الأساليب الفكرية والعملية لتحقيق التقريب بين المذاهب الإسلامية
الأساليب الفكرية والعملية لتحقيق
التقريب بين المذاهب الإسلامية
عبد الله جودة عبد السلام
بكالوريوس ، لغة إنجليزية وآدابها ،
كلية الآداب جامعة أمدرمان الإسلامية . السودان
إهداء الى حضرة الإمام الفقيه عالى القدر ولي العصر النائب عن الغائب عجل الله فرجه الإمام روح الله الخميني (رحمه الله) مفجر الثورة الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي نفضت الغبار عن الإسلام واعادت بث الروح في جسم العالم الإسلامي بعد أن يأس بنوه بعد أن أنقسمت بلاد المسلمين إلى طوائف ودويلات وجاء دور الغرب فكانت له هجمة كان هدفها تحطيم العالم الإسلامي تحطيماً كاملاً لا نهوض بعده ، ولو لم يكن للإمام الخميني من الأيادي البيض على أمة الإسلام سوى بعث روح الثورة والوحدة فيه ضد عدوها المشترك لتخليصها من شره لكفى لتخليد ذكره وتمجيد إسمه , جزاه الله عن أمة الإسلام خير الجزاء وأسكنه فسح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً
مقدمة :
الحمد لله الذى عنده الدين الإسلام والصلاة والسلام على من أُرسِلَ لجميع الأنام وعلى آله الطاهرين بدور التمام وصحبه الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى أن يرث الله الأرض والأنام { وبعد } فالعالم أجيال متعاقبة يخلف اللاحق منها السابق ويرثه معارفه : صحيحها وفاسدها وأخلاقه : حسنها وقبيحها أعماله : تامها وناقصها فينتج عن ذلك تجارب متراكمة ومعلومات وفيرة تكوِّن بذلك مدنيته العصرية . فإذا قام الخلف الشاب بالواجب نحو أمته ودينه مستهدياً بذك التراث الإيجابي المتراكم مستخلصاً منه الدروس والعبر لعصره واتخذ من تجارب السلف مصباحاً استنارت له سُبُل السعي وأنفسح أمامه الأمل فيرقى في درجات المدنية بمقدار ماصرفه من العناء في العمل وما أحرزه منم عارف السالفين . بالنسبة لنا معشر المسلمين فإنّ تاريخ أمتنا الإسلامية التفصيلي يرينا كيف أشرق ذلك الدين القويم على قمم تلك الأرض المباركة – الحجاز- فأنار معظم القارتين القديمتين آسيا وأفريقية وجزءاً ما كان قليلاًً من أوروبا ، وكيف كان يسير به رافعو ألويته في الأقطار بالفتح المبين على سرعة لا تفضلها سرعة حتى أمتد سلطان الخلافة الإسلامية في زمن يسير من تخوم الهند شرقاً إلى مراكش غرباً ، هذا الدين القويم التام الكامل ما كان له ان يبلغ ما بلغ لولا أن قيض الله لهذه الأمة الفاتحة الشريفة رجال أولي عزم وبصيرة صالحون سواحون ، جمعوا لهذه الأمة جمع الذرة وأشفقوا عليها شفقة الأم البرّة أسودٌ في تاموراتهم أعرابٌ في إمرتهم أنباط في جبايتهم يقسمون بالسوية وينفذون في السرية ففتحوا البلاد وأصلحوا أمرها وقوموا أودها وحقنوا دماءها وحفظوا لأهل الذمم ذمتهم وأباحوا لهم حرية أديانهم بعد أن أثقل ظلم ملوك هاتيك الأزمان ظهورهم فاسترق أموالهم وأذلهم وأبعد عن طريق الحرية آمالهم .
خطبة البحث
الحمد لله الذى شاد هذا الدين على اساس مكين متين وأقامه بالحجة والبرهان القوي المبين وقيض له في كل زمان ومكان من الدولة والسلطان ما يحفظ بيضته ويحمى عزته ويؤيد كلمته ، ثم والصلاة والسلام على خلاصة بني الدنيا إمام الأنبياء الذى دانت القبائل لطاعته وانضمت أشتات الأفراد تحت رايته فوحد بين هاتيك الجموع المتكاثرة وألف بين تلك القلوب المتنافرة فجعل بذلك الإسلام من القوة والصولة ما لم تنله قبله ملة ولا دولة .
التحية والتجلة للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وأهنئه بمناسبة إنعقاد مؤتمره الدولي الرابع والعشرين للوحدة الإسلامية بمقره العامر دائماً وابداً بمدينة الإسلام طهران عاصمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. أيها الآباء والأمهات والأخوة والأخوات من علماء ومفكرين وباحثين ومشاركين ومدعويين أحييكم بتحية الإسلام الخالدة { السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد} ، أيها الجمع الكريم المحفوف بالعناية الصمدانية لا بد من إشارة ذكرى لأن الذكرى ناقوسٌ يدق في عالم النسيان ، إنّ الأمم نجحها في فعلها لا في الكلام ، وكما تعلمون فإن شرقنا الإسلامي ومنذ أمد بعيد وحتى حاضر الزمان تكابد أجياله فيه من أحوال جسام رأى فيها أهلوها من الأهوال ما تشيب له الأطفال وتندك من وقعه عزائم الرجال بل شوامخ الجبال وما كان ذلك إلا بعد ان تناثر نظام أهليه وتشاغل كل بنفسه عن أخيه وذويه فأغار الدهر بخيله ورجله على عالمنا الإسلامي شرقه وغربه شماله وجنوبه وقلب لأبنائه ظهر المجن وقلبهم بين الإحن والمحن لأنّ أهله انغمسوا في بحار الكسل والخمول واستكانوا إلى المذلة والهوان حتى أضحوا أضحوكة وألعوبة في أيدي الغرب وحلفائه الذي عرف كيف يلعب على خلافاتهم وتأجيج نار الصراعات والنزاعات بين دولهم حتى وصلت مرحلة شن الحرب على بعضنا البعض وليت الأمر وقف عند هذا الحد فقد شنّ الغرب علينا حرباً فكرية بدعوى التحرر الفكري وإن كانت بلادنا الإسلامية قد تخلصت من الإستعمار ( الإحتلالي) لكن الإستعمار الثقافي بقى مسيطراً على كثي من العقول . فالمراجع تتبنى نظريات الغرب ، والسينما وقنوا ت البث الفضائي ترسخ ما يقول به الغرب ، والصحف والمجلات تدور في فلك " الأغراب" وما أصعب الوصول إلى الحقيقة في خضمٍّ من الأباطيل والأكاذيب .
أيها الأخوة المؤتمرون إنّ أمتكم الإسلامية تنتظر منكم خطوات عملية من أجل تحقيق التقريب بين أهل المذاهب المختلفة على أرض الواقع من أجل لم الشعث ورمّ الرث ورتق الفتق ورقع الخرق لكي يضيئ الأفق الإسلامي بالنور الرباني ويتحقق لنصر اللدنيّ وما ذلك على الله بعزيز .
(الأساليب الفكرية والعملية لتحقيق التقريب بين المذاهب الإسلامية )
المقترحات العملية لتحقيق التقريب بين المذاهب الإسلامية :
إستهلال : بدايةًَ وكما هو المعتاد في البحوث العلمية لا بد لي من تحديد الموضوع الذي سوف يكون محور تناولي لأجندة البحث ، ونظراً إلى أنّ المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية قد حدد عنواناً لمؤتمره الدولي الرابع والعشرين وهو ( الأساليب الفكرية والعملية لتحقيق التقريب بين المذاهب الإسلامية ) في إطار عدة محاور وموضوعات ، أخترت منها موضوع المقترحات العملية تحت محوري :-
السعي المشترك المتضافر لإتخاذ المواقف الموحدة في كل القضايا المصيرية من قبيل :
أ. تنفيذ الشريعة الإسلامية ب. مواجهة التحديات الكبرى ج. تقديم المصالح العامة عل المصالح الخاصة .
2- تشجيع إيجاد المؤسسات الوحدوية والتقريبية على كل الصعد الإعلامية والإجتماعية والتربوية في كل مكان .
لا بد أن يكون لأي مشروع ٍ أوبرنامج عمل أوفكرة من أساسٍ نظري يحدد الركائز الفلسفية التي تنبني عليها إسراتيجية تنفيذه وإبرازه لحيز الوجود ، واحسب أنّ المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية قد أصاب في إختيار هذا العنوان ليكون إطاراً لمحاور وموضوعات مؤتمره الرابع والعشرون للوحدة الإسلامية . أحسب أنّ جميع المؤتمرات السابقة لتي عُقِدتْ منذ تأسيس المجمع في مستهل تسعينيات القرن الماضي قد غطت معظم المحاور والأُطر الفقهية ومقاصد الشريعة العامة اللازمة والقطعية للتأصيل للوحدة الإسلامية ، كما أنها توفقت في وضع الإطار النظري والفقهي لإنطلاق حركة التقريب بين المذاهب مبينة ضرورتها الشرعية كمنهج وسطي في فهم الشريعة وخصائص الإسلام العامة لكي يعم ويسود ويتعمق منطق الحوار بين المسلمين . ولكي اتجنب القفز الإختزالي لتاريخ وقضايا الخلافات المذهبية لا بد من إيراد بعض الأسئلة العامة والإجابة عها بإيجاز إلتزاماً بالمنهج العلمي للبحث حتي يكون البحث متوازناً بين إطاره الفكري ومقترحاته العملية .
متى بدأ الخُلفْ في الإسلام ؟
بعد وفاة الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في آخر ذي الحجة سنة 23هـ الموافق يوم السبت ( 6 تشرين الثاني- نوفمبر 644م) وبويع بعده عثمان بن عفان رضي الله عنه وأشهر ما حدث في خلافته نسخ القرآن الذس جُمِعَ في خلافة أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه وكان مودوعاً عند السيدة حفصة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإرسال نُسَخْ منه إلى جميع الأمصار وحرق ما سواه من النُسَخْ ، وبذلك حُفِظَ القُرآنُ الكريم من التغيير والتبديل إلى يومنا هذا وسيبقى كذلك إلى آخر الدهر وعزل سيدنا عثمان أغلب الولاة وعين بدلهم أقاربه ، فولى الكوفة الوليد بن عقبة ، وكان أخا عثمان من أمه ، وعزل عمرو بن العاص عن مصر وولاها عبد الله بن أبي السرح العامري ، وكان اخا من الرضاعة ، وعزل أبا موسى الأشعري عن البصرة وولاها ابن خاله عبد الله بن عامر ، فنقم عليه كثير من الناس وأتت المدينة وفود من مصر والكوفة والعراق وبعد مسائل ليس هذا البحث مكان شرحها حصلت فتنة كانت نتيجتها قتل عثمان رضي الله عنه في داره ليلة 18 ذي الحجة سنة 35 هجرية الموافق 17 زيران-يونية 656م ، وبعد موته حصلت البيعة لسيدنا علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) ، وطلبت السيدة عائشة بنت أبي بكر زوجة النبي صلى الله عليه وسلم الأخذ بثأر عثمان وحصلت بين الفريقين وقعة الجمل المشهورة في نصف جمادي الآخرة سنة 36هـ فنتصر علي ومن معه وأرسل علي السيِّدةَ عائشةَ إلى المدينة مع أخيها محمد بن أبي بكر وبذلك انتهت ول فتنةٍ في الإسلام وابتدأ الخُلفُ والإنقسام في الإسلام وتبعت تلك الفتنة فتنٌ أخرى يطول شرحها في هذ البحث لكن لابد من الإشارة إليها إجمالاً حيث تقاتل على ومعاوية بن أبي سفيان لإمتناعه عن مبايعة علي بن أبي طالب بالخلافة ومناداته بأخذ ثأر عثمان بن عفان فحصلت بينهما وقعة صفين الشهيرة في صفر سنة 37هـ وبعد قتالٍ مريردام أكثر من مائة يومٍ وقتل في الحرب من الفريقين قرابة سبعون ألفاً من بينهم خمسة وعشرون صحابياً بدرياً كانوا مع الإمام علي بن أبي طالب ا سعت الوفود بالصلح بين علي ومعاوية وتوصلوا إلى وثيقة التحكيم المشهورة التي إتفق الطرفان بموجبها على أن يُعيِّن كل منهما حكماً من طرفه ليفصلا الخلاف ، وتهادنا على ذلك وحررا به عهداً في ليلة 13 صفر سنة 37هـ بين أبي موسى الأشعري بالنيابة عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعمرو بن العاص بن وائل بالنيابة عن معاوية بن أبي سفيان ، وفي اليوم المحدد للتحكيم اتفقا على أن
يعزل كل منهما موكله وينتخب المسلمون من يرونه كفؤاً لتولي شؤونهم وعلى هذا الإتفاق أقر أبو موسى الأشعري في الجمع خلع علياً ومعاوية لكن عمرو بن العاص وقف في الجمع مقراً بخلع علي وثتبيت موكله معاوية، وانفض الجمع بين مؤيدٍ ومعارضٍ وخارجٍ على نتيجة التحكيم ومن ذلك الحين بدأت فتنة الإنقسام والخلاف الحقيقية والتي تأسس عليها كل ما حاق بالمسلمين من ويلات الحروب والإقتتال والتصفيات وإزهاق ارواح المسلمين بالجملة في حروب لا طائل منها سوى فرحة الأعداء بتشتت أمر المسلمين وزوال وحدتهم وتكالب أعدائهم عليهم من كل حدب وصوب . ومن نتائج فتنة التحكيم ظهور فرقة الخوارج التي اتفق مؤسسوها على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص حيث تمكنوا من قتل الإمام علي بن أبي طالب ولم يفلحوا في قتل معاوية وعمرو بن العاص . وبعد قتل الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه رابع الخلفاء الراشدين بويع لابنه الحسن في العراق والحجاز وباقي البلاد الإسلامية ما عدا الشام ومصر . كاد القتال يقع مرة أخرى بين معاوية والحسن بن علي وقد استعدا لذلك لولا أن الحسن رأى أن الفتن بدأت تثور والدسائس بدأت تنتشر بين عساكره ورأى أن حقن دماء المسلمين ووأد الفتن أولى وأوجب من الخلافة فتنازل عنها طوعاً لا كرهاً وورعاً لا جبناً لمعاوية بن أبي سفيان وكتب إلى قيس بن سعد قائد جيوشه بأن يبايع معاوية ، ومن ذاك التاريخ بقيت الخلافة في عائلته لسنة 132هـ ثم انتقلت لبني العباس . أما سيدنا الحسن فعاد إلى المدينة وأقام بها إلى أن توفي رضي اله عنه في ربيع الأول سنة 49هـ . ولما بويع ليزيد بعد موت أبيه أصرّ الحسين على إمتناعه الذي أبداه إبان حياة معاوية يوم بايع معاويةَ الناسُ لابنه يزيد بولاية العهد ، وسار من المدينة إلى الكوفة لمحاربة يزيد فالتقى بعسكره في الموضع المعروف بكربلاء وقُتِلَ الحسين في يوم 10 محرم سنة 61 هـ ، وبمقتل الحسين استتب الأمر لبني أمية عدا بعض الثورات الفردية والمبايعات المتفرقة للموالين لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة والعراق .
ما هي الأسباب الظاهرية لوقوع الإنقسام والخُلفُ في الإسلام ؟
بوسع أي مطلعٍ متجرِّدٍ عن الهوى والغرض على التاريخ الإسلامي في قرنه الأول أن يقر بعدم وجود أي أسبابٍ عقائدية أو مذهبية أدت لنشوء تلك الخلافات والإنقسامات في عهد الإسلام الأول ، وربما تكون دوافعها في الأصل دينية ، ولكن لا يلبث الناس ُ أن ينسوا الدين والله ، وتصبح أهداف الخُلف والإنقسام دنيوية سياسية وبما أن حب الدنيا رأس كل خطيئة ، لذا أن معظم الناس اصبحوا
يفهمون الخلافة ملكاً وإمرةً عن غُلبْ . . (!) لما كثر الغوغاء وتنطعت الدهماء وتقدم الفساق الصفوف فخدعوا أهل الحكمة وراشدي الأمر وثاقبي والرأي وأهل والورع والتقوي وغرروا بهم وقادوهم إلى معارك لم يكونوا يريدوها . فعليٌٌّ ابن طالب كان دائماً كثير الإفحام وبليغاً في ردوده على متصيدي الفتن ومما يؤثر عنه في هذا المجال أنه قال لأحدهم ( يا هذا إنك رجلٌ ملبوسٌ عليك ؛ إعرف الحق تعرف رجاله ولا تعرف الحق بالرجال ! ) وقوله أيضاً لذاك الذى طلب رأي علي في أمر تقسيم أو عدم تقسيم أرض السواد و( وهي أرض العراق ) بعد الفتح الإسلامي بين المجاهدين ،حيث كان له رأي مخالف لرأي سيدنا عمر بن الخطاب الرافض لتقسيم أرض العراق بين الجيوش الفاتحة مخافة ان يتقاتل العسكر فيما بينهم في الإستحواذ والمياه فقال له ( هذا رأي أنا ! أما عمر فخليفةٌ راشد الأمر وأنا أكره خلافه )*، وأيضاً رده على ذاك الذي التقاه وقارن بينه وبين عهد عمر بن الخطاب حيث قال له : ( إنّ عمراً كنت أنا بطانته ، أما أنا فأنت بطانتي !!؟ ) . ومن المعلوم في جميع كتب التاريخ أنّ الإمام علي بن أبي طالب أرسل إبنيه الحسن والحسين ليكونا ضمن فريق حراسة سيدنا عثمان لما علم كرم الله وجهه أن عثمان مُترَبْصٌ به ومستهدفٌ بالقتل ! ومما يثبت أنّ الأوائل كانوا يفهمون أنّ الخلافة ملكاً لمن غلب أن العباسيين ظلوا كل مدة خلافتهم وملكهم يقتلون أولاد عمهم أولاد فاطمة كلما قام منهم من يدعي الخلافة ، وقصة نزاع علي مع معاوية ونزاع الحسين مع يزيد ومطالبة أي منهم بحقه في الخلافة كان يمكن أن تعالج ضمن إطار الشورى الإسلامية وإجتماع رأي الرعية وترجيح ولائهم وبيعتهم لمن يرغبون أن تكون الخلافة حقاً له رضاً لا غلباً ، لكن استغلت هذه القصة في غير وجهها ولعبت فيه الغايات والأهواء ففرقت المسلمين طوائف وشيعاً ابتعدت بعضها عن الإسلام ، بإسم الإسلام ، كل البُعدْ ، وهي قصة لا تستحق كل ما حدث إذ أن مثلها يحدث كل يوم .
قصدت أن أسد بهذه المقدمة التاريخية الموجزة الحاجة إلى أخذ العبر والدروس من التاريخ العام والخاص فالأوّل: يوقفنا على أخبار كل امة في جميع أطوارها كأسباب ظهورها والوسائل التي اتخذتها لنموِّها وارتقائها وحدود حكامها ومحكوميها ، و أسباب خذلانها وسقوطها وغلبة غيرها على أمرها . والثاني: بالنسبة لنا معشر المسلمين تاريخ الأمة الإسلامية التفصيلي ، تاريخ هذه الأمة الفاتحة الشريفة حيث من الواجب علينا ونحن ندعوا إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية وردم الهوة المصطنعة بين معتنقيها ، خدمةَ للحقيقة ونفعاً لأبناء
الأمة أن نقرأ تاريخنا متحرين فيه صدق الأخبار عن صحيح الروايات مع شرح أسباب الوقائع وما جرّت إليه من النتائج إعتماداً على صحيح المصادر وجمع ما حدث من الحوادث وتنقيتها من الدسائس والأكاذيب والأباطيل التي كانت موجهة لإضعاف أمر المسلمين وتشتيت كيانهم وتمزيق دولتهم ويطيب لي في هذا المقام أن أبيّن أن ما أتاه الإمام علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – وابنيه الحسن والحسين رضوان الله عليهما من بعده من ضروب الحكمة في مقاومة الفتن والحركات العدوانية وما أظهروه جميعهم من الحزم والعزم في إطفاء نار الفتن ، فهم آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الأطهار بنص القرآن المبرأون من كل نقص وعيب يجعلهم مادة للطعن في سياستهم للأمور ووصفهم بالضعف في السياسة والطمع في المطالبة بالخلافة ، ولو كانوا غير ذلك لما سار الحسين بن علي جندياً في الجيش الذى قاده يزيد بن معاوية ، زمن خلافة أبيه معاوية لغزو القسطنطينية وكفاه ذلك شرفاً وتواضعاً ولمّاً لشعث أمته وتوحيداً لصفها عند ملاقاة عدوها .
