشها العالم بعد فشل الأطروحات غير الدينية وغير الإسلامية بالخصوص؛ بحاجة إلى بذل جهود أضافية والي توحيد الطاقات والإمكانات لطرح الإسلام منهجاً في الحياة بصورته المشرقة المنسجمة مع الثبات والتطور في العقل الإسلامي والإنساني، وبحاجة إلى طرحه بصورة شيقة تواكب التطور والتجدد في الحياة الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولا يتحقق ذلك إلا بفتح باب الاجتهاد والحث عليه وتشكيل أمة من المجتهدين يتصدون لاستنباط المفاهيم والقيم والأحكام لكي تكون صالحة لكل زمان ومكان، وخصوصاً في الأمور المصيرية والمرتبطة بمصلحة الأُمّة الإسلامية.

والدعوة للاجتهاد باتت أكثر إلحاحاً في وقتنا الراهن، ولهذا تعددت الصيحات لفتح باب الاجتهاد، وكذلك فتح باب التخصص في الاجتهاد أو في الفقه أو في سائر العلوم.

وفي هذا البحث ومن خلال الرجوع إلى مصادر المذاهب الإسلامية تطرقنا إلى ما يتعلق بالاجتهاد والتجديد من مواضيع ووزعنا البحث على الشكل التالي:

معنى الاجتهاد: لغة واصطلاحاً

الاجتهاد غير المعتبر

مراحل حركة الاجتهاد

الدعوة لفتح باب الاجتهاد

المجلس الاجتهادي

العوامل المساعدة على الاجتهاد

فوائد الاجتهاد

الاجتهاد والتجديد والإحياء

ثبوت وتكامل الشريعة واستيعاب التطور

الاجتهاد والتجديد ومنطقة الفراغ التشريعي

الاجتهاد وفق المتغيرات الزمانية والمكانية

اعترافات غير المسلمين بصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان

كلمة اخيرة.

نسأل الله تعالى ان يوفقنا جميعاً للوحدة والاتحاد أنّه نعم المولى ونعم النصير.

الاجتهاد لغة

قال ابن الأثير: الاجتهاد بذل الوسع في طلب الأمر، وهو افتعال من الجهد والطاقة.

وقال: الجهد بالضم: الوسع والطاقة، وبالفتح: المشقة([2]).

وقال القيومي: الجهد بالضم في الحجاز، وبالفتح في غيرهم: الوسع والطاقة، وقيل: المضموم: الطاقة، والمفتوح: المشقة.

وقال: اجتهد في الأمر: بذل وسعه وطاقته في طلبه ليبلغ مجهوده، ويصل إلى نهايته([3]).

وقال الطريحي: الاجتهاد: المبالغة في الجهد([4]).

وقال الراغب الاصفهاني: الاجتهاد: أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمّل المشقّة يقال: جهدت رأيي، واجهدته: اتعبته بالفكر([5]).

الاجتهاد اصطلاحاً

الاجتهاد مصطلح علمي يتداوله الفقهاء وعلماء أصول الفقه، له تعريفه، وحدوده المسموح بها، وله منهجه والأدلة على مشروعيته.

والاجتهاد بمعناه الاصطلاحى كماعرّف هو: (بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية، وبهذا الاعتبار يكون استخراج الأحكام من أدلّة الشرع اجتهاداً)([6]).

ونقل الآخوند الخراساني تعريفاً علمياً عن بعض العلماء جاء فيه: (أنّ الاجتهاد ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعى الفرعى من الأصل فعلاً أو قوّة قريبة)([7]).

وعرّفه عبد المؤمن البغدادي الحنبلي بأنّه: (بذل الجهد في تعرف الأحكام، وتمامه بذل الوسع في الطلب إلى غايته)([8]).

وقال الشيخ محمّد أبو زهرة: (الاجتهاد، بذل الفقيه وسعه في استنباط الأحكام العملية من أدلتها التفصيلية).

وعرّفه من خلال نقل آراء بعض علماء الأُصول بأنّه (استفراغ الجهد وبذل غاية الوسع، أمّا في استنباط الأحكام، وإمّا في تطبيقها) ([9]).

وقال الدكتور شعبان محمّد إسماعيل: (الاجتهاد، بذل الوسع في استنباط الأحكام الشرعية التي لم يرد فيها نص صريح في القرآن الكريم أو السنة)([10]).

وعرّفه الدكتور محمّد عبد اللطيف الفرفور: (بذل الجهد للتوصل إلى الحكم الشرعي العملي من دليله التفصيلي)([11]).

وبموجب هذه التعريفات يمكن القول: انّ الاجتهاد هو استخدام الجهد والسعي لاستنباط حكم شرعي من الأدلة الشرعية المعتبرة، واستخدام الجهد يعني استعمال العقل والتدبر في فهم الأدلة الشرعية، وبتعبير آخر هو النظر والتعمق في الأمور والأحكام وان تكون للمجتهد نظرته في الدين وفى الأحكام الشرعية.

واختلف المسلمون في ألوان وأنواع الاجتهاد، وخصوصاً في موضوع (الاجتهاد في الرأي) وهو بدوره له ألوان وأنواع، ومحل الاتفاق بين المذاهب: ان الاجتهاد بالرأي إذا كان معتمداً على الوسائل التي هدي الشرع إليها للاستنباط فلا أشكال فيه، أما إذا كان معتمداً على غير الوسائل التي هدي الشرع إليها، فيعتبر اجتهاداً بالرأي بمعني الهوى وهو اجتهاد مذموم.

واختلفوا في بعض الوسائل من ناحية إرشاد الشرع إليها أو عدم أرشاده، فالبعض يري انّ القياس والاستحسان والاستصلاح من الوسائل المشروعة في الاجتهاد، بينما يري البعض الآخر أنّها وسائل غير مشروعة.

ومهما كان الاختلاف قائماً إلا إنهم لم يختلفوا في نقض الاجتهاد المخالف لدليل قطعي.

الاجتهاد غير المعتبر

الاجتهاد غير المعتبر هو وضع القوانين وتشريعها اعتماداً على الفكر والرأي الخاص دون الاعتماد على الكتاب والسنة وهذا الاجتهاد لا يتبناه فقهاء الشيعة، بينما يتبناه غيرهم في ظرف عدم وجود نص أو دليل من الكتاب والسنة، حيث يكون الاجتهاد مصدراً من مصادر التشريع، فيجعلونه وهو الاجتهاد في الرأي([12]).

وعلى الرغم من هذا الاختلاف في فهم الاجتهاد إلا انّ فقهاء المذاهب اتفقوا على عدم اعتبار الاجتهاد المقابل للنص، ولم نجد فقيهاً يتبني ذلك الاجتهاد الذي يتجاوز النص.

وقد ورد عن الإمام الشافعي انّه قال: إذا صحّ الحديث فاضربوا بقولي الحائط.

وقال الإمام أحمد بن حنبل: كان أحسن أمر الشافعي عندي أنه كان إذا سمع الخبر لم يكن عنده قال به وترك قوله([13]).

والمراد بنفي الاجتهاد عند وجود النص، ما إذا كان النص صحيحاً صريحاً، أما الاجتهاد في فهم النص وتطبيقه على الواقعة إذا كان ظني الدلالة فهذا أمر آخر تختلف الإفهام فيه وهو نوع من الاجتهاد في النصوص([14]).

ويري الآمدي إنّما يمكن نقص الاجتهاد إذا كان حكمه مخالفاً لدليل قاطع من نصّ أو إجماع أو قياس جلي، وهو ما كانت العلة فيه منصوصة، أو كان قد قطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع، ولو كان حكمه مخالفاً لدليل ظني من نصّ أو غيره فلا ينقض ما حكم به الظن لتساويهما في الرتبة([15]).

ويري القرافي انّ الحكم الاجتهادي ينقض بمخالفة القواعد الشرعية([16]).

ويري الفتوحي: بنقض الاجتهاد إذا خالف نص سنّة ولو آحاداً([17]).

ويذكر ابن قيم الجوزية أنواع الرأي والاجتهاد الباطل وهي:

1 – الرأي المخالف للنص.

2 – الكلام في الدين بالخرص والظن مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها.

3 – الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع والضلال.

4 – الرأي الذي أحدثت به البدع، وغيرت به السنن، وعمّ به البلاء.

5 – القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون([18]).

والذي نثبته حسب فهمنا لاختلاف الآراء: انّ الاجتهاد المقابل للنص مرفوض من قبل فقهاء جميع المذاهب، سواء كان أصلاً رابعاً من أصول الشريعة أم لم يكن أصلاً.

ويكون الاجتهاد معمولاً به ومشروعاً ضمن أنواعه الثلاثة:

1 – التوصل إلى الحكم من النص ظنّى الدلالة.

2 – التوصل إلى الحكم بتطبيق قواعد الشريعة الكلية على القضايا الجزئية.

3 – التوصل إلى الحكم فيما لا نصّ فيه.

والنوع الثالث مختلف فيه بين فقهاء المذاهب، ومرجع الاختلاف هو اعتبار أو عدم اعتبار القياس أو الاستحسان أو الاستصلاح.

مراحل حركة الاجتهاد

الحاجة إلى الاجتهاد بدأت في ظروف الابتعاد عن عصر النص، وفي ظروف الابتعاد عن مركز النص أي الابتعاد عن رسول الله o مكاناً وزماناً.

وكان الاجتهاد – بمعناه الأعم – يقع من الصحابة (إذا بعدوا عن النبي o في سفر فإنّهم كانوا يجتهدون) ([19]).

واختلف الصحابة في طرق الاجتهاد بعد عصر النبي o:

ـ منهم من كان يجتهد في حدود الكتاب والسنة لا يعدوهما.

ـ منهم من كان يجتهد بالرأي ان لم يجد نصاً.

ـ منهم من كان يجتهد بالقياس ــ ومنهم من كان يجتهد بالمصلحة في غير موضع النص.

وأحياناً يكون الاجتهاد في موضوع غير شخصي، بل في موضوع يتعلق بعموم المسلمين، أو يكون تقرير قاعدة عامة، ويكون في اجتماع عام، أو اجتماع خاص بفقهاء الصحابة.

وكان بعض الخلفاء يبحثون عن آراء الصحابة واجتهاداتهم المختلفة فيختارون أحدها، وخصوصاً الخليفة الأول والثاني والثالث.

وقد وردت الروايات بانّ الخليفة الأول إذا نزل به أمر دعا (عمر وعثمان وعلياً وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبى بن كعب وزيد بن ثابت) واستشارهم([20]).

وكان يستشير في مختلف القضايا والأمور وكان (إذا ورد عليه أمر نظر في كتاب الله… وان علمه من سنّة رسول الله o قضي به، وان لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السنّة، فان أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم) ([21]).

وكان الخليفة الثاني يتصفح آراء واجتهادات فقهاء الصحابة ثم يختار أحد الاجتهادات، وكان في كثير من الأحيان يأخذ برأي على بن أبي طالب([22]).

وفي عصر التابعين كان لهم اجتهاد وراء ما ينقلون من أحاديث وفتاوي، ولم يخرجوا عن منهاج الصحابة الذي رسموه لهم، ولمن جاءوا بعدهم.

وكان أكثر الاجتهاد عند مدرسة العراق يعتمد على القياس، وأما الاجتهاد عند مدرسة الحجاز فكان يسير على منهاج المصلحة، وقد تبع ذلك ان كثرت التفريعات الفقهية في العراق والإفتاء فيما لم يقع، ولم يوجد ذلك النوع في الحجاز لأنّ الأساس كان المصلحة؛ وهي لا تتحقق إلا في الوقائع فلا يأتي فيها الفرض والتقدير([23]).

وقد توسع الاجتهاد ووصل إلى أوج توسعه في عصر أئمة المذاهب عند مدرسة المسلمين السنة.

وأما عند مدرسة المسلمين الشيعة فانّ بدايات ظهور الاجتهاد وكيفية معالجة الأحاديث واستعمال القواعد والأصول، قد ظهر في عصر الأئمّة وبإرشاد وتوجيه منهم، وذلك في كيفية استنباط الحكم الشرعي مباشرة من القرآن الكريم، أو في التوسعة على الناس بالبراءة من التكليف المحتمل فيما لم يرد فيه بيان من الشارع، وفى جريان الاستصحاب في الموضوعات التي لها حالات سابقة متيقنة ويشك المكلف فيها بعد ذلك.

كما وردت توجيهات خاصة من أئمة أهل البيت b بمعالجة ما يردهم من أحاديث متعارضة من حيث المدلول.

إلا انّ الاجتهاد عند الشيعة كمدرسة ذات ملامح واضحة لم يظهر إلا بعد غيبة الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، حيث مسّت الحاجة إلى ذلك([24]).

وقد بيّن الإمام علي بن موسى الرضا A ضرورة البحث وبذل الوسع للوصول إلى الحكم الشرعي من أصوله، وتشجيعاً للاجتهاد، فقال: (علينا إلقاء الأُصول إليكم وعليكم التفرّع) ([25]).

ولا زال الاجتهاد العلامة الفارقة بين الشيعة وغيرهم فلا زال بابه مفتوحاً ضمن الأُصول التي وضعها أو حددّها أئمة أهل البيت b الذين اخذوا العلم عن رسول الله o.

وبعد عصر الأئمّة (مالك، أبو حنيفة، الشافعي، أحمد) تطور الاجتهاد ولكن لم يتجاوز آراء هم وبقى الاجتهاد محدوداً بحدود أصول وأساسيات المذهب باستثناء اجتهاد بعض الفقهاء المطلق وهم لا يتجاوزون أصابع اليد، وبالتدريج ضعفت حركة الاجتهاد.

وبانتهاء القرن الثالث الهجري وحلول القرن الرابع ضعف مركز الاجتهاد، ولم يسمع صوت قوى كأصوات الأئمّة الأربعة ومن هم في درجتهم في الأوساط العلمية، وقد أغلق باب الاجتهاد المطلق بعد وفاة محمّد بن جرير الطبري عام 310 هـ ولم يقم أحد به، وقد حصل ان بنيت المدارس لتدريس المذاهب الأربعة وأغدقت الأموال على معتنقيها من العلماء، مما صرف أنظار طلاب العلم عن غيرها وأمات فيهم ملكة الاجتهاد، بل وصل الأمر إلى حد انّ المستعصم العباسي أمر أساتذة المدرسة المستنصرية ببغداد ان لا يتعدوا حدود كلام المشايخ السابقين([26]).

وبالتدريج انحسر الاجتهاد وتوسع التقليد خلافاً لتوجهات الأئمّة الأربعة فهم نهوا الآخرين عن تقليدهم وأمروا – إذا رأوا قولاً في الكتاب والسنة أقوي من قولهم – ان يأخذوا بما دلّ عليه الكتاب والسنة ويدعوا أقوالهم([27]).

ومن أساب غلق باب الاجتهاد:

1 – الركون إلى آراء أئمة المذاهب الأربعة والاستغناء عن البحث.

2 – ضعف الثقة بالنفس والتهيب من الاجتهاد.

3 – ادعاء الاجتهاد ممن ليسوا أهلاً له، فأفتوا بسدّ باب الاجتهاد([28]).

ووصف الشوكاني حال المقلّدين قائلاً: (فإذا تكلم عالم من علماء الاجتهاد بشيء يخالف ما يعتقدونه قاموا عليه قومة جاهلية) ([29]).

وانحسار أو ضعف حركة الاجتهاد حالة طارئة مخالفة لروح الشريعة الإسلامية، ومخالفة لسيرة أئمة المذاهب، ومخالفة للعقل والمنطق، ولهذا بدأت الحاجة إلى الاجتهاد تفرض نفسها على الواقع وتوجه العقول والأنظار إلى اعادة هذه الضرورة للواقع المنظور الذي يرفض الجمود والتحجر.

ويرى أحمد أمين: انّ سد باب الاجتهاد لم يكن بناءً على مجلس اجتمع فيه الفقهاء وقرروا فيه أقفال باب الاجتهاد؛ إنّما كان شعوراً عاماً بالضعف والنقص ونوعاً من التقديس للفقهاء السابقين، وبدأ عصر التحجر… وأصبح أصحاب المذاهب الأولون كأنّهم معصومون، وأصبح الفقيه لا يستطيع الحكم في مسألة إلا إذا كانت مسألة جزئية تطبيقاً على قاعدة كلية، قاله أمامه من قبله([30]).

ويقول أيضاً: وعدّ من ينتقل من مذهب إلى مذهب مرتكباً لجريمة؛ ومن يري رأياً غير رأى امامه خارجاً على المألوف، حتي طلب اخيراً مرّة من العلماء ان يتخيروا مذهباً من المذاهب المختلفة للقضاء فرفضوا، فكانت النتيجة اللجوء إلى القانون الفرنسي.

ويصف عز الدين عبد السلام الوضع قائلاً: ومن العجب العجيب أنّ الفقهاء المقلّدين يقف أحدهم على ضعف ما أخذ امامه، بحيث لا يجد لضعفه مدفعاً وهو مع ذلك يقلد فيه ويترك من شهد له الكتاب والسنّة والأقيسة الصحية لمذهبهم؛ جموداً على تقليد إمامه، بل يتحايل لدفع ظواهر الكتاب والسنّة ويتأولها بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالاً عن مقلّده([31]).

الدعوة لفتح باب الاجتهاد

الاجتهاد حركة في المنهج الإسلامي تنسجم مع واقعيته المتطورة بتطور العقل البشرى وتطور الحركة الإنسانية والتاريخية في تطلعاتها ووسائلها وأساليبها في بناء العقل والفكر والعاطفة والسلوك.

والاجتهاد يواكب التطور والتجديد في حياة المسلمين خصوصاً وكافة بنى الإنسان؛ ليجعل الآراء والنصوص تتحرك في الواقع ولتترجم في مشاعر وعواطف وأعمال وممارسات وعلاقات متجسدة في الواقع ؛ لكى يكون الإنسان والمجتمع بمستوي المسؤولية المناطة به في الحياة والمتمثلة بحمل الأمانة وخلافة الله تعالى في الأرض، والترقى في سلم الكمال والسمو الروحي والسلوكي.

والدعوة لفتح باب الاجتهاد كانت قائمة منذ انحسار وضعف حركة الاجتهاد؛ حيث انطلقت من تشخيص الفقهاء والعلماء لأهمية الاجتهاد ودوره في التجديد بما ينسجم مع تطور الإنسانية على ضوء الثابت والمتغيّر في الشريعة الإسلامية.

ومن دعاة فتح باب الاجتهاد من المتقدمين: الزمخشري وابن عربي وابن تيمية، ابن القيم الجوزية والسيوطي وابوالفتح الشهرستاني والشوكاني والبغوي وابن الهمّام الحنفي وتاج الدين السبكي والغزالي.

ومن المتأخّرين: محمّد عبده ومحمد رشيد رضا ومحمد المراغي ومحمود شلتوت ومحمد الشناوي وأحمد أمين ومصطفي البغا ووهبة الزحيلي.

والدعوة لفتح باب الاجتهاد من الضروريات عند كثير من العلماء والمفكرين والباحثين.

نقل ابن الحاجب وابن الساعاتي عن الحنابلة قولهم: لا يجوز عقلاً خلو العصر من مجتهد، وعللوه بأنّ الاجتهاد فرض كفاية، والخلو عنه يستلزم اتفاق الأُمّة على الباطل([32]).

ومن آراء إمام الحرمين الجوينى قوله: انّه إذا خلا الزمان عن مجتهد صار كزمان الفترة؛ أي فتتعطل أحكام الشريعة ويبطل التكليف([33]).

واعتبر الغزالي الاجتهاد ركناً عظيماً في الشريعة لا ينكره منكر، وعليه عول الصحابة رضوان الله عليهم بعد أن استأثر الله برسوله o وتابعهم عليه التابعون إلى زماننا هذا([34]).

واعتبر ابن القصار المالكي التفقه في الدين وسيلة لحفظ الشرع من الضياع فقال: يجب على الأُمّة أن تكون منهم طائفة يتفقهون في الدين ليكونوا قدوة للمسلمين حفظاً للشرع من الضياع، والذي يتعيّن لهذا من الناس: من جاد حفظه، وحسن إدراكه، وطابت سجيته وسيرته، ومن لا فلا([35]).

وقال محمّد مصطفي المراغي: ليس الاجتهاد ممكناً عقلاً فقط، بل هو ممكن عادة، وطرقه أيسر ممّا كانت في الأزمنة الماضية، وقد توافرت مواد البحث في كل فرع من فروع العلم.

وانّي مع احترامى لرأي القائلين باستحالة الاجتهاد، أخالفهم في رأيهم، وأقول: إنّ في علماء المعاهد الدينية في مصر من توافرت فيهم شروط الاجتهاد ويحرم عليهم التقليد([36]).

ووجّه السؤال التالي: في ظل تطور الفقه التشريعي الحديث، لماذا الاجتهاد؟ وما هي ضرورته؟ إلى جمع من العلماء والمفكرين والباحثين فأجابوا بما ينسجم مع روح الشريعة.

الدكتور مصطفى البغا: الحقيقة أنّه كلما كثر التطور كانت الحاجة إلى الاجتهاد أكثر الحاحاً، فالتطور يعني ظهور مستجدات كثيرة في الحياة، وهذه المستجدات لابد من معرفة الحكم الشرعى فيها… فالتطور يجعل الحاجة إلى الاجتهاد ملحة أكثر من أجل إعطاء هذه المستجدات حكماً شرعياً، وذلك لا يكون إلا عن طريق الاجتهاد، لانعدام النصوص في هذه المستجدات، وبذلك ينحصر معرفة حكم هذه المستجدات بطريق الاجتهاد([37]).

الدكتور وهبة الزحيلي: الاجتهاد أمر لابدّ منه من أجل مواكبة تطورات الحياة، ومعرفة حكم المسائل المتجددة، وكل تشريع في العالم لا يخلو من هذا، فالقوانين والأنظمة تحتاج دائماً وأبداً إلى نوع من تخطية الحوادث الجديدة، فمثلاً نلاحظ على القوانين الوضعية إلغاء قانون سابق ووضع قانون جديد محلّه، أمّا في الشريعةالاسلامية فلا يمكن إلغاء شي ء منها لأنّها شريعة من عند الله سبحانه جل جلاله، فإذاً يكون الاجتهاد في ضوء النصوص التشريعية وفي ضوء المبادي العامة وفى ضوء روح التشريع، وهذا إذا يحقق مرونة هذه الشريعة وتلبيتها لحاجات الناس وموافقتها لما يحقق مصالح الناس في الزمان وفى المكان([38]).

ودعا الشيخ محمّد مهدى الاصفى إلى اعادة النظر بجدية في مسألة سدّ باب الاجتهاد فقال: نحن نطلب إلى فقهاء المسلمين أن يعيدوا النظر بجدّية في مسألة سدّ باب الاجتهاد، ودفعها من جديد إلى الدراسة الجادة في المعاهد والمدارس الفقهية، كما نطلب منهم أن يستعينوا بالخبرة والعمق والدقة التي اكتسبتها حركة الاجتهاد في مدرسة أهل البيت b طيلة هذه المدّة الطويلة التي كانت مفتوحة على وجهات النظر المختلفة، ومسرحاً للتفكير والدراسة الفقهية المعمقة([39]).

والدعوة للاجتهاد في العصر الراهن بالذات من متبنيات المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة المنعقد في شوال عام 1383 هـ ومما جاء في قراره ما يلي: انّ الكتاب الكريم والسنة النبوية هما المصدران الأساسيان للأحكام الشرعية، وانّ الاجتهاد لاستنباط الأحكام منهما حقّ لكل من استكمل شروط الاجتهاد المقررة، وكان اجتهاده في محل الاجتهاد، وان السبيل لمراعاة المصالح ومواجهة الحوادث المتجددة هوان يتخير من أحكام المذاهب الفقهية ما يفي بذلك، فان لم يكن في أحكامها ما يفى به كان الاجتهاد الجماعى المذهبي، فان لم يف كان الاجتهاد الجماعي المطلب، وينظم المجمع وسائل الوصول إلى الاجتهاد الجماعي بنوعيه ليؤخذ به عند الحاجة([40]).

المجلس الاجتهادي

من خلال متابعة القضايا المستجدة، وجدنا هناك اختلافاً واضحاً وملموساً في آراء المجتهدين في قضية واحدة، سواء كانوا مجتهدى مذهب واحد أو مذاهب متعددة، وهذا الاختلاف يمكن علاجه والتقليل من تأثيراته بالأخذ بمبدأ الاحتياط في اداء التكليف الشرعي إذا كان الأمر عبادياً بحتاً أو توصلياً، فالاحتياط لا يبقى مشكلة.

ولكنّ بعض القضايا الحساسة يصعب فيها الاحتياط ومن هذه القضايا قضية التلقيح الصناعي، وخصوصاً التلقيح بين منى الرجل الاجنبي وبويضة المرأة الأجنبية فهو محرم عند أغلب المجتهدين، وخالف بعض المجتهدين رأى الأغلبية وافتوا بالجواز، والذين افتوا بالحرمة اعتبروه زناً والبعض الاخر اعتبروه بحكم الزنا، وتبني البعض حملات إعلامية مضادة ضد المتبنين حليته.

والذين جوزوا التلقيح بين الزوج وزوجته أو بين الاجنبي والأجنبية اختلفوا في نسب الوليد الناشيء من عملية التقليح، فمنهم من يري انتسابه لصاحبة البويضة، ومنهم من يري انتسابه لصاحبة الرحم الحامل به بعد تلقيحه، ففى هذه الحالة يكون النزاع والتخاصم مستحكماً بين صاحبة البويضة وصاحبة الرحم حول انتساب الوليد، لأنّ كل منهما ستحتج برأى مجتهد من المجتهدين وبالتالى سيكون الاضطراب هو الحاكم على العلاقات بين الافراد والأسر.

وهذه القضية وقضايا عديدة بحاجة إلى مجلس اجتهادي يتألف من المجتهدين الكبار في المجتمع الإسلامي ومن مختلف المذاهب الإسلامية: الامامية والزيدية والحنفية والمالكية والحنبلية والشافعية والأباضية ليبحثوا القضايا المستجدة والمستحدثة ويتفقوا على رأى واحد يكون حجّة على جميع المسلمين، وخصوصاً في القضايا المصيرية التي تتعلق بالافراد وبالمجتمع الإسلامي الكبير.

واقترح أن تتشكل نواة هذا المجلس من العلماء والفقهاء والمفكرين الذين اشتركوا في مؤتمرات الوحدة والتقريب في الماضي والحاضر، ولتتظافر الجهود والامكانات من أجل حل المسائل المستعصية والمشاكل والصعوبات والتحديات التي تواجه المسلمين في كل مكان وزمان.

واقترح ان ينتخب هذا المجلس ادارة أو رئاسة سباعية تنتخب بدورها مجتهداً اشبه بالناطق الرسمي لها، وتكون مهمته التصريح بالآراء والفتاوي التي يتبناها المجلس، واذا لم يتحقق ذلك، فاقترح توسيع عدد اعضاء المجمع العالمى للوحدة والتقريب بين المذاهب ويكونوا ادارة من سبعة أفراد تتحمل هذه المسؤولية.

العوامل المساعدة على الاجتهاد

1 – قناعة الكثير من العلماء والمفكرين والباحثين وأصحاب المسؤولية بضرورة الاجتهاد.

2 – تطور العقل البشرى وتطور المدنية تتطلب الاجتهاد وخصوصاً في المسائل المستجدة والحديثة.

3 – الشبهات المطروحة من قبل أعداء الإسلام حول تأخر وتخلف الحضارة الإسلامية وعدم مواكبتها للتطور، وعدم وجود أجوبة للقضايا والمسائل العصرية.

4 – سهولة الاطلاع على مقوّمات الاجتهاد أو العناصر الدخيلة في استنباط الأحكام الشرعية ومنها:

أ – جمع آيات الاحكام في مئات وآلاف الكتب.

ب – جمع أحاديث الأحكام.

ت- جمع مواقع الاجماع.

ث – جمع مواضيع الناسخ والمنسوخ من آيات وأحكام.

5 – أصبحت الأحكام مدونة في كتب التفسير، وفى كتب الفقه، وفي شروح الحديث.

6 – توفر تراجم الرجال، وكتب الجرح والتعديل، لدي جميع المذاهب.

7 – انتشار علوم اللغة العربية واطلاع الكثير من المسلمين عليها.

8 – انتشار حركة التأليف والتحقيق والترجمة.

9 – انتشار المعاهد والمدارس العلمية في جميع انحاء العالم، ووجود حرية في طلب العلم، وانتهاء عصر الارهاب الفكري.

10 – سهولة المواصلات والاتصالات.

11 – تطور الانترنيت وامكانية الاطلاع على اكبر عدد من المؤلفات والكتب بأسرع وقت وبأقل كلفة.

والأهم من ذلك انّ المنهج الإسلامي يدعو للبحث والتحقيق والتفقه والاجتهاد، بما في ذلك تشجيع أئمة المذاهب على الاجتهاد ونبذ الجمود والتحجر والتقوقع.

وإذا لم نتفاعل مع فتح باب الاجتهاد فستبقي الأُمّة في اضطراب لا تهتدى فيه إلى معرفة الرأي الأصوب والحكم الأقرب لروح الشريعة، واذا لم يبادر المسلمون إلى ذلك فانّ اعداء الإسلام أو المسلمين العلمانيين سيتبنون من القوانين والتشريعات بما يناسب أهواءهم أو متبنياتهم الفكرية.

فوائد الاجتهاد

إنّ الاجتهاد من أهم المواضيع الحركية في الفقه والتشريع الإسلامي، حيث انّه يساهم مساهمة أساسية وفعالة في إضغاء عنصر التجديد في عموم المنهج الإسلامي وفى مجالاته المتطورة لا الثابتة، وبه يوصف المنهج الإسلامي بصلاحيته لكل زمان ومكان، وانه قادر على مواكبة حركة الإنسان والمجتمع ووضع الموازين والمعايير المتجددة التي تساهم في إسعاد الإنسانية جمعاء.

والاجتهاد يجذّر ويعمّق العلاقة بين الإنسان المسلم وبين المنهج والتشريع الإسلامي حيث يجده منهجاً وتشريعاً واقعياً منسجماً مع فطرة الإنسان ومع حاجاته المتنوعة، فلا يعطلها ولا يلغيها ولا يحملها ما لا تطيق.

والاجتهاد ينفى الجمود والتحجر والتقوقع عن الإسلام منهجاً وتشريعاً، ويجعله مواكباً لكل العصور ولكل البقاع، بل يجعله خالداً مع الإنسان يتطور بتطوره إلى قيام يوم الدين مع الحفاظ على الثوابت العقائدية والمفاهيم والقيم والموازين التي لا تتغير بتغير الأزمان والأماكن، وبالاجتهاد يتم التوازن بين الثابت والمتغير، أو بين الثبات والمرونة.

ويتطرق السيد محمّد باقر الصدر إلى فوائد الاجتهاد فيقول ما نصّه: تمكين المسلمين من تطبيق النظرية الإسلامية للحياة؛ لأنّ التطبيق لا يمكن أن يتحقق ما لم تحدد حركة الاجتهاد معالم النظرية وتفاصيلها، ولكى ندرك أبعاد الهدف بوضوح يجب أن نميّز بين مجالين لتطبيق النظرية الإسلامية للحياة:

أحدهما: تطبيق النظريّة في المجال الفردي وبالقدر الذي يتّصل بسلوك الفرد وتصرّفاته.

والاخر: تطبيق النظرية في المجال الاجتماعي وإقامة حياة الجماعة البشرية على أساسها بما يتطلبه ذلك من علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية([41]).

ويقول أيضاً: الاجتهاد هو الوسيلة التي يتاح لفقهاء المسلمين باعمالها أن يطبعوا الحياة الإنسانية بطابع الإسلام حيثما كان له سلطان.

وهكذا فالاسلام خالد متطور؛ خالد في مبادئه واحكامه في الكتاب العزيز والسنة المعتبرة ومتطور في أحكامه الثانوية لم يقيدنا الشارع فيها بنهج خاص واسلوب مخصوص، وفيما ورد فيها حكم عام يتسع لما يطرأ على الواقعة الخاصة من اشكال مختلفة([42]).

وتكتفي بما ذكره السيد محمّد باقر الصدر في خصوص فائدة الاجتهاد، ولو لا الاجتهاد لتوقفت حركة المنهج الإسلامي والفقه الإسلامي والتشريع الإسلامي، ولأصبح الإسلام مجرد علاقة عبادية فردية بين الإنسان وخالقه، ليس لها أي صلة بالحياة بابعادها المختلفة، ولو لا الاجتهاد لاعتمد المسلمون على القوانين والتشريعات غير الإسلامية والوافدة من خارج الكيان الإسلامي، وهذا هو السائد عند أغلب الدول الإسلامية التي لا تتبنى الإسلام منهجاً لها في الحياة.

الاجتهاد والتجديد والإحياء

المنهج الإسلامي منهج ثابت في اصوله متغيّر في فروعه وجزئياته وتطبيقاته العملية، وهو منهج يتجدد في كل عصر وهو منهج حى خالد متطور، والتجديد والاحياء ليس المقصود منه تجديد وإحياء الدين والإسلام نفسه، بل هو تجديد واحياء للتفكير في قضايا وأمور الدين، والتفكير دائماً في تجديد وتطور وتغير، وهذا التفكير هو الوسيلة البارزة في تشخيص الاختلاف في فهم الثوابت والنصوص أو فهم ما يتعلق بها من فروع وتفصيلات وتطبيقات، وهذا الاختلاف في فهم الأدلة والبراهين يضفى على المنهج تجديداً واحياءً. ليواكب تطورات الحياة ويواكب المستجدات في جميع جوانب الشخصية الإنسانية الفردية والاجتماعية.

وتطورات الحياة يمكن أن تحدد بعضها بالنقاط التالية:

1 – التقدم العلمي والتقني.

2 – التغيّر في الطبيعة الإنسانية من حيث تفاعلها مع الكون والحياة والطبيعة.

3 – التعقيدات الاجتماعية.

4 – التعقيدات السياسية وتطور اشكال الدول والحكومات.

5 – تعاظم المسؤوليات الاجتماعية.

6 – توجه الأعمال والمهام نحو التخصص.

وهذه التطورات تنشأ منها مشاكل وصعوبات وتعقيدات جديدة تختلف من عصر إلى آخر ومن مكان إلى آخر، وهي بحاجة إلى علاج وحلّ واقعي ينسجم مع ثوابت وأساسيات المنهج الإسلامي، وهذا العلاج أو الحلّ هو الصورة المعبرة عن التجديد والاحياء.

وفكرة التجديد والإحياء لا تشمل العقيدة الدينية المتمثلة بالايمان بالله وبالرسول وباليوم الآخر لأنّ هذه الامور من الثوابت التي لا تقبل التبديل والتغيير؛ نعم قد يطرأ تجديد في الوسائل التي توصل الإنسان للايمان بالله أو تعمق هذا الايمان من خلال اكتشاف أسرار الكون والحياة، وهو تجديد في الوصول إلى الفكرة لا تجديد الفكرة، وهي لا تشمل أيضاً العبادات المنصوصة وأسس المعاملات الثابتة، بل تشمل كل أمر يقع في دائرة التجديد أو قابل للتجديد.

وفكرة الإحياء أو التجديد ليست بنت اليوم بل هي فكرة ممتدة بامتداد المنهج الإسلامي، وقد وردت في الأحاديث الشريفة في أبواب (إحياء السنة واماتة البدعة)، وقد وردت احاديث عديدة تشير إلى انّ (احياء السنة) من واجبات الإمام وواجبات الحاكم الإسلامي.

والإحياء هو خلاف الابتداع والبدعة، وهو اشارة واضحة على انّه ليس الاتيان بشيء جديد، بل هو فهم السنة والثوابت الإسلامية بعقل جديد وبآليات فكرية جديدة.

وعلى ضوء ذلك، فالاجتهاد ليس ابتداعاً بل هو احياء للمنهج الإسلامي، وانقاذ له من البدعة، وهو تجديد في الفهم وتجديد في الآليات في مجال الفقه والتشريع، وضمن المجالات التي سمحت بها الشريعة بالاعتماد على القواعد الكلية وعلي تطبيق عموم النصوص على الحوادث والمستجدات، وعلي تطبيق الكليات والعموميات بما ينسجم مع تطور الأوضاع والظروف، وابرز هذه المجالات لزوم رعاية الأهم والمهم على ضوء المتغيرات والمستجدات، والقضايا التي تتصف بالمرونة والتبدل والتغيّر حسب الظروف الزمانية والمكانية.

ويتجلي الاجتهاد والتجديد والاحياء بصورة أكثر وضوحاً فيما يسمي بـ (الحوادث الواقعة) فالحديث الشريف يدعو للرجوع للفقهاء والعلماء والمجتهدين في هذه الحوادث، وهي متجددة مع الزمان ولا تتوقف ما دامت الحياة وثابة نحو التطور والتغير والتبدل.

ثبوت وتكامل الشريعة واستيعاب التطور

المنهج الإسلامي منهج واقعي يتصف بالثبات والتكامل، وهو يراعي واقع الإنسان من جميع جوانبه، ويراعى واقع الحياة، وقد وضع لكل جانب مقوماته وحدوده الوقاعية فلا تقييد مطبق ولا اطلاق العنان، وهو منهج لا حرج فيه ولا مشقة، وهو منهج كامل شامل لا نقص فيه ولا خلل، ومع ثباته فهو قادر على استيعاب التطور في مختلف مجالاته.

وقد اشار القرآن الكريم إلى كمال المنهج الإسلامي والشريعة الإسلامية بقوله تعالى: (…و نزلنا عليك الكتاب تبياناً لكلّ شيء وهدئ ورحمةً وبشري للمسلمين) ([43]).

وقوله تعالى: (… اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً…)([44]).

وقوله تعالى: (… ما فرّطنا في الكتاب من شي ء….)([45]).

فالقرآن الكريم بيّن كل شي ء ولم يفرّط في شي ء والمنهج الإسلامي قد أكمله الله تعالى، فلا نقص ولا خلل ولا محدودية، وهو ثابت في جميع الأزمان يستوعب الزمان كلّه والمكان كلّه.

وقد أشار أئمة أهل البيت b إلى هذا الثبات والتكامل في أحاديثهم الشريفة.

قال الإمام جعفر الصادق A: (حلال محمّد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة، لا يكون غيره ولا يجي ء غيره) ([46]).

وقال الإمام محمّد الباقر A: (انّ الله تبارك وتعالي لم يدع شيئا تحتاج إليه الأُمّة إلا انزله في كتابه وبيّنه لرسوله o وجعل لكل شيء حداً وجعل عليه دليلاً يدلّ عليه، وجعل على من تعدّي ذلك الحد حداً)([47]).

وقال الإمام الصادق A: (انّ الله تبارك وتعالي أنزل في القرآن تبيان كلّ شيء حتى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج إليه العباد؛ حتي لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا انزل في القرآن إلا وقد انزله الله فيه)([48]).

وقال A: (ما من شي ء إلا وفيه كتاب او سنة) ([49]).

وحول حيوية القرآن الكريم وحركية آياته التي تجرى في جميع العصور أشار أهل البيت b في أحاديثهم.

قال الإمام الباقر A: (انّ القرآن حى لا يموت والاية حية لا تموت، فلو كانت الاية إذا نزلت في الأقوام ماتوا فمات القرآن، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين) ([50]).

وقال الإمام الصادق A: (انّ القرآن حى لم يمت وانّه يجرى كما يجرى الليل والنهار، وكما تجرى الشمس والقمر، ويجرى على آخرنا كما يجرى على أولنا) ([51]).

ومن خلال ما تقدم يمكن الجمع بين الثبات والمرونة، وبين الشمول أو التكامل والتطور والتغير، فلا تنافى ولا تضاد، فالمنهج الإسلامي ثابت في أصوله شامل في كلياته، ومرن أو متطور أو متغير في جزئياته وتفاصيله وتطبيقاته العملية.

وقد أرجع القرآن الكريم المسلمين إلى رسول الله o في حياته والي أولى الأمر في غيابه ليجيبوا على الحوادث والمستجدات عن طريق الاستنباط من القواعد الكلية والثوابت الأساسية.

قال تعالى: (واذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول والي أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) ([52]).

ويمكن القول: انّ الشريعة الإسلامية ثابتة وكاملة، وهذا الثبوت والكمال هو الذى يستوعي التطور ويستوعي المستجدات فتكون متجددة ومتطورة مستوعبة للزمان والمكان، وهي ثابتة في الكليات ومتطورة في الفرعيات والجزئيات تبعاً لتطور الأفكار والعواطف والممارسات، وتبعاً لتطور العلم والتقنية وتطور الوسائل والأساليب.

ولنضرب أمثلة في ذلك، منها قوله تعالى: (… ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) ([53]).

الآية الكريمة تنفى ولآية للكافرين على المؤمنين، فهذه القاعدة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل من زمان لآخر ومن مكان لآخر، ولكن الذي يتغير ويتبدل هو التطبيق العملى الواقعي، والذي يتبدل هو تشخيص الموضوع، فأحياناً يكون التبادل التجاري موضوعاً للآية الكريمة ولهذه القاعدة، وأحياناً يكون التبادل الثقافي، وأخرى تكون العلاقة السياسية، وأخرى تكون المعاهدات العسكرية، فيأتي دور الاجتهاد ليطبّق القاعدة على الواقع.

ومن ذلك قاعدة (لا ضرر ولا ضرار).

والقاعدة التي حدّدها الحديث الشريف (لا يحل أخذ مال امري إلا عن طيب نفسه).

وقاعدة (الناس مسلطون على أموالهم).

وهذه القواعد وغيرها تعتبر من الثوابت التي يرجع إليها ويعتمد عليها لاستنباط الحكم الشرعي المستجد والحادث الذي لم يرد به نصّ لأنّ موضوعه غير متحقق في عصر صدور النصّ.

وقد تضم قاعدة أخرى لاستنباط حكم شرعي أو مفهوم إسلامي، فيتم إستيعاب الزمان والمكان موازنة بين الثابت والمتغير ويكون لملاك الحكم دور أساسي في الاستنباط، وكذلك تستعمل قواعد الترجيح والجمع العرفي وغير ذلك في دراسة المستجدات لكي يكون الحكم منسجماً مع روح الشريعة وحركيتها وحيويتها.

وعلى سبيل المثال الظاهرة المستجدة وهي (تلويث البيئة) هل يحكم بحليتها تبعاً لاصالة الإباحة، أم تبعاً لقاعدة (الناس مسلطون على أموالهم) أم يحكم بحرمتها تبعاً لقاعدة (لا ضرر ولا ضرار)، وفى نهاية المطاف يمكن التوصل إلى حكم واضح في هذه المسألة اعتماداً على الثوابت الفكرية والتشريعية.

وكذلك الحال في الحكم على السينما، والرياضة الحادثة، والمصارف الاقتصادية، والتلقيح الصناعي، والاستنساخ، وغير ذلك.

وفي جميع ذلك تكون عملية الاجتهاد مسؤولة عن الاجابة على كل سؤال يطرح في مختلف الأزمان والأماكن، ومسؤولة عن تلبية حركة التطور؛ لتوازن بين الثبات في الأُصول والأهداف والمرونة في الفروع والوسائل وفي التطبيقات العملية.

والمنهج الإسلامي يدعو إلى التطوير والتبديل في الأساليب والوسائل والآليات المباحة وإن لم تكن أحكاما شرعية واضحة. ففي مجال الأساليب التربوية قال الإمام علي A: (لا تقسروا أولادكم على آدابكم فانّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم) ([54]).

وهذه دعوة صريحة للتجديد والتعامل الموضوعي مع التغيّرات والتبدلات الحاصلة في حركة الإنسان وحركة المجتمع في جميع مجالاتها.

الاجتهاد والتجديد ومنطقة الفراغ التشريعي

في مواجهة ادعاء جمود الشريعة الإسلامية وعدم تطورها بما يلائم متطلبات العصر والزمان تداول الفقهاء والباحثون في مجالات الفقه الإسلامي مصطلح (منطقة الفراغ التشريعي)، وهذه دعوى جديدة وحديثة لم ترد في كلمات ومصطلحات القدماء.

وهذا المصطلح إذا فهمناه بظاهره أو بمعناه اللغوي يمكننا القول بعدم وجود منطقة الفراغ التشريعي، لأنّ الشريعة الإسلامية متكاملة وشاملة لم تترك أمراً أو التباساً أو حكماً إلا بينته، وقد دلت الآيات والروايات المتقدمة في الموضوع السابق على ذلك، فلا توجد منطقة فراغ تشريعي لأنّ المنهج والشريعة الإسلامية وضعت قواعد عامة وأسس كلية واصول ثابتة تكون مرجعاً للاجتهاد وللاستنباط؛ يطبقها

 

 

 

المجتهد على مصاديقها وتفاصيلها وجزئياتها التي تختلف من زمان لآخر ومن مكان لآخر.

 

ويصح اطلاق مصطلح (منطقة الفراغ التشريعي) على الموضوعات الخارجية والمصاديق العملية التي بحاجة إلى استنباط حكم لها، لأنّ الشريعة لم تتطرق إلى الامور المستقبلية الكائنة، ولم تتطرق إلى التفاصيل والفروع والقضايا الخاصة، ولم تتطرق إلى التطورات العلمية والتقنية، لانها غير موجودة في عصر النص والتشريع، وهذه الامور لم تترك بدون قواعد. فقد أعطت الشريعة لولى الأمر صلاحية إملاء منطقة الفراغ بالاعتماد على الاسس والقواعد والاصول العامة والكلية، والاملاء لم يكن إلا التطبيق على المصاديق وعلي الفروع والجزئيات.

وتشمل منطقة الفراغ التشريعي كل مباح لم يرد فيه نصّ يدل على حرمته أو وجوبه، فهو متروك لولي الأمر يحكم فيه حسب المصلحة الآنية والمستقبلية، وطبقاً للثوابت الإسلامية، فلا تكون صلاحياته مطلقة.

ولزيادة الدقة في التوضيح نتوجه إلى رأى السيد الشهيد محمّد باقر الصدر حيث يقول: (و لا تدل منطقة الفراغ على النقص في الصورة التشريعية، أو إهمال من الشريعة لبعض الوقائع والأحداث، بل تعبّر عن استيعاب الصورة، وقدرة الشريعة على مواكبة العصور المختلفة؛ لأنّ الشريعة لم تترك منطقة الفراغ بالشكل الذى يعني نقصاً أو اهمالاً، وإنّما حددت للمنطقة أحكامها بمنح كل حادثة صفتها التشريعية الأصلية مع اعطاء ولي الأمر صلاحية منحها صفة تشريعية ثانوية حسب الظروف، فاحياء الفرد للأرض صلاحية مثلاً عملية مباحة تشريعياً بطبيعتها، ولولى الأمر حقّ المنع عن ممارستها وفقاً لمقتضيات الظروف) ([55]).

والفكرة الاساسية لمنطقة الفراغ هذه تقوم على أساس: (أنّ الإسلام لا يقدم مبادئه التشريعية للحياة الاقتصادية([56]).

بوصفها علاجاً موقوتاً، أو تنظيماً مرحلياً، يجتازه التاريخ بعد فترة من الزمن إلى شكل آخر من اشكال التنظيم؛ وإنّما يقدمها باعتبارها الصورة النظرية الصالحة لجميع العصور، فكان لابد لإعطاء الصورة هذا

العموم والاستيعاب، أن ينعكس تطور العصور فيها، ضمن عنصر متحرك، يمد الصورة بالقدرة على التكيّف وفقاً لظروف مختلفة…)([57]).

ومليء أو إملاء منطقة الفراغ لها ارتباط واضح بعملية الاستنباط والاجتهاد، فعلي ضوء قواعدهما يتوصل ولى الأمر وهو الفقيه الجامع للشرائط إلى الحكم بتطبيق القواعد العامة والكلية على المصاديق وعلي التفاصيل، أو الاعتماد عليها مجتمعة للوصول إلى الحكم المنسجم مع روح الشريعة.

وتحديد منطقة الفراغ التشريعي تخضع للموازين والمعايير الإسلامية الثابتة، وهي لا تخرج عن تحديدات الشريعة ومنها المجالات التالية:

1 – مجال الموضوعات للأحكام الشرعية.

فالثابت مثلاً: حرمة اللعب بالآلات المعدة للقمار، وحرمة الألحان والاصوات المعدة لمجالس اللهو.

ويأتي من له صلاحية الاجتهاد في منطقة الفراغ ليشخص موضوعات هذه الأحكام ليحكم على الآلات المستحدثة والألحان المستحدثة، فهو يعتمد بالأساس على حكم عام وقاعدة عامة ليطبقها على موضوعاتها الخارجية.

2 – مجال تشخيص الأهم والمهم عند التزاحم.

فمثلاً: الجهاد واجب، فيأتي ولى الأمر ليشخص الواقع من حيث القدرة على الجهاد ومن حيث نوعية العدو، ومن حيث تحقق الأهداف بأقل التكاليف. واذا افتي بالجهاد أو حكم به يأتى حكم اجتياز الارض المغصوبة أو اتلاف بعض المزارع، أو قتل بعض الأبرياء، أو استخدام أسلحة الدمار الشامل، أو قصف مدن العدو الآهلة بالسكان المدنيين، وغير ذلك. فهل يقدّم الجهاد، وهل يتوقف في بداية الطريق أو منتصفه؟ كل ذلك يتحدد على ضوء تشخيص الأهم والمهم.

3 – المصالح الحاصلة في دائرة المباحات

هنالك دائرة واسعة للمباحات، فالأصالة للمباحات أو بعبارة أخرى (كل شيء لك حلال حتي تعلم انّه حرام).

والمباحات قد تطرأ عليها ظروف إجتماعية وسياسية واقتصادية فيتدخل ولي الأمر ومن له صلاحية مليء منطقة الفراغ فيضع القوانين أو الأوامر أو النواهي لتكون المباحات واقعة في دائرة تحقيق المصلحة العامة.

فمثلاً: إحياء الإنسان للأرض عملية مباحة، ولكنّ الظروف قد لا تسمح بذلك، أو ان إحياء أرض معينة قد يوقع ضرراً بالمصلحة العامة فيتدخل ولي الأمر لمنع إحياء هذه الأرض دون غيرها.

ومثال آخر: ان اختيار السكن، مباح من حيث الكم والنوع. ولكن قد يصبح السكن في بقعة معينة من الأرض حائلاً دون تحقيق بعض المشاريع العمرانية، أو يكون معرقلاً لحركة المرور أو حركة الجيش، أو ما شابه ذلك، فيأتى دور ولي الأمر لمنع ذلك.

ومن ذلك: تحديد الأسعار، والمنع من الاحتكار، وفرض ضرائب اضافية في حال التضخم الاقتصادي أو في ظروف الحرب.

4 – مجال الأحكام الأولية والأحكام الثانوية.

وهو مجال واسع في مليء منطقة الفراغ التشريعي، وفي حلّ وعلاج المشاكل المتغيرة أو مشاكل التغيّر في شؤون الحياة في مجالاتها المختلفة، وفى هذا المجال تتحول الأحكام الاولية إلى أحكام ثانوية، فالواجب ربما يتحول إلى حرام، والحرام إلى مباح، والمباح إلى مستحب، وهذا التحول يتبع المصلحة والمفسدة.

وعلى سبيل المثال: انّ بيع الذهب والنفط وسائر المعادن مباح في الشريعة الإسلامية، غير أنّه يصبح محرّماً إذا اضرّ باقتصاد المجتمع الإسلامي، أو أصبح مقدمة لضعف المسلمين، ولنضرب مثلا حياً في ذلك ونقول: انّ تصدير وبيع النفط إلى امريكا أمر مباح ولكن إذا أصبح عاملاً لتقوية اسرائيل أو لتقوية امريكا في حربها ضد دولة إسلامية، فسيصبح محرماً، فتأتي صلاحية ولي الأمر فيحرمه أو يمنعه.

5 – مجال تعطيل الحدود في القضاء.

قد تدخل هذه النقطة في النقطة السابقة أو تكون مستقلة عنها، وفى كلا الحالتين، فانّ لولى الأمر صلاحية تعطيل الحدود في القضاء لعدم وجود مصلحة في اقامتها أوان الظروف لا تسمح بذلك.

فمثلاً تعطيل حد قطع يد السارق في ظروف المجاعة وفي ظروف الاضطرار الشديد، أو في ظروف القتال والجهاد حيث انّ الظروف تستدعى عدم التفريط بأي قوة تساهم في اضعاف العدو.

ومنطقة الفراغ في التشريع هي منطقة الأحكام المتغيرة، وكما جاء في رأي السيد محمّد حسين الطباطبائي حيث يقول: (الأحكام المتغيرة في الإسلام، تلك الأحكام التي تعتبر بمثابة منطقة الفراغ في التشريع على الوالي أن يسدها تبعاً لمتطلبات الظروف الزمانية والمكانية.

وهذا التغيّر يلبى احتياجات الإنسان المتطورة دون أن يطرأ أي تغيير على الأحكام الثابتة في الإسلام)([58]).

ومنطقة الفراغ التشريعى مصطلح جديد ولعلّ السيد الشهيد محمّد باقر الصدر أول من استعمله، وهذا المصطلح له مماثل في استعمال فقهاء المذاهب يقع تحت عنوان (المصالح المرسلة)، فروح المصطلحين واحدة حيث يبعثان في المساحات التي لم تحدد فيها أحكام وترك أمر وضع الاحكام لها لولي أمر المسلمين، مقدراً للظروف والمصالح المتعلقة بها والتي تتبدل وتتغير تبعاً للظروف والاوضاع، ويبقي الاختلاف بين المصطلحين في حدود التحليل والاستدلال والصياغة.

وما يستنبط من أحكام في منطقة الفراغ التشريعى يعتبر من الأحكام التدبيرية وليس من الاحكام الإلهية، وتدخل في الاحكام الالهية بابداء عناية اضافية وهي الاوامر الالهية الداعية لطاعة ولي الأمر في حدود صلاحياته التي حدّدها الله تعالى له.

الاجتهاد وفق المتغيرات الزمانية والمكانية

اثبت الواقع انّ للتغيرات الزمانية والمكانية تأثيراً على حركة الاجتهاد، وانّ كثيراً من القضايا قد اعيدت قراءتها تبعاً لهذه المتغيرات، وغالباً ما يكون التغير منصباً على الموضوعات فتتغير الأحكام تبعاً لتغير الموضوعات.

وقد ازدادت الدعوة لقراءة النصوص الإسلامية وفق متغيرات الزمان والمكان في القرن الماضى وخصوصاً في العقود المتأخرة منه، ومن دعاة هذه القراءة مجموعة من فقهاء ومفكرى الأُمّة الإسلامية، ومنهم: الإمام الخميني والشهيد محمّد باقر الصدر والشهيد محمّد صادق الصدر وهبة الدين الشهرستاني والشهيد مرتضي المطهري والشيخ محمّد رضا المظفر والسيد محمّد حسين الطباطبائي والشهيد محمّد الحسيني البهشتي والسيد محسن الامين العاملي والشهيد حسن البنا، والشهيد سيد قطب وآخرون.

يقول القرافي: (انّ العادتين متي كانتا في بلدين ليستا سواء، فانّ حكمهما ليس سواء) ([59]).

ويقول أيضاً: (تراعي الفتاوي على طول الأيام، مهما تجدد في العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تحمل على المنقول في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير اقليمك يستفتيك فلا تجبه على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأجر عليه وافته به، دون عرف بلدك، والمقرر في كتابك، فهذا هو الحق الواضح.

 

والجرى على المنقولات أبداً ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين)([60]).

وتغير الفتوى حسب تغير الازمنة والأمكنة والأحوال أمر مقرر لدى العلماء، وليس هو تغييراً في أحكام الشريعة ونصوصها؛ لأنّ المراد أنّ الشارع أحال في تطبيق هذه الاحكام إلى العوائد، وهو راجع إلى فهم مراد الإنسان وقصده أيضاً، ولذلك أوجب العلماء على المفتين إذا جاءهم مستفت من غير بلادهم إلا يفتوه بما يفتون به أهل البلد ([61]).

وفى هذا الموضوع أرى من الأفضل التطرق إلى آراء الإمام الخمينى لأنه من كبار الفقهاء، ومن الذين تحمّلوا مسؤولية تطبيق الشريعة في الواقع، حيث كان فقيهاً حركياً استطاع إخراج الإسلام من بطون الكتب ومن داخل المساجد، واعاده إلى موقعه الريادى في المجتمع وفى الدولة، فكون وأسس الدولة الإسلامية التي تتبني الإسلام منهجاً في الحياة، وتسعى إلى تطبيقه في جميع المجالات.

يقول الإمام (رضوان الله عليه): (إنني اؤمن بالفقه الجواهري، غير أنّ الفقه الجواهري هو فقه متحرك، ومعني هذا أنّ لعاملي الزمان والمكان أثرهما الفاعل في حركة الفقه، والاجتهاد الجواهري يتغير بتغير هذين العنصرين).

ويرى الإمام (رضوان الله عليه) انّ معرفة الظروف الزمانية والمكانية ومسائل العصر دخيلة في خصائص المجتهد فيقول: (علي المجتهد ان يكون ملماً بمسائل عصره ومحيطاً بها، فلم يعد بمستساغ للشاب والناس عموماً أن يقول مرجعهم ومجتدهم: اننى لا ابدى رأياً في القضايا السياسة، فالتعرف على اسلوب التعامل في مواجهة إلا لا عيب والدسائس السائدة في الثقافة العالمية، وعمق الرؤية الاقتصادية وكيفية التعامل مع النظام الاقتصادى العالمي، والتعمق في السياسة، وحتي معرفة السياسيين واسلسة والمعادلات الحاكمة، وتفهم نقاط القوة والضعف لدي القطبين الرأسمالى والشيوعي، ودرك دورهما الاستراتيجي في ادارة العالم، انّ كل هذا هو من خصائص المجتهد الجامع للشرائط) ([62]).

وفى مقام رأيه في دور الزمان والمكان في الاجتهاد يتطرق الإمام (رضوان الله عليه) إلى تغير الحكم والفتوى في خصوص حمل السلاح، حيث يري انّ حمل السلاح في عصر النبي الأكرم o والأئمّة الأطهار كان جائزاً شرعاً، ولكن في عالم اليوم تغيرت ماهية الموضوع إلى الحد الذي لا يجرؤ فيه أي من الفقهاء في الافتاء بجواز حمل السلاح، ثم يعد فتواه هذه مطابقة للموازين الفقهية ([63]).

ومن الأمثلة على ذلك: بيع واستهلاك المواد المخدرة . فقد أجاز عدد من الفقهاء ذلك في الزمن السابق، امّا في الزمن الحالى فقد كثرت عصابات التهريب، وما يمكن وراء ذلك من أهداف استعمارية ولذلك فلا يوجد فقيه واحد يمكنه اباحة ذلك وتجويزه ([64]).

ويضرب أحد الفقهاء مثلاً في استعمال الملح تبعاً للحديث الشريف الذي يبحث على الابتداء بالملح والاختتام به، فيري انّ للمكان اثراً في الحديث؛ حيث انّ جو المدينة كان حاراً جداً فيفقد الإنسان فيه كمية كبيرة من الملح عن طريق التفرّق، ومن هنا حثّ رسول الله o على ذلك. امّا إذا كانت البيئة باردة جداً فيتغير حكم استعمال الملح من الاستحباب إلى الاباحية، وقد يتحول إلى الكراهية.

والتغير في الفتوى تبعاً للزمان والمكان ظاهرة طبيعية معترف بها من قبل الفقهاء بل مورست من قبلهم عملياً.

(وقد يعيش فقيه واحد في بيئتين فتتغيّر نظرته الفقهية تبعاً لاختلاف هاتين البيئتين، وتتغيّر تبعاً لذلك فتاواه، والمعروف عن الإمام الشافعى أن فتاواه اختلفن حينما انتقل إلى مصرعما كان يفتي به سابقاً وهو في المدينة، نظراً لاختلاف بيئة الحجاز عن بيئة مصر) ([65]).

ومن الاحكام التي تتغير تبعاً للزمان والمكان أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث تتغير من زمان لآخر ومن بيئة لاخري من حيث وجوبه باليد أو باللسان أو بالقلب، فالحكم يختلف اختلافاً كبيراً من بيئة إلى أخرى، فالبيئة التي يكون فيها الإسلام منهجاً في الحياة وتكون القاعدة الفكرية مستمدة من الإسلام في قوانين وتشريعات الدولة؛ تختلف عن البيئة التي يكون فيها الإسلام مجرد ظاهرة سطحية لا علاقة لها بالحياة، وكذا الحال مع اختلاف الزمان.

إعترافات غير المسلمين بصلاحية الإسلام لكل زمان ومكان ان المنهج الإسلامي صالح لكل زمان ومكان وقابل للتطبيق لأنه منهج واقعي. وقد اثبتت الحضارة الإسلامية التي اقيمت في الصدر الأول للإسلام وفى العصور اللاحقة له بانّ الإسلام منهج الحياة الخالد الذي يتطور بتطورها مع الحفاظ على الثوابت التي حدّدها الله تعالى ورسوله.

وقد اعترف العلماء والباحثون، الأجانب بهذه الحقيقة، من قدرة المنهج الإسلامي على مواكبة التطور وقدرته على حل الازمات الإنسانية والاجتماعية.

قال جورج هوايت كروس باتون: (انّ السبيل الوحيد للوصول إلى معايير متفق عليها هو الاعتراف بالوحي السماوي قانوناً) ([66]).

وهذا اقرار من عالم قانوني بصلاحية الوحي السماوي لكل زمان ومكان، فهو لم يجدّد بيئة دون أخرى في صلاحية الوحي السماوى لأن يكون قانوناً.

 

ومن أقوال برناردشو: (أننى أتنبأ بأنّ الناس سيقبلون على دين محمّد في أوروبا في المستقبل، وقد بدأ يلقي القبول في أوروبا اليوم) ([67]).

والاقبال على الدين الإسلامي في بيئة متطورة كأوروبا يدل دلالة واضحة على مواكبة الإسلام للتطور العلمي والتقني والفكري والاجتماعي وغيره، وعلى صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان.

ويرى مراد هوفمان سفير ألمانيا في المغرب: (أنّ القرن الواحد والعشرين هو قرن الإسلام الذى سينبعث في أوربا) ([68]).

وتصريحات الذين أسلموا تشير إلى انّهم وجدوا المنهج الإسلامي صالحاً لكل زمان ومكان، وانّه دين التطور والتقدم؛ يرفض الجمود والتقوقع والانزواء.

وهذه الصلاحية مدينة لفتح باب الاجتهاد الذي ساهم مساهمة أساسية وفعالة في التجديد في القيم والأحكام القابلة للتجديد والمتغيرة بتغير الظروف والأحوال الزمانية والمكانية والحياتية عموماً.

كلمة اخيرة

الأُمّة الإسلامية امة واحدة وان تعددت فيها المذاهب؛ تجتمع حول عقيدة واحدة، ومنهج واحد، وسلوك واحد، ومصالح واحدة، ومصير واحد، وتواجه عدواً واحداً صفوفه وامكاناته من احل ايقاف المسيرة الإسلامية وعرقلة حركتها التاريخية للقضاء عليها عقيدة وقيادة وكياناً.

وقد أيقن اعداء الإسلام انّ الإسلام لا زال قوة تنافسهم وتنازلهم وتطاردهم في جميع مجالات الحياة: الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية؛ فهبوا مجندين جميع طاقاتهم وامكاناتهم للحيلولة دون عودة الإسلام إلى موقعه الريادي بين الأمم وخصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران بقيادة الإمام الخميني v، فتآمروا عليها وعلي الصحوة الإسلامية في كلّ مكان، وتحت ذريعة مكافحة الارهاب توحدوا للقضاء على أي وجود إسلامي يهدد مصالحهم وينازلهم فكرياً وسياسياً واقتصادياً.

وفي خضم هذا التآمر المقنن فانّ المسلمين بأمس الحاجة إلى تظافر وتآزر الجهود والامكانات، وانّ التقريب بين المذاهب ينبغي ان يكون أكثر واقعية من قبل، ونحن بحاجة إلى وحدة حقيقية في جميع المجالات لغلق الثغرات امام اعداء الإسلام الذين لا يفرقون في عدائهم بين مذهب وآخر وبين وجود وآخر وبين قائد وآخر، فلا فرق ما دام الجميع يحملون الإسلام منهاجاً وشريعة في الحياة.

وفي الختام أود أن الفت الانظار إلى بعض النقاط كاقتراحات، واتمني ان تؤخذ بعين الاهتمام والاعتبار:

أولاً: تحقيق الأُمّة والجيل الناشئ على نبذ التعصب، وتوجيه أنظاره نحو الآفاق العليا التي تتوحد فيها الخطط والبرامج والممارسات.

ثانياً: التوقف عن الحملات الاعلامية التي تستهدف هذا المذهب أو ذاك وخصوصاً في شبكات الانترنيت، فقد اثبتت التجارب الماضية انّ هذه الحملات لم تساهم في التخلى عن المذهب المستهدف، بل تزيد اتباعه اصراراً على الايمان والتمسك به، وفي نفس الوقت تزرع روح العدوان بين أبناء الدين الواحد.

ثالثاً: انّ محاولة البعض لتوسيع دائرة مذهبه حق طبيعي، ولكن ينبغي تقديم الأهم على المهم، وليكن التبليغ والارشاد موجهاً للمسلمين العلمانيين أولاً لغرض اعادتهم إلى الإسلام، وهذا الانجاز أقرب إلى روح الإسلام وأهداف الإسلام من اخراج مؤمن من مذهب واد خاله في مذهب آخر.

رابعاً: الاجتهاد الجماعي في إعادة كتابة التاريخ بنظرة ايجابية مسبقة وتجاوز تخليلات نوايا الشطب والاقصاء والإلغاء في دراسة العلاقة بين الخلفاء الراشدين، والعلاقة بين أئمة المذاهب.

خامساً: التركيز على مفهوم الولاية بين المسلمين، فهو مفهوم ثابت اوجبه الإسلام. فحق على المسلم نصرة أخيه، مع إرجاء المعتقدات إلى يوم القيامة بحيث لا تكون سبباً للعداء والتقاطع في دار الدنيا.

سادساً: فتح باب التخصص في الاجتهاد.

سابعاً: تشكيل مجلس اجتهادي أو فقهي لكل مذهب، ثم ربط المجالس بمجلس أعلى يكون بمثابة المرجعية العلمية والفقهية لكل المسلمين.

ثامناً: تأسيس جامعات تدرس فيها عقائد وأفكار وفقه جميع المذاهب، وبذلك يكون التقريب أقرب للواقع.

تاسعاً: تشكيل مؤسسة موحدة للمبلغين والدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر تضم اتباع جميع المذاهب، وهذا من شأنه ان يساهم في وحدة البرامج والخطط، ويقلل من الخلافات، ويخفف من حدة التعصب والتشنج، ويشبع لغة الحوار واحترام الرأي الآخر، والعمل من أجل المصلحة الإسلامية العليا.

عاشراً: عقد مؤتمرات للتقريب في جميع أنحاء العالم الإسلامي تعقد على مدار السنة.

الهوامش

([1]). الأنبياء : 92.

([2]). النهاية 1: 319.

([3]). المصباح المنير 1: 138.

([4]). مجمع البحرين 1: 32.

([5]). المفردات في غريب القرآن: 101.

([6]). معارج الأُصول: 179، المحقق الحلّي.

([7]). كفاية الأُصول: 528، محمّد كاظم الخراساني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1412 هـ.

([8]). قواعد الأُصول: 119، دار الاعتصام، الدار البيضاء، 1997.

([9]). تاريخ المذاهب الإسلامية: 321.

([10]). دراسات حول الاجماع والقياس: 4، مكتبة النهضة، القاهرة، 1988.

([11]). نظرية الاستحسان: 22، دار دمشق، دمشق، 1987.

([12]). التجديد والاجتهاد في الإسلام: 80، مرتضي مطهري، مؤسسة البلاغ، 1419 هـ، طهران.

([13]). الاجتهاد في الإسلام: 53، د. نادية العمري، مؤسسة الرسالة، بيروت 1401هـ.

([14]). الاجتهاد في الإسلام: 53، د. نادية العمري، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1401هـ.

([15]). الإحكام في اصول الاحكام 4: 203.

([16]). الأشباه والنظائر: 109.

([17]). شرح الكوكب المنير: 404.

([18]). اعلام الموقعين 1: 67 ـ 69، ابن قيم الجوزية، دار الجيل، بيروت.

([19]). تاريخ المذاهب الإسلامية: 237، محمّد ابو زهرة.

([20]). كنز العمّال، 5: 627، على المتقى الهندي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1985م.

([21]). كنز العمّال، 5: 627، على المتقى الهندي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1985م.

([22]). تاريخ المدينة المنورة: 2: 732، اعلام الموقعين: 1: 215، تاريخ الطبرى: 2: 453.

([23]). تاريخ المذاهب الإسلامية: 256.

([24]). الاجتهاد والتقليد: 61، محمّد مهدى الاصفي.

([25]). بحار الانوار: 2: 245.

([26]). في ميدان الاجتهاد: 9 ـ 10، عبدالمتعال الصعيدي.

([27]). الفتاوي الكبرى: 1: 409.

([28]). الاجتهاد في الإسلام: 219.

([29]). الاجتهاد: 308، موسي توانا.

([30]). ظهر الإسلام: 2: 7.

([31]). القواعد الكبرى: 2: 135

([32]). الاجتهاد: 47، السيوطي.

([33]). البرهان في اصول الفقه: 1: 691، المؤتمر العالمي الثالث للسيرة النبوية، الدوحة، 1400 هـ.

([34]). الاجتهاد في الإسلام: 255، عن المنخول: 462.

([35]). الاجتهاد: 44، السيوطي.

([36]). رسالة الإسلام: 1: 350 ـ 351، مجمع التقريب بين المذاهب، 1411 هـ.

([37]). الاجتهاد والحياة: 55، اعداد محمّد الحسيني، مركز الغدير، قم، 1417 هـ.

([38]). نفس المصدر: 71.

([39]). الاجتهاد والتقليد: 88، محمّد مهدى الاصفي، مركز الغدير، قم، 1416 هـ.

([40]). المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية: 394.

([41]). مجلة أهل البيت، العدد: 1، ص 15.

([42]). رسالتنا: 73.

([43]). النحل: 89.

([44]). المائدة: 3.

([45]). الأنعام: 38.

([46]). الكافي: 1: 58.

([47]). الكافى: 1: 59.

([48]). الكافى: 1: 59.

([49]). الكافى: 1: 59.

([50]). تفسير العياشى: 2: 203.

([51]). تفسير العياشى: 2: 203.

([52]). النساء: 83.

([53]). النساء: 141.

([54]). شرح نهج البلاغة: ج 20، ص 267.

([55]). اقتصادنا: 725.

([56]). ذكر السيد الشهيد هذه الاراء في كتاب (اقتصادنا) وكان يتحدث عن الجانب الاقتصادي، ولكنّ هذا الموضوع قابل للعموم أو للتعميم على غير الجانب الاقتصادي.

([57]). اقتصادنا: 722.

([58]). الإسلام ومتطلبات التغيير الاجتماعي: 45.

([59]). الاجتهاد في الإسلام: 248 عن: الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام: 249.

([60]). الفروق: 1: 44.

([61]). الاجتهاد في الإسلام: 248 عن: اصول مذهب الإمام أحمد: 668.

([62]). صحيفة النور ج21، ص 98، مؤسسة نشر وتنظيم تراث الإمام الخميني، قم.

([63]). الاجتهاد والتقليد: المقدمة، مؤسسة نشر وتنظيم تراث الإمام الخميني.

([64]). الاجتهاد والتقليد: المقدمة.

([65]). الاجتهاد والتقليد وسلطان الفقيه وصلاحيّاته: 87، محمّد مهدى الآصفي، مركز الغدير، قم، 1416هـ.

([66]). الإسلام والعصر الحديث: 20، وحيد الدين خان، دار النفائس، بيروت، 1986.

([67]). الثابت والمتغير في التشريع الإسلامي: 11، مؤسسة البلاغ.

([68]). الإسلام كبديل: 7، مراد هو فمان، ترجمة: د. محمود غريب، بيروت، 1403هـ.