الأقليات المسلمة: ضياع بين الحلول
الأقليات المسلمة: ضياع بين الحلول
صباح زنكنه
مستشار رئيس السلطة القضائية ـ ايران
مقدمة:
قرأت تصريحاً للسيد عبدالعزيز بوتفليقة، رئيس جمهورية الجزائر، في مجلة "العربي" العدد 562 سبتمبر 2005 رجب 1426، يهز الوجدان. يقول الرئيس بوتفليقة، ردا على قانون فرنسي أصدره البرلمان الفرنسي أخيرا لتمجيد مجازر الاستعمار الفرنسي في الجزائر:
[لقد استساغوا اللقمة، فأعجبتهم. والله لنذيقنهم الحنظل]. وهذا مثالٌ من أمثلة طرق التعامل مع المسلمين وكيفية الرد عليهم. وفي هذه المقالة، سأعرض لمقاطع مهمة في التاريخ المعاصر أثرت على مجمل مواقع الاسلام والاقليات المسلمة في الغرب خاصة؛ ونحاول استخراج المراحل والمواقف الغربية ازاء ذلك، وثم نعرج على ردود وحلول العالم الاسلامي في هذا الصدد، وفي نهاية المطاف، سنظهر بعضا من التوصيات المناسبة.
مقاطع مهمة: لا نريد ان نذهب بعيدا في اعماق التاريخ، لنقرأ الاساليب، ولكن في التاريخ المعاصر، وخاصة في النصف الاخير من القرن السابق، نجد مقاطع ومواقف واحداث هامة، اثرت على الجاليات والاقليات المسلمة التي تعيش في بلدان غير بلدان العالم الاسلامي، بل واوجدت تيارات فكرية، وسياسية واجتماعية حيال الاسلام كتاريخ وديانة وعقيدة، ونذكر عددا منها، لا على التحديد، ولا على اساس التقسيمات المنطقية والموضوعية لها، بل على اساس الترتيب التاريخي الاجمالي، وبناء على قدرات هذه المقاطع في التأثير في مجريات الاحداث.
نقاط العطف:
1ـ نهاية الاستعمار القديم، وبعده الحديث، تدريجيا في دول عديدة من البلدان الاسلامية، وخروج القوات العسكرية الاستعمارية، وحلول قوات محلية مكانها، وتقسيم او استمرار تقسيم بلدان العالم الاسلامي وما يحيط بها، ومنها في شبه القارة الهندية (الهند والباكستان، وثم بنغلادش)؛ وبهذين الحدثين الهامين، خروج الاستعمار والتقسيم، نجد أن موجات من الهجرة قد اخذت تظهر، بخروج مجموعات من سكان ومواطني المستعمرات، باتجاه دول "المتروبول" او الدول الاستعمارية. وهذه الامواج من المهاجرين، تضم، فيمن تضم، اولئك الذين عملوا في مؤسسات المستعمرين، او درست في مدارسهم، او خدمت في جيوشهم وقواتهم. ولم يعد لها مكان، او هكذا تصورت، في بلادها، فهاجرت الى بلاد المستعمرين، عسى ان تجد ما يؤمن لها حياتها. وتزوج هؤلاء المهاجرين، وانجبوا، واذا بالاجيال الجديدة تعيش ارهاصات حياة عجيبة. واذا بمواطني الدول الاستعمارية، يستنكرون تواجد هؤلاء المهاجرين بينهم بعد ان خدموا مصالح المستعمر وقدموا شبابهم وماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم.والحديث يطول حول تداعيات واسباب هذه الهجرة.
2- حدوث الثورات والانقلابات العسكرية وتغيير الانظمة التي حكمت في بلدان العالم الاسلامي، بعد خروج المستعمر، ادى ايضا الى اضطرابات سياسية واجتماعية، مما ادى الى خروج مجموعات اخرى من مواطني البلدان الاسلامية، واتجهوا الى الدول الغربية، وقليل منهم ، الى الدول الشرقية. والمعروف ان الدول الاستعمارية، بشكل او بآخر، كانت وراء اكثر تلك الاضطرابات والانقلابات.
3- احتلال فلسطين وتأسيس النظام الصهيوني في قلب الشرق الاوسط، وسياسات هذا النظام والعصابات التي بدأت إبادة او تهجير السكان الاصليين من فلسطين، وثم عبر الحروب والاحتلال للاراضي العربية المجاورة، ادت الى تهجير مواطني الدول العربية المجاورة (مصر، والاردن، وسورية ولبنان). وانتقل قسم كبير من هؤلاء المبعدين والمهجرين واللاجئين، الى الدول الغربية وغيرها.
4- احتلال افغانستان من قبل الاتحاد السوفيتي وتشريد اهاليه وسكانه الى مختلف الاتجاهات والبلاد. وكان من نتائج هذا الاحتلال بروز عدة حالات ومنها تهجير وتشريد السكان، وزيادة عدد اللاجئين في الدول الغربية وما يتبع هذه الهجرة من نتائج اجتماعية واقتصادية وثقافية.
ومن النتائج الاخرى، ظهور المقاومة للاحتلال الروسي الشيوعي من قبل مجموعات اسلامية وطرح مفاهيم الجهاد ومقاومة الاحتلال ، والتنظير لها في الغرب، لاحبا في الاسلام، وانما بغضا وعداء للشيوعية السوفياتية. ولكن هذا التطور ادى الى تقوية بذور وجذور التنظيمات الجهادية بانواعها وباختلاف اتجاهاتها. وستعود في المستقبل لتقارع الدول الغربية ايضا، وتبرز ظواهر ما انزل الله بها من سلطان.
5- نجاح الثورة الاسلامية في ايران ضد الاستبداد والطغيان الحكومي المستند الى قدرات القوى العظمى الاستعمارية. وهذه الثورة ساعدت على طرح الاسلام كنظام كامل للحياة وعدم التفرقة بين الدين والدولة.
وهذا كان متزامناً مع اسقاط اكبر قلعة من قلاع امريكا في المنطقة مما ادى الى عدة من التغييرات، ومنها × طرح الاسلام السياسي (كما يحلو لبعض الدوائر الغربية ان تسميه)، ومحاولات الغرب لتشويه سمعة هذه الثورة والدولة المنبثقة عنها لكيلا تطمح الشعوب الاسلامية الى تقليدها، وتقليص القوى والنفوذ الغربي في العالم الاسلامي؛ ومن آثار تلك الثورة ايضا، اعادة الثقة بالنفس الى ابناء الشعوب الاسلامية بقدرتها على التغيير حتى ان كان نظاما سياسيا عريقا تدعمه الولايات المتحدة الامريكية، وطرح الرؤية الاسلامية الأوسع للحياة والعلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية وهذه الامور بطبيعتها تعتبر تحديا للانظمة الفكرية الغربية. وانطلاقا من تزلزل المصالح الغربية في العالم الاسلامي، ومن الشعور بالخطر من الفكر الجديد (القديم) الذي قام يتمطى وينطلق لصياغة حياة جديدة؛ من هذا وذاك، بدأت الحملات الاعلامية المركزة والمنظمة ضد الاسلام والمسلمين ولتضعيف المعنويات وايجاد حالة من الانفعال لدى المسلمين (اقليات وجاليات او شعوبا ومواطنين). وهذه الحملات الاعلامية، اوجدت الكثير من الاحتقان في العلاقات بين الجاليات الاسلامية وشعوب ومؤسسات الدول الغربية.
5- انتشار الصحوة الاسلامية في البلاد الاسلامية، نتيجة لاي عامل او عوامل، فانها بحد ذاتها، نقلت الى الاقليات الاسلامية والمهاجرين روح التواصل والعودة الى الهوية والجذور الاسلامية. واشعرتها بانها ليست جزء مقتطعا او غريبا عن جسد الامة الاسلامية وان عليها المحافظة على هويتها وشخصيتها وان لا تذوب في محيطها الجديد، وان تحاول الحصول على حقوقها في تلك المجتمعات.
وطبعا كان من نتائج تلك الصحوة، ان تتحرك الجماهير المسلمة في بلدانها لبناء مجتمع جديد وحياة سياسية جديدة، فبدأت المشاركة السياسية في الانتخابات، وصعدت بعض التيارات الاسلامية الى مواقع مؤثرة في الحياة السياسية. وهنا ايضا توجس الغربيون وخاصة الاوربين خيفة من صعود النجم السياسي للمسلمين، مما قد يبعثر اوراقهم السياسية ومصالحهم الاستغلالية. فانعكس مرة اخرى بصورة هجمات وحملات اعلامية مركزة ضد هذه التيارات، ومنعت الجاليات من التواصل معها وفرضت عليهم قيودا كثيرة.
6- وجاءت الحرب العراقية (الصدامية) ضد ايران الاسلامية، وبعدها بعقد من الزمن، الاحتلال الصدامي للكويت، ليبرز اشكاليات التواطؤ الغربي، والطموح الدكتاتوري، ضد التحول الاسلامي والاستقرار والازدهار في المنطقة، وتعتمل بعدهما، عناصر شتى من الفوضى وتعاظم النفوذ والتواجد العسكري الغربي في المنطقة، وما يتبعه من تزويق اعلامي للقوى الغربية، وتمزيق لوحدة المسلمين، واضاعة الفرص للتنمية والازدهار في المنطقة، وهجرة جماعية لابناء هذه الدول الى بقاع اخرى من الارض؛ ومرة اخرى، التهجم والتحقير الاعلامي للمسلمين وانعكاساته على الاقليات والمهاجرين.
7- وتتبلور الانتفاضات الفلسطينية ، تعبيرا عن حيوية الشعب الفلسطيني واستمرارية مطالبته بحقوقه واعتراضه على الصياغات المحلية والاقليمية والعالمية التي قدمت التنازلات (او فرضت التنازلات على الفلسطينيين) ووفرت الظروف الانسب للصهيونية لابتلاع الارض، وتضييع الحق الفلسطيني، وطمر الهوية الفلسطينية العربية الاسلامية.
وباندلاع الانتفاضة الفلسطينية، تجاوبت معها الشعوب الاسلامية في شرق الارض وغربها، ووقفت الى جانبها، واينعت بذور التواصل بين ابناء الامة الاسلامية التي غطتها اتربة النسيان وقطعتها فؤوس العدوان والطغيان.
وكأن الغرب، صحا على حين غرة، ليشهد تطورات في العالم الاسلامي، كان قد ظنها في خبركان، فاصبحت تهدد اطروحته في قلب العالم الاسلامي، في فلسطين. واصبحت القضية الفلسطينية رمزا للظلم الغربي – الصهيوني والانحياز المطلق للدول الغربية ضد الحقوق الفلسطينية، وما تحمله من احاسيس وامتعاض وغضب لدى جميع المسلمين.
وكان رد الفعل الغربي، هو تحريك العربة الاعلامية لتصوير المسلمين بالرعاع واتباع العنف، واللامنطق . وتوالت فصول مسرحية المعاهدات والاجتماعات الفلسطينية – الاسرائيلية، واللجان الثلاثية والرباعية وما تتضمنه من نزع للشعارات والحقوق الفلسطينية.
وكان نصيب الاقليات والجاليات الاسلامية من هذا الطوفان الاعلامي والترهيب النفسي، الشيء الكثير.
8- وجاءت احداث الحادي عشر من سبتمبر 2002، بكل ملابساتها، وسناريوهاتها، لتضع النقاط على الحروف، وتضرب الفأس بالرأس ، وتدق الاسفين فاتـُهِمَ المسلمون علنا وعلى اوسع نطاق، بالارهاب، وجيشوا جيوش الفضائيات والاعلام، والقوانين والانظمة، والجويش والعساكر، والجواسيس والمخابرات ، لخنق الانفاس، وحشر المسلمين في كل مكان، في زوايا الاتهام.
فاذا باصحاب الاسماء الشرقية، العربية، والاسلامية متهمون وبل مجرمون حتى يثبت العكس!. وتأثرت حركة الحجز في الرحلات الجوية والبحرية والبرية بذلك، وهوجم شرقيون في المدن والشوارع الغربية، وحجزت اموال افراد ومؤسسات عربية واسلامية في كثير من الدول الغربية (بل وزادوا الوقاحة بالطلب من الدول في عالمنا الاسلامي بالحجز على الاموال والحسابات وحركة انتقالها)، واوقف الكثيرون من الجاليات الاسلامية بناء على الظنون والتخمينات، ومنعت صحف، ومحطات فضائية من النشر والبث، ثم توجت هذه الحملات المنظمة، وبعيدا عن قرارات وآليات الشرعية!! الدولية، باحتلال العراق بعساكر وطائرات ومدفعيات ودبابات غير مسبوقة. واستعملت اسلحة محرمة وغير انسانية هناك. وتوالت سلسلة الاحداث ، تحت شعارات: القضاء على اسلحة الدمار الشامل المزعومة، ونشر الديمقراطية!! ولم تظهر الا السيارات المفخخة! وزنزانات ابوغريب، وسجون البصرة!! لكن الاقليات والجاليات الاسلامية، تأثرت كثيرا بمجموع هذه القضايا.
الاشكالية الكبرى:
ونحن نتحدث عن مشاكل وتحديات تواجه الاقليات المسلمة، نرى ومن خلال العرض السريع للمنعطفات التاريخية – السياسية التي عرضناها، ان الامة بمجمل كيانها وهويتها، اصبحت تواجه التهديد والتحدي، وفي اعز ما تنتمي اليه وما تملك.
وهذا يحتاج الى دراسة اوسع واكثر دقة، لنتلمس الاسباب والجذور والآليات، وكيفية الخروج من هذ ه الحالة الى، اجواء تمتلك فيه الامة، زمام المبادرة والفعل.
سلوك الغرب امام الاقليات والجاليات المسلمة:
وكان سلوك الغرب، ينطلق من عدة قواعد اهمها:
الف: شعوره بتنامي اعداد المهاجرين والاقليات المسلمة، بحيث انهم سيشكلون الاغلبية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، في كثير من الدول الغربية المتاخمة للعالم الاسلامي.
ب: الاحساس بانتشار المظاهر الاسلامية على نطاق واسع مما يعتبره خروجا عن النمط الغربي.
ج: افتراضه ان جسور التواصل بين الاقليات المسلمة والبلدان الاسلامية لم تنقطع، مما يمكنه ان يؤدي الى نتيجتين على الجانبين: نقل التطورات السياسية والصحوة الاسلامية الى الديار الغربية؛ ونقل التقنية الحديثة وطرق ومناهج التنمية المخلصة الى الديار الاسلامية. وهاتان النتيجتان يمكن ان تقوضا اركان التسلط والهيمنة الغربية وبناء على تلك المنطلقات، اخذت الكثير من الدول الغربية، بدراسة الظواهر والتيارات والجذور في حركة وتطور الكيانات المهاجرة والاقليات المسلمة في بلادها، فسلكت الطرق التالية:
1ـ محاولة التعرف الدقيق والمعمق والشامل، على الاقليات والمجتمعات الاسلامية التي تعيش بين ظهرانيهم.
2- محاولة معرفة الاسلام، والمذاهب والتيارات الاسلامية، واختلافاتها، ومشتركاتها، واساليب تعامل هذه المذاهب مع الاحداث، والمستجدات والبيئة الاجتماعية.
3- التعرف بدقة وتوسعة اكثر على التيارات الاسلامية الجديدة، وخاصة ما عرف بالصحوة الاسلامية، والاسلام السياسي، والحكومة الاسلامية.
4- استخلاص النتائج والتوصيات لتقديمها لمراكز صنع القرار والاجهزة الاعلامية والثقافية والتربوية والاقتصادية و... حول الاقليات المسلمة، ومنها:
الف : توجيه الاتهامات والاهانة والتحقير، لغرض تحطيم المعنويات وكسر المقاومة النفسية.
ب: الدعوة للاندماج في المجتمع، او الذوبان فيه، واتباع القواعد والضوابط والثقافة والاساليب الغربية والنمط الحياتي الغربي.
ج : الدعوة لقبول التسامح والتعايش السلمي.
د: ايجاد الحدود والقيود على الحركة، والعمل والدراسة، ومحاولة نزع ما ينتمي الى الهوية وحتى المظاهر كالحجاب.
هـ التهجير، وضع القيود على الهجرة، القاء التهم والقبض على الافراد بادنى شك وشبهة، السجن، الاخراج من العمل، احراق سكن المجموعات، تشجيع حركات الكراهية العنصرية وعدم محاسبتها.
و: نشر العديد من المقالات والعروض المتلفزة والسينمائية والاعلامية التي تركز على صلة الارهاب والعنف بالاسلام والمسلمين، وتقديم صور تلقي في الاذهان هذه العلاقة، بحيث يتلقاها الانسان الغربي ويتأثر بها ونجد ان بعض تلك السياسات والسلوكيات، تتعارض مع بعضها الآخر، ولابد من التنويه ان هذا مقصود في تنظيم واتخاذ تلك السياسات، فكل منها يمكن ان يؤثر في قطاع او مجموعة معينة، وبزيادة الضغط نتيجة بعض السياسات، سيجد الانسان المسلم نفسه مضطرا للتوجه الى المجال المفتوح وهو القاء الهوية الاسلامية جانبا، والاندماج او الذوبان في المجتمع الغربي. ومن الضروري دراسة كتاب "الاقليات الاسلامية في العالم" وقد صدر بعدد من المجلدات اظهر فيه المواضيع التي اهتمت بها المكتبات والصحافة الغربية بموضوع الاقليات وتفاصيلها والسنوات التي تراكمت فيها الدراسات حولها نتيجة لاحداث معينة.
الردود والحلول:
على الجهة الاخرى، نجد ان هناك فراغا كبيراً في العالم الاسلامي، ولدى الاقليات المسلمة في التصدي لهذه السياسات والتحديات.
فالاقليات المسلمة، لا تمتلك آليات التنسيق والتوحد فيما بينها، مما يؤدي الى عدم فاعلية ردودها.
واذا امتلكت تلك الآليات، افتقدت للاستراتيجية المناسبة، والنفس الطويل في التعامل مع التحديات.
ولدينا المثال الاخير، وهو الاستهانة بالمقدسات الاسلامية، ومنها بشخص النبي الكريم(ص). اذ ان ردود الفعل، بدأت هادئة وبالحوار مع مسؤولي الصحيفة والمسؤولين السياسيين في الدانمارك، وبعد فترة، انتقلت الى السفراء المسلمين (بعضهم)، ولم تحظى الاتصالات بنتجية، ثم انتقلت الى بلدان العالم الاسلامي، وشهدنا غضبة عارمة وردود افعال مختلفة في الشدة، وبعدها بدأت اتصالات غربية وعربية واسلامية لتهدئة الشارع الاسلامي!! وكأن الخطأ كان في الشارع الاسلامي. واختزلت دولة او دولتان من الدول الاسلامية، جميع الاتصالات والردود، واذا بالامة الهادرة، تهدأ. ولكن ما كانت النتائج؟ هل ارتدعت الصحف ووسائل الاعلام الاخرى؟ كلا، بل واصلت الدرب والمسيرة لكي لا يسقط علم التحدي!
وكانت الصهيونية، قد لعبت لعبتها باذكاء الصراع بين المسلمين والدول المسيحية واخذت تتفرج ولم نشهد دراسة عميقة عن جذور هذا الحدث، وجذور هذا الصراع في المفاهيم والتعامل.
وجاءت المنظمات الاسلامية متأخرة، حتى منظمة المؤتمر الاسلامي، التي تلكأت في اتخاذ المواقف وبيان التصريحات فخرجت تصريحاتها متناقضة. ولم تتمكن من تفعيل المقترح المصري الذي قدم للقمة الاستثنائية للتنديد بالرسوم واتخاذ الاجراءات والاتصالات اللازمة.
ولم نخرج من هذه الازمة العالمية، بحل يؤكد ضرورة التزام الجميع باحترام المقدسات للاديان الالهية، كوثيقة عالمية تخرج عن اجتماعات الامم المتحدة واليونسكو والمحكمة الدولية وما شاكلها.
وفي شتات ردود الافعال نجد ان البعض:
1ـ رأى ضرورة ذوبان الاقليات والجالات في محيطها الذي تسكن فيه، ووجهوا لها النداءات الرسميةوالشرعية! الدينية لهذا المنحى.
2- ورأى البعض الآخر، ضرورة الوقوف امام سياسات الاختزال والاندماج بالمعارضة السياسية وتشكيل بعض الاحزاب والتكتلات السياسية .
3- ورأى قسم آخر، ايجاد المؤسسات الثقافية وبناء المساجد، طريقا لدعم الاقليات وتأكيد انتمائها.
4- وسلك آخرون، طريق عدم الاهتمام كلياً بموضوع الاقليات، حتى يتخذ السيل مساره، وكيفما اتفق.
5- وبدأ آخرون بالتوعية السياسية للمشاركة في الانتخابات والحصول على اصوات المقترعين المسلمين، للبدأ بالتأثير في مجالات صنع القرار ومنها البرلمانات، وانتخابات رئاسة الجمهورية للضغط على المرشحين برعاية مصالحهم.
6- وقامت مجموعات صغيرة بمحاولة تأديب الدول الغربية، عبر اعمال ترهيبية انصبت على المواطنين او المقيمين في تلك الدول.
7- اما المجال الاعلامي، فقد ترك اجمالا، ولم نشهد تأسيس وانطلاق قناة فضائية باللغات الاوربية توضح صورة الاسلام والمسلمين، وانصبت القنوات والمنشورات على اللغة العربية واللغات المحلية الاخرى، للترفية والتوجيه! والتبرير!
8- والمجال القانوني ايضا لم تتطرق اليه الاقليات ولا الدول الاسلامية لدراسته واستيضاح الامكانيات والخيارات الواردة لحفظ ودعم حقوق الاقليات، وصد الهجمات ودفع الاذى عنهم.
9- واما "معرفة الآخر" و"عقلية الغربيين" او لنقل علم "الاستغراب" على وزن علم "الاستشراق"، فلم نجد له مجالا في جامعاتنا ومراكز دراساتنا، او حتى في ذهنية مسؤولي حكوماتنا، او المتصدين للاعلام في بلادنا.
وطبيعي ان لا تكون قراراتنا (ان كانت هناك قرارات)، او سياساتنا (ان اتخذنا لها جهة مخاطبة الآخرين) ان لا تكون تلك القرارات والسياسات حكيمة ودقيقة لانها لا تصدر عن معرفة ودراسة وتمحيص.
ومن خلال دراسة عابرة وعاجلة لبعض مجلدات كتاب "الاقليات المسلمة.." سنجد كيف درس الغربيون القضايا المتعلقة بالمسلمين وحياتهم وافكارهم وتياراتهم، وهذه نماذج منها، يمكننا اتخاذ منهجها اسوة في تعاملنا البحثي والدراسي المستقبلي حولهم:
Ú دراسة مدارس الاطفال المسلمين في بروكسل.
Ú مشاكل الانطباق الثقافية للمسلمين في بلجيكيا.
Ú المهاجرين المغاربة في بلجيكيا.
Ú تجربة دمج اطفال المهاجرين في احدى المدارس.
Ú اشكال حركة قوى العمل الجزائرية في فرنسا بين عامي 1945 و1962.
Ú تحليل اوضاع مرحلة مابعد الاستعمار للمغاربة في فرنسا.
Ú اشكال التناسل والتوالد في المجتمع الجزائري خلال فترة الاستعمار.
Ú الانحراف الاجتماعي نحو معاداة الغرباء (1985).
Ú الجذور الدينية والعرقية للاقليات في امريكا الشمالية.
Ú دراسات اجتماعية دينية للاقليات .
Ú المجتمعات الدينية المعارضة.
Ú دراسات لغوية للاقليات .
Ú تيارات الهجرة وكيفية التعامل معها .
Ú اللاجئين (المسلمين).
Ú الارهاب وجذوره (بين الاقليات).
Ú الاصولية الدينية .
Ú الجهاد .
Ú موقع المسلمين في المجتمعات الغربية .
Ú حقوق الانسان في المسيحية والاسلام .
Ú المنظمات والجماعات الاسلامية .
Ú الشخصيات الاسلامية.
Ú السجون، وتأسيس مساجد فيها.
Ú التجارة بين الاقليات .
Ú الآداب والعادات والتقاليد.
Ú قضايا قانونية وتاريخية.
Ú مؤسسات المجتمع المدني.
Ú الثورة الايرانية .
Ú التيارات النسوية.
ونشهد في هذه الكتب والدراسات، تراكما في السنوات 1991 – 1995. وهذا يحتاج الى دراسة مستقلة.
لكنها في العموم، تشكل نموذجا قابلا للتأمل وفهم عقلية الآخر حول الاقليات، ونموذجا قابلا للاحتذاء بايجاد مناهج تدرس سلوكياتهم وثقافتهم وتياراتهم.
التوصيات: من دراستنا لطرق ردود الفعل ومجابهة التحديات، بامكاننا استقراء الحلول والتوصيات الناجعة، ومن اهمها وبل في مقدمتها: توحيد الفهم لموضوع الاقليات، وكيفية تعامل الاقليات مع واقعهم وتحدياتهم وكيفية تعامل مجتمعاتهم معهم ثم الوصول الى استراتيجية موحدةومتناسقة بين مؤسسات العالم الاسلامي والاقليات (بداية بين الاقليات نفسها)، واتخاذ الآليات التنسيقية اللازمة فيما بينها، وثم مع المحيط الذي تعيش فيه والعالم الاسلامي الذي تنتمي اليه. ولابد من التأكيد على مايلي:
1ـ ان امتلاك استراتيجية وآليات، لا يعني الصدام مع الآخر، ولا يعني الذوبان فيه، بل اتخاذ الطريق الوسطية بالحفاظ على الهوية والتعامل الحكيم مع الآخر لنقل الرسالة الصحيحة، والحفاظ على الحقوق.
2- ان اتجاهات العمل السياسية او الثقافية او الاقتصادية او الاعلامية، يجب ان لا تتناقض مع بعضها، بل ان تكمل بعضها الآخر وتتناسق فيما بينها.
3- ايجاد موقع اجتماعي وسياسي مؤثر في الحركة السياسية للمجتمع الذي يعيشون فيه، ضروري للحفاظ على حقوقهم.
4- ان المجال الاعلامي، يشكل الارضية النفسية والمجتمعية والثقافية الضرورية لتصحيح الصورة عن الاسلام والمسلمين ولابد من الاهتمام به جديا لنقل الخطاب الواعي للمحيط، وتثقيف المسلمين انفسهم ايضا بالاساليب الصحيحة.
5- لابد من تأسيس مراكز قانونية تدافع عن حقوق الاقليات على جميع المستويات.
6- ضرورة تأسيس مراكز دراسات للتعرف على الآخر والمحيط الذي تعيش فيه الاقليات، واستنباط الطرق المناسبة لمخاطبة.
7- تفعيل جهة الاتصال بالمؤسسات والمحافل الدولية والاقليمية والحكومات والمنظمة الاسلامية خاصة.
8- توحيد صفوف الاقليات في كل بلد.
9- التزام مبدأ الحوار بين الحضارات والثقافات والاهتمام بقضايا المرأة وحقوق الانسان والبيئة.
10- تشكيل مركز معلومات فعال حول الاقليات يمدها ويمد المؤسسات والدول بالمعلومات الصحيحة لاتخاذ المواقف والسياسات المدروسة والواعية ويمكن الرجوع الى توصيات فريق الخبراء للدول الاسلامية في هذا المجال والذي يعقد اجتماعات دورية سنوية وفصلية واقليمية.
كما يمكن التأكيد على مشروع [ايجاد موقع مراقب لحقوق الاقليات المسلمة] في منظمة المؤتمر الاسلامي للتحرك في الدول التي تضم تلك الاقليات والجاليات المسلمة.
المراجع:
1ـ مجلة العربي – عدد 562 سبتمبر 2005 – الكويت .
2- الاقليات المسلمة في العالم – رابطة الثقافة والعلاقات الاسلامية طهران – 2001.
3- ملحق الرسالة صحيفة المدينة 18 محرم 1427 (17 فبراير 2006).
4- "Muslim Minoritis Bibliography – Tehran - 2002