هل يجوز إستصحاب الوقائع والأحداث التي حدثت في صدر الإسلام لتكون أساساً لإستدامة الخُلف والإنقسام ؟
من الصواب وتحقيقاً لمصلحة التقريب ورتق الفتق ان نعتبر ما حدث في غابر ذاك الزمان مادةً للعبرة والدرس ولقد بيّنا إستناداً على روايات كتب التاريخ الصحيحة والموثوق بها أن الخلاف بينهم ليس إختلافاً عقائدياً أو دينياً أو مذهبياً إنما كان إختلافً في الرؤى والآراء والمواقف السياسية وعلاقة الحكام بالمحكومين ، إذاً ؛ فالواجب علينا نحن أهل هذا الزمان ترك أمر أهل ذلك القرن من الزمان لله سبحانه وتعالى ليحكم بينهم يوم يلاقونه تأدباً بقوله تعالى ( تلك أمةّ قد خلت لها ما كسبت ولكم ماكسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) ، سورة البقرة ، آية ، وتصديقاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري ومسلم ( خير القرون الذين بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ، ألخ) ، فإذا كان ربنا سبحانه وتعالى يأمرنا أن ندع له أمر ما سبقنا من الأمم والأقوام والملل والنحل ن وكذلك رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يشهد لقرنه الذين صاحبوه وعاشوا بين يديه بالخيرية ، عليه يتحتم علينا أن نجعل ذلك الأدب منطلقاً للتسامح مع تاريخ أمتنا الإسلامية وتعميم منطق الحوار بين المسلمين على ذلك الأساس القرآني والهدي المحمدي .
إنّ الدعوة للوحدة الإسلامية أمراً ثابتاً بنص القرآن حيث يقول تعالى في محكم تنزيله ( إنّ هذه أمتكم أمةً واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) والقارئ للقرآن يمكنه الوقوف عند العديد من الآيات التي تدعو المسلمين والمؤمنين للجمع والوفاق والصلح ونبذ الخلاف والشقاق والفجور في الخصومة . ومن الأمور التي لا يختلف عليها أي مسلم أيّاً كان مذهبه : أن الله واحد ، وانّ سيدنا ونبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم هو نبي الإسلام وخاتم أنبياء ورسل الله إلى العالمين ، وأن أركان الإسلام خمسة ( الشهادتين ، الصلاة والصوم والزكاة والحج لمن إستطاع إليه سبيلاً).
إنّ الاساليب الفكرية والعملية لتحقيق التقريب بين المذاهب الإسلامية هي عنوان المؤتمر الدولي الرابع والعشرين للوحدة الإسلامية ، والأساليب العملية لتحقيق التقريب المنشود هي قضية وموضوع بحثنا هذا ، وفي هذا السياق جدير بنا الإشارة والتنويه بما كتب ونشر وما تناولته العديد من المؤتمرات السابقة بهذا الخصوص وهي مجهودات معتبرة ومقدرة وضعت كثير من الأطر والقوالب النظرية والفكرية لمناهج الخلاف بين المذاهب وطرق وأساليب معالجة تلك الخلافات قطعاص للطريق على مثيري الفتن والقلاقل والنزاعات والخصومات في المجتمعات ا لإسلامية ، وحيث أن المجال لا يسع للإستشهاد بمعظم ما دون ونشر فحري بنا أن نشير لرأي العلامة محمد سعيد البوطي في ما يتعلق بمسألة المذهبية واللامذهبية حيث قرر سماحته أنّ التمذهب حق وأصل لمعتنقي الأديان وأن اللامذهبية هي البدعة والفتنة وباب لإتباع الهوى وإستحداث البدع ، لأنّ الناس ليسو متساوين في المعرفة الدينينة الكاملة بأمور دينهم وفقه عباداتهم لذا فالأصل عند الأئمة تقليد أحد المذاهب بالنسبة للعوام ، وهذا قول حق يستدل به في مجال البرهنة على تقليد أحد المذاهب لعامة الناس .
الدين الإسلامي دين توحيد للألوهية والربوبية ، ودين سماحة يسع فقهه مجمل المسائل والقضايا التي يقع فيها خلاف ، ومقترحنا هنا نأمل في أن يكون أحد الأساليب العملية التي تساهم في سد النقص المعرفي في مجال فقه الخلاف والإختلاف بغية تحقيق المقصد المرجو للتقريب بين أهل المذاهب المختلفة . القرآن والقبلة الواحدة وأركان الإسلام الخمس هي الجامع الأكيد والمتين بين أهل الإسلام ، لكن وبعد أن تفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمصار سبقت للناس هناك أقوال واصبح عند كل قوم علم ، هنالك بدات الأفهام تتنوع وتختلف في الكثير من المسائل الفقهية . نجد أن المجتمع الإسلامي بعد عصر التوسع والفتوحات وتوالي القرون وتقادم الزمن صار له مكونات يمكننا أن نحدد عليها نوع وطبيعة المذاهب الاسلامية التي يتمحور فيها الخلاف والإختلاف ، حيث يمكننا أن نقسم المجتمع الإسلامي فقهاً وإعتقاداً إلى ثلاث مكونات : أولها المكون السني السلفي ، والذي يتكون من المذاهب الأربعة المعروفة عند أهل السنة والجماعة . وثانيها المكون الشيعي الذي يتكون من جميع الفرق الشيعية المعروفة عند أهل التشيع . وثالثها المكون الصوفي الذي يتكون من الكثير من الطرق الصوفية المنتشرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي .
وكأحد الأساليب العملية للتقريب بين أهل المكونات الثلاثة التي ذكرناها آنفاً هي أنهم ليسوا مدعوون لترك مذاهبهم لإعتناق مذهب آخر إنما المسألة للتقريب وأن يسع كل منا أخاه المسلم في خلافه ونضع لذلك مصطلحاً هو (( سيكلوجبة الخلاف )) بين أهل القبلة : إختلاف الرؤية ، وإختلاف الفهم ومبتغانا هو تقديم جرعة مُحصِّنة تساعد في الوقاية من تقي مرض ( واذا خاصم فجر ) الذي هو اساس كل بلاء والجار للتنازع والتدابر والتنافر والشقاق ومن ثمّ البحث عن سبل ووسائل لحسم ذلك ومنها إعلان الحرابة والإقتتال ، أوردت ذلك وفي ذهني الحالة التي دخل فيها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما نزلت عليه الآية التي ذلكو تحذر الناس من أن يرسل الله عليهم عذاباً من فوقهم أو تحت أرجلهم ، فاستعاذ الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بالله من أن يأتيهم مثل هذا العذاب. وعندما نزل قوله : (أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض ) ، ازداد إشفاق الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال أن يرسل الله عذاباً من فوق الناس ومن تحت أرجلهم ، أهون من أن يلبسهم شيعاً و يذيق بعضهم بأس بعض . وأورد هنا واقعة في معرض حديثي عن التقريب العملي لرجل من كبار التابعين أو << لعله من الصحابة الكرام >> وكان الرجل ، أيام جاهليته قد قتل أخاً حبيباً لأحد الخلفاء الراشدين ، ثم اسلم ذلك الرجل وحسُنَ إسلامه وجهاده ، فقال الخليفة الراشد قولةً محفوظة ْ<< والله لا أحبك حتى تُحِبّ الأرضُ الدمَ >> ، ولكن الرجل كان بعرف ذلك الخليفة الراشد الأمر فلم يكترث للأمر بل سأله ببساطة : - أو يمنعني ذلك حقاً يا أمير المؤمنين ؟ ، رد أمير المؤمنين الخليفة الراشد : ( اللهم لا ) فقال الرجل قولته الشهيرة : ( إذاً لا أبالي . . إنّما تأسَى على الحُبّ النساءُ !! . إنّ إختلاف الرؤية ، وإختلاف الفهم لم يكن في يومٍ من الأيام أمراً كريهاً في حد ذاته والنبي المرسل محمد ( صلى الله عليه وسلم) وجد من بين أصحابه من يخالفه الرأي ويعلن خلافه ، ثم يُذعِنْ لرأي النبي على مضض ، محمولاً إلى ذلك بحقيقة أنّ النبي مسنودٌ بالوحي . . ولم ير أحد أنّ الرجل تجاوز حقاً من حقوقه في إبداء رأيه . ثم أختلف رجال من الصحابة في كثير من القضايا ، نجد في مدونات التاريخ مواضع اختلافهم ، ونجد ذات في المدونات مدى إحترام أحدهم لمخالفيه ، ولآراء مخالفيه ، وإيمانه بحقهم في ذلك ما لم يمسوا ركناً من أركان الدين .. ثم نقفز سريعاً ، لنرى وقائع اختلاف رجال ينتمون الى حركة الاسلام في زماننا .. فنرى لدى بعضهم ما يستوجب التأمل من فجور في الخصومة ، وهو ما يزيدنا حزناً على حزن أن نرى خروج إختلاف أهل القبلة والملة عن اصول الدين وتقاليد الاسلام وهو ما لا يمكن أن يبرره إختلاف مسألة فقهية أو عقدية أو رأي أو إختلاف تأويل .. فنكتشف سريعاً ، وبقليل من التأمل أن ما بينهم ليس إختلاف فقه أو تأويل أو رأي بقدر ما هو عاطفة جياشة في الكره أو الحب .. كره المخالف أو حب الموالي !! وكما أنّ عاطفة الكراهية تقود الكثيرين إلى الفجور في الخصومة والبغض ( تصل حد التكفير ) عند التكفيريين ، فإنّ عاطفة الحب أيضاً ، تحمل الكثيرين على المغالاة في الموالاة . وكما أن امير المؤمنين الخليفة الراشد رضي الله عنه أقر في سياق حديثه مع الرجل بأنّ عاطفته ليست طوع بنانه ، وأنّ كرهه للرجل ليس من إملاء العقل ، فقد ألزم نفسه أمام الرجل وأمام المسلمين ، بأنه لن يسمح لعاطفته بالتدخل في شؤون العقل .. ولن يسمح لكرهه أن يمنع الرجل حقه في الفيء أو في العدل أو – حتى- في رد السلام !! .
ونحن لسنا بدعاً من البشر .. فإننا لنحب أناساً وأشياء لا يقرنا العقل على محبتها ، وإنا لنكره أناساً وأشياء لو اتبعنا العقل لأحببناها ولكننا لا نكتفي بالإذعان لسلطان العاطفة ، بل نرهن عقولنا لعواطفنا ، فنجعل محبتنا لزيد من الناس حجاباً بيننا وبين أخطائهم وإن عظمت ، وباباً لكراهية مخالفينا وإن أصابوا!! ثم نجعل كراهيتنا لعمرو من الناس مرتكزاً لتسفيه رأيهم والحط من قدرهم وموالاة خصومنا الحقيقيين أياً كانوا !! . و من آيات المنافق أنه ( إذا خاصم فجر) .. والفجور في الخصومة هو إستدعاء العواطف الشخصية في مواجهة الخصم ، بدلاً من الاعتراضات الموضوعية ، وجعل الحب والكراهية ( قانوناً ) ومنهجاً في الإنتماء والتقليد والاتباع .. ونحن جميعاً نجد أنفسنا هدفاً لهذه الخصلة من خصل النفاق في كثير من الأحيان .. فنحب أموراً واشياء واشخاص ونكره مثلهم ، حباً وكراهية لا دور للعقل فيهما .. ثم لا نُذِلُّ عواطفنا الدنيئة كما فعل الخليفة الراشد .. فنفجر في الخصومة والمولالة !! . يجب أن نكون أبعد عن الغرض عندما نتناول ونبحث في خلافات المسلمين وأن لا نقع فيما يقع فيه التكفيريون والمغالون في أوحال الفتنة الآسنة .
يجب تعميم منطق الحوار بين المسلمين عند تناول قضاياهم الدينية والفكرية يكون هدفه ليس إنتصار مذهب على مذهب أو سيادة مذهب على المذاهب الأخرى ، إنما الوصول إلى نقاط إتفاق وتلاق بإتباع الأسس القرآنية خدمة ً لهذا الدين أولاً وخدمةً لشعوب العالم الإسلامي من خلال برامج مشتركة ومؤسسات جامعة تتوخي البراغماتية العلمية في تنفيذ بارمجها ومناهجها ليعم نفعها الملموس الجميع في مختلف المجتمعات الإسلامية ، وحيث أنّ المجمع العاملي للتقريب ين المذاهب الإسلامية بمتلك قناة فضائية ، نرى لزاماً عليه تفعيل دورها والدعاية لها في كل أنحاء العالم الإسلامي وإستقطاب أمهر الكفاءات الإعلامية والصحفية من الناحية المهنية زائداً كفاءات وخبرات تمتلك المعرفة الدينية الراكزة والراسخة بالدين الإسلامي إضافةً إلى إلمامها بقدر يسير من المسائل والأمور الفقهية التي تعتبر معرفة أساسية للإعلامي أو الصحفي الذي يتقع عليه الإختيار للعمل في القنوات الفضائية والصحف والإذاعات التابعة للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية للعمل فيها والتعريف بدورها ، والعزيمة على الدفاع عن دين الأمة بغض النظر عن الخلفية المذهبية التي ينتمي لها . وأيضاً جعلها قناة موجهة تخاطب مختلف الشعوب و المجتمعات الإسلامية غير الناطقة بالعربية وفتح مكاتب تمثيل ومراسلين لها في دول العالم الإسلامي وبقية دول العالم لكي تكون أكثر مواكبة من الناحية الإعلامية الخبرية ، والبرامج الحوارية الهادفة والمتزنة والمواكبة ، إضافةً لبرامجها التخصصية في مجال التقريب بين المذاهب ويلزم ذلك معرفة كبيرة بثقافات وعادات وتقاليد جميع المجتمعات الإسلامية في مختلف بلدان العالم الإسلامي وبقية أنحاء العالم لأن ذلك هو المدخل الصحيح لمخاطبة تلك الشعوب والملل التي تسود وتنتشر فيها معظم المذاهب الإسلامية .
يجب عند التصدي الإعلامي عبر وسائل إعلام مجمع التقريب لشئون وقضايا الأمة الإسلامية في ديار الإسلام والمسلمين القاطنين أوالمهاجرين خارج نطاق العالم الإسلامي التنبه والتخطيط الدقيق والإعداد المتقن لتقديم برامج وأفكار وإفادات ونظريات تُمكٍّن من حل مأزق الإرتباك والحيرة الواقع فيه كثير من المسلمين وخصوصاً الشباب منهم الا هي علاقة الدين بالدولة وعلاقة الدين بالعلم والتقدم التكنلوجي السائد المتسارع في أوروبا والعالم الغربي عموماً .
علاقة الدين بالدولة هي مسألة حساسة في العالم الإسلامي ، وهي من القضايا التي يجب أن يشملها السعي المشترك المتضافر لإتخاذ المواقف الموحدة حيالها . لأنها قضية مصيرية بالنسبة للمسلمين ، لأن العلمانية الفلسفية التي تنادي بفصل الدين عن الدولة لا بل تهاجم الدين وتعتبره عائقاً وحاجزاً ضد ( الديون أفيون الشعوب) تقدم وتطور الفكر الإنساني قد انتشرت في جميع أنحاء العالم متخفية تحت ستار العلم الذى قدم الكثير من الإنجازات والحلول للكثير من المشاكل الحياتية والمعيشية ، وساهم في رفاهية العالم اللاديني وهو أمر واضح للعيان حيث نحن المسلمين أضاً ننعم بخيرات وإنجازات وفوائد المخترعات والإكتشافات العملية والتقنية مما أوجد حالة من الإزدواجية المربكة للكثير من المنادين بتطبيق الشريعة الإسلامية في مجتمعات المسلمين وبين من يرون تطبيقها عقبة وقيداً يمنع من لحاق المجتمعات الإسلامية والمسلمين بركب الحضارة والتقدم العلمي والتقني . يجب ان تقدم النخب المثقفة من علماء الدين الإسلامي الراسخين في العلم الإجابة الصائبة والمقنعة للشباب المسلم بأن الدين الإسلامي ليس ضد العلم والتقدم التكنلوجي والتطور الفكري وذلك من خلال الفصل والتمييزبين العلمانية الفلسفية التي تعادي الأديان عموماً وبين العلمانية البراغماتية التي لا تسعى إلى مقاومة الدين بالصورة التي يشيعها أعداء الديانات عموماً . إسهاماً في جهود حلحلة الربكة والتشويش السائد في اذهان الكثير من المسلمين في ما يتعلق بمسألة العلمانية المرتبطة بالتطبيقات العلمية والكشوف والإختراعات العلمية ومنجزاتها التي ساهمت في التقدم الحضاري والمدني الإنساني في القرنين السابقين لا بد من إيراد مقارنة تاريخية لعل الناس يأخذونها كمثال وتجربة وعظة لأخذ الدروس لتجنب الفهم الخاطئ لعلاقة الدين بالدولة والعلم ، ومثالنا هو العلمانية التركية
الذي نقتبسه من كتاب (( اصول في التاريخ العثماني )) تحت عنوان تركيا العلمانية : ( فما أن تم القضاء على الخلافة حتى جرت سلسلة من التغييرات التي استهدفت فصل الدين عن الدولة بهدف تقليم أظافر رجال الدين . وهكذا ألغيت وزارة الأوقاف ووظيفة شيخ الإسلام وتمت مصادرة موارد الأوقاف التي تحولت إيراداتها إلى خزانة الدولة العامة . وجرى نقل الإشراف على المدارس الدينية إلى إدارة التعليم المدني التي أصبحت مسؤولة عن التعليم العام . ثم ألغيت المحاكم الشرعية التي انتقلت اختصاصاتها إلى المحاكم المدنية التي أصبح بإمكانها تطبيق الشريعة في القضايا الشرعية وقد أثارت هذه الإجراءات سخط بعض رفاق نضال مصطفى كمال الذين انشقوا عليه ، كما نشبت ثورة كردية في المناطق الجنوبية الشرقية طالب الأكراد خلالها بتنصيب سليم ابن السلطان عبد الحميد خليفة وسلطاناً . وقد قمع مصطفى كمال التمرد وأعدم قادته - ولما كان الدراويش النقشبندية هم الذين قادوه وحثوا أتباعهم على إسقاط الجمهورية
(( الملحدة )) وإعادة الخلافة ، فقد وجه كمال ضربته التالية إلى الطرق الصوفية : فأغلق تكاياها وحل منظماتها وحرم اجتماعاتها واحتفالاتها ، وملابسها الخاصة ، كما أغلق قبور الأولياء وألغى الألقاب الدينية وحرم ارتداء الملابس الدينية علناً إلا في مناسبات معينة مثل الجنائز وفي هذه الحالة لا يرتديها إلا من يتولون مناصب دينية . على أن العلمانية التي فرضها مصطفى كمال استهدفت كل مظاهر الدين والتدين حبث اصبح التعليم العام يهاجم تعصب رجال الدين المسلمين وتصوف الدراويش . كما تحدد عدد المساجد وخفض عدد الوعاظ الذين اصبحوا يتلقون رواتبهم من الدولة . وأوصدت أبواب جامعين من اشهر جوامع إستنابول ، وتحول أحدهما ( جامع أياصوفيا ) إلى متحف والثاني ( جامع محمد القاتح ) إلى مستودع . وفرض على المؤذنون تلاوة الآذان باللغة التركية . وقبل ذلك وفي عام ( 1928م ) الغى نص الدستور الذى يجعل من الإسلام ديناً رسمياً للدولة . وابطل إستعمال التقويم الهجري واقتصر على التاريخ الميلادي ( الجريجوري) ، وسمح للمسلمين بتعاطي المشروبات الروحية التي أحتكرت الحكومة إنتاجها وبيعها . وألغى تعدد الزوجات وإجراءات الطلاق التقليدية وأصبح الطلاق بتم أمام المحاكم . وتقرر الزوج والطلاق المدنيان وأصبح الزواج الديني الشرعي إختيارياً ، ووضعت المرأة على قدم المساواة مع الرجل ، فأصبح بإمكان المسلمة أن تتزوج غير المسلم ، كما منح البالغون حق إختيار
عقيدتهم الدينية – وبذلك وجهت الضربة الأخيرة للنظام الملي ) . هذا كل ما أكتسبه نظام الجمهورية التركية الجديد من التقدم العلمي والنهضة الصناعية الواسعة التي عمت جميع بلدان أوروبا وانعكست آثارها الإيجابية وفوائدها الإقتصادية والعلمية والإجتماعية على الحياة العامة لإنسان أوروبا خاصة والدول الغربية عموماً بينما لازال نظام الجمهورية في تركيا والى يومنا هذاحتى اليوم يرزح تحت قيود وإجراءات وقوانين علمانية مصطفى كمال أتاتورك التي لا يتعدى أثرها وناتجها غير محاربة كل مظاهر الدين والتدين للدين الإسلامي بالتحديد ، وفشلت فشلاً ذريعاً في إقامة دولة عصرية على النمط الغربي المرتكز على التقدم الهائل في مجالي الإقتصاد والتكنلوجيا والرفاه المعيشي . ورغم كل ذلك فقد حافظت الفئات الشعبية - وبخاصة في الريف - على العادات القديمة دون خرق لقوانين الدولة - إذ أن التغيير الإجتماعي لا تفرضه القوانين من أعلى ، بقدر ما يتم نتيجة لقناعات الناس واستعداداتهم . كما أنه ليس من السهل التنكر للماضي بمجرد أنه ماض - إذا ان تركيا الحديثة التي أدارت ظهرها للشرق على إعتبار ان الارتباطات الشرقية هي مصدر التخلف والرجعية ، وولت وجهها شطر أوروبا ، أصبحت كالمنبت ( المتعجل ) لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى . حقيقة لقد رحب كثير من الأوربيين – ومنهم المؤرخ الإنجليزي الشهير أرنولد توينبي ARNOLD TWINBY باقتباس تركيا لبعض!؟ جوانب حضارتهم ورأوا في ذلك بشيراً بغنتشار الحضارة الغربية في شتى أنحاء العالم ، إلا أن أوروبا - التي ظلت تكافح الأتراك عدة قرون - لم تكن مستعدة تماماً لاعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الأوروبي . وهاهو الاتحاد الأوروبي يعارض و يرجئ مراراً وتكراراً طلبات ومحاولات تركيا للإنضمام للإتحاد تحت دعاوى عدة أبرزها أن نظام الحكم فيها لا يفي بمعايير نظم الحكم الديمقراطي الأوروبية المطلوبة لذا فهي غير مؤهلة ديمقراطياً وإجتماعياً لنيل عضوية الإتحاد الذي يعتبر بكل المقاييس نادياً مسيحياً صرفاً ، ولم يعن تركيا خلعها لدينها الإسلامي وتنكرها له من نيل رضا وقبول أوروبا ، هكذا اصبحت تركيا الحديثة عرضة لكل الإحتمالات وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية ، وإنتهاء عصر دكتاتورية الحزب الواحد الذى فرضه مصطفى كمال عقب إنتخابه كأول رئيس للجمهورية التركية في عام 1927م .
إن التمسك بثوابت الدين الإسلامي والتوافق والتواضع على تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال القانوني وقيام نظام الحكم الإسلامي الذي يحمي شرع الله ، وتأسيس وترسيخ وتوثيق عرى التعاون في شتى المجالات السياسية والإقتصادية
والمالية والإجتماعية بين دول العالم الإسلامي وبذلك تكون مؤهلة لموازنة الإستقطاب العالمي على أساس سياسة المصالح المشتركة والمتبادلة لا الإستغلال والإبتزاز .
إنّ نظام الحكم الإسلامي المطلوب في النظام الملِّي الإسلامي يجب أن يكون وضع الحاكمين فيه وظيفياًً في إطار الجهاز الحاكم الذى يتحتم عليه الإهتمام بالكفاءة باعتبارها معيار الرتبة والوضع الاجتماعيين . وبمرور الوقت سيكتسب هذا النظام طابعاً عقلانياً يرتبط في بعض جوانبه بأنه لا يتحتم عليه أن يقوم بخدمة أرستقراطية قبلية أو أسرة حاكمة تحتكر مهام الدولة الرئيسية كما هو الحال بالنسبة إلى الأسر الحاكمة في الكثير من بلدان العالم الإسلامي ، ويجب أن نضع نصب أعيننا أن نظام الحكم الإسلامي يجب عليه ترسيخ وتمكين سيادة العدل الذي يتعبر أساساّ للملك وبسط الحريات المعلومة بالضرورة بالنسبة للسكان المحليين وبقية عناصر الملة الإسلامية ، ويجب عليه أن يدخل عن طريق الاعتراف الرسمي – مؤسسات إجتماعية ومدنية وجماعات تنبثق بشكل طبيعي وعفوي ، وهو مما يؤدي إلى إتضاح الارتباط بين المجموعات المنظمة والأسر أو ألنظمة الحاكمة مما يخلع على الدولة طابعاً كلياً ومتسقاً ، يساعد ويمكن من حجب الاختلاف والتصارع والتنازع في الحكم وحصر ذلك فقط في نطاق البنيان الاجتماعي ، أما عرش الحكم فسيظل يتبوأ قمة النظام الاجتماعي والسياسي . وبما أنّ هذا النظام يرتكز على نخب متقاة ومؤهلة التأهيل الكافي للقيام بأعباء الحكم ، فإنّ كل مجموعة متصارعة ستحرص على المحافظة على نظام الحكم الذي يخلع الشرعية على مجمل الأوضاع الإجتماعية والسياسية .
إنّ السعي المشترك والمتضافر لإتخاذ المواقف الموحدة يلزمني أن أفرد بنداً لمقترح يتعلق بحتمية أن يخصص المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ضمن سياساته العامة للدعوة والتبشير بالوحدة الإسلامية وكإضافة للمعرفة الإنسانية التركيز والإهتمام المناسب والكافي بقطاع الشباب في العالم الإسلامي وأن يولي ذلك القطاع الأهمية القصوى ببرامجع تسع جميع الأنشطة الشبابية سواء أكانت دعوية ، رياضية ، ثقافية ، إجتماعية وسياسية ، لأننا نجد أنّ أنظمة الحكم على مر العصور كانت تهتم بقطاعات الشباب المتنوعة المناشط ، منذ عهد ا لدولة اليونانية والإغريقية القديمة التي من خلالها جاءت فكرة الأولمبياد .. وبشكل كبير نجد أن قطاعات الشباب المختلفة تمثل شريحة كبيرة من المجتمعات ونجد أنّعد المهتمين بالأنشطة الشبابية رياضية كانت أو إجتماعية لفت نظر السياسيين والناشطين في جميع الحقول الفكرية والثقافية والذين بدورهم حاولوا أن يستغلوا القطاع الشبابي من أجل تمرير أجندتهم وبرامجهم على مر العصور من خلال إظهار الإهتمام بهم وذلك من أجل إستغلال طاقاتهم سواء في الحرب كما فعلت ألمانيا في عهد أدولف هتلر ، وكما فعل الإتحاد السوفييتي في العهد الشيوعي الأول الذي استغل الشباب في إثارة العمل والحرب .
حسناً إنّ المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ليس ببعيد عن إستغلال طاقة الشباب الإيجابية في مختلف أنواع الحياة ، ولعل الإهتمام السياسي أغلبه ينصب في الأحزاب ذات الطبيعة الأيدولوجية (( يميني أم يساري )) ، ونجدها تندفع بقوة وعبر برامج محكمة وموجهة ، تتمثل أحياناً في إهتمامات مباشرة من قادتها وزعمائها ومفكريها ومنظريها من أجل السيطرة المبكرة على مفاصل العمل الشبابي والرياضي في المجتمع . وحري بنا أن نشير إلى أن إستغلال طاقة الشباب لا تنحصر فقط في الجوانب التي تتطلب جهداً ولياقة بدنية ، فالنظرية القائلة بأنّ الشباب طاقة بدنية هائلة ومخزون جسدي جبار توزايها كثير من النظريات الحديثة في مجال علم النفس الشبابي ، وتفسح تلك النظريات المجال لكثير من الأعمال التي تتطلب إعمال العقل والحراك الإجتماعي ، وهي إتجاهات ونظريات تأكدت صحتها عملياً وأثبتت فاعليتها في كثير من الأنشطة الشبابية سواء أكانت رياضية أوغيرها . يدفعني الأمل في العمل بتلك التوجهات النظرية في النشاط الشبابي على إختلاف مواقع المهتمين في جميع أمانات المجمع العالمي للتقريب ين المذاهب الإسلامية من أجل الوصول إلى الشباب في مواقع نشاطهم في الفرق الرياضية وكليات التربية ومراكز الشباب وحتى على مستوى منظمات المجتمع المدني ، وكذلك المواقع الأخرى التي تهتم بسيكلوجية أفرادها لتحقيق المزيد من الإنجاز في مجال التقريب بين المذاهب في مختلف المجتمعات الإسلامية في جميع انحاء العالم الإسلامي وتحقيق الإستقرار والإعداد المهاري والعقلي في مجال الدعوة الإسلامية ، لأن الهدف هو إعداد أجيال واعية وملمة بقضايا وهموم ومشاكل عالمها الملِِّّي . ومقترحي هنا يتمثل في قيام المجمع إختيار مجموعات شابة من مختلف بلدان العالم الإسلامي وإقامة مخيم دعوي تمهيدي وإعدادي لهم في مجال ثقافة وفقه المذاهب المتتنوعة وتزويدهم بالمعارف والمهارات اللازمة للتصدي لتحديات وعوائق الدعوة التقريبية بين المذاهب المختلفة ، وتتمثل تلك الأدوات إجمالاً في ما يلي : التفكير : والتفكير هو إعمال العقل في الأشياء للوصول إلى معرفتها ، والتفكير من أهم المهارات العقلية التي يجب تنميتها لدى الشباب ومن أهم مهاراته :
مهارة الفهم : فهي تمكن الناشط في حقل من حقول العمل الإنساني من الوقوف على ما يريد أن يتعلمعه قبل نقله للآخرين .
مهارة التأمل : وهي مراجعة النظر مرة بعد مرة حتي يتجلى للناشط المراد وسنكشف لقلبه وتساعده في توظيف حواسه في مجال نشاطه .
مهارة حل المعاضل : وهي معرفة خطوات التفكير العلمي لمواجهة ختلف المعاضل والمسائل والتوصل لحلول ناجعة لها نظرياً وميدانياً ، والشعور بالمشكلة ووضع الفروض وجمع المعلومات .
مهارة الإستنباط : وهي أداء عقلي يقوم به الفرد ، ويتم عن طريقه اشتقاق الأجزاء من القاعدة العامة .
مهارة الاستقراء : هي أداء عقلي يقوم به الفرد ، ويتم عن طريقه استنتاج القاعدة العامة من الجزئيات .
مهارة الاستدلال : وهي الاستشهاد بالأدلة والإثبات . والاستدلال بوجه عام هو استنتاج قضية من قضية أو عدة قضايا أخرى .
مهارة النقد : وهي تمكن الشاب الناشط من أن لا يكون مقلداً أو محاكياً وإنما يكون ناقداً وفي نفس الوقت يتعلم كيفية الاستماع إبى وجهات النظرة المضادة المنتقدة وتقبل نقد الاخرين ومن ثم الرد عليهم بالحجة والبرهان المضاد دفاعاً عن القضية التي ينشط في حقل الدعوة لها .
مهارة الابداع : وهي مهارة للرقي والتقدم باستعمال العقل المبدع الذي يأتي بالجديد غير المسبوق المبتكر ويخرج من إطار الرتابة والتكرار الممل .
بإعدادنا للكوادر الشابة وتمكينها من المهارات الآنفة لذكر نكون قد حصلنا على عناصر دعوية قادرة ومؤهلة في مجال النشاط الدعوي التقريبي .
يتطلب تحقيق الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية جهود جبارة في مجال العمل والفعل التطبيقي بعد أن استطاعت جميع المؤتمرات الوحدوية السابقة التي تم عقدها منذ تأسيس المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في مستهل تسعينيات القرن الماضي من تحديد وتوصيف القوالب النظرية والفكرية ودراسة الصيغ الإسلامية لفقه التقريب وإخضاعها للتجربة العملية التي في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي يمر بها العالم الإسلامي وفي غياب أي ثقافة أو تجارب عملية سابقة ، عليه نقترح أن ينشئ المجمع فروع له في جميع البلدان الإسلامية ، رغم أننا ندرك إحتمالية ان يقابل تأسيس تلك الفروع بالرفض من بعض أنظمة الحكم في البلدان الإسلامية ، لكن لابد من المحاولة ، ويكون منوط بتلك الفروع القيام بتنفيذ برامج وخطط المجمع من خلال الممارسات العملية لتطبيق قيم ومفاهيم وبرامج المجمع ، لأن تجربة التقريب والتوحيد تعتبر تجربة إسلامية فريدة ومضيئة في بحر متلاطم من الشقاق والتنافر المذهبي والطائفي السائد في تلك الظروف السياسية البالغة التعقيد .
بالرغم من أن المجمع يملك حال وسائل إعلامية معتبرة ( قناة فضائية + وكالة أنباء + مواقع الكترونية على الشبكة العنكبوتية ) لكن نجد أن هنالك بطء في إندياح وإنتشار ثقافة التقريب في أوساط المجتمعات الإسلامية لأن الكهد الإعلامي لابد أن ترفده مؤسسات مجتمع مدني ناشطة في المجالات الحياتية والخدمية داخل المجتمعات الإسلامية . الحروب والنزاعات الطائفية والعنف العرقي والقبلي والكوارث الطبيعية مثل ، الزالزل ، السيول ، الفيضانات ، الجفاف وما تخلفه من كوارث ودمار في حياة ومعاش الإنسان تستوجب التدخل السريع والفوري من منظمات المجمتع لإغاثة المنكوبين وتوفير الملجأ المؤقت لهم وتوفير الغذاء والغطاء والكساء ، ومعالجة ما يتبع ذلك من نزوح وتشرد ، نعنبر ا،ّ ذلك مجال وميدان يتوجب أن يكون هنالك تواجد واضح وملموس لمنظمات أو مجموعات أوكيانات تابعة للمجمع حتى يحس الناس المنكوبين وغير المنكوبين بأنّ هنالك جهود عملية وتطبيقية للأفكار والنظريات المناهج على واقع الحياة العامة ، وهو مجال خصب لتخفيف المحن عن المسلمين ، حيث سيحسون بنجدة إخوتهم في الدين لهم ووقوفهم بجانبهم مما يؤدي إلى تحقيق وتعميم روح الألفة والأخوة والمحبة بين قطاعات الأمة ، وذلك يعتبر تطبيقاً عملياً لحديثه صلى الله عليه وسلم : ( مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ، إذا أشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) . ولو عقدنا مقارنة بسيطة لتكون مثالاُ بين واقع النشاط في مجالات العون الإنساني والإجتماعي نجد أن أوروبا والعالم الغربي تتفوق وتتميز على العالم الإسلامي في هذا المجال الحيوي والبالغ الأهمية حيث نجد منظماتها الناشطة في مجال العون الإنساني مثل ( الصليب الأحمر ومنظماته الفرعية ، منظمات الأمم المتحدة الإنسانية والتي معظم مكوناتها من أوروبا والعالم الغربي ، ألخ ) تقدم أمثلة قوية وعملية بارزة في محور الإستجابة للكوارث والأزمات في قارة أفريقيا وآسيا وامريكا الوسطى وأميركا اللاتينية والبحر الكاريبي ، يقابل ذلك تواجد ضعيف بل لا يوجد في بعض الأحيان لمنظمات المجتمع المدني والعون الإنساني من العالم الإسلامي مثل منظمات الهلال الأحمر القطرية والمنظمات التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ورابطة شعوب جنوب وشرق آسيا <أسيان> ، هذا رغم أن العديد من دول العالم الإسلامي وبخاصة النفطية منها تنعم بفوائض ضخمة في ميزانياتها المحلية . في رأينا هذا خلل بين لا بد من الإنتباه له ، وبذل الجهد من أجل معالجته وتصحيح وضع منظمات العون الإنساني والخدمي والإجتماعي في عالمنا الإسلامي ، ومناشدة الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي السماح للناشطين في المجال المدني والإجتماعي بتكوين وتأسيس منظماتهم الخيرية والإجتماعية وتقديم العون المالي والمادي لها لممارسة دورها في هذا المجال الحيوي والإستراتيجي خدمةً لمجتمعاتنا الإسلامية والمجتمعات الإنسانية الأخرى ، حتى لا نترك هذا المجال لأوروبا والعالم الغربي بمفردهم . أما في مجال التربية ، فنتقدم بمقترح ألا وهو إدخال فقه التقريب بين المذاهب الإسلامية كمادة تدرس ضمن مناهج التربية الإسلامية للطلاب في مرحلتي الأساس والمرحلة الابتدائية والإعدادية ، وكلنا أمل في أن يتبناه المؤتمر الدولي الرابع والعشرون للوحدة الإسلامية ، وبعد تبنيه ينزله للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية لكي يقوم بدور عملي وتنفيذي له من خلال مخاطبة الحكومات في العالم العربي والإسلامي عبر وزارات التربية فيها ، أو توجيه دعوة لعقد مؤتمر جامع في مقر المجمع العالمي للتقريب ين المذاهب الإسلامية لوزارات التربية والتعليم لمناقشة وبحث ذلك الطلب للوصول إلى رؤى وموجهات يتفق عليها الجميع في هذا الخصوص . أم في مجال التعليم العالي فيتحتم فتح الباب للدراسات الجامعية والدراسات العليا التقريبية عبر فتج أقسام أو شعب لذلك في الجامعات وتشجيع الدراسات البحثية في هذا المجال وتقوية التبادل التخصصي .
التحديات التي تواجه الإسلام في العصر الحديث
لاجدال في أن عصرنا يختلف اختلافاً جذرياً عما سبقه من حقب تاريخية، ولعله لا مجال هنا للمقارنة نظراً لما طرأ على عالمنا المعاصر من تطورات، وما جد فيه من متغيرات متسارعة، وما ظهر فيه من مخترعات باهرة لم تكن تخطر على بال أحد من كتاب روايات الخيال العلمي.
فالواقع المعاصر فاق كل التوقعات، إنه عصر الثورة العلمية والتكنولوجية وثورة المعلومات والاتصالات والاستنساخ. وكل يوم يشهد عالمنا المعاصر مزيداً من الاكتشافات والمخترعات والمفاجآت، ويخلق مالا تعلمون.
والسؤال هو: أين عالمنا الإسلامي من ذلك كله؟
ألا يعد جزءا من هذا العالم الذي نعيش فيه، والذي أصبح – كما يقال كثيراً – مثل قرية كونية صغيرة؟
ألا يتأثر بكل ما يحدث في هذا العالم من متغيرات؟ وهل يستطيع أن يعزل نفسه عن ذلك كله؟
هل اكتفى عالمنا الإسلامي بدور المتفرج على مايدور حوله من تطورات، وقنع بدور المستهلك لما ينتجه عالمنا المعاصر من منجزات في مجالات العلم والتكنولوجيا والترفيه؟
إن ماجد في العالم من تطورات، على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، يحمل معه تحديات كثيرة لعالمنا الإسلامي، فهل استعد المسلمون لمواجهتها وبذل الجهد للتغلب عليها؟
وقبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع نود هنا أن نؤكد أن كل التحديات التي تحيط بعالمنا الإسلامي ليست تحديات تواجه الإسلام بوصفه الدين الخاتم، الذي تستطيع شريعته أن تواجه كل الظروف والمتغيرات في كل زمان ومكان لما تمتاز به من المرونة والاعتدال. فالتحديات القائمة واللاحقة هي في حقيقة الأمر تحديات للمسلمين، وليست تحديات للإسلام ذاته.
إنها تحديات تواجه عقول المسلمين وقدرتهم على استيعاب تطورات العصر، والوعي بالزمن، والوعي بالتطور التاريخي . والوعي بالزمن يعني وعياً بحركة الزمن من ماض إلى حاضر إلى مستقبل، وأنها دائماً في صعود. فالتاريخ يسير إلى الامام ولا يتراجع إلى الوراء، أما الوعي بالتطور التاريخي فإنه يعني نقلة نوعية تشتمل على إضافة حضارية يسجلها التاريخ. وحتى يكون هذا الوعي حاضراً في الأذهان لابد من التغلب على العقبات التي تعترض طريق هذا الوعي وتحجب عنه الرؤية الصحيحة والإدارك السليم. وهذه العقبات تمثل تحديات أمام الأمم. والأمم التي تدرك مايدور حولها بوضوح وتدرك متطلبات كل عصر، وتستجيب للتحدي وتتغلب عليه وتكون جديرة بالحياة والبقاء، أما الأمم التي تنهزم أمام التحدي فإنها تفنى وتطوى صحيفتها في زوايا النسيان دون أن تقوى على التحرك نحو المستقبل.
التحديات المعاصرة
إن التحديات التي تواجه المسلمين في عالم اليوم تحديات معقدة وفي حاجة إلى إرادة قوية وعزيمة صادقة لتجاوزها والسير صعوداً نحو مستقبل مشرق إن شاء الله.
وعندما نتأمل هذه التحديات نجد أنها ليست كلها جديدة تماماً، فقد بدأ بعضها في الظهور في النصف الأخير من القرن العشرين، وبصفة خاصة في العقد الأخير منه، فقد حدثت في هذا العقد تطورات بالغة الأهمية وعلى رأسها انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وظهور القطب الواحد في العالم، وانتشار الخوف غير المبرر من الإسلام في الغرب بوصفه العدو البديل أو الخطر القادم الذي يهدد الحضارة العالمية، والترويج لنظرية صدام الحضارات ونهاية التاريخ، والتطورات العلمية الجديدة مثل الاستنساخ وزراعة الأعضاء، وغيرها مما قد يزعزع المعتقد الديني في عالم القرن الواحد والعشرين.
وإذا كانت هذه التحديات خارجية فهناك بالإضافة إلى ذلك تحديات داخلية عديدة من أهمها: التخلف الذي تعاني منه الأمة الإسلامية، وانتشار ظاهرة الإرهاب في العالم الإسلامي على نطاق واسع، رغم أنها تعد ظاهرة عالمية. ويرتبط بذلك كله أيضاً الفهم الخاطئ للإسلام، والتفسيرات المغلوطة لتعاليمه، وخطر الأصدقاء الجهال للإسلام الذين هم أشد ضرراً على الإسلام من خصومه. وهذا إجمال يحتاج إلى تفصيل يبين موقف الإسلام من ذلك كله.
التحديات الداخلية التغلب على التحديات الداخلية يعد المدخل الطبيعي للتغلب على التحديات الخارجية، فترتيب البيت من الداخل يعني أن تكون له الأولوية، فضلاً عن أنه من ناحية أخرى مرتبط بشكل وثيق بتحديات الخارج، بمعنى أنه إذا تعافى العالم الإسلامي من أمراضه الداخلية وتغلب على تحديات الداخل فإنه يكون حينئذ في وضع يؤهله للتغلب على التحديات الخارجية. وفيما يلي نلقي بعض الضوء على أهم التحديات الداخلية:
أ. التخلف: يعد التخلف – الذي يسود المجتمعات الإسلامية – أخطر التحديات الداخلية التي تواجه العالم الإسلامي. وهذا التخلف ليس تخلفاً على المستوى المادي فحسب، وإنما هو تخلف شامل لشتى النواحي العلمية والفكرية والأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولا يغرن أحداً تلك القشرة الحضارية الظاهرية في عالمنا الإسلامي. فالمسلمون اليوم – للأسف الشديد – ليسوا أكثر من مستهلكين لمنجزات الحضارة المعاصرة وليسوا منتجين لها أو مشاركين فيها.
صحيح أن أسلافنا قد تركوا لنا رصيداً حضارياً ضخماً لازلنا نعتز به ونفخر، ولكننا وقفنا عند هذا الحد ولم نبذل أي جهد حقيقي يضيف جديداً إلى ما ورثناه عن آبائنا وأجدادنا. ورحم الله جمال الدين الأفغاني الذي قال ذات مرة:
«إن الشرقيين كلما أرادوا الاعتذار عما هم فيه من الخمول الحاضر قالوا: أفلا ترون كيف كان آباؤنا؟» ويضيف الأفغاني قائلاً: «نعم لقد كان آباؤكم رجالا، ولكنكم أنتم أولاء كما أنتم، فلا يليق بكم أن تتذكروا مفاخر أبائكم إلا أن تفعلوا فعلهم» .
إن حالة التشرذم المسيطرة على العالم الإسلامي تعد أكبر دليل على مدى التخلف الذي تعانيه أمتنا الإسلامية في الوقت الذي يتجه فيه عالمنا المعاصر إلى التوحد في تكتلات دولية قوية.
وعلى الرغم من أن عالمنا العربي قد سبق أوروبا في محاولته التوحد في إطار الجامعة العربية، وعلى الرغم من تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي بعد ذلك بسنوات، فإن هذه الروابط العربية الإسلامية لاتزال ضعيفة وغير مؤثرة، في الوقت الذي قطع فيه الاتحاد الأوروبي خطوات عملاقة. فقد أصبحت هناك عملة أوروبية واحدة، وتعاون اقتصادي قوي، وبرلمان أوروبي واحد، وتنقل حر للأفراد بين دول الاتحاد، وغير ذلك من مجالات أخرى كثيرة للتعاون . ويحاول خصوم الإسلام نسبة التخلف في العالم الإسلامي إلى الإسلام، ويزعمون أنه هو الذي يشد أتباعه إلى الوراء دائماً ولا يتيح لهم حرية الحركة للانطلاق نحو آفاق التقدم.وهذا اتهام لا يستند إلى أي أساس لا من العلم ولا من الواقع التاريخي. فالإسلام هو الذي دفع المسلمين في السابق إلى بناء حضارة مزدهرة استمرت ما يقرب من ثمانية قرون. ويعبر المرحوم مالك بن نبي عن بطلان هذا الاتهام بقوله: «إن التخلف الذي تعاني منه الأمة الإسلامية اليوم ليس سببه الإسلام، وإنما هو بالأحرى عقوبة مستحقة من الإسلام على المسلمين لتخليهم عنه لا لتمسكهم به كما يظن بعض الجاهلين». وإذا كانت الحضارة لا تقوم إلا بالعلم فإن الإسلام قد جعل العلم فريضة لا تقل شأناً عن فرائض الصلاة والصوم والزكاة، وجعل مداد العلماء مساوياً لدماء الشهداء، ووصف العلماء بأنهم أخشى الناس لله، لأنهم الذين يدركون أسرار الخلق وجلال الخالق. وإذا كان الإسلام دين العلم والحضارة على النحو الذي أشرنا إليه فكيف وصل الحال بالمسلمين إلى أن تكون نسبة الأمية لديهم تصل إلى 5/46% طبقاً لبيانات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، وأن تصل هذه النسبة في أوساط النساء في بعض البلاد الإسلامية إلى 60%. فإذا انتقلنا إلى مجال التجارة والاقتصاد نجد أن عالمنا المعاصر يتجه – كما سبق أن أشرنا – إلى تكوين التكتلات الاقتصادية الكبرى والشركات العملاقة المتعددة الجنسيات؛ وذلك في الوقت الذي نجد فيه أن حجم التجارة البينية في العالم الإسلامي والعربي لا يتجاوز نسبة 8% من مجموع تجارته مع بقية دول العالم، وذلك طبقاً لآخر التقارير الرسمية للبنك الإسلامي للتنمية. وهذا واقع مؤلم، فهذا التخلف سيظل قائماً طالما ظل اعتماد العالم الإسلامي في كل شيء – حتى في غذائه – على العالم الخارجي.
والمسلمون لديهم ثروات بشرية كبيرة وثروات مادية هائلة تتمثل في البترول والمعادن المختلفة التي لايزال الكثير منها مطموراً في باطن الأرض، ويعيشون في مناطق استراتيجية في العالم ولا ينقصهم إلا الإرادة القوية والعزيمة الصادقة. وقد يميل البعض إلى تفسير ما نقوله في هذا الصدد بأنه لون من ألوان جلد الذات، وليس هذا بالقطع ما نقصده. إننا في أمس الحاجة إلى نقد موضوعي للذات، وهذا ما نفتقده في واقع الأمر. ونقد الذات الذي نقصده هو الخطوة الأولى على الطريق الصحيح . إننا – نحن المسلمين – في أشد الحاجة إلى وقفة صادقة مع النفس نراجع فيها مواقفنا ونتأمل أحوالنا بكل صراحة وموضوعية، نحن في حاجة إلى أن نتحسس مواقع أقدامنا لنتأكد بصدق ما إذا كانت الأرض التي نقف عليها ثابتة قوية أم أنها قابلة للانهيار عند أول خطوة. وليس عيباً أن نواجه أنفسنا بعيوبنا وأخطائنا، ولكن كل العيب أن نتجاهل ذلك كله ونكذب على أنفسنا معتقدين – خطأ – أن كل شيء على ما يرام.
ب – ظاهرة الإرهاب: تعد ظاهرة الارهاب من أخطر التحديات الداخلية التي تواجه العالم الإسلامي. وقد شهدت الأعوام الأخيرة على وجه الخصوص تطور هذه الظاهرة بشكل مخيف، إذ اتجه الإرهاب إلى القتل والتدمير للأبرياء دون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ وشاب، وتعدى ذلك إلى التمثيل بالقتلى دون سبب مفهوم، وفي كثير من الأحيان تحت شعار إسلامي، وبصيحات الله أكبر.
وعواقب هذا الإرهاب مدمرة لقدرات الشعوب الإسلامية اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، كما تمثل عقبة أمام تنفيذ الخطط التنموية في البلاد الإسلامية، ولاشك في أن الإرهاب في العالم الإسلامي يتلقى الدعم والتخطيط من رؤوس الإرهاب في الخارج، وبخاصة في الدول الأوروبية، التي وفرت لهم على مدى عقود الملاذ وحرية الحركة، تحت مظلة الحماية المزعومة لحقوق الإنسان. وفي تقديري أن مواجهة الإرهاب في العالم الإسلامي قد اتسمت بقصور شديد، إذ نظر الكثيرون إليها على أنها صراع بين الإرهاب والحكومات. ومن هنا لم يظهر الدور الشعبي في الصورة، وترك الأمر – في غالب الأحيان – للحكومات بأجهزتها الأمنية. وذلك خطأ فادح، فخطر الإرهاب يمس الشعب كله بجميع فئاته، ويمس مصالح كل فرد فيه، فالإرهاب يهدف إلى زعزعة استقرار المجتمع، وتهديد أمن الوطن والمواطنين.
ومن هنا فإن التغلب على التحدي الذي يمثله الإرهاب يجب أن يكون مسؤولية المجتمع بأسره. فلم يعد مقبولاً ولا معقولاً أن يعتمد الكل على المواجهة الأمنية فقط، أو أن تتحمل أجهزة الشرطة دون غيرها كل المسؤولية. إن الأمر يتطلب وضع خطة قومية شاملة لمواجهة الإرهاب، تحدد فيها واجبات ومهام كل جهة – حكومية كانت أم أهلية – ويتم تنفيذ ذلك عن طريق خطط فرعية خاصة بمجالات عمل كل جهة، وذلك في إطار الخطة العامة.
أما ما يطلقه الإرهابيون من شعارات إسلامية فإنها لا يمكن أن تخدع عاقلاً؛ لأن الأديان كلها والإسلام بصفة خاصة يرفض العنف والقتل والإرهاب، ويدعو إلى الرحمة والأخوة والسلام. والإسلام إذ يرفض العدوان رفضاً قاطعاً فإنه يعتبر قتل نفس واحدة كأنه قتل للإنسانية كلها )من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً(.
ولا يجوز أن يغيب عن الأذهان أن الرحمة هي الهدف الأساسي للرسالة الإسلامية – كما يخبرنا بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى مخاطباً نبيه عليه الصلاة والسلام:)وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين( .
ج: الفهم الخاطئ للإسلام: إن الإسلام هو دين الاعتدال والوسطية،يكره التطرف والغلو في الدين، ويدعو إلى التيسير على الناس والرحمة بهم، وعلى الرغم من تعاليم الإسلام الواضحة في هذا الشأن فإن هناك اتجاهات تفسر الإسلام على هواها، وتريد أن تشده ناحية اليمين أو ناحية اليسار بتفسيرات خاطئة تجعل منه إما ديناً جامداً منغلقاً متقوقعاً لا يقوى على مسايرة الزمن، ولا يراعي متغيرات الحياة، وبذلك يشدونه إلى فهمهم السقيم ويضيقون رحمة الله الواسعة، وإما أن يجعل منه فريق آخر ديناً دموياً عدوانياً متعطشاً لسفك الدماء. وكلا الاتجاهين لا مكان له من الحقيقة، ولا يعبر إلا عن الرؤى المريضة لمن يتحدثون بها.
فالإسلام إذ يرفض الجمود والانغلاق والتقوقع، فإنه من ناحية أخرى يرفض رفضاً قاطعاً كل شكل من أشكال العنف والعدوان أو القتل والتخريب، ويسمي القرآن ذلك بأنه إفساد في الأرض يعاقب مرتكبوه بأشد العقاب في الدنيا والآخر: )أن يقتلوا أو يصلَّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم(. والفهم الخاطئ للإسلام يرجع إما إلى جهل أصحابه بجوهر تعاليم الدين، كما هو الحال لدى الفريق الأول. أو خداع الجماهير برفع شعارات دينية لتحقيق أغراض دنيوية، كما هو الحال لدى الفريق الثاني.
والأمر يحتاج إلى كشف يزيف التفسيرات الباطلة في كلتا الحالتين، وإبراز قيم الإسلام السمحة التي تحض على الرحمة والتراحم والتسامح والعدل حتى مع الأعداء.
وربما يكون الفريق الأول حسن النية في مقابل سوء نية الفريق الثاني. ولكن حسنٍ النية قد يؤدي أيضاً إلى عواقب وخيمة لا تحمد عقباها. فالصديق الجاهل قد يكون أشد خطراً – دون أن يدري – من العدو العاقل، على الأقل لأن العدو يسفر عن عدوانه، وبالتالي يمكن أخذ الحذر منه والاستعداد لمواجهته. أما الصديق الجاهل المحسوب على الإسلام، والذي يبدي أشد الحرص على حمايته بأسلوبه المتخلف، فإنه بذلك يمثل عقبة في طريق التقدم ولا يستطيع أن يفهم ما يدور حوله من تطورات، فضلاً عن عدم فهمه لجوهر الإسلام وروحه بوصفه ديناً حضارياً إنسانياً بكل معنى الكلمة. وحتى يستطيع الإسلام أن يتجه بخطى ثابتة وحثيثة نحو المستقبل فلابد لأتباعه من التخلص من هذا المرض المزدوج وذلك عن طريق الفهم المستنير للإسلام وتعاليمه، والكشف عن الوجه الحضاري لهذا الدين الذي تتوافق تعاليمه مع كل زمان ومكان، وتثبت قدرته على التطور ومواجهة متغيرات الحياة، وقدرته الذاتية على الصمود أمام التحديات. وتاريخ الإسلام شاهد على ذلك.
وإذا اتضح لجماهير المسلمين أن الإسلام بريء من جهل أصدقائه ومن شذوذ من يدعون أنهم يقتلون دفاعاً عنه، فإن ذلك من شأنه أن يمهد السبيل للتغلب على الصعاب والتحديات الأخرى الخارجية والتي تتخذ من الفهم الخاطئ للإسلام من جانب هذين الفريقين ذريعة لوصم الإسلام بكل الرذائل.
التحديات الخارجية
وإذا كان الأمر كذلك وهو أن التحديات الداخلية مرتبطة بالتحديات الخارجية فإن علينا أن نبين أهم التحديات الخارجية وسبل التغلب عليها حتى يمكن الانطلاق إلى آفاق المستقبل بخطى ثابتة:
أـ الخوف من الإسلام في الغرب:
أثناء الحرب الباردة كان الغرب مايزال في حاجة ماسة إلى المعاونة من جانب الإسلام في صراعه مع الشيوعية، أو لنكن أكثر واقعية ونقول: كان في حاجة إلى مهادنة الإسلام. فالغرب يعلم علم اليقين أن الإسلام والشيوعية نقيضان لا يجتمعان. ومن هنا فقد كان من المفيد للغرب أن يتعاون مع الإسلام في هذا الصدد. ولكن بعد أن انتهت الحرب الباردة وسقطت الشيوعية بسقوط الاتحاد السوفيتي السابق في بداية التسعينات من القرن الماضي، لم يعد الغرب في حاجة إلى الإسلام، فانتهت سياسة التعاون والمهادنة، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل راح الغرب يبحث عن عدو بديل للشيوعية، ولم يجد
إلا الإسلام ليكون هو العدو البديل. إذ يبدو أن الغرب لا يستطيع أن يعيش دون أن يكون له عدو، فإذا لم يكن هناك عدو حقيقي فليتصور عدوا. وكان العدو المتصور هو الإسلام.
وانتشرت في الإعلام الغربي فكرة الخوف من الإسلام، أو ما يطلق عليه «إسلاموفوبيا» ولم يستطيع كبار المسؤولين في الغرب أن يخفوا هذا التصور، فورد ذلك على لسان الأمين العام السابق لحلف الأطلنطي، وكان مايزال في منصبه المهم، كما ورد على لسان أحد الرؤساء في الغرب.
وبدأ الحديث في الغرب عن الأصولية الإسلامية، والإرهاب الإسلامي، والخطر الذي يتهدد الحضارة الغربية من هذا الشر المدمر، والذي هو الإسلام في زعمهم. واختلطت الأوراق وتاهت الحقائق وسط التدفق الإعلامي الغربي في هذا التيار الجارف.
وقد ساعد على شيوع هذا التصور تزايد موجات العنف في بعض البلاد الإسلامية. ومن المفارقات الغريبة أن الغرب نفسه هو الذي وفر الملجأ والملاذ والدعم وحرية الحركة لرؤوس الإرهاب في العالم الإسلامي – كما سبق أن أشرنا إلى ذلك- .
وهذا التوجه الغربي يعني عدم السماح بتطوير قدرات العالم الإسلامي العسكرية، بل وحتى الاقتصادية والعلمية؛ رغم ما يغدقه الغرب من إمكانات هائلة على إسرائيل، التي زرعها شوكة في ظهر العرب لتعوق أي طموحات في تطوير قدراتهم، وتنمية بلادهم. ويعني أيضاً عدم السماح للعالم الإسلامي بأي نصيب من المشاركة في رسم سياسة العالم عن طريق تمثيل العالم الإسلامي بمقعد دائم في مجلس الأمن.
وأذكر أنني شاركت عام 1993م في مؤتمر دولي بالعاصمة النمساوية فيّنا حول موضوع «الإسلام من أجل الإنسانية»، وتقدمت باقتراح يقضي بضرورة أن يكون للعالم الإسلامي – الذي يمثل أكثر من خمس سكان العالم – مقعد دائم في مجلس الأمن، وقلت آنذاك: «لكي تتاح الفرصة أمام المسلمين للإسهام بفاعلية في سلام العالم اقترح أن يحصلوا على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، وينبغي أن يكونوا ممثلين في هذا المجلس بدولة إسلامية تختارها الدول الإسلامية. فالمسلمون يؤلفون خمس سكان العالم. ومن أجل ذلك فإن لهم الحق في أن تتاح لهم الفرصة ليكون لهم صوت مسموع» .
ولكن عزعلى بعض المشاركين في المؤتمر أن يكون للمسلمين مثل هذا الدور فعارضوا الاقتراح بحجة تنم عن مغالطة مكشوفة، إذ زعم البعض أن ذلك يعني أن يكون هناك أيضاً تمثيل في مجلس الأمن للفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي.. إلخ وأن يصبح المجلس مكوناً من مشايخ وقساوسة، وهذا كلام يعد من قبيل الهزل في وقت الجد، فالأمر يتعلق بتمثيل شعوب يبلغ تعداد سكانها خمس سكان العالم ولا علاقة له بتمثيل الدين كدين. وفضلاً عن ذلك فإن الشعوب المسيحية في أوروبا ممثلة حالياً بأربعة من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي بريطانياً وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وفي الحادي عشر من الشهر الماضي (يونيه 2005) قرأنا في الصحف أن الأمين العام الجديد لمنظمة المؤتمر الإسلامي يطالب بمقعد دائم في مجلس الأمن للعالم الإسلامي. وهو الاقتراح ذاته الذي عرضناه منذ اثني عشر عاماً. ونسأل الله له التوفيق في مسعاه.
ب – صدام الحضارات: ويرتبط بقضية الخوف من الإسلام الترويج في الغرب لنظرية صدام الحضارات، وأن هذا الصدام أمر حتمي. وبطبيعة الحال يوضع في الحسبان في هذا التفكير – بالدرجة الأولى – الصدام بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية. ويستعيد البعض ذكريات الماضي القريب والبعيد لهذا الصدام.
والهدف في النهاية هو ضرورة هزيمة الحضارة الإسلامية حتى تتمكن حضارة واحدة هي الحضارة الغربية بأن تكون لها اليد الطولى والسيطرة على العالم كله، وتتأكد بصورة قاطعة فكرة العولمة التي سنتحدث عنها بعد قليل. ولعل ذلك كله يشكل مقولة نهاية التاريخ التي يتم الترويج لها أيضاً.
وقد سبق للفيلسوف الألماني المعروف هيجل – الذي توفي عام 1831م – أن أشار في كتابه المعروف «فلسفة التاريخ» إلى أن الإسلام قد اختفى منذ زمن طويل من أرض التاريخ العالمي – أي: لم يعد له تأثير في توجيه أحداث التاريخ – بعد أن ركن إلى الاسترخاء واستسلم إلى السكون الشرقي. وهنا – كما يحدث أيضاً في الكتابات الغربية المعاصرة عن الإسلام – يتم الخلط بين الدين الإسلامي وبين الواقع الحضاري المتخلف الذي تعيشه الأمة الإسلامية. وهذا الواقع يمثل مرحلة عارضة في تاريخ المسلمين وليس حكماً أبديا بالجمود والتحجر على خمس سكان العالم.
وحقيقة الأمر أنه إذا كان البعض يتبنى في الغرب نظرية حتمية صدام الحضارات فإن الإسلام كدين لا يرى ذلك أمراً حتمياً لا مفر منه، لأن الصدام القائم بين البشر لا يقتصر على الصراع بين الحضارات. فهناك أيضاً صراعات تقع بين البشر داخل الحضارة الواحدة، وما أكثر مثل هذه الصراعات في عالمنا الذي نعيش فيه. وأوضح مثال على ذلك ما حدث في القرن العشرين من حربين عالميتين داخل الحضارة الغربية راح ضحيتهما أكثر من ستين مليوناً من البشر، الأمر الذي لا نظير له في التاريخ.
ولكن موقف الإسلام المبدئي الثابت يتلخص في أن تعددية الأجناس في المجتمعات البشرية – أو بمعنى آخر تعددية الحضارات واختلافها – لا يجوز أن تكون مدخلا للصراع والشقاق، وأن تمثل عائقاً أمام توحيد جهود الناس وتآلفهم فيما بينهم. فالتعددية ينبغي أن تفتح الطريق أمام التعارف والتعاون والتوحد. وهنا تكمن المهمة الإنسانية التي ينبغي على الإنسان حيثما كان موقعه أو معتقده أن يتحمل مسؤوليتها. ويشير القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا( .
وهنا جعل القرآن الاختلافات بين البشر مدخلا للتعارف والتآلف والتعاون لا مقدمة للنزاع والشقاق والصراع. فنظرية الصراع الحتمي للحضارات مرفوضة أساساً من الإسلام، الذي يقرر أن الناس جميعاً قد خلقوا من نفس واحدة، وأن العدوان على نفس واحدة يعد عدواناً على البشرية كلها وليس على طائفة معينة أو حضارة بعينها. ومن هنا فإن التصور الإسلامي أوسع دائرة وأرحب أفقاً وأعمق في إنسانيته من تلك التصورات العنصرية التي تسعى إلى إعلاء شأن حضارة ما على غيرها من الحضارات والثقافات.
ج: العولمة: ومنذ سنوات ظهر الحديث عما يسمى بالنظام العالمي الجديد، وبخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وأصبح الحديث عن «العولمة» Globalization أمراً مطروحاً. ولم يعد خافياً على أحد أن هناك تياراً جارفاً تقوده القوة الأعظم في العالم يتمثل في الترويج للقيم والمعايير التي تعتمدها الحضارة الغربية القائمة، وأن على الجيمع في العالم أن يتواءم معها وأن يعتنق مبادئها ونظمها إذا أراد لنفسه مكاناً في مسيرة العالم المعاصر.
وهذا يعني أن تسود حضارة واحدة بقيمها ومثلها، وأن يترسخ مفهوم العولمة أو القطب الواحد في الأذهان. وبذلك يختفي مفهوم التعددية الحضارية المتعارف عليه منذ فجر التاريخ. ومن ثم يصبح الخضوع لنظام العولمة أمراً
لا مفر منه، ولا فكاك لأي دولة في العالم إلا أن تنضوي تحت لوائه، وإلا فإن الزمن والأحداث سوف تتجاوزها([vii]).
ويعد نظام العولمة – بالمفهوم المشار إليه – من التحديات الكبرى التي تواجه العالم الإسلامي في العصر الحاضر. فهل يمكن إخضاع الإسلام والمسلمين لهذا النظام؟ حيث تختفي الحواجز الحضارية والثقافية في العالم الجديد؟
إن حقائق الدين الإسلامي وطبيعته ووقائع التاريخ تبين أن الإسلام لا يمكن أن يذوب في أي نظام آخر، فله ذاتيته المستقلة وكيانه الخاص. ولكن هذا التصور الإسلامي لا يتناقض مع أي كيانات أخرى، لأن التعددية الدينية والحضارية قد كفلها الإسلام منذ أن قامت للإسلام دولة، وترسخت هذه التعددية في دستور المدينة الذي أعلنه الرسول محمد (ص).
وقد كانت الحضارات في البلاد التي دخلها الإسلام روافد أثرت الحضارة الإسلامية. فالإسلام يعتبر الحضارات إنجازاً إنسانياً، وإضافات للتراث الإنساني الذي هو بطبيعته أخذ وعطاء. ولا توجد أمة عريقة في التاريخ إلا وقد أعطت كما أخذت من هذا التراث. وإذا كان الأمر كذلك فإن هدف نظام العولمة يعد مناقضاً لطبيعة الأمور. فلا يمكن أن تذوب السمات الحضارية الأساسية للشعوب التي لها بصمات حضارية لا تمحى في سجل التاريخ.
والإسلام إذ يقر التعددية الدينية والحضارية فإنه من ناحية أخرى يقر في الوقت نفسه بأن هناك قواسم مشتركة بين كل الحضارات. وهذه القواسم المشتركة تعد المدخل الحقيقي للتعاون بين الحضارات وليس الصراع فيما بينها. ومن هنا كان تأكيد القرآن الكريم، على أن الاختلافات بين الشعوب لا يجوز أن يكون عائقاً أمام التعارف والتآلف والتعاون بين الأمم والحضارات، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في الآية الكريمة )وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا( .
ومن ذلك يتضح أن الإسلام سيقف صامداً أمام كل محاولة لتذويبه في أي حضارة أخرى أو في أي نظام عالمي جديد. ولكنه في الوقت نفسه سيظل دائماً على استعداد لأن يكون شريكاً لأي نظام عالمي يسعى إلى خير الإنسان وتقدمه وازدهاره.
د. التطورات العلمية الحديثة: وبالإضافة إلى هذه التحديات المشار إليها نجد أن هناك تحدياً آخر يتمثل في الإنجازات العلمية المتلاحقة على الأرض وفي الفضاء، والتي تسارعت خطاها على نحو مذهل ووصلت الآن إلى إتمام استنساخ كامل لبعض فصائل الكائنات الحية، ولعل السنوات القليلة القادمة ستشهد استنساخ البشر رغم المعارضة القوية لذلك في كثير من بلاد العالم . ويعد العلم بصفة عامة سلاح العصر، فمن يملك العلم يملك القوة، ومن يملك القوة يستطيع أن يفرض نفسه في عالم اليوم. أما الدول التي لا تملك العلم فإنها تقنع بأن تكون تابعة ومستهلكة لمنتجات الآخرين، (وزبوناً دائماً في «سوبر ماركت» الأقوياء).
فأين موقف الإسلام والمسلمين من ذلك كله؟ وهل استعد المسلمون للمشاركة الجادة في الجهود العلمية؟ وهل هناك أمل في أن يحتل المسلمون مكاناً في الخريطة المؤثرة للقرن الحادي والعشرين؟
لاشك في أن التوجهات الفكرية والدينية في أي أمة لها تأثيراتها البالغة في المواقف الحاسمة التي تتخذها الأمم، والتي تحدد مصيرها ومكانها على خريطة العالم. وإذا نظرنا إلى موقف الإسلام من العمل وتطوراته – وهذا الموقف الديني ينبغي أن يكون له تأثيره على توجهات المسلمين – فإننا نجد أن الإسلام ينفرد بين الأديان المختلفة بجعله العلم فريضة من فرائض الإسلام، لا تقل في أهميتها عن فرئاض الصوم والصلاة والزكاة، لأن العلم هو السبيل إلى إعمار الكون. وإعمار الكون في الإسلام يعد من الأوامر الإلهية التي ينبغي تلبيتها على المستويين المادي والمعنوي، كما جاء في القرآن الكريم: )هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها( أي: طلب منكم عمارتها وصنع الحضارة فيها .
والإسلام بذلك يساند العلم ويدعم مسيرته. ولا يمكن أن يكون هناك تعارض بين الإسلام وحقائق العلم بأي شكل من الأشكال. ومجال العلم في الإسلام غير محدود، فهو يشمل السماء والأرض وما بينهما. فليس هناك قيود ولا سدود في الإسلام تقف في طريق التقدم العلمي ما دام ذلك في مصلحة الإنسان، وهذه المصلحة تحوطها القيم الأخلاقية بسياج يحميها من سوء الاستغلال. وكل تقدم علمي هو في الوقت نفسه دعم للدين من المنظور الإسلامي لأنه يبين قدرة الخالق. ومن أجل ذلك أكد القرآن على أن العلماء هم أخشى الناس لله لأنهم أقدر الناس على معرفة أسرار الخلق وجلال الخالق.
وقضية الاستنساخ إذا كان فيها مصلحة للإنسان في مجال النبات أو الحيوان فلا يستطيع عاقل أن يرفضها باسم الدين. أما الاستنساخ في مجال الإنسان فإنه إذا اقتصر الأمر على استنساخ أعضاء معينة تنفع الإنسان وتقضي على كثير من آلامه، حينما يحتاج إلى عضو بديل عن عضو انتهت صلاحيته فليس هناك من جانب الدين ما يمنع من ذلك.
أما الاستنساخ الكامل للإنسان فليس هناك اتفاق على أنه يحقق مصلحة واضحة للإنسان، بل العكس هو الصحيح، وهو أنه ستترتب عليه مشكلات عديدة على المستويات الدينية والأخلاقية والقانونية والاجتماعية وغيرها.
إن المشكلة – إذن – ليست بين الإسلام والتطورات العلمية، ولا يمكن أن تشكل هذه التطورات تحدياً للإسلام. إنما المشكلة في مدى انسجام المسلمين مع تعاليم الإسلام المشار إليها ومدى ملاحقتهم للتطورات العلمية، ومشاركتهم في البحث العلمي مشاركة جادة يستطيعون من خلالها أن يعبروا إلى المستقبل في ثبات وثقة. فالمسلمون لا تنقصهم الإمكانات المادية أو البشرية، وهم ليسوا أقل ذكاء من غيرهم، فالله قد أعطى العقل لكل الناس، وكما قال الفيلسوف الفرنسي الشهير ديكارت: «إن العقل أعدل الأشياء قسمة بين الناس». فهل يقبل المسلمون التحدي ويتحركون بخطى سريعة نحو آفاق العلم الواسعة ليثبتوا وجودهم وإسهامهم في مسيرة التقدم العلمي ليكونوا مؤهلين وجديرين بالدخول إلى عالم المستقبل لكي يحتلوا فيه مكانهم اللائق بهم ويثبتوا وجودهم عن طريق الأفعال وليس فقط عن طريق الأقوال؟ إن هذا ما سوف تكشف عنه السنوات القادمة إن شاء الله. وإن غدا لناظره قريب.
تحديات تواجه المسلمين في القرن الحادي والعشرين!!
تناولت العديد من المنتديات والندوات العلمية والبحوث التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في هذا القرن سواء كانت تحديات سياسية أو اقتصادية أو إعلامية أو اجتماعية أو قانونية . ولقد حددت جميعها مجمل التحديات التي تواجه الأمة كما يلي:
** التحديات السياسية التي تواجه الأمة الإسلامية وسبل مواجهتها(د. أحمد يوسف):وتحدث فيها معدو البحث عن الصعوبات التي واجهت الدراسة وكيف أن منها صعوبات ذات طابع منهاجي وأخرى ذات طابع عملي، فكانت من أمثلة الصعوبات المنهاجية صعوبة الفصل بين ما هو سياسي وما هو غير سياسي، وكذلك الفصل وصعوبته بين ما هو إسلامي وما هو عام، ومن الصعوبات ذات الطابع العملي حساسية ما يرتبط بالحديث عن بعض القضايا السياسية نظراً لاتصالها الوثيق بنظم حكم قائمة وسياسيات محددة, الأمر الذي يجعل تناولها بحرية منطوياً على تعقيدات معنية ولو في بعض الحالات، وذكر المقرر أنه تم بناء الإطار التحليلي للدراسة على مستويات ثلاثة وهي: -
- التحليل التراكمي النقدي المقارن للأدبيات المتاحة باللغة العربية والأجنبية التي تعرضت جملةٌ وتفضيلاً للتحديات موضوع الدراسة.
- تقديم خلاصة ذلك التحليل حول طبيعة التحديات السياسية التي تواجه العالم الإسلامي في مطلع القرن الواحد والعشرين وآثارها وسبل الاستجابة لها.
- تحديد القواعد المنهاجية للبحث في الموضوع وكذلك تحديد المجالات والاتجاهات البحثية والحركية الجديدة بالاهتمام المستقبلي.
ثم قام بتصنيف التحديات إلى تحديات داخلية وخارجية :-
فكان من أهم التحديات الداخلية :-
- تطوير النموذج السياسي في البلدان الإسلامية بشكل يضمن المشاركة الشعبية في الحكم على النحو الذي يتفق مع أصول الإسلام وممارساته الصحيحة.
- خطر التفكيك الذي تغذيه قوى العولمة لمصالحها الخاصة مما يهدد باختفاء عدد من الدول الإسلامية في وضعها الراهن.
- الصراعات بين الدول الإسلامية مثل الحرب العراقية الإيرانية، غزو العراق للكويت وما كان من ذريعة تمسك بها المكون الأجنبي في معادلة الأمور في المنطقة لتبرير تدخله وبقائه.
وكان من أهم التحديات الخارجية :-
- الصراع العربي الصهيوني
- سقوط الخطر الشيوعي في مواجهة العالم الرأسمالي وظهور بديل خطر لتكتيل الصفوف والحفاظ على التماسك وهذا البديل هو "الخطر الإسلامي".
**التحديات الاقتصادية التي تواجه الأمة الإسلامية وسبل مواجهتها ( د. رضا العدل، د . عطية عبد الحليم صقر):وأوضحا فيها أن الأمة الإسلامية تواجه عددا من التحديات الرئيسية اقتصادياً ينبثق منها تحديات فرعية والرئيسية هي :-
1- تحدي إرادة اتخاذ القرار السياسي بالتكامل بين دول المجموعة الإسلامية و إرادة التنفيذ.
واقترحا تحقيق عدد من السياسات الإصلاحية في مواجهة هذا التحدي ومنها :-
• تضافر دول المجموعة في تحقيق حد أدنى من الاستقرار السياسي والأمني وحسن الجوار ولغة الحوار الهادي بين الدول.
• إيجاد مصالح اقتصادية مشتركة قائمة على سيادة كل دولة على مواردها.
• إعطاء رأس المال الإسلامي كافة الحوافز والضمانات التي يتمتع بها رأس المال الأجنبي في الدول الإسلامية.
• ضرورة الاهتمام على المستوى القطري لدول المجموعة الإسلامية بالأداء الاقتصادي.
• عقد الاتفاقات الثنائية الجماعية بين دول المجموعة الإسلامية من خلال توفير القدر الكافي من الشفافية عن فرص الاستثمار ومجالاته وأثمان السلع والخدمات في السوق المحلية.
2- تحدي التنمية البشرية على المستوى القطري والجماعي لدول المجموعة الإسلامية.
3- تحدي التنمية الاقتصادية على المستوى القطري والجماعي لدول المجموعة الإسلامية.
4- تحدي عصر ما بعد الجات عصر العولمة والمعلوماتية و التكتلات الاقتصادية .
5- تحدي انتهاء عصر الطفرة البترولية وبداية عصر الذرة المائية.
ونبه التقرير إلى ضرورة مواكبة هذه التحديات ومقابلة متطلبات السياسات الجديدة فعلى سبيل المثال :-
تحديات السياسات المائية الجديدة لابد من التوسع في :-
- تنمية الموارد المائية غير التقليدية من مياه صرف زراعي وصحي ومياه جوفية.
- تطوير أساليب الري السطحي.
- إعادة النظر في التركيب المحصولي والتشجيع على زراعة المحاصيل ذات الاحتياجات المائية القليلة.
- التوعية الشاملة للمواطنين لتقليل الفاقد من مياه الشرب والزراعة.
- منع التعديات على المجاري المائية وشبكات الري والصرف.
- التوجه تدريجيا نحو تحلية مياه البحر.
التحديات التربوية التي تواجه الأمة الإسلامية وسبل مواجهتها د.محمود أحمد شوق .
وقدم فيها أعضاء اللجنة دراسة مكونة من ثلاثة فصول.
الفصل الأول ويحتوي على تكوين اللجنة وأهدافهاومنهج سيرها في الدراسة وخطة عملها ثم أهم المنطلقات الطبيعية للتنمية في العالم الإسلامي من خلال الموقع، عدد السكان، المصادر الطبيعية.
الفصل الثاني ويضم أهم التحديات التربوية التي يمكن أن تواجه العالم الإسلامي في القرن الحادي والعشرين وواقعه المعاصر وهذه التحديات هي:-
- استيعاب من لهم حق التعليم ومواكبة متطلبات الإنفاق على مختلف أنشطة التعليم والبحث العلمي.
- توجيه سياسات التعليم وأهدافه وخططه ونظمه ومناهجه للمحافظة على الهوية الإسلامية.
- مواكبة التعليم لمتطلبات التنمية في المجتمعات الإسلامية.
- تحقيق نظم التعليم ومناهجه, التوازن بين فروع التعليم وتنوع أنشطته، واتخاذ قراراته على أسس موضوعية.
- مواكبة التعليم للتدفق العلمي والتقدم التقني المعاصر.
- إتاحة سياسة التعليم ونظمه فرصاً كافية للأفراد والمؤسسات للإسهام في اتخاذ القرارات.
- رفع مستوى التخطيط والإدارة والنظم التعليمية وترشيد الإنفاق.
- توقي سلبيات العولمة واستثمار إيجابياتها. ارتفاع بمستوى تربية المعلم بما يواكب متطلبات القرن الحادي والعشرين.
- تعليم أبناء الأقليات المسلمة.
- عناية العملية التعليمية بمخاطر دول الجوار والاستعداد لها.
- إصلاح بيت الجامعات الإسلامية.
الفصل الثالث : ويناقش تصورا لمهمات الجامعات الإسلامية بالنسبة للتحديات التربوية السابق تحديدها حيث تم التركيز على كيفية مواجهة هذه التحديات من خلال ما يمكن أن تقوم به الجامعات في المواجهة.
التحديات الاجتماعية التي تواجه الأمة الإسلامية وسبل مواجهتها د. نبيل السالوطي
وناقش فيه تحديات رئيسية تفصيلية وهي :-
- البناء الإدراكي للهوية الثقافية لأبناء المجتمعات المسلمة (نوعية منظومة السمات التي تشكل شخصية إنسان المجتمعات الإسلامية – الخصائص العقائدية – الاجتماعية – الثقافية ) وذلك من خلال الهوية وما هي المؤسسات المسئولة عن نشر هذا الوعي بين أبناء الأمة.
- التحدي القيمي وهو الذي يثير قضية الأصالة والمعاصرة في الإسلام.
- كيفية تحقيق الاستثمار البشري وهو المدخل الرئيسي للتنمية بكل أنواعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية …. وهذا يتطلب تزويد النشء بقدرات عديدة.
- التحدي الذي يتصل بنقل التكنولوجيا الحديثة واستيعابها وتوظيفها وتطويرها واستنبات وإبداع تكنولوجيات وطنية (قضية التغير التكنولوجي .
تآكل الطبقة الوسطى داخل المجتمعات الإسلامية فالطبقة الوسطى هي الطليعة الأساسية الرئيسية للانطلاق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في المجتمعات المختلفة وهي قادرة على تحقيق التلاحم الاجتماعي والتطور السلمي والتوازن بين الماديات والمعنويات.
- غياب المشاركة الشعبية الفعالة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية مثل: السلوك الانتخابي والحزبي، النقد الاجتماعي، المجتمع المدني، التطوع للعمل الأهلي.
- التعصب والتطرف والانغلاق الفكري والثقافي والسلوكي التحدي الديموجرافي الذي يتخذ أشكالاً مختلفة باختلاف الدول.
- تآكل سيادة الدولة الأمر الذي يؤثر سلباً على قدراتها على قيادة المشروعات الإنمائية العملاقة القادرة على تقليل معدلات الفقر والبطالة والحد من الحرمان من الخدمات واستثمار طاقات البشر.
- التسيب وعدم تملك المهارات الإدارية, فغياب الانضباط الإداري أثر على إعداد المدير الناجح وبالتالي التنمية الإدارية وإعداد الكوادر الإدارية ذات الكفاءة والقدرة.
- مشكلات الأقلية الإسلامية في دول العالم وما تعانيه داخل بلادها.
- أزمة التنوير الزائف.
- التحديات التي تواجه الشباب وأساليب مواجهتها ومنها: -
• غياب الوعي الديني الصحيح الذي يؤكد أن الإسلام دين التوازن والتسامح والعمل والإنتاج.
• غياب أو ندرة القدوة الصالحة أمام الشباب.
• عدم توافر التوجيه التربوي والمهني للشباب خلال مراحل التعليم وما بعد التخرج.
• البطالة.
• تزايد إقبال الشباب على المخدرات.
• تفشي جرائم العنف والتطرف بين الشباب.
• عدم القدرة على الزواج وتكوين الأسر.
• مشكلات الجنس.
- عدم إشباع احتياجات الأطفال.
واختتم مقرر اللجنة أساليب مواجهة التحديات وصنفها من حيث: -
- الجهات ( جهات حكومية رسمية، جهات أهلية، هيئات دولية، منظمات إقليمية ).
- المجالات ( جهود تشريعية، تربوية، سياسية، اجتماعية ، اقتصادية ، قانونية ، إدارية).
**التحديات العلمية التي تواجه الأمة الإسلامية وسبل مواجهتها (د. إبراهيم بدران – د . علي حبيش (
وناقش فيها أعضاء اللجنة الفصول التالية: -
الفصل الأول: التنمية العلمية والتكنولوجية – المفاهيم والمكونات والنماذج الاستراتيجية في إطار المتغيرات الدولية.
وناقشا فيه السمات الرئيسية للوضع الدولي الحالي واتجاهات التكنولوجيا وكيفية إتمام التنمية التكنولوجية كوسيلة لتحقيق النمو الاقتصادي واستعرضا هنا ركائز التنمية التكنولوجية وهي التنمية البشرية، القدرة الإنتاجية المنافسة، قدرة المجتمع على رفع مستوى الفرد والحفاظ على البيئة، ثم ناقشا المكونات الفنية والمنطقية للتكنولوجيا والبيئة التكنولوجية والاعتبارات المنهجية للتنمية التكنولوجية وكيفية وأهمية الدراسات التحضيرية لاستراتيجية التنمية التكنولوجية والأنماط التاريخية لها ونماذج مثل: -
- نموذج المنظور العام للتنمية التكنولوجية.
- نموذج جذب الاحتياجات والدفع التكنولوجية.
ثم تعرضا لكيفية نقل التكنولوجيا من خلال: تقسيم المجتمعات وفق تعاملها مع التكنولوجيا الحديثة، البيانات ونقلها، التفاوض والتعاقد عليها، تشريعات النقل واستيعاب وتطويع التكنولوجيا وأثر العولمة على نقلها حيث التوافق مع العولمة أصبح حتمياً لأنها – أي العولمة – تمثل النتاج الفعلي للنظام العالمي الجديد ولذا كان لابد من مناقشة دور النشاطات الوطنية للعلم والتكنولوجيا، القاعدة العلمية التكنولوجية والفجوة في المعرفة و التكنولوجيا بين الدول النامية ومن بينها الدول الإسلامية.
ثم ناقشا اتفاقية التجارة المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية من حيث: ملامحها، آثارها السلبية والنتائج الايجابية، المنظمات الدولية ذات الصلة بالملكية الفكرية مثل المنظمة العالمية للملكية الفكرية والمنظمة العالمية للتجارة واختتما الفصل بالتعاون العلمي والتكنولوجي في العالم الإسلامي في إطار المتغيرات الدولية.
الفصل الثاني: مجالات التحديات العلمية والتكنولوجية وسبل مواجهتها.
وحددا فيه أهم التحديات المتمثلة في:-
- وضع استراتيجية للتنمية العلمية والتكنولوجية في إطار الأولويات السياسية.
- تطوير فكر وكيانات وأساليب الإدارة لمؤسسات العلم والتكنولوجيا.
- تطوير مورد القوى البشرية.
- تطوير الموارد المالية.
- الاستجابة لإشارات السوق
- تكريس الانتقائية في الأداء.
- التعامل مع التكنولوجيات المتقدمة في مجال المعلومات، والمواد الجديدة، الفضاء، التكنولوجيا الحيوية والهندسية الوراثية، الدواء، الصناعات البترولية والكيميائية، الطاقة النووية، التكنولوجيا العسكرية.
- التقدم التكنولوجي من خلال ثلاث موضوعات رئيسية هي: التميز العلمي، استيعاب وتوليد التكنولوجيا، النهوض التكنولوجي.
- الوثوب التكنولوجي.
- القضايا والاتجاهات الهامة للعلم والتكنولوجيا في القرن الواحد والعشرين ومن هذه الأمور:-
• التعاون العلمي (عولمة العلم ).
• الفجوة بين علماء الدول المتقدمة وعلماء الدول النامية.
• استدامة الجهود العلمية والتكنولوجية.
• تحديد أولويات البحوث وترشيد التمويل.
• اتفاقية التجارة المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية (التربس)
• المسئولية والأخلاقيات في العلم.
• إعادة هيكلة المؤسسات العلمية وخصخصة أدائها.
• مشاركة الشباب في الأنشطة العلمية والتكنولوجية.
• اتجاهات البحث العلمي.
• دور البحث العلمي في توفير الغذاء ومقابلة الاحتياجات العالمية من الطاقة.
• الأبعاد الصحية ومقابلة احتياجات العالم من المياه.
• دور العلم والتكنولوجيا في التنمية المستدامة في القرن القادم.
• الاهتمام بالعلوم الأساسية والاجتماعية.
• دور المرأة في الأنشطة العلمية والتكنولوجية
**التحديات الإعلامية التي تواجه الأمة الإسلامية وسبل مواجهتها (د . أحمد أمين عامر، د.محي الدين عبد الحليم:
(أصبحت وسائل الاتصال قوة طاغية ومؤثرة في حياة الإنسان المعاصر بما حققته من قوة وجذب وإبهار, أصبح من الصعب التمييز بين تأثير الوسيلة وتأثير الرسالة وأصبح النشاط الإعلامي جزءا رئيسيا من الحياة اليومية للإنسان, وكذلك أصبح من أقوى أسلحة العصر وتكمن القضية هنا في كيفية مواجهة التحديات التي تواجه الأمة وهي مستقبل القرن الحادي والعشرين وكانت أهم التحديات هي:
أزمة المرجعية الفكرية في العمل الإعلامي
- الصورة النمطية المشوهة للإسلام والمسلمين في الإعلام العربي
- أزمة الكوادر الإعلامية في المجال الدولي
- التحديات المتعلقة بوسائل الإعلام في العالم الإسلامي
- التحديات المتعلقة بالرسالة الإعلامية
- أخلاقيات الإعلان وأجهزة الإعلام في العالم الإسلامي
- التحديات الخاصة بالجمهور المتلقي
- التحديات المتعلقة بالتقنيات الحديثة وتكنولوجيا الاتصال
- التحديات الخاصة بالتدفق الإعلامي والغزو الثقافي الموجه
- تحديات البحث العلمي والتخطيط الإعلامي
- أزمة العولمة والعمل الإعلامي الإسلامي
- أزمة الأقليات المسلمة والإعلام الدولي
- التحديات الإعلامية التي تواجه الطفل المسلم
- أزمة الحرية وحق الاتصال في أجهزة الإعلام في العالم الإسلامي
- التحديات اللغوية
ثم قدما المقترحات التي تتفق ومعالجة هذه التحديات ومنها : -
- العمل على إنشاء شركة عربية للإنتاج التليفزيوني.
- الاستفادة من تكنولوجيا الأقمار الصناعية والتطورات الكبيرة في وسائل الإعلام الدولية.
- تفعيل الدور الذي تضطلع به المراكز الإعلامية والثقافية والدبلوماسية التابعة للإعلام الإسلامي في الخارج.
- تأهيل الكوادر الإعلامية القادرة على مخاطبة الرأي العام الدولي.
- خلق قنوات للحوار مع القيادات الفكرية وقادة الرأي والقيادات الإعلامية في العالم الغربي.
- تزويد الأقليات العربية والمسلمة بمجريات الأحداث في العالمين العربي والإسلامي وربطهم بالوطن الأم واستثمار إمكاناتهم لتصحيح الصورة والرد على المزاعم والافتراءات. التحديات الحضارية التي تواجه الأمة الإسلامية وسبل مواجهتها د. رأفت الشيخ
قدم المقرر للجنة في البداية مفهوم الحضارة كنظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي والمادي, وكيف أنها تتألف من عناصر أربعة هي: الموارد الطبيعية، النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، التقاليد الخلقية المسيطرة، العلوم والفنون، ثم حدد أهم التحديات الحضارية التي تواجه العالم الإسلامي والتي تمثلت في: -
- الأمية المتفشية بين المسلمين، الأمية السياسية والعلاقات الاجتماعية السليمة والنواحي الاقتصادية.
- الحكم في كثير من البلاد الإسلامية بغير الشورى الإسلامية بما يحرم أهالي تلك البلاد من المشاركة الحقيقية في حكم أنفسهم.
- التخلف الثقافي المتفشي بين المسلمين حيث يسود التواكل والسلبية واللامبالاة.
- الصراع بين الدول الإسلامية، الصراع المسلح.
- الفقر
- انتهاء القطبية الثنائية بين روسيا وأمريكا وظهور نظام عالمي جديد دون منافس لأمريكا
- القبول العالمي لفكرة اقتصاديات السوق وحرية المبادلات الدولية
- الفرق بين دول العالم الإسلامي
- سيطرة القوى العالمية على مصادر ثروة كثير من البلاد الإسلامية
- نظرة بعض القوى العالمية للإسلام على أنه عدو للمصالح والاحتكارية العالمية. ثم قدم الباحث كيفية مواجهة التحديات الحضارية واختتم بمجموعة من التوصيات منها:-
- التمسك بالأصالة الإسلامية كثابت لاغنى عنه للأمة الإسلامية.
- عدم إغفال جهود الآخرين في بناء الحضارة الإنسانية.
- تفعيل دور الجامعات الإسلامية في مجتمعاتها من خلال البرامج والأنشطة المختلفة التي تسهم في تكوين المواطن المسلم العصري.
- التعامل البصير مع فكرة العولمة دون الخشية منها.
- ضرورة تبصير المسلمين بواجباتهم في أوطانهم نحو الله والوطن قبل البحث عن حقوقهم التي لا يمكن إنكارها.
- تقديم القدوة والمثل أمام الشباب المسلم.
- إعداد الدعاة والوعاظ إعداداً جيداً من حيث المؤهلات الدراسية الجامعية والتفقه في أمور الدين والدنيا ومعرفة لغات الشعوب التي سيوفدون إليها.
- دراسة الحضارة الغربية بمقوماتها لمعرفة كيفية التعامل معها بما يتفق مع قيم ومقومات الحضارة الإسلامية .كما قدم البحث آليات للتعامل مع التحديات الحضارية من خلال ثلاثة نماذج هي: نموذج المقاومة، التحديد والانطواء على الذات، الهروب من المواجهة.
**التحديات القانونية التي تواجه الأمة الإسلامية وسبل مواجهتها (د.عبد الغني محمود):
وناقش فيه الباحث مفهوم الشريعة الإسلامية للفقه الإسلامي وأهم الملامح العامة للقانون الإسلامي ومزاحمة القوانين والأنظمة الأجنبية للنظم والقوانين الإسلامية والأسباب التي أدت إلى النقل أو الاقتباس من القوانين الأوربية ومجالات العودة إلى الشريعة الإسلامية ثم حدد التحديات القانونية في: -
- التحديات المتعلقة بالتقنين
- التحديات المتعلقة بنظام الدراسة في كليات الحقوق والشريعة والقانون
- التحديات المتعلقة بتراث الأمة الفقهي
- التحديات المتعلقة بالاجتهاد والمجامع الفقهية
- التحديات المتعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية
ثم اختتم الأمر بتوصيات لمواجهة هذه التحديات ومنها : -
- تفعيل المجامع الفقهية ومد جسور التعاون بينهما وبين الجامعات الإسلامية بشكل عام وكليات الشريعة بشكل خاص.
- اختيار أفضل العناصر لشغل وظائف المعيدين بالأقسام الشرعية في الجامعات الإسلامية.
- الاهتمام باللغة العربية باعتبارها لغة القرآن والتراث الإسلامي بشكل عام
- الاهتمام باللغات الأجنبية صاحبة الانتشار العالمي
- الاهتمام بالأقليات المسلمة في المجتمعات الأجنبية ومحاولة حل مشاكلهم وتزويدهم بالثقافة الإسلامية الصحيحة.
- العمل على نشر الثقافة الفقهية بين كافة فئات المجتمعات الإسلامية.
- تذليل المعوقات التي تعوق أعضاء هيئة التدريس بكليات الشريعة والحقوق عن البحث العلمي ورعايتهم مادياً ومعنوي
أهم المشاكل والمعوقات التي تواجه المسلمين والمؤسسات الإسلامية
1- التمييز العنصري والديني
الذي ينتشر بين بعض شرائح المجتمعات الأوربية مع تباين بين الدول والمجتمعات هذه، وأثره على عدم استقرار الجالية وخوفها من المستقبل، وتأثير ذلك أيضًا على واقع حياتها الاقتصادية من خلال تمييز عنصري في الحصول على فرص العمل المتاحة (لا شك أن التمييز العنصري والديني أمر غير قانوني في المجتمعات الأوربية إلا أنه يحدث أحيانا) إضافة إلى الأثر الاجتماعي والسياسي.
2- ضعف التواصل بين الأجيال
وأثر الجهل وضعف المستوى الثقافي والحضاري لجيل الآباء وعدم قدرة الكثيرين منهم على توريث الهوية والقيم الإسلامية لأجيالهم الجديدة.
3- تأثير آفات المجتمع الأوربي المادية على المسلمين في أوربا
وخاصة على أجيالنا الجديدة (التفكك العائلي - الانحلال الجنسي – المخدرات-...).
4- الانعكاسات السلبية للخلافات العرقية والحركية والمذهبية للمسلمين في أوربا
والتي انتقلت إلينا من بلاد المشرق الإسلامي والتي ساهمت وما زالت تساهم في عرقلة القيام بدور ريادي متكامل للعمل الإسلامي والمؤسسات الإسلامية في أوربا.
5- وجود مجموعات وأفراد ممن يحملون توجهات وأفكارًا متشددة
والبعض منها يمكن وصفها بالمتطرفة تسيء إلى الإسلام والمسلمين في أوربا بل وكل العالم من خلال أطروحات تدعو إلى معاداة المجتمع الأوربي بل محاربته، ومما يزيد في أثرها السلبي إبراز الإعلام لها وبالأخص الإعلام العربي والإسلامي رغم أنها لا تمثل إلا شريحة صغيرة من المسلمين والمؤسسات الإسلامية في أوربا.
6- ضعف وغياب العمل المؤسسي
وذلك في الكثير من المؤسسات الإسلامية الذي يؤدي بدوره إلى كثير من المشاكل المالية والإدارية والتي يكون لها انعكاس سلبي على ثقة المسلمين بها ومن ثم تساهم في ضعف العمل الإسلامي بل بث الفرقة بين المسلمين في المؤسسة الواحدة والمؤسسات المختلفة.
7- غياب المثل الذي يحمل قيم الإسلام الإنسانية والحضارية في بلادنا الإسلامية
مما يؤثر سلبا على واقع المسلمين في أوربا وعلاقتهم بمجتمعهم الأوربي.
أحسب أن النقاط السبع أعلاه تمثل المعوقات والمشاكل الأساسية التي تواجه الجالية والأجيال الجديدة على وجه الخصوص وتحتاج من العاملين أفرادًا ومؤسسات إلى مزيد من الاهتمام للتقليل من أثرها إن شاء الله.
العالم الإسلامي: تحديات الراهن والقادم
رغم الجدل حول مدى المفصلية التاريخية لأحداث الحادي عشر من أيلول في تأريخ العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب، فإن واقع الحال يؤكد أن تاريخ ما بعد الأحداث خلق وضعاً جديداً في العالم الإسلامي لا مفر للمسلمين من التعاطي معه، فالتحديات التي تواجه المسلمين أصبحت أكثر وضوحاً وإلحاحاً، كما أن الغرب أصبح أكثر جرأة وصراحة في طبيعة مطالبه وأوامره، فما كان مسكوتاً عنه أو غير ذي أولوية أصبح معلناً ومبرمجاً، وما كان تحت الطاولة أصبح فوقها، والتقت في هذا السياق الكثير من المطالب الداخلية المهملة مع المطالب الخارجية، لكن مع اختلاف الدواعي والتوجه.
من هنا كان من المهم رصد التغيرات والتداعيات التي أثرت في العالم الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/2001، وهذا ما يتضمنه هذا الكتاب "العالم الإسلامي وتحديات 11/سبتمبر 2001 (الواقع والمآل)"، (تأليف: د. محمد بشاري، دار الفكر- دمشق، ط:1/2006)، إذ يتناول مؤلفه المبادرات الأميركية والأوروبية -الصادرة عن مراكز الأبحاث- التي قُدّمت عن المنطقة بحجة إشراكها في الحداثة وتبني الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والحكم الصالح والشفافية واقتصاد السوق والعدالة الاجتماعية؛ ذلك أن المنطقة -برأي تلك المبادرات- تعاني من الاستبداد والفساد والتطرف الديني والفقر وتدهور التعليم والصحة والثقافة. وقد استمدت مراكز الأبحاث -المشار إليها- معلوماتها من تقارير التنمية البشرية الصادرة عن منظمات تابعة للأمم المتحدة في الدول العربية، ويستعرض الكتاب عدداً من المبادرات والتقارير مثل مشروع الشرق الأوسط الكبير، ومبادرة منتدى المستقبل، ومشروع الإسلام المدني الديمقراطي، والحوار الأميركي الأوروبي مع الحركات الإسلامية، والمبادرة الألمانية الدنماركية، وهي في نظر المؤلف محاولات لإدماج هذه البلدان في النظام العالمي الجديد، وإشراكها في ظاهرة العولمة التي اجتاحت المعمورة . ويقف المؤلف عند أهم التحديات التي تفاقمت في السنوات الماضية بعد أحداث أيلول، والتي يراها في (التجديد الديني، والإصلاح السياسي، والتنمية الاقتصادية، ووضع الأقليات المسلمة)، ويعرض في كل محور المبادرات والمشاريع الخاصة المتعلقة به، ثم يقدم مؤشرات للبدائل التي يراها.
ففي موضوع تجديد الفكر الديني وإعادة قراءة النص القرآني، يشير إلى عدد من الندوات والمؤتمرات التي تناولت هذا الموضوع بالدرس فيناقش أطروحاتها، ويحلل خلفياتها، ويرى أن الوجود الحضاري للأمة الإسلامية مرتبط بتجديد فقهها بما يلائم المتغيرات التي يشهدها العالم، ولن تفيد المؤتمرات والندوات حول التجديد والإصلاح والتحديث والتي يعقدها علمانيون طالما لم تكن لدينا إرادة حقيقية في تجديد الدين، والمدخل إليه هو الاجتهاد الجماعي. وفيما يتعلق بتحدي الإصلاح السياسي يؤكد أن الديمقراطية أصبحت قدراً قادماً في الطريق وينبغي الاختيار بين التعاطي معه أو تجاهله وتحمل تبعات أي من الخيارين شئنا أم أبينا، كما يلح على ضرورة الإيمان بخيار الإصلاح من الداخل والعمل على إحقاقه، وإلا سنصبح عرضة للرضوخ لإصلاح مفروض من الخارج . وفي موضوع تحدي التنمية الاقتصادية التي تواجه البلاد الإسلامية، وكيفية التصدي لها، يرى أن لا بديل عن خيار التكتل الاقتصادي الإسلامي لمواجهة التكتلات العالمية، وذلك من خلال ما أسماه عولمة إسلامية مشتركة، يمكن تحقيقها بتفعيل وإحياء مقررات مؤتمر طرابلس لوزراء خارجية الدول الإسلامية 1977، ومؤتمر القمة العربية بعمان 2001، والذي دعا إلى إحياء السوق المشتركة وإخراجها من حيز النظريات إلى التطبيق . أما التحديات التي يفرضها واقع الأقليات المسلمة في الغرب، كمسألة الهجرة والاندماج والخصوصية والمحافظة على الهوية، حيث التماس المباشر مع الآخر، بكل التحديات الثقافية والدينية والاجتماعية المفروضة على المسلمين المقيمين في الغرب، فهي تحديات مزدوجة لأنها ترتبط بالعقل الإسلامي وعامة المسلمين، إضافة لارتباطها بأوضاع الأقلية المسلمة، وتتمحور الأولويات في مواجهة هذه التحديات في إعادة تأسيس المرجعية الإسلامية، لاسيما في ضوء العلاقة بين الدول الغربية والعالم الإسلامي، وكذلك معالجة إشكالية وجود الأقليات في الغرب وما يتطلبه ذلك من حل الصراع بين متطلبات تحقيق الذات وتأكيد الانتماء ومتطلبات الاندماج والتكيف مع بيئة لا تساعد على الحفاظ على الهوية، ولا بد من الاهتمام بنيوياً بالجوانب التربوية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية للجالية المسلمة، وللدول الإسلامية دور في ذلك. إن أهمية الكتاب تتجلى في الجانب التوثيقي للمبادرات الغربية والعالمية فيما يخص محاور التحديات الأربعة التي تحدث عنها، وتحليل أبعادها واستراتيجياتها، كما يقدم المؤلف ما يراه بدائل مقترحة في مواجهة هذه التحديات، لكنها بدت أفكاراً عامة ومألوفة من قبل، وهي بذاتها بحاجة إلى نقاش لاسيما وأنه قد مضى على طرحها بعضها مدة من الزمن دون أن تجد استجابة، وما تم من هذه المقترحات لم يقدم بديلاً، فالاجتهاد الجماعي ومؤسساته قائمة لكن التجديد لم يتم ولم يعالج التحديات المذكورة، وحل السوق العربية والإسلامية المشتركة موضوع إجماع بين المحللين الاقتصاديين، لكن هل القناعة بهذا الخيار ومجرد الإرادة كافية؟. محاور التحديات تعتبر مركزية وتاريخية في العالم الإسلامي، وقد سرعت أحداث أيلول بمخاطر تأخر مواجهتها، وهي تحديات مترابطة ومتشابكة، لكن قمة التحدي فيها هو مدى إمكانية معالجتها بمعزل عن العالم المعاصر الذي فرضها وطرح المبادرات بشأنها، ولئن لم يكن لنا خيار في العولمة فلنا خيارات في كيفية التكيف معها بما يقلل مخاطر التحديات المتعددة ويحقق القدر الأوفى من المصالح للعالم الإسلامي.
التحديات التي تواجه الثقافة الإسلامية
واجهت الثقافة الإسلامية تحديات عديدة متنوعة ومن أهمها:
أولاً: الغزو العسكري:
عانت الأمة الإسلامية من هجمات عسكرية ظالمة استهدفت وجودها وثقافتها منذ القدم ومن ذلك:
الحروب الصليبية الشرسة (490هـ - 691هـ) التي استهدفت الشام ومصر وأدت إلى انشغال الأمة بها قرنين من الزمان.
ثم الهجوم التترى على العراق والشام وإسقاط الخلاقة العباسية وتدمير الكتب وقتل العلماء في القرن السابع الهجري.
ثم الاستعمار الأوروبي للبلدان الإسلامية في القرنين الماضيين (1798م – 1962م) ومحاولته مسخ الثقافة الإسلامية واستنزاف خيرات الأمة.
وزامن ذلك الغزو الشيوعي على البلدان الإسلامية في آسيا الوسطى ونشر الإلحاد ثم غزو أفغانستان والشيشان واستباحة دماء المسلمين واستعمار بلدانهم ونهب خيراتهم.
وما نشاهده الآن من هجمة صهيونية شرسة زرعها الغرب في قلب العالم الإسلامي لشرذمة من اليهود اجتمعت من أنحاء العالم باختلاف لغاتهم وعرقياتهم في هجرات متتابعة بمساعدة غربية مباشرة حيث سلمت لهم بريطانيا الأمر في فلسطين، ثم دعمت الولايات المتحدة عدوانهم عسكرياً ومالياً وسياسيًّا في طرد الفلسطينيين من بلدهم ومصادرة أملاكهم ورفع الفيتو أمام العالم حتى لا تتم إدانة اعتداءاتهم المتكررة على المدنيين بل تجاوز العدوان على البلدان العربية الأخرى غير المجاورة، فتمثل في تدمير المفاعل النووي العراقي عام 1989م, وجرى الاعتداء على الفلسطينيين في تونس. وكان هذا الجسم الصهيوني بالمساعدة الغربية عاملاً مهما في تأخر الأمة وإشغالها.
- وما جرى من احتلال لأكثر من بلد إسلامي بحجج وهمية فقد دمرت أفغانستان، وألقي على المدن والقرى آلاف الأطنان من القنابل، ومات آلاف الأبرياء، وحدث الأمر نفسه في العراق بحجج وجود أسلحة الدمار الشامل التي تبين أنها كذبة لاحتلال بلد إسلامي والسيطرة على خيراته وتهديد سائر البلدان الإسلامية التي لا تخضع لهم وزامن ذلك إصدار الأوامر للدول الإسلامية بضرورة التغيير الثقافي والمقصود منه تجفيف منابع الثقافة الإسلامية. كما زامن ذلك محاربة الجمعيات الإسلامية الخيرية ورميها أيضًا بتهمة دعم الإرهاب (مع أنها أوضح وسائل ترابط المجتمع الأهلي الذي ينادون به في معظم الدول)، وما ذاك إلا لمحاربة الإسلام، فتلك الجمعيات تدعوا إلى الإسلام وتكفل الأيتام وتقيم المستشفيات وتحفر الآبار وتعين الفقراء وتقيم المدارس وتصب في خدمة الإسلام والمسلمين وخدمة الثقافة الإسلامية.
وهذه التحديات لن تقضي على دين الله تعالى فقد أخبر المولى سبحانه ببقاء دينه وظهوره "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ" [التوبة:33] وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك.
وإن من حكم المولى سبحانه أن تقع هذه التحديات عقوبة للمعرضين ليعودوا: "وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" [السجدة:21]. كما أنها بلاء للمؤمنين لرفعة الدرجات وتكفير السيئات"الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ"[العنكبوت:1-2]. وفيها تنقية للصف المسلم قال تعالى: "وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ" [العنكبوت:11].
ثانياً: الغزو الفكري:
وهو غزو غير مسلح غزو للأفكار والعقول، بعد أن أدرك الأعداء أن الغزو المسلح لا يكفي لإضعاف الثقافة الإسلامية، فعمدوا إلى غزو العقول والأفكار لتحقيق هدف عام وهو إضعاف الإسلام والمسلمين.
أ- وسائل الغزو الفكري:
1- الإعلام: استغل الغربيون والمستغربون وسائل الإعلام المختلفة لحرب الإسلام, حيث أصبح المدافع عن أرضه وبلده إرهابيًّا والمحتل مدافع عن نفسه، ونظرة سريعة إلى بعض وسائل الإعلام ترينا مدى البلاء الذي تصبه ليل نهار لتشويه صورة الإسلام والمسلمين والإساءة إلى معتقداتنا وشعائرنا وسلفنا وعلمائنا, سيل من الشبهات التي تشكك في الدين وأحكامه, وسيل آخر من الأفلام والتمثيليات والمسرحيات التي تتهكم بالإسلام, وتقوم بعرض نماذج من أنماط الحياة تضاد الإسلام في كل شيء, تمجد الجريمة, وتدعو إلى الفسق والفجور, وتنفر من الحياة المستقيمة الفاضلة, وتتهكم بالمسلمين والمسلمات, وتتخذ الدين هزوًا, وتعرض ما حرَّم الله: الرقص الفاضح, وشرب الخمر, والكذب والدجل, وقد أقامت للتافهين أسواق ضخمة في كل مكان باسم الفن.
وقد ازداد خطر هذه الوسيلة مع انتشار الفضائيات، وتنامي الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) حيث نجد المواقع التي تثير الشبهات، وتشكك في العقائد، وتنشر المذاهب الباطلة.
2- الاستشراق: وهو دراسة الغربيين للشرق وعلومه وأديانه خاصة الإسلام لأهداف مختلفة، ومن أهمها تشويه الإسلام وإضعاف المسلمين.
ومن أهم نتاج المستشرقين في القرن العشرين دائرة المعارف الإسلامية التي صدرت بثلاث لغات: الإنجليزية والفرنسية والألمانية وصدرت في عدة طبعات وترجمت إلى عدة لغات وقد اشترك في تأليفها أكثر من 400 مستشرق وبلغت أكثر من 3000 مادة في أكثر من 10.000 صفحة احتوت على معلومات مهمة عن الشرق والإسلام بالذات، كما أنها اشتملت على شبه ومطاعن متفرقة حول القرآن والعقيدة والشريعة الإسلامية وأعلام المسلمين بلغت أكثر من (300) مطعن وانتقاص للعقيدة الإسلامية.
وقد ملئت كتابات المستشرقين بالتعصب الصليبي باعتراف كثير من المستشرقين، يقول برنارد لويس: "لا تزال آثار التعصب الديني الغربي ظاهرة في مؤلفات العديد من العلماء المعاصرين ومستترة في الغالب وراء الحواشي المرصوصة في الأبحاث العلمية.
إن كثيراً من المستشرقين كانوا أداة للاستعمار، حيث تخلوا عن أمانتهم العلمية لتأييد المحتل، يقول مراد هوفمان، سفير ألمانيا في المغرب - وقد هداه الله للإسلام -: "والحق أن معظم المستشرقين عن وعي أو غير وعي كانوا أداة لخدمة الاستعمار، وإن كان بعض أولئك كانوا جواسيس للغرب بالفعل . وتتعاون المخابرات الغربية لاسيما الأمريكية مع مراكز الدراسات الاستشراقية, لاسيما فيما يتعلق بالحركات الإسلامية. وبلغ أعضاء رابطة دراسات الشرق الأوسط الاستشراقية في أمريكا إلى قرابة 1600 عضو سنة 1986م ووصلت أعداد العناوين للموضوعات المنشورة عن الشرق الأوسط في الدوريات المتخصصة سنة 1987م إلى نحو 71 ألف مادة. كما أن كثيرا من المستشرقين ينظرون إلى الشرق والإسلام نظرة استعلائية، وقد ساق إدوارد سعيد الشواهد العديدة لذلك في كتابه الشهير الاستشراق.
3- التنصير: وعلى الرغم من أن الأمم النصرانية تبتعد عن النصرانية, وعلى الرغم من بيعهم للكنائس في ديارهم, إلا أنهم حريصون على تنصير المسلمين، وبناء الكنائس في ديارنا, وقد رصدوا لذلك مئات الملايين من الدولارات, وأرسلوا البعثات التنصيرية مجهزة بكل ما يمكن أن يحقق الهدف الذي قامت من أجله, وعلى الرغم من الصعاب التي تقف في طريقهم, إلا أنهم ماضون في هذا الطريق, وهم يصطادون المسلمين الجهلة, وينشبون أنيابهم في فقراء المسلمين, حيث يقدمون لهم بعض ما يحتاجون إليه مقابل تركهم لدينهم وعقيدتهم ، بينما نجد العكس فيمن يسلم من الغربيين، حيث يسلم المتعلمون والمفكرون.
وأهم وسائل التنصير: التعليم والصحة والإعلام واستغلال الكوارث والحروب والفقر.
4-تشجيع العلمانية في البلاد الإسلامية وذلك بإقصاء الإسلام من شتى شؤون الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية.
5- محاربة الدعوة الإسلامية: حيث استغل الأعداد أحداث الاعتداء على نيويورك لمحاربة الدعوة الإسلامية لا سيما الجمعيات الخيرية الإسلامية والزج بها في تلك الأحداث واتهامها بدعم الإرهاب ومصادرة ممتلكاتها.
6- التغريب والعولمة الثقافية: وهي باختصار فرض الثقافة الغربية عن طريق المنظمات والمؤتمرات الدولية ووسائل الإعلام المختلفة.
وإن كان للعولمة – بشكل عام – وجوه مفيدة في التقنية والاتصال، والتعارف والمعلومات؛ فإن لها جوانب خطيرة في الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية.
ويهمنا هنا ما يؤثر على الثقافة الإسلامية بدرجة كبيرة وهو الهيمنة الثقافية وفرض القيم الغربية وتغريب المجتمعات المسلمة عن طريق استغلال التفوق التقني والسياسي والاقتصادي والعسكري لاختراق الثقافات الأخرى ومصادرة ثقافات الشعوب وفرض الأنماط الغربية.
ونجد أن الغرب لا يسعى لنشر قيمه الاجتماعية فحسب على الرغم من عدم الاقتناع الواسع بها قيماً، بل إنه يفرضها عبر المؤتمرات الدولية والضغط على الدول التي لا تستجيب، حيث توالت مؤتمرات المنظمات الدولية بهذا الخصوص، مثل مؤتمر نيروبي عام 1985م، مؤتمر القاهرة عام 1994م، ومؤتمر بكين عام 1995م، ومؤتمر اسطنبول عام 1996م، ثم مؤتمر نيويورك عام 1999م، ثم مؤتمر بكين، ثم نيويورك أيضاً عام 2000م، ومحور هذه المؤتمرات يدور حول الأسرة والمرأة والطفل، مركزاً على الحقوق الجنسية، والحق في الإنجاب والإجهاض، والشذوذ، وقضية المساواة بين الرجال والنساء، والمساواة في الميراث .. إلخ، وكل هذا من منظور الثقافة الغربية العلمانية المادية الإباحية التي تبيح الزنى واللواط وتمنع تعدد الزوجات.
وفي الفصل السابع من وثيقة مؤتمر السكان جاء الحديث عن هذه الإباحية الجنسية، فيقول: إنها حالة الرفاهية البدنية والعقلية والاجتماعية الكاملة، المنطوية على أن يكون الأفراد (لاحظ تعبير الأفراد) من جميع الأعمار أزواجاً وأفراداً (كذا) فتياناً وفتيات، مراهقين ومراهقات، قادرين على التمتع بحياة جنسية مرضية ومأمونة (لاحظ عدم اشتراط الحلال والشرعية) هي كالغذاء، حق للجميع، ينبغي أن تسعى جميع البلدان لتوفيره في أسرع وقت ممكن، في موعد لا تجاوز عام 2015م. أي أنه أكثر من مباح، فالسعي لتحقيقه بجميع البلدان في أسرع وقت ممكن، وقبل سنة 2015م، واجب على جميع البلدان بل ولا تكتفي هذه الوثيقة بذلك، وإنما تتجاوز هذه الإباحية حيث تدعو للتدريب والترويج والتعزيز لهذا السلوك الجنسي المأمون والمسؤول.
وها هو المستشرق الألماني "هاملتون جب" يجعل هدف كتابه "وجهة الإسلام" قضية التغريب، ويتساءل إلى أي حد وصلت حركة تغريب الشرق؟، وما هي العوامل التي تحول دون تحقيق هذا الهدف؟.
ب- آثار التحديات التي تواجه الثقافة الإسلامية:
1- تشويه الإسلام وإثارة الشبهات حول القرآن الكريم والسنة النبوية وعقيدة الإسلام وشريعته، وما يحدث الآن من محاولة لربط الإسلام بالإرهاب هو جزء من هذه الحملة.
2- تفريق المسلمين وإزالة الوحدة الإسلامية والدعوة إلى القوميات المتنوعة، وقد كانت الرابطة التي تجمع الشعوب الإسلامية هي الرابطة الإسلامية, فشجع الغرب الصليبي الشعوب المختلفة على المناداة بالقوميات التي تنتسب إليها الأمم المختلفة, فنادى العرب بالقومية العربية, والأتراك بالتركية الطورانية, ونادى الأكراد بالكردية, وبذلك تفسخت عرا الرابطة الواحدة التي كانت تجمع هذه الأمة وتوحدها, وقد كان ظهور هذه الدعوات سببًا في إضعاف الخلافة التركية العثمانية وتحطمها. وقد أغرق دعاة الضلال في دعوتهم عندما أحيوا الحضارات القديمة لإيجاد مزيد من الانقسام والفرقة, فرأينا الدعوة إلى الفرعونية, والدعوة إلى البابلية, والآشورية.. وغيرها. إن الإسلام يشجع الوطنية الحقة والقومية الهادفة القائمة على التعاون على البر والتقوى كما قال سبحانه: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى" [المائدة: من الآية2] ويحارب العصبيات والنعرات الجاهلية المنافية للوحدة الإسلامية وقد قال –صلى الله عليه وسلم -: (من قتل تحت راية عمية، يدعو عصبية، أو ينصر عصبية، فقتلة جاهلية إن أي وطنية وقومية يجب ألا تتعارض مع الوحدة الإسلامية أو تكون بديلاً عنها، بل يجب أن تسخر لجمع كلمة المسلمين ووحدتهم، والعرب لم يجتمعوا إلا بالإسلام، وقد أعزهم الله بإنزال القرآن الكريم بلغتهم وجعل الحرمين في بلادهم، واختار النبي –صلى الله عليه وسلم - منهم، وقد قال عمر رضي الله عنه: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. إن الرابطة الحقيقية بين المسلمين هي رابطة العقيدة وجميع الروابط الأخرى هي فرع منها مثل رابط الجوار والقرابة والقبيلة والوطن2- الجهل بالإسلام وعقائده وأحكامه في كثير من بلاد الإسلام وانتشار البدع والخرافات والمذاهب الباطلة كالقاديانية والبهائية وانتشار الأفكار العلمانية المتطرفة والتكفيرية الغالية.
4-الهزيمة النفسية لدى بعض المسلمين واهتزاز الثوابت لديهم ونشوء طبقة من المثقفين المستغربين المنبهرين بالغرب وثقافاته.
5-إضعاف اللغة العربية وانتشار اللهجات المحلية التي اختارها الله لكتابه كما قال تعالى:"إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً" [يوسف:2] . 6- إقصاء شريعة الإسلام من الحكم وتشجيع العلمانية في البلاد الإسلامية وهذا الأثر بذل الكفار في سبيل تحقيقه الكثير من الجهد والمال والفكر, وقد أقنعوا به كثيرًا من الحكام في الديار الإسلامية, وقد تبنت دولة الخلافة في آخر عهدها كثيرًا من القوانين المخالفة للإسلام, وفرضت القوانين الفرنسية على الشعب المسلم في مصر في عام 1882م ولم ينتصف القرن الرابع عشر الهجري حتى أقصيت الشريعة الإسلامية في أكثر الديار الإسلامية, باستثناء أحكام الزواج والطلاق والممات
7- إفساد التعليم وإضعاف التعليم الإسلامي ومدارس القرآن الكريم والمناداة بعلمنة التعليم والدعوة إلى التعليم المختلط.
8- إفساد المرأة: لقد حرص الكفار على هذا, لأن فسادها يفسد الأبناء والأزواج, فأخرجوها من بيتها, وهتكوا حجابها, وزينوا لها التمرد على دينها بمختلف الأساليب, وزعموا أن تحضرها وتقدمها لا يكون إلا إذا سارت مسيرة المرأة في أوروبا؛ وأفغانستان مثال حي على هذا؛ فعندما احتلوها لم ينقلوا إليها التقدم الصناعي والتقني وإنما بدأوا بإسقاط حجاب المرأة وإنشاء دور السينما. إن هدف عدونا ذوبان شخصيتنا وذلك بالقضاء على مقومات كيانها وعلامات القوة فيها واحتوائها بأخلاق الضعف والانحلال والإباحية حتى لا تقوى على مواجهة التحديات وذلك أخطر أهداف العدو، حيث إخراج أجيال ضعيفة لا تؤمن بحقها ولا تؤمن بربها ولا تستطيع أن تصمد أمام الخطر وأمام التحدي.
وقد أخبر المولى سبحانه بخطورة طاعة الكافرين والانسياق معهم فقال سبحانه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ" [آل عمران:100]. وأخيراً .. إنهم لن يرضوا منا بالتنازلات المحدودة وبعض الطاعة: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ" [البقرة: من الآية120.
تقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة .
المصلحة في اللغة: اختلفوا في أصلها الاشتقاقي هل هي مصدر بمعنى الصلاح أو هي اسم مكان على سبيل المجاز بمعنى المكان الذي يكثر فيه الصلاح.. أما عن المعنى الاصطلاحي فهي "المحافظة على مقصود الشارع بجلب المنافع ودفع المفاسد" وهذا أقرب التعريفات وإن تحدث العلماء طويلاٌ واختلفوا حوله.
وعليه فإنه يلزم مراعاتها من جهة الفعل "وهو الموافقة الشكلية" ومن جهة المقصد "وهو الموافقة الباطنية" لذا ذهب كثير من العلماء إلى تحريم معاملات وافقت الشرع من جهة الشكل وإن خالفته باطنا مثل بيع العينة ومثل الحيل وزواج المحلل وما شابه ذلك.. إذ أن الفاعل قصد إلى فعل المحرم وإن وافق شكل عملية الشرعي.. يقول الشاطبي "مقاصد الشارع في وضع الشرعيةhttp://kenanaonline.com/users/ahmedkordy/tags/97905/posts إبتداءا هي أنها وضعت لمصالح العباد في الدارين.. من ثم كان كل حكم من أحكامها الكلية أو الجزئية يمثل المصلحة ويعمل في نطاق تحقيقها وتوكيدها"..
والحقيقة فالمصلحة الخالصة التي لا مفسدة فيها وكذا المفسدة الخالصة التي لا مصلحة فيها تعز وتندر ولكن عادة ما تشوب كل منها شائبة من الأخرى ولذا فقد قسم الطاهر بن عاشور صور المصالح والمفاسد إلى أربعة...
1- أن يكون النفع أو الضرر محققا مطردا كالنفع المحقق في استنشاق الهواء والتبرد بالماء في شدة الحر.
2- أن يكون النفع أو الضرر غالباً واضحاً تنساق إليه عقول العقلاء كإنقاذ الغريق مما فيه من تعب المنقذ أو شدة البرد لكنه لا يعد شيئا إلي جانب المصلحة في الإنقاذ.
3- أن يكون أحد الأمرين من النفع أو الضرر مع كونه مساويا لضده معضودا بمرجح من جنسه مثل تغريم من أتلف مال أخيه فرغم تساويهما في حصول الضرر بعد وقوع الأمرين إلا أن النفع رجح بما عضده من العدل والإنصاف.
4- أ ن يكون أحدهما منضبطا محققاً والأخر مضطرباً مثل الضرر الذي يحدث عن خطبة المسلم على خطبة أخيه فإن ما يحدث من ذلك عند مجرد الخطبة قبل المراكنة والتقارب ضرر مضطرب بينما الضرر اللاحق بالمرأة والراغبين في خطبتها محقق إذ قد يفوت عليها الأكفاء لمجرد أن أحداً خطبها دون حصول أي ركون.
·والآن ما هي أنواع هذه المصالح؟
للعلماء في تقسيم المصالح صور مختلفة نختار منها نوعية التقسيم بحسب أهمية هذه المصلحة.
1-المصالح الضرورية..
وهي أعلى هذه المصالح مرتبة ويعرفها العلماء بأنها المصلحة التي لا بد منها لقيام مصالح الدارين بحيث إذا فقدت أختل النظام واضطربت أمور الناس.
2- المصالح الحاجية..
وهى المصلحة التي يفتقد إليها للتوسعة ورفع الحرج الذي يلحق ألوان المشاق بالجمهور ويتسبب في تفويت مطالبهم .
3-. المصالح التحسينية..
وهو ما كان من كمال حال الأمة ورفاهيتها بحيث إذا فقد لم يخلف أثراً للحرج والمشقة وإنما غايته تحسين الحال وتحسين مظاهر الأمة.
ثم أن العلماء أضافوا لهذه المصالح الرئيسية الأصلية مصالح أخرى تكميلية تنضم إلى كل نوع مما سبق كالتكملة لها وهى ليست من جوهرها المكون لها وإنما متممة لحكمتها ووسيلة إلى إقامتها وحفظها .
هذه هي الصورة الأولى في التقسيم من حيث أهمية تلك المصالح أما الصورة الثانية من حيث اعتبارها فقد اعتبر الشارع مصالح نص عليها سماها العلماء "المصالح المعتبرة" وألغى أخرى رفضها صراحة ونصا سموها "المصالح الملغاة" ثم سكت عن ثالثة لم يصرح باعتبارها أو إلغائها فسماها العلماء "المصالح المرسلة" وقد أفاض العلماء في الحديث حول النوع الأخير لضبطه وحمايته من الأهواء في دراسات كثيرة يرجع إليها في مظانها.
ونعود إلى المرجع في تحديد المصالح والمفاسد فقد انقسم العلماء في الحديث عن هذه المرجعية إلى ثلاث مدارس رئيسية نوجزها فيما يلي .
مدرسة المعتزلة..
وقد أرجعت تحديد تلك المصالح إلي العقل السوي حتى قال القاضي عبد الجبار لما تحدث عن الأدلة الواجب إتباعها معللاً تقديمه العقل عليها جميعاً "لأن به يميز الحسن والقبيح ولأن به يعرف أن الكتاب حجة وكذلك السنة والإجماع وربما تعجب من هذا الترتيب بعضهم فيظن أن الأدلة التي هي الكتاب والسنة والإجماع فقط أو يظن أن العقل إذا كان يدل على أمور فهو مؤخر وليس الأمر كذلك"..
مدرسة الأشعرية..
وقد غالت في مواجهة المعتزلة حتى قالوا لا مكان للعقل في معرفة حسن الأشياء وقبحها أو هذه مصلحة أو مفسدة إذ المرجع في ذلك الوحيد للنص ومن ذلك قول الجويني "العقل لا يدل على حسن الشيء ولا قبحه في حكم التكليف وإنما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع وموجب السمع وأصل القول في ذلك أن الشيء لا يحسن لنفسه وجنسه وصفة لازمة له وكذلك القول فيما يقبح وقد يحسن في الشرع ما يقبح مثله أو المساوي له".
والحقيقة أن كلا الفريقين غالى في هذه المسألة ولعل حيرة الخصومة بينهما وكثرة المناظرة كان مؤثراً في رأيهم.. وقد نحا أبو منصور الماقريدى إلى طريقة وسط بين الفريقين ونحا نحوه كثير من علماء السلف فذكروا أن المصالح والمفاسد تعرف بالعقل السوي وان التكليف منوط بالشرع يقول العز بن عبد السلام "معظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروف بالعقل وكذلك معظم الشرائع إذ لا يخفي على عاقل قبل ورود الشرع.. أن تحصيل المصالح المحصنة ودرأ المفاسد المحصنة عن نفس الإنسان وعن غيره محمود حسن".
"لذلك فإن مالكا كان يشترط فيمن يتعرض إلى النظر في المصلحة أهلية الاجتهاد ليكون الناظر متميزا بأخلاق الشريعة فينبو عقله وطبعه عما يخالفها" ذكر ذلك عنه القرانى في نفائسه. بقي أن نتحدث عن تعارض المصالح في عجالة كيف نختار بينهما.. ويتصور ذلك التعارض في صورتين..
·الأولي :
التعارض بين المصالح من حيث العموم والخصوص ويشمل أحوالاً ثلاثة...
1- التعارض بين مصلحة عامة وأخرى خاصة فكلا المصلحتين معتبر شرعا وإلغاء المصالح العامة لصالح الخاصة كما هو الشأن في النظم الليبرالية مذموم وإلغاء المصلحة الخاصة لصالح العامة كما هو الحال في النظم الشيوعية أيضا مذموم وإنما نسعى للتوفيق بينهما وتحقيقهما سويا فإن لم يكن فالمصلحة العامة مقدمة على ألا تلغى الخاصة تمامًا وإنما نسعى لتعويض المضرور ومن نماذج تقديم المصلحة العامة على الخاصة مسائل مثل تلقي الركبان وتضمين الصناع وإجبار المحتكر على بيع سلعته ومثل ذلك.
2- التعارض بين المصالح العامة ذاتها ويتصور ذلك في أن تكون المصلحتان متعلقتان بعامة المجتمع أو تكون كل منها متعلقة بشطر من المجتمع... ففي هذه الحالة يتم الترجيح بحسب القانون العام لمقاصد الشريعة الذي يرجح المصالح الضرورية على الحاجية والحاجية على التحسينية أو الترجيح بين الضروريات نفسها.
3- أما إن كانت كل من المصلحتين متعلقة بشطر من المجتمع فيرجح بينهما بجامع التساوي بينهما على حسب أثر وأهمية كل منها.
4- فلو تصورنا مثلاً أن البلاد في حاجة إلى القمح لقوت الشعب وكذا إلى القطار لسفرهم وركوبهم ولا يوجد إلا ما يكفى احدهما فتقديم القوت هو الواجب إذ أن حفظ النفس من الضروريات أما السفر والركوب فمن التحسينات.
5- لتعارض بين المصالح الخاصة إن كانت المصلحتان متعلقتان بمحل واحد فالترجيح يكون بقوة الأثر فلو تعارض في حق الطبيب إنقاذ مريض يحتاج لعملية جراحية عاجلة والصلاة في وقتها فإنقاذ المريض أولى إذ الصلاة يمكن أن ننتقل فيها إلى بدل من جمع أو قضاء أما المريض وحياته فلا بدل لها ويشهد لذلك فعل الخضر في السفينة.
6- أما إن كانت المصلحتان في محلين مختلفين بان تكون الأولى لشخص والثانية لشخص أخر فنرجح أيضا بقوة الأثر فلو تعارضت مصلحة شخص في تعلية جدار بيته مع مصلحة جاره في عدم انكشاف عوراته عند التعلية عدنا إلى استصحاب الأصل في عدم التعلية لما في إحداثه من إفساد العلاقة مع الجار.
الثانية:
والصورة الثانية هي حالة التعارض بين المصالح من حيث الرتب ولها صور ثلاثة..
1- تعارض المصالح الضرورية فيما بينها تقدم على حسب ترتيب أولويتها (الدين – النفس – العقل – النسل - المال).. فلو أحتل الكفار بلداً مسلماً وتعرض الناس بسبب الاحتلال للفتنة في الدين جاز بذل المال لإخراجهم واستنقاذ الأسرى مهم.
2- تعارض المصالح من الرتب المختلفة يقدم فيه الأعلى رتبة إذ أن الحاجيات والتحسينات كالسياج للضروريات فالضروري أصل لما سواه واختلاله يلزم منه اختلال الباقين بينما لو أختل الباقون لم يختل الضروري واختلال الحاجى أو التحسيني بإطلاق قد يؤثر على الضروري بوجه ما ولذا يلزم الحفاظ عليها ولكن بما لا يتعارض مع الحفاظ على الضروري هذا موجز ما ذكره الشاطبي من قواعد لضبط هذا الترجيح.
3- في التعارض بين المصالح الأصلية والمكملة فإنه تلغى التكميلية لصالح الأصلية إذ أن إبطال الأصل يعود على التكميلية بالإبطال لأنها تبع له وحتى إن لم تبطل فإن الأصلية تكون أولى بالاعتبار لما بينهما من تفاوت فاشتراط القرشية في الإمام مصلحة تكميلية لمصلحة وجود الإمام فلا ينبغي إن غاب قرشي أهل للإمامة أن تعطل مصالح الأمة في تنصيب الإمام من أجلها بل يسقط بالقطع هذا الشرط .
أما إن تعارض مصلحة أصلية من نوع ما مع تكميلية من نوع أخر فتكميلية الضرورية مقدمة على أصلية الحاجية والتحسينية وكذا تكميلية الحاجية مقدمة على أصلية التحسينية إذ أن التكميلية فرع عن أصلها.
هذه قطرات بسيطة تلفت إلى عظمة مرونة تشريعات المصلحة ومقاصدها والموضوع أفاض العلماء في دراسته وبحثه وهو ملا يسع المجال للتوسع فيه ضمن هذا البحث .
تقديم المصلحة العامة على الخاصة من فروع الدين أم من أصوله ؟
أ- القيام بالمصالح العامة عبادة:
يعبرعديد من الأصولين، كالشاطبي عن مصطلح المصلحة العامة، بمصطلح المقاصد الأصلية، ويقصدون به كل عمل يتغيا نفع الجماعة، أي كل عمل لا يهدف الإنسان من خلاله إلى نفع خاص به. والمصالح العامة إذن هي التي لا تهدف إلى مصلحة خاصة، يجلبها المرء لحظ نفسه الخاص،
وعليه تنقسم المصالح قسمين مصالح خاصة ومصالح عامة.
المصالح العامة، التي بها قيام الأمة ،أفراداً وجماعات ومجتمعات ودولا،وهي الأساسيات،أو حسب مصطلح الفقهاء العباسيين "الضروريات المعتبرة في كل ملة" (الموافقات:2/177).
وهي ما يتحقق به أن يكون الإنسان "خليفة الله في عباده على حسب قدرته، وما هيئ له"(الموافقات:2/177).
ولا بد منها لصلاح المعاش والمعاد، لأن فيها سلامة النفوس والعقول والأجساد ، وما يتطلبه ذلك من طعام وكساء وسكن وعلاج، وما يحتاج ذلك إليه، من تربية وتعليم، وحفظ بقاء النسل وما يحتاج إليه من اكتساب ونفقة ورواج.
والقيام بالمصالح العامة ضروري من ضرورات الحياة، فلو أخل بها فرد أو جماعة،لاعتبروا غير راشدين، ولوجب أن يحال بينهم وبين ما يعملون (انظر الموافقات 2/177) ولحجر عليهم ومنعوا من التصرف فلا يسمح الإسلام بإزهاق النفوس، ولا بإضاعة الأموال، ولا بتدمير العقول، ولا بالفواحش، ولا بالظلم.
من أجل ذلك صار "البناء على المقاصد الأصلية[أي المصالح العامة] ينقل الأعمال التي تقع في درجة المندوب والمباح التي ليست فرائض عين على الأفراد- في الغالب- إلى درجة الوجوب على العموم. إذ المقاصد الأصلية ، دائرة على حكم الوجوب من حيث كانت حفظا للأمور الضرورية في الدين"الواجب مراعاتها باتفاق [العلماء]، وإذا كانت كذلك صارت [جميع] الأعمال الخارجة عن الحظ [الخاص] دائرة على الأمور العامة" (الموافقات: 2/204).
من أجل أهمية العمل في المقاصد الأصلية (المصالح العامة)، صار" البناء على المقاصد الأصلية يصير تصرفات المكلف كلها عبادات[سواء] كانت في العبادات [الروحية] أو [العبادات المدنية] التي بها إقامة الحياة" (الموافقات:2/202). "إذا فهم [الإنسان] مراد الشارع، من قيام أحوال الدنيا، وأخذ في العمل على مقتضى ما فهم، فهو إنما يعمل من حيث طلب منه العمل، ويترك إذا طلب منه الترك" (الموافقات: 2/202).
ب-المصالح الخاصة متى تكون عبادة عليا أودنيا؟
المتصدي للإيثار في جانب العمل العام، يمارس عبادة شرعية، حتى لوداخل عمله طلب الرفعة وحسن الذكر أو طلب الرزق الحلال، مادامت هذه المقاصد لا تخل بالمقصد الأصلي، أو -كما قال الشاطبي- تابعة المقصد الأصلي.
"فالعامل في مجال المقاصد الأصلية [أي المصالح العامة] عامل امتثالاً لأمر ربه، واقتداء بنبيه عليه الصلاة والسلام، فكيف لا تكون تصاريف من هذه سبيله عبادة كلها؟". (الموافقات:2/203). "بخلاف من كان عاملاً على حظه[الخاص العاجل]، فإنما يلتفت إلى حظه، أو ماكان طريقا إلى حظه، وهذا ليس بعبادة على الإطلاق" (الموافقات:2/203).
على أن الذي يسعى لحظه الخاص؛ لا يكون سعيه عبادة إلا بالنية الصالحة، وحتى لو كان عبادة بالنية الصالحة، لما بلغ مبلغ الساعي في المصلحة العامة . نعم له أجر ولكن هناك فرق بين أجر من يسعى لتربية أولاده، ومن يسعى إلى تربية أولاد المسلمين في مكان أو مرفق عام، وهناك فرق بين مشغول بعلاج ابنه ومنشغل بعلاج مرضى الناس، وبين مشغول بإطعام قرابته وأهل بيته؛ ومنشغل بإطعام الناس على العموم. فالتضحية والإيثار من مقاصد الشريعة، ومن أجل ذلك جاء مديح الأنصار"يؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة".
والمصالح الخاصة قسمان مصالح خاصة مشروعة، ومصالح خاصة غير مشروعة. وتفصيل ذلك يتضح من خلال الاستشهاد بتقسيم الرسول صلى الله عليه وسلم رباط الخيل (كما جاء في الحديث الصحيح) ثلاثة أنواع :
1/ القسم الأول: من قام بإيثار للجماعة، يريد بعمله مصلحة الجماعة مخلصا في هذا المقصد عبر عنه الرسول صلى الله علية وسلم بقوله "الخيل لرجل أجر" "لرجل ربطها في سبيل الله" فهي له أجر، لأنه قصد برباطها سبيل الله ، وهذه مصلحة عامة غير خاصة، فكان أجر تصرفه عاماً غير خاص.
2/ القسم الثاني: من أراد مصلحته الخاصة، في وظيفة أو صناعة أو زراعة، وقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا الضرب بقوله "وهي لرجل ستر" "لرجل ربطها تغنياً وتعففاً ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي له ستر" فهذا الشخص يبتغي مصلحة نفسه وهي مصلحