الأمة الإسلامية بين عوامل التقدم وأسباب الانحطاط
الأمة الإسلامية بين عوامل التقدم وأسباب الانحطاط
ضياء الدين الخزرجي ـ قم
بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام بين الحضارة والمدنية
من المهم جداً معرفة هذين الاصطلاحين والفرق بينهما لارتباط هذه المسألة بواقع الصراع الفكري وصميم الحياة الإنسانية والهموم المعاصرة التي تكثفت واتسعت عبر الأزمة الحضارية الراهنة التي يعاني منها العالم اليوم، وعرض الحلول المناسبة لها نظراً للمرحلة المطلوبة والراقية التي وصل إليها الإسلام. فالحضارة في مفهومها الحقيقي مجموعة قيم وأفكار وأخلاقيات ومبادئ ومعتقدات تنبثق عنها جملة من النظم والتقاليد والأعراف والسلوكيات المختلفة التي تتجسد في مجتمع أو مجموعة من المجتمعات في مرحلة زمنية معينة، وهذا المفهوم للحضارة يعكس موقفاً معيناً إزاء الكون والإنسان والحياة.
وتمتاز بعض الحضارات عن الأخرى بسمات معينة، لكن هذا لا يمنع أن تلتقي في المفاهيم والتصورات في بعض الأسس كما هو موجود بين الحضارات المختلفة كالحضارة
ـ(80)ـ
الرومانية واليونانية وحضارات قوم عاد وثمود(1).
وهي واضحة لدى الغربيين في حضاراتهم المعاصرة وأما خطوط اللقاء في الحضارات التي تمتلك أسساً ومقومات روحية فهو قائم فيها أيضاً كما في الحضارة الإسلامية التي ترى أن القيمة الصادقة في الحقيقة هو الله سبحانه وما ينبثق عنه; فانعكس فيها الاهتمام البارز بمعاني النبل وقيم الروح والفضيلة، وهذا التركيب العقائدي يجعل من الله سبحانه هدفاً للمسيرة وغاية للتحرك الحضاري، وهو الوحيد الذي يمد الحركة الحضارية للإنسان، وبهذا شجب الإسلام أي اتجاه إلى تحويل الأهداف النسبية والمرحلية إلى هدف مطلق لأنه يعيق الحركة عن الاستمرار وتجاوز الهدف النسبي في مرحلة تالية. وهذا النوع بعكس ما ينبثق عن رؤيا حضارية مادية صرفة، فالأول يتحرك ويستمد قدرته من هدفه الحقيقي الذي هو الله سبحانه ويستلهم وقود معركته ضد الظلم والظالمين منه سبحانه ولا يجعل إزالته هدفاً نهائياً ومطلقاً لـه. أو انه تخلق في نفسيته دوافع تنبع من الشعور بالمسؤولية والإحساس بالواجب، إذ ليس للإنسان المشدود إلى الدنيا وزخارفها القدرة على مواكبة البناء والحضارة لان المساهمة في كل بناء كبير تعني كثيراً من ألوان الجهد والعطاء وأشكالاً من التضحية والأذى والمعاناة في سبيل الواجب، ولكي تجند الطاقات الفردية للبناء الكبير لابد من تركيب عقائدي لـه أخلاقية خاصة تربي الفرد على أن يكون سيداً لا عبداً. ولأجل أن ينتزع الإسلام هذا التعلق الشديد بالدنيا من هذا الإنسان نراه يعطي لها حجماً طبيعياً ويزرع المفهوم الأخروي باعتبار أن المفهوم الدنيوي يتعارض مع عملية البناء العظيمة التي يدعو لها المفهوم الأخروي باعتباره ينمي الإنسان في إطار خبرات وجوده الحقيقي وسعيه المستمر في عملية البناء والإبداع والتجديد وتتحول النظرة إلى
______________________________________
1ـ تفسير التاريخ لعبد الحميد صديقي ص 38.
ـ(81)ـ
الدنيا من كونها مسرحاً للتنافس والتكالب على المال إلى مسرح للبناء الصالح والإبداع المستمـر(1).
وأما الثانية فإنها لا تتوانى عن إبراز الجوانب الغريزية وبأوضاعها الشاذة، أو الانطلاق من منطق الغلبة والجبروت، إذ لا مانع لديه من تمجيد الماكر المغتصب وإضفاء صفة الذكاء والبطولة عليهما.
وأما المدنية فهي لا ترتبط جوهرياً بأي فكر وليست جزءاً من الحضارة أو صورة من صورها وإنّما يتم ارتباطها مع العقل المجرد ويأتي انبثاقها عن إبداعاته التي تتسم طبيعتها بالاستقلال عن الأيدلوجيات الحضارية; فالمدنيه هي كل ما يرتبط بوسائل الحياة والمتطلبات المادية التي يحتاجها الإنسان في توفير سبل راحته ورفاهه. ولم تكن المدنية هذه وليدة زمن محدد أو مكان معين، بل ساهمت في ظهورها جماعات وشعوب مختلفة; ولم يكن ظهورها أيضاً بشكل مفاجئ ولأول مرة; بل أن كثيراً من نتائج ما توصل إليه العلم المادي الحديث لم يتهيأ لها الظهور بأشكالها التي هي الآن إلاّ بعد عمليات من النمو المستمد من مواقع مدنية سابقة. صحيح ان قسم من إبداعات العصر ظهرت لأول مرة من خلال جهود فردية، ولكن كثيراً منها لم تظهر إلاّ من خلال جملة من التمهيدات والمعارف والتجارب التي بدأ بها السابقون الذين نقلوا خلال ذلك الفكرة الأساسية والتجربة الأولية لمن بعدهم الذين استلموا بدورهم سر الاكتشاف وانطلقوا به نحو الإبداع والتكامل كما هو شأن المدنيه الإسلامية التي طالما أمدت ومهدت المدنيه الحديثة بالشيء الكثير حيث تركت لرجال الثانية النواة والركائز الأساسية في أكثر من علم وموضوع سيما في الطب والكيمياء والجيولوجيا والرياضيات وعلم الحيوان والنبات والجغرافيا والفلك وغيرها
____________________________________________
1ـ انظر منابع القدرة في الدولة الإسلامية للصدر ص 15.
ـ(82)ـ
من العلوم والمعارف الإسلامية التي اقتبس الغربيون الكثير منها عن طريق الأندلس وصقلية والشمال الأفريقي..
لقد كان وجود ابن الهيثم وجابر وغيرهما ممهداً ولازماً لظهور غاليلو ونيوتن، فلو لم يظهر ابن الهيثم وجابر لاضطر كل من نيوتن وغاليلو أن يبدءا من حيث بدأ جابر وابن الهيثم; كما ان ابن يونس الرياضي مهد «لفابيير» في المثلثات، هذا وإن لإخوان الصفا تدقيقات جيلوجية هامة في تبادل البر والبحر يراها العلماء الاختصاصيون أساساً لتكوين نظرية الصحراء «ليوحنا وانتروش لابل»; وأما أبو منصور الموفق فهو أول من أظهر قاعدة عجينة «پارليس» في الجراحة، وأول من ميّز بين «كربونات الصوديوم» و«كربونات البوتاسيوم» وأول من استخدم الجير الحي في إزالة الشعر من الجلود. أما أبو بكر الرازي فأول من وضع كتاب في طب الأطفال ومارس الطب التجريبي; وابن سينا هو أول من قال أن المعدة تتأثر بالاضطرابات النفسية وقد تحدث عن السرطان; وكتابه القانون وصفه «وليام اوسلر» بأنه إنجيل الطب; مضافاً إلى نظرياته الجيولوجية في تكوين الصخور والجبال والحفريات، كما قد كتب ابن رشد في الصحة الغذائية، أمّا ابن نفيس فانه يُعد أول مكتشف للدورة الدموية الصغرى، وقد تكلم البيروني عن النفط والصلب; واكتشف المسلمون أيضاً القلويات والحوامض وبعض العقاقير، وحللوا عناصر الطبيعة الثلاث والمعادن السامة إلى عقاقير رقيقة مأمونة.
وأمّا في مجال الصناعات; فان البوصلة التي أتاحت لـ «كريستوف كولومبس» أن يكتشف القارة الأمريكية هي إحدى مخترعات المسلمين; كما انهم عرفوا صناعة الورق وتكرير السكر واختراع البارود.. إلى غير ذلك مما ابتكرته العقلية الإنسانية في العصر
ـ(83)ـ
الإسلامي من أدوات وأجهزة وآلات(1).
ان هذه المدنية الإسلامية وبشهادة علماء العصر ومؤرخيه من «ول ديورانت وسـتايلتون وجوستاف لوبون وسنجرو وسيديو» وغيرهم قد أدت دوراً كبيراً لا يستهان به في خدمة المدنيه الأوربية الحديثة. فالبراءة ميزة المدنيه والحضارة هي التي تتحكم فيها تبعاً لمنطقها الخاص واتجاهاتها العامّة فتحولها خيراً كما في الحضارة الإسلامية أم شرّاً كما في الحضارة الغربية(2).
مقومات الحضارة الإسلامية وعناصرها
ذكر «ول ديورانت» في قصة الحضارة أربعة عناصر للحضارة على الإطلاق بعد أن عرّفها بأنها نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي فقال:
«تتكون من أربعة عناصر هي: المواد الاقتصادية والنظم السياسية والتقاليد الخلقية ومتابعة العلوم والفنون»(3).
ثم قال في موضع آخر من كتابه بعد أن فصل بين الحضارة والمدنية: «ليست تتوقف المدنية على جنس دون جنس، فقد تظهر في هذه القارة أو تلك; وقد تنشأ عن هذا اللون من البشرة أو ذاك; وقد تنهض في بكين أو دلهي، في دافنا أو لندن، فليست المدنيه وليدة الرجل الإنجليزي»(4).
____________________________________________
1ـ انظر علوم المسلمين أساس التقدم العلمي الحديث لجلال مظهر: العدد 347.
2ـ انظر أزمة العالم اليوم للقرشي: 12.
3ـ قصة الحضارة: 3.
4ـ المصدر نفسه: 6.
ـ(84)ـ
وهذا كما ترى تعريف واسع منه وللمدنيه; فلم يقتصر إبداعها على جنس دون جنس ولم تحد انطلاقاتها بإقليم دون آخر أو قومية دون أخرى.
وقال جورج حنا موجهاً انتقاده «لأرنولد تويبني» الذي رأى أن الدين هو المرتكز الأساسي في تكون الحضارات باعتباره البارق الوضاء للاشراف الإلهي قال: الحضارة ليست عبادة ولا تنسكاً ولا إحساناً ولا شيئاً مثل هذا.. بل هي علم وفن وتقدم ومجتمع قائم على العلم والفن والتقدم المادي قبل كل شيء، الذي انبثق عنه التقدم الروحي وعليه تتوقف الكفاءات لخلق قيم إنسانية وحضارية(1).
وأنت ترى كيف يرفض « حنّا » أن تكون العبادة والإحسان من مواضيع الحضارة وأسسها; لان الحضارة في نظره تقوم على الجوانب المادية والفنية التي يؤتي ثمارها التقدم العلمي، ونفى الروحيات والأخلاقيات وإبعادهما عن الدائرة الحضارية; وهذا الفهم منه ينطبق مع ما تراه الماركسية حين اعتقدت بان العامل الاقتصادي وأساليب الإنتاج وحدهما اللذان يحددان صورة الحياة وقيمها الاجتماعية والخلقية والسياسية بل وحتى الروحية(2).
ويرى «تويبني» أنّ الحضارة حصيلة عمل الإنسان في الحقل الاجتماعي والمناقبي(3).
وعليه فان النشاطات الاجتماعية المشتملة على الأعراف والعادات والقوانين والنظم والموروثات الخلقية والفكرية من الأسس والموضوعات الحضارية التي تعبّر في أنماطها
____________________________________________
1ـ الحقيقة الحضارية لجورج حنا: 46.
2ـ المصدر نفسه.
3ـ الحقيقة الحضارية: 28.
ـ(85)ـ
عن مفاهيم وتصورات وركائز فكرية معينة.
وأما «هانزكوهن» الذي انتقد الحضارة الشيوعية ووصفها بالانغلاق والاستبدادية(1); فهو في هذا الوصف لا ينظر للشيوعية على أنها حضارة تعيش تحت ظلها المدنية في أرقى تطورها إنّما ينظر إليها فقط كحضارة ذات مرتكزات فكرية واتجاهات سياسية وسلوكية اجتماعية متميزة. والصحيح في تصورنا دائماً هو أن الحضارة تتعلق بالمعنويات والنظم والمبادئ كما ذكرنا.
وان المحاكاة لما تسير عليه بعض المجتمعات من تقاليد وما تحمله من قيم ومبادئ وما تطرحه من سلوكيات لمجرد تفوقها المادي والتكنولوجي هو أمر في غاية الضعف وضآلة الوعي وسوء التقدير ; لان هذه المحاكاة قائمة أساساً على عقدة مجارات القوي والتشبه به; وتدل على غياب العمق الفكري في تحليل هذا الاتجاه على هذا النحو.
إنّ فهم الحضارة وتقديرها ـ وبمعزل عن الجانب المدني ـ على ضوء من الدرس والتأمل للأسس التي تشكلها وتصوغ خطوطها ومواقفها العامة إزاء الكون والإنسان والحياة ـ كما هي الحضارة الإسلامية ـ هو المنهج الصحيح للتقييم الحضاري وهو النموذج الصائب للموازنة بين حضارة وأخرى، وإلاّ فكيف نفسر حالة التدهور التي يعانيها الإنسان في أوروبا ـ على الرغم من سعة عيشه ووسائله إن كان التقدم العلمي والمادي كافياً للتعلق بالمناهج الحياتية والأفكار السائدة في البلاد؟ وما تفسير الاستغلالية البشعة التي تمارسها الدول الصناعية بحق الشعوب الصغيرة المسروقة الثروة والمسلوبة الكرامة؟ ومن يتحمل مسؤولية كل هذه الجرائم والدماء التي تلطخ وجه الأرض يومياً عبر أعمال القهر والتنكيل؟ وما هو سبب تلك العنصرية التي مارستها النازية عرقاً والدول المستكبرة لوناً
____________________________________________
1 ـ المصدر نفسه: 46.
ـ(86)ـ
والصهيونية ديناً ثم هذه المناورات والتحركات والهيئات التجسسية المتآمرة على بني الإنسان وتقسيم العالم وبسط النفوذ والتجمعات والأحلاف التي لا تنوى غير السوء والاستعباد.
إنّ غياب الحضارة الإنسانية الصالحة الرشيدة عن عالم اليوم هو العلّة لكثير من مشاكل العالم الكبرى والسبب في معظم ظواهر القلق والتمزق الذي يجتاح العالم.
قال «نيقولا اينياتو» الأستاذ في كلية الآداب بجامعة تورينو في شمال إيطاليا: إنّ التقدم التكنيكي وفرّ للإنسان اليسر والسهولة، لكنه صرفه عن اعتبار الحياة الروحية وبهذا سلبه الميزة الحقيقية الوحيدة التي يمكنه أن يستخلصها من اليسر والسهولة.. ألا وهي تكريس نفسه لتربية ذاته على نحو أفضل ثم يضيف قائلاً: ولربما كانت كل الشرور الناشئة عن التكنيك(1).
فالمشكلة أساساً هي مشكلة الحضارة، أما التكنولوجيا والتكنيك فلا يؤديان إلى المشكلة إلاّ بالقدر الذي تتحكم به يد الحضارة التي هي اتجاهات وقيم ونظم سياسية واقتصادية واجتماعية وأهمها الصيغ الأخلاقية للفرد والمجتمع معاً وهذه هي المفاهيم التي نادت بها الحضارة الإسلامية ودعت إليها وكانت أصولها التي تستند إليها في تحركها وقد قبلها الإنسان برحابة صدر وطمأنينة تامة لأنها تضمن سعادته التي كانت ضالته على مرّ العصور.
قال الدكتور نور الدين حاطوم: ان الإنسان الواعي بدأ يثور على حضارته وعلى ما خلقت من طرق ومناهج وقيم ومذاهب وتقنية ويحاول أن يقيمها ويجعل ما كان بالأمس منها حقائق مقبولة ومعطيات مسلما بها، موضع شك وتساؤل; ولا غرر إذا وجدنا حضارة
____________________________________________
1ـ انظر عالم الفكر ج 1 العدد الثاني 1970 لعبد الرحمن البدوي ص 12.
ـ(87)ـ
العصر تعاني أزمة بل أزمات وأبرزها، الأزمة العقلية; اللازمة الاشتراكية الماركسية. لقد حاولت الاتجاهات العقلية الحديثة أن تجعل من العقل رائداً لتسير على هداه وتوصلت إلى الطريقة التي تجعل الإنسان سيد الطبيعة وسهلت ظاهراً عليه سيطرته على العالم وسلوك حياته ولكنها في الوقت ذاته أفقدته أو تحاول أن تفقده أسباب حياته وحريته.
وأمّا الأزمة القومية فقد تجلت في الحركات التي قامت في العالم وأدت إلى تشكيل دول قوية حذت حذو «بسمارك وكافور وهتلر وموسوليني وستالين».
بينما الأزمة الثالثة نشأت من تطبيق القواعد العقلانية على الحياة السياسية والاجتماعية فأظهرت التجربة الإنسانية عيوبها وانقسامها على نفسها في الخلاف القائم اليوم بين الدول الشيوعية(1).
إنها أزمة الحضارة المعاصرة; وقد وضع العالم النفساني «ماتيوتشايل» يده على الجرح قائلاً: ليس القلق رد فعل; إنّما هو نتيجة مران وممارسة فرضتها تعقيدات الحضارة وسوءاتها»(2).
وهكذا يتجلى بوضوح جهل الإنسان، فلم يتركه الخالق تعالى يصنع منهج حياته الأساسي بما فيه من نظم وقوانين واتجاهات اجتماعية مختلفة لأنه يقتضي منه علماً كاملاً وشاملاً لا بحقيقة الإنسان وحدها ولكن بحقيقة الكون والحياة ثم بحقيقة القوة الكبرى المدبرة لهذا الكون وما فيه ومن فيه. لقد عانى الإنسان ما عاناه بسبب غروره وعناده اللامجدي في وضع التفسيرات المتعجرفة وسن الشرائع والنظم الأساسية في حياة الناس دون أن يصل إلى نتيجة غير ما هو معروف عليه من قصور في المناهج وركام في
____________________________________________
1ـ عالم الفكر ج 1 العدد 2 ص 32.
2ـ شفاء القلق، ص 12.
ـ(88)ـ
التصورات وتوغل في المظالم والدروب الوعرة.
لقد منّ الله سبحانه على البشر ودعاهم إلى التوجه إليه عبر رسالته ليوفر عليهم همّ إنشائه أساساً وأن يحمل عنهم معاناة الكد فيه; ولذلك فان تبديد الطاقة في هذا المجال الذي لم يهبهم الله دليله ولا أداته دون التفرغ لتلقي هبة التصور الرباني والعمل على إدراكها والتكييف بموجبها والمعاناة والإبداع من خلالها معناه: الاستمرار في الخبط والمتاهات.
لقد رسمت الحضارة الإسلامية ما يعتمد عليهما في بنيانه وكيانه أمران هما: الأساس الروحي والمادي معاً، منطلقاً وصبغةً وبناءاً; في عملية الوعي المركزية للإنسان اللذان يدرك من خلالهما غاية وجوده الكوني فينتهج فلسفة مؤمنة واعية منفتحة ينبثق عنها النظام الاجتماعي الذي يمنحه الحياة الكريمة وحق الأمن والحرية.
عوامل القوة عند المسلمين:
أولاً: تستند قوة المسلمين الحقيقية على الحضارة الإسلامية التي يمتلكونها; والتي تكون وحدها الباعثة في بقائهم وارتقائهم وقوام وجودهم; فالأيدلوجية الإسلامية مشحونة بالمنهاج التكاملي الصحيح لحياة الإنسان; والمعبأة بالنظام الحياتي المتماسك. وهذا أمر طبيعي بالنسبة لكل أيدلوجية شاملة تمد جذورها في كل جوانب الحياة، والمنهاج الإسلامي كما ذكرنا عبارة عن السياسة الإسلامية والاقتصاد والاجتماع، ومعنى السياسة الإسلامية هو تأمين الدولة الإسلامية والدفاع وحفظ الآمن والاستقرار لها، هذه هي التصورات والرؤى حول آفاقه ومفاهيمه المتكاملة ولذا فإننا نعتبر قيام الدولة الإسلامية ضرورة شرعية وحضارية باعتبارها الوحيدة في مصدر القوة عند المسلمين، من خلال تفجيرها الطاقات الإنسانية والارتفاع بها إلى موقعها الصحيح في المسيرة الحضارية; وإنقاذ
ـ(89)ـ
الإنسان مما يعانيه من التبعية وألوان التشتت والضياع.
ثانياً: وتكمن قوة المسلمين في التركيب العقائدي لأنها وضعت هدفاً واضحاً ومعيناً للمسيرة الإنسانية، وطرحت فيها معالمها وتصوراتها من خلال الإيمان بالله سبحانه وجعله غاية للتحرك الحضاري وبداية الانطلاق لاكتشاف الآفاق الجديدة والامتدادات غير المنظورة، مما تزيد الجذوة اتقاداً والحركة نشاطاً والتطور إبداعاً.
لقد أعاد الإسلام في تجربته الفريدة الحرية المنتزعة والكرامة المفقودة للإنسان من خلال تهيئة المناخ المناسب للنمو والإبداع في مختلف مجالات الحياة الفكرية والسياسية والعسكرية; فان النمو الصالح للفرد إنّما يتحدد من خلال قدراته الفردية وقابلياته الخاصة.
ثالثاً: ومن عوامل القوة عند المسلمين طرح الإسلام مفاهيم عملية حضارية كالمساواة والعدالة والحرية والانتصار للمظلوم وغيرها; ولم تنحصر هذه المفاهيم على الأمة فحسب بل شملت واقع الحكام أيضاً وإنّ عليهم أن يعيشوا مواطنين عاديين في حياتهم وسلوكهم; ولم تكن هذه المفاهيم نقوشاً جميلة مثبتة في لوحة الدستور كما هو ثابت في الأنظمة الحديثة، بل هي على مستوى تطبيق عملي وممارسة فعلية في واقع الحياة; والتجربة الإسلامية غنية بالشواهد الحية على ذلك.. وإليك نموذجاً منها:
رفع يهودي كان يعيش في إطار الدولة الإسلامية شكوى على الإمام علي عليه السلام إلى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فأحضرهما الخليفة وأجلسهما معاً في مجلس القضاء وأخذ يستمع لكلامهما; ولكن سرعان ما رأى الخليفة آثار التأثر بادية على وجه الإمام عليه السلام فخيل للخليفة عمر أنه أساء للإمام عليه السلام لأجل أنه أجلسه مع اليهودي في مكان واحد فقال لـه الإمام علي عليه السلام: إني استأت لأنك لم تساو بيننا إذ كنيتني ولم تكنه».
ـ(90)ـ
وأما إذا تعدينا مرحلة التجربة في واقعنا المعاصر; فذاك الإمام الموسوي الخميني الذي قاد شعبه تحت راية الإسلام نحو النصر وأسقط الشاه الطاغية; لكنه لم يؤثر على بيته القديم بيتاً; بل عاد إلى نفس البيت الذي نفاه الجبارون منه ليقدم الأطروحة الإسلامية والمثل الأعلى والدليل الأكمل على أن الإمام عليه السلام لم يكن شخصاً معيناً وانتهى، وإنّما هو الخط الإسلامي الأصيل الذي لا ينتهي، والذي يبقى يفجر الطاقات الهائلة ويمدّها بالعطاء الروحي والمعنوي ويجعل كل منهما مستجيباً لعملية البناء.
رابعاً: ومن عوامل قوة المسلمين; توجه الإسلام في مستوى التعامل الدولي إلى بذر القيم والأخلاق السامية في المجتمعات المتهرئة والمنحطة، وإعطاء الأطروحة الإسلامية كبديل عن تلك الأنظمة الوضعية والقائمة أساساً على الامتصاص والاستغلالية للشعوب الضعيفة، بل يقوم على أساس التوازن والعدالة الذي امتلأ ضمير الدولة الإسلامي بها، لا مجرد عناوين تستثمر بها الشعوب وفقاً للمصالح الخاصّة وهناك نماذج حيّة في هذا المجال نذكر منها ما نقله التاريخ أن عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي أرسل قتيبة إلى سمرقند البلد الكافر آنذاك; فلما فتحت لم يفِ هذا القائد لأهل البلد بالبنود التي اتفقوا معاً عليها; فشكاه أهل البلد إلى الخليفة فأمر الخليفة قائد الفتح هذا وأهل البلد بالمثول بين يدي القاضي ليحكم بينهم بالعدل; فحكم القاضي لأهل البلد وألزم الجيش الفاتح بالانسحاب!! ففي أي نقطة من العالم قديماً وحديثاً يرغم الجيش الفاتح على الانسحاب، لا من قبل هيئة دولية أو مؤسسة عالمية بل من قبل القضاء الذي ينتمي إلى نفس الدولة التي ينتمي إليها الجيش؟! ولا شك في أن تعامل الدولة الإسلامية بهذه الروح يؤدي عالمياً إلى ايقاض الضمير الإنساني وتوعيته على مفاهيم العدل والحق ومن ثم تحريكه للمساهمة في
ـ(91)ـ
مسيرة العدل على الأرض(1).
خامساً: واستطاع الإسلام بشموليته أن يحفز الطاقات لتكون مصدر القوة وجعلها تتبع طبيعة الانسجام إيجاباً وسلباً مع التكون النفسي والتاريخي للافراد; باعتبار أن الإسلام يمارس دوره ويتعايش مع التكتلات البشرية لربط العلاقات القائمة بينهم; ووضع الصيغ المناسبة والخطط الصحيحة في مسير تنمية الطاقات البشرية وصهرها في بودقة العمل وتحريك إمكاناتها عكسياً ضد التخلف والجهل; وكانت تتعمق تلك البرمجة الصحيحة في مشاعر الأمة ونفسياتها، لان التنمية الحضارية لا تتم وسلامة البناء لا تحصل بصورة متجزئة وبعيدة عن الواقع وإنّما تتم باستنفار كل القوى المتفاعلة لإزالة التخلف ورفع حالة الجمود والكسل عنها والنفخ في جسدها وإعطاءها الحيوية في هذه المسيرة.
لقد بدأ الإسلام في تغيير ذات الإنسان أولاً لينطلق بعده إلى تغيير المجتمع بكل ما علق فيه من رواسب جاهلية ولم يتم هذا الآمن خلال تطوير المفاهيم المادية عن الكون والحياة، وزرع القيم والمبادئ الإنسانية والميول المعنوية كما ذكرنا فالنقد الذاتي ثم الجهاد الذاتي فالتربية الذاتية هي الأطوار المهمة في عملية التغيير الحضاري ـ للإنسان تغييراً خلاقاً; ولا يختار الفرد هذه الأطوار منعزلاً عن الآخرين حتى يعيش في متاهات صوفية دينية، بل يبقى ملتزماً معهم في الصراع; ولا تتم عملية التغيير هـذه إلاّ من خلال تعرضه لعواصف هذا الصراع وأمواجه(2).
سادساً: ومن عوامل القوة عند المسلمين: التجربة الواضحة وارتباطهم العاطفي بالرسالة; فان الإنسانية كانت بحاجة واقعية إلى أمثلة واضحة للنمو والقوة تجعلها تساهم في
____________________________________________
1ـ منابع القدرة للصدر ص 25.
2ـ ثورة الطلاب في العالم: حسن صعب: 56.
ـ(92)ـ
هذا الركب الحضاري وتدفعها إلى مفاهيم العطاء والبذل وغيرها; ولقد قدمت التجربة الإسلامية أمثلة حيّة مختلفة الرؤى واضحة المعالم يمكن للبشرية أن تحتذيها وتجعلها مصدراً للإمداد والعطاء والقوة; بل وتدعو إليه.
لقد عاشت التجربة تلك المثل الديمقراطية والماوية والشيوعية في مختلف أشكالها واتخذت صيغاً مختلفة فلم يحصل منها إلا النظرة الضيقة ولم يرها إلا تعسفات ودكتاتورية; ولم يتحدد في نفسها مثالاً دقيقاً واضحاً لما تريد المساهمة في بنائه وبذل كيانها من أجل تحقيقه.
يقول «أريك جونستون» رئيس الغرفة التجارية الأمريكية: إنّ تعريف الرأسمالية في المعجم أصبح ميتا كالحيوانات المنقرضة فالرأسمالية حشد رأس المال.. نفوذ رأس المال حين ينحصر في أيدي رجال قلائل; وقد عاش رجال الأعمال أمداً طويلاً في ظلال هذا التعريف.. وهو لا ينطبق إلا على ما مضي من عهود السلب والنهب والسالبين المحتكرين»(1).
ولقد تعرض الكثير من المفكرين الغربيين إلى هذه الأزمة مثل «تورمان أرنولد» في أسطورة الرأسمالية; «والبرت أكان» في مصرع الديموقراطية في العالم الجديد. و«انورين بيفان» في «بدلاً من الخوف»، و«هنري فورد» في «لماذا كانت الرأسمالية تعني الحرب» وغيرهم(2).
ولم تكن هذه التجربة تقدم أطروحة تكاملية حول هدف الإنسان ومسيرته; وأما الإسلام فانه وضع الأمثلة الحية لـه لكي يندمج مع أعمق مشاعره وأحاسيسه وتتفاعل معها
____________________________________________
1ـ أزمة الحرية في عالمنا لخالد محمد خالد: 123.
2ـ انظر المصدر نفسه.
ـ(93)ـ
تماماً في صنع المستقبل; وما بداية الرسالة والخلافة الراشدية إلا مثالاً حيّاً يهز المشاعر ويحرك الضمائر ويتفاعل مع القلوب فلا تجدها إلا صورة رائعة وجميلة تجعله يعتز بها ويهتز لها أعماقه فتدفعهُ إلى التفاعل معها والتحرك والانطلاق لصنع التحضر ; لأنها لم تسر بالناس في الظلام الحالك، ولا تحمل في طياتها التناقضات التي تفرغ العقيدة من محتواها; ولهذا يجد الإنسان نفسه في إطار التعبئة الحضارية آمنا مطمئناً في سيره واثقاً بهدف مسيرته قوياً أمام التحديات، قادراً على تمييز سلامة هذا المسير; لأنه يملك المقياس الموضوعي والأمثلة السامية والمتكاملة في التاريخ فيحكم من خلالها باستقامة المسيرة أو انحرافها. فالإسلام إذن عقيدة متلازمة دوماً مع مبادئ السلوك الفردي والتنظيم الاجتماعي بصورة محكمة وان أي تجزئة لهذا التلازم غير مقبول وهذا التكامل العقائدي الأخلاقي هو الذي صنع قوة الأمة الإسلامية وتماسكها.
سابعاً: ومن عوامل القوة عند المسلمين وجود القيادة الإسلامية الحكيمة; فان تاريخ المقاومة الإسلامية للاستعمار الأوروبي يكشف لنا عن حقيقة المواجهة بين الكتلة الشرقية والغربية وكان الإسلام وحده في ميدان المبارزة الحادة، وكان علماء الدين هم رواد وزعماء تلك المرحلة الحاسمة; وكانوا وحدهم المعبئون للأُمة لأنهم انبثقوا من أعماقها وطبقاتها التي لم تتلوث بزيف الأجهزة الحاكمة وظلمها وترفها; فالهوية الإسلامية لا تبرز إلاّ من خلال اللحظات الحرجة والحاسمة وأيام المحنة; ولقد وصلت القيادة الإسلامية إلى المستوى المطلوب لتحمل المسؤولية الكبرى التي تتطلبها المرحلة الحاسمة في المواجهة وصد الغزو الثقافي والفكري; ويستدعي هذا حتماً إلى تحمل الصعاب وتقديم التضحيات والقدرة على الاستمرارية في المسيرة، والوعي الفكري والعقائدي التام والحزم والقدرة على اتخاذ القرارات، وعدم التساوم فيها; ومسؤولية القيادات الإسلامية الواعية هي
ـ(94)ـ
مسؤولية من الفخامة بمقدار ما هي عليه من شرف ليخشع أمامها القلب دون أن يخاف لأنها مستمدة قوتها من القدرة المطلقة الإلهية. وهكذا صهرت الشعوب والقوميات تحت كلمة الإسلام الخالدة.
ثامناً: ومن منابع القوة عند المسلمين: دعوة الإسلام إلى الوحدة بين المسلمين. وهذا الحل الإسلامي هو الذي يمكن أن تجتمع عليه الأمة الإسلامية; وهو القادر على حفظ التوازن بين الروح والمادة وبين الدين والدنيا، وبين الفرد والمجتمع; وأما الحلول المستوردة الأخرى فان الأخذ بها سيمزق الأمة الإسلامية ويفرقها بدداً ويحول بينها وبين الوحدة المنشودة فتتحول تلك الأمة الكبيرة إلى أمم صغيرة متنازعة أو لقيمات يسهل ابتلاعها; ففي الإسلام وحده تذوب العصبيات القومية والإقليمية ; والفوارق اللونية واللغوية والطبقية، والتماسك ثابت في أصل الشريعة.
ولا نعني بالتماسك بالضرورة الجانب الإيجابي منه وهو العمل الميداني المشترك بقدر ما هو إلغاء الجانب السلبي في التعامل من النظرة والتحدث والتطاول على الآخرين فتكون الوحدة في المنهج الإسلامي عاملاً مساعداً في دفع المسيرة إلى تحقيق النصر.
وإذا كانت الأمة تأخذ شرعية التعدد من مبدئها ورسالتها فان الإسلام بمفهومه التكاملي هو الذي يوحد هذه الكيانات والهياكل الاجتماعية الثقافية والسياسية والقيادية. والتعددية ليست اتجاهات مبدئية يختلف بعضها عن البعض الآخر وكأن لكل منهم عقائدهم ونظمهم وتقاليدهم الخاصّة; لانّ هذا الفهم مرفوض في الشريعة باعتبار أن الكل ذو أصول مشتركة وهدف واحد; وإنّما هي اجتهادات في الأسلوب واختيار الانجح في العمل والأقرب لتحقيق الهدف، وهي أعمدة لبناء وحدة يرتكز عليها المجتمع في حضارته ونهضته في الظروف العادية أو المضطربة وفي ظروف خلق المجتمع الإسلامي للتعددية
ـ(95)ـ
والقوة المتحركة لاتتم إلا من خلال احتضان أبناء الأمة وتحميلهم المسؤولية للمساهمة في مسيرة الحضارة وعدم ترك أي شرعية في المجتمع بعيدة عن الاشتراك في رسم المستقبل; ومن ثم خلق حالة من التنافس في العمل من أجل تقديم الأفضل والأحسن في النوع والكمية.
عوامل الضعف والتفرقة عن المسلمين
يعتبر الإسلام في مجال الفكر والسياسة رسالة تستوعب دنيا الإنسان وتلبي كل حاجياته فتنفتح على كل ما يمس واقعه من بعيد أو قريب بهذا اللون من العمق وتؤلف عملية انقلابية ثورية ترفض بعنف وبكل جزم كل مرتكز ذهني وكل سلوك وكل تفاعل يجري في دنيا الإنسان وهو على منأى من منهج الله تعالى.
والإسلام حركة تاريخية كبرى تتخطى أبعاد الزمن والأمكنة; لا يقبل المساومة ولا الوسطية ولا أنصاف الحلول، ولا يقبل أية صيغة تفاهمية مع الواقع الاجتماعي وقواه الضالعة في ركاب المناهج الوضعية ; وإنّما هو مد ثوري يفرض وجوده ويجسد أطروحته في الحياة بشكل يحقق كل تطلعات الإنسان ويلبي كل أمنياته ورغباته وميوله الفطرية متجاوزاً بذلك كل السمات السلبية والتناقضية التي ترسبت خلال عهود الانحراف عن المنهج الإلهي.
إنّ هناك بعض الركائز التي ساهمت في حرف الأمة الإسلامية عن مسيرتها وكادت تقطع الصلة بينها وبين رسالتها الكبرى في الحياة وحولتها إلى أمة ضائعة مهزومة خائرة القوى تتوزعها الشعارات وتقتسمها الأهواء ; ولذا فان الاستقراء المنطقي الواعي والتحليل العلمي الصحيح لواقع أمتنا اليوم يكشف عن مدى الانحراف عن الخط الرسالي على
ـ(96)ـ
الصعيد العملي والفكري الذي تقبع به الأمة منذ مطلع هذا القرن وان أي فهم سوى هذا الفهم لواقع أمتنا يعتبر فهماً هزيلاً فاقداً للصفة العلمية والموضوعية.
وأهم تلك الركائز التي كانت السبب في أضعاف المسلمين وإلغاء الشخصية الذاتية للأُمة هي:
أولاً ـ الغزو الاستعماري: ويقوم هذا الغزو على ثلاثة ركائز هي:
أ ـ السياسة الاستعمارية.
ب ـ الثقافة الاستعمارية.
ج ـ الاقتصاد التبعي.
وقبل أن نقدم التحليل المتكامل لهذه الركائز نشير إلى نقطة هامة هي: كيف ولدت أوروبا المعاصرة التي تهدف قبل كل شيء إلى أن يسود العنصر الأوروبي على الأمم بأي ثمن كان انطلاقاً من طغيان العنصر الذاتي الذي يمثل لحمة الحضارة الأوروبية وسُداها وانبثاقاً من السعي خلف تحقيق أكبر حجم ممكن من اللذة والمنفعة مضافاً إلى طابع الاستعباد الذي تصبو إليه أوربا ابتداءً ; مما أعطى الهجمة الأوربية مزيداً من الضراوة في عملية تخريب الكيان الإسلامي وهدمه على شتى المستويات؟
لم ترو أرضية الإنسان الأوربي في بداية تاريخه بينابيع النبوة الصافية فقست نفسه وتبلدت آفاق روحه فعاد يبحث عن مقدساته في التراب لكن بحثه تمخض عن وثنية بليدة ومادية ماجنة لا تعرف للروح معنى، ولا للوجود دلالة غير المتع المسعورة ; وانسابت التعاليم الغربية في ربوع الجو الخانق فواجهت التحجر والقسوة مما أدى إلى أصابتها
ـ(97)ـ
بالنكسة وأصبحت انهزاميتها أمام الالتواء في نفسية الإنسان الأوربي بديلاً لإحراز النصر على الجاهلية. لقد استغل الإنسان الأوربي انهزامية تعاليم المسيح وتقهقرها أمام الزحف الجاهلي المخيم على مراتع الحياة ففرض عليها قيوداً وشروطاً لقاء دخولها في تلك الآفاق; فكانت شروطاً قاسية بحق المسيحية كلفتها تنازلاً عن سر أصالتها وطابعها الإلهي في وقت خلا فيه الميدان من الحَمَلَة المخلصين الذين لو وجدوا لما رضخت المسيحية لهذا اللون من المساومات وكانت خطورة تلك التنازلات من جانب المسيحية كامنة في رضاها لنفسها أن تكون قابعة في إطار الكنيسة دون أن تلعب دوراً مهماً في الحياة، أما الشؤون الحياتية لهذا الإنسان كمسائل الاقتصاد وشؤون الحرب والسلم فهي أمور تنازلت عنها المسيحية لصالح الحضارة المادية ذاتها فأصبح هذا الإنسان يشرّع ويخطط لمصالحه ما يراه دون التقيّد بأي التزامات أخلاقية أو أدبية يفرضها الدين المسيحي; ومن هنا نشأت فكرة الفصل بين الدين وشؤون الحياة، وبدأت أجيال أوربا تتوارث هذه الفكرة عبر تاريخها حتى تأصلت في النفوس، وراحت تجارب إنسان أوربا تتراكم عبر الزمن حتى أولدت أوربا المعاصرة.
وأما سبب العداء التقليدي الذي تأصل بين الأمة الإسلامية والإنسان الأوربي:
أ ـ الروح العدائية التي يحملها الإنسان الأوربي للإسلام نظراً إلى أنه وريث حضارة مادية وثنية تأصلت في نفسه فألهمته الخصومة للإنسان المسلم في فكره ومفاهيمه عن الكون والحياة.
ب ـ وساعد رجال الكنيسة على تأجيج هذا الحقد خوفاً على مصالحهم الذاتية وخشية من تمزيق الإسلام للبراقع السوداء الخداعة.
ج ـ وقد ساعد على هذا العداء تلك الهزائم المتكررة التي منيت بها الدولة
ـ(98)ـ
الرومانية ـ البيزنطية ـ التي مثلت الكيان السياسي لأوربا على الصعيد الدولي; وكان من نتائج تلك الهزائم: تقطع الدولة واختفاءها تحت مطارق الزحف الإسلامي في القرن الخامس عشر الميلادي، ومحاصرة الجيوش الإسلامية عاصمة النمسا في قلب أوربا ذاتها حتى دفع ملكها ضريبة الجزية خضوعاً منه لسيادة الدولة الإسلامية مضافاً إلى الهلع والخوف الذي زرعه المسلمون في قلب أوربا على اثر الزحف المتوالي الذي انهال عليها من طريقها الغربي في تلك البقاع وقد ولدت تلك الأحداث المتوالية ردود فعل شديدة تجسدت في الحروب الصليبية ذات خطورة لو أن الأمة الإسلامية كانت على مستوى المعركة مع أعدائها التقليديين; لكنها ومع الأسف بدت جسداً هامداً يلفظ أنفاسه الأخيرة إذ كانت تحمل على صدورها شارة القابلية على أن تستعمر(1).
وسبب ذلك يعود لعوامل تفاعلت على مرور التاريخ الإسلامي منها:
أ ـ إقصاء القادة المبدئيين عن الميدان العملي الإسلامي وتولي رعاية شؤون الأمة أُناس لم ينضج الإسلام في نفوسهم بصفته المذهبية الصحيحة.
ب ـ ظهور الزنادقة وحركة الوضاعين الذين كان لهم دور خطير في تشويه معالم الإسلام ومقاومته على الصعيد الفكري; والدس فيه مما هيأ لظهور بلبلة فكرية هائلة في كيان الأمة لاسيما أيام الحكم العباسي(2).
ج ـ زرع بذور التفرقة من قبل الحكومات المتعاقبة في صف الأمة وذلك عن طريق تقريب عنصر بشري إلى الحكومة وإسناد المهام السياسية لـه على حساب غيره مما كان لها الدور الخطير في زرع بذور العداء المرير بين شعوب الأمة. وإعطاء الفرصة لاعدائها للقيام
____________________________________________
1ـ شروط النهضة لمالك بن نبي، ص 229.
2ـ السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي لمصطفى السباعي ص 76.
ـ(99)ـ
بعمليات الانفصال وتمزيق كيان الدولة(1). مضافاً إلى تقييد نشاط بعض المذاهب الفقهية دون غيرها ومطاردة أصحابها مما جعل النزاع يطفو على السطح حيث راحت المذاهب المغلوبة تذهب إلى العنف في انتزاع حقّها في الحياة وهيأ ذلك القيام بثورات سياسية عديدة وتكتلات جانبية وألوان عنيفة من التمرد وساد على ضوءه نوع من الاضطراب السياسي والاجتماعي كان سبباً في اختزال الأمة لسنوات طويلة.
د ـ ضعف الجهاز التربوي لدى الأمة لاسيما في العهد العثماني الممتد قروناً; فأهمل فيه شأن العلم والتثقيف الجماعي وساد الجهل الفضيع وتفشت الأمية في الجماهير مما كان للكتاتيب الدور المهم في التعليم بالطرق الملتوية ووضوع المناهج الصعبة.
هـ ـ عدم قيام حركة فكرية واعية تواجه التيارات الغازية وتلك التناقضات والسلبيات في حياة الأمة; ولو تظافرت جهود الواعين يوم ذاك لإيجاد مثل هذه الحركة لكي تتحرك الأمة وتعيد سيادتها من جديد بروح إسلامية أصيلة لا تقبل الوسطية ولا أنصاف الحلول ولا المهادنة لما حلّت علينا الفاجعة بهذه الفخامة.
صحيح ان بعض الواعين من أبناء أمتنا تزعموا نهضة إسلامية واسعة ولكنها أفقدت عامل الخبرة والتخطيط(2).
هذه هي أهم العوامل خطورة في وضع الأمة التي جعلها على الهاوية ولقمة سائغة لاعدائها الصليبيين.
لقد انتصر المسلمون على الصليبيين وهزموهم شر هزيمة في حرب دامت ثلاثة قرون لكن الصليبيين استفادوا من انكسارهم ولم يستفد المسلمون من انتصارهم; فقد
____________________________________________
1ـ انظر التاريخ الأوربي الحديث للجنة من المؤلفين.
2ـ انظر: الرجل الإعصار، لثابت المدلجي.
ـ(100)ـ
استفاد الصليبيون من حركة الإصلاح الديني أمثال حركة «مارتن لوثر» و«كالفن» تحت تأثيرهم بالفكر الإسلامي وكان شعارهم: الإيمان برفع الوساطة بين الله والإنسان، والوحدانية وحرية التفكير الفردي في شرح الكتاب المقدس وغيرها فتحرروا واستعادوا تكوين مجتمعهم بعيداً عن سلطة الكنيسة وتقدموا في مراحل الإبداع والمعرفة، لكنهم لم يتناسوا هزيمتهم على يد المسلمين الذين بدأوا في الانحطاط والسير إلى الهاوية وصار أمرهم إلى أحزاب وشيع وبلادهم إلى دويلات فشاعت الخرافة وكثرت الفرق وتضاربت الأقوال، ونشرت الشعوبية سموم حقدها القديم على الإسلام ولوثت صفاء الإنسانية، وهكذا اندفع الاستعمار بكل ثقله لتمزيق الأمة الإسلامية الممزقة.. وكانت أولى مراحل الإبقاء على الضعف في الصف الإسلامي هي الطائفية والشعوبية، وتجسدت هذه المرحلة في عمل المستشرقين، ثم جاءت مرحة الاستغلال البشري والاقتصادي وتوطين الفكر العلماني. وقام الغرب بوسائله الخفية لتشجيع الحركات الانفصالية عند المسلمين أنفسهم فشجعوا الحركات القومية; وأخذوا يرسلون البعثات التبشيرية باسم العلم والإنسانية لغزو العالم الإسلامي فرصدوا لـه الميزانيات الضخمة لتمكين دوائر الاستخبارات السياسية والاستعمار الثقافي معتمدين على النصارى الذين سكنوا العالم الإسلامي.
قال «ليبولد فايس» في كتابه «الإسلام على مفترق»: أن النهضة أو إحياء الفنون والعلوم الأوربية باستمدادها الواسع من المصادر الإسلامية والعربية وعلى الأخص كانت تعزى في الأكثر إلى الاتصال المادي بين الشرق والغرب، لقد استفادت أوربا أكثر مما استفاد العالم الإسلامي ولكنها لم تعترف بهذا الجميل وذلك بأن تنتقص من بغضائها للإسلام بل كان الأمر على العكس من ذلك فان تلك البغضاء قد نمت مع تقدم الزمن.
أمّا تحامل المستشرقين على الإسلام فغريزة موروثة تقوم على المؤثرات التي
ـ(101)ـ
خلقتها الحروب الصليبية.
إنّ سياسة المهادنة مع الاستعمار الغربي كان قد شدد من فرض الطوق على العالم الإسلامي في كل الجوانب، وكان بسط نفوذه يكمن في أمور:
أ ـ تشديد التناقضات الداخلية.
ب ـ إثارة وتعميق الحروب الأهلية.
ج ـ إثارة الأقليات الداخلية في البلاد الإسلامية.
د ـ نشر شبكات التجسس.
هـ ـ المنع والحيلولة من وجود أي تغير أساسي وجذري في البلاد الإسلامية.
ان التسويات التي تجري في الواقع ليست تسويات عادلة بقدر ما هي تسويات سياسية قائمة على أساس القوة واستغلال الشعوب، وإنّما تكون التسوية ظاهرة حيث لا يكون تفاوت القوى كبيراً; وحيث يكون استمرار الصراع مضراً بكل الأطراف أكثر مما ينفعه فيبقى على وجه العموم شيء من عدم التناسب يجعل التسوية متّصفة باللامساواة وهي ليست نهاية القتال; وإنّما هي هدنة سيحل محلها تبدل ميزان القوى قتالاً جديداً.
ثانياً: ضعف الحكام:
لقد كان ضعف الحكام وعجزهم عن إصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والفكرية سبباً في ضعف المسلمين; وإيجاد حالة من التدهور في الحالة الاقتصادية والعمرانية للبلاد الإسلامية.
لقد منع الحكم الاستبدادي الشعوب الإسلامية من المشاركة في إدارة شؤونها السياسية وبالتالي منعها من الحصول على الحد الأدنى من الرشد الذي هو فرع تحمل
ـ(102)ـ
المسؤولية السياسية والمشاركة في إدارة الحكم والوضع الاجتماعي السائد ; وقد أدى بالتالي أيضاً إلى المنع من تعبئة الأمة في سبيل أهداف إصلاحية وحضارية.
ثالثاً: ضعف الوعي السياسي لدى بعض علماء الدين
في العصر الحاضر:
ان السبب في ضعف شوكة المسلمين يعود أيضاً إلى ضعف الوعي السياسي لدى بعض علماء الدين وهو ناشيء من الغياب الطويل عن المسرح السياسي إلاّ في الأزمات الحادة والخطيرة; وهذه الغيبة عنه نابع من عدم تبلور فكرة القيادة الرسالية في أذهانهم وعدم سعيهم الجدي في إقامة نظام اسلامي، ولعل جذور هذه العزلة يعود إلى الإرهاصات والتلقينات المسبقة من قبل الخلفاء المستبدين طول التاريخ بعزل العلماء عن الحكم وضرب العلماء الصالحين، وتنشئة مجموعة من علماء السلاطين وأدوات ملحقة بالخليفة أو الحاكم ; وكان الاستعمار سبباً في إيجاد هذه الهوة وتعميقها وإيجاد فكرة «فصل الدين عن السياسة».
أن الضعف السياسي لدى القيادة الدينية كان يؤدي في الكثير من الأحيان إلى الانخداع بألاعيب السياسة وكان عليها أن تواصل الجهاد السياسي وتعيد وحدة الصف إلى الأمة وتقوم بتقشفية سياسياً وفكرياً وإسلامياً وهذه المهمة منوطة بالعلماء وحدهم فهم الذين يمتلكون مستلزمات القيادة الصحيحة.
ـ(103)ـ
رابعاً: العقد النفسية لأصحاب النفوس المريضة:
وهذا النوع أيضاً كان لـه الخطر الكبير في أضعاف المسلمين; وهذه العقود النفسية سواء نشأت عن أسباب محيطة أو غير محيطة; فقد حمل أصحابها أحقاداً للمجتمع الإنساني واعتبروه الوحيد عما أصابهم من الحرمان والمحن التي لحقتهم; فاندفعوا بشكل لا شعوري إلى إثارة هذه المسائل الكلامية والخلافية بين طبقات الأمة الإسلامية بشكل لا شعوري ليثأروا إلى أنفسهم ويصبوا جام غضبهم على الإنسانية دون أن يترددوا في ذلك.
خامساً: استبدال التشريع الإسلامي والابتعاد عنه:
انفتح الجيل الإسلامي المعاصر على واقع متناقض في لحمته وسداه ; فقد استقرت فكرة مشوهة عن مبدئه الإسلامي لا تقدر على حمله على الصمود في الصراع المستقطب بينه وبين الحضارة الأوربية الوضعية وقوتها العاتية ; فوصلت عنده القناعة إلى أن رسالته قد استنفدت أغراضها وهي غير قادرة على تنظيم حياة الفرد وحاجات المجتمع في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية; مما أوحى لـه بجواز التماس التشريعات والأطر الفكرية الحديثة لعلاج معضلاته في الحياة; وكان الحضارة الأوربية قد أعطت مزيداً من الفرص للنفود في صفوف الأمة الإسلامية وتمرير مؤامراتها في شتى المستويات وكان لهم ما أرادوا. لقد كانت الغزوات التبشيرية هي الطلائع التي مهدت الطريق للاستعمار الأوربي ليفتح العالم الإسلامي فتحاً سياسياً بعد أن فتحه ثقافياً ; فتراه يفتح مناهج التعليم والثقافة على أساس فلسفته وحضارته وتدخل في تغيير المناهج لكي لا تخرج جزئية من جزئياته عن فلسفته وحضارته حتى عم الدروس الدينية والتاريخ
ـ(104)ـ
الإسلامي، وصارت دراسة حياة الرسول صلّى الله عليه وآله تدرّس كما تدرس حياة «بسمارك ونابليون» فلا تثير في نفوس المسلمين أية مشاعر أو أفكار، وصار المسلمون يستمرئون هذه الثقافة ويتعشقونها ويتجهون في الحياة طبق مفاهيمها حتى وصل بهم الأمر أن يعتقدوا بأن سبب تأخرهم يعود إلى الإسلام وثقافته، وبذلك ربحت الحملات التبشيرية من ضم الفئات المثقفة من المسلمين وجعلتها تحارب الإسلام وهي في صفوفها. ثم أشاعوا المفاهيم المغلوطة عن الحكم في الإسلام حتى صار المسلمون يخجلون من ذكر كلمة «الخليفة أو الإمام». هذا على الصعيد التربوي.
أما على مستوى قطاعات الأمة بمجموعها فقد تعرضت لعملية مسح فكري وسلوكي عنيد نهضت باعباءه مؤسسات اجتماعية وتربوية من نمط آخر، فالأفلام السينمائية الداعرة والملاهي الماجنة والأغاني العابثة وحانات الخمر ودور البغاء ودور النشر والصحافة كلها أدوات تحت تصرف النفود الاستعماري; وهكذا أقصى الإسلام كقاعدة للتقنين عن دنيا الإنسان المسلم وعلى شتى المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ; ثم أُلغي على ضوءه وفق عملية منهجية نظام الأسرة واستبدل بقانون الأحوال الشخصية الجديد المستعار من النظم الغربي.
ـ(105)ـ
مقترحات.. وتوصيات حول الوحدة الإسلامية
أولاً: إيجاد الأرضية الصالحة لإعادة الإسلام وتطبيقه وإقامة دولة إسلامية.
ثانياً: تحرير الشخصية الإسلامية من عقد النقص والهزيمة بتوفير الرؤية الإسلامية في سائر المجالات.
ثالثاً: العمل على جعل القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة مصدرين أساسيين في المعرفة وكل مجالات الحياة.
رابعاً: تقديم البدائل الإسلامية في مجالات تنظيم الحياة الاجتماعية وإظهار قوة الفكر الإسلامي.
خامساً: مناشدة الأمة الإسلامية بالرجوع إلى العلماء في كل ما يجد من مشكلات العصر واستفتاؤهم في كل مجالات الحياة.
سادساً: ضرورة ارتفاع العلماء والقضاة المرشدين إلى مستوى الأحداث والقضايا والأوضاع التي يعيشها المسلمون، وعليهم أن يتحملوا مسؤولياتهم نحو دينهم وأمتهم ومصير الأجيال المسلمة فيضعون لها الحلول المناسبة.
سابعاً: الاعتزاز بما قامت به الحركات الإصلاحية الفردية والجماعية من إثارة روح التجديد والاجتهاد في ضوء الكتاب والسنّة ومواكبة التطور العلمي والحضاري، وتقدير الدور الحيوي المهم الذي تجلى في نشاط العلماء والباحثين في إعداد وسائل الدراسات العليا المتنوعة في نطاق الدراسات المقارنة وفي نمو حركة التأليف بالمنهج العلمي الحديث لتطوير الفقه الإسلامي والإفادة من تاريخ التشريع.
ـ(106)ـ
ثامناً: تحقيق معالم الفرد والمجتمع المسلم والتخلص من كل تبعية استعمارية أو ذيلية أو ضيق أفق أو مصلحة شخصية.
تاسعاً: حماية المفاهيم الإسلامية الأصيلة من التلاعب بها وتحوير أو تحريف دلالتها.
عاشراً: التنسيق بين الهيئات الإسلامية وتوحيد برامجها، وتقوية كل المؤسسات التي تدعوا إلى التقريب بين المذاهب وتنميتها ودعمها مادياً ومعنوياً.
إحدى عشر: الإلحاح على وضع نظرية متكاملة في الاقتصاد الإسلامي لحماية مصلحة الجماعة والاستفادة من القدرات الفردية وصيانة حقوقه ومبادراته الإيجابية. وعقد ندوات دورية لهم لتحقيق التعارف والتعاون فيما بينهم وتبادل الخبرات ودراسة أفضل السبل للاستفادة المثلى من اختصاصهم والتخطيط لمعالجة قضايا الأمة المعاصرة.
والحمد لله ربّ العالمين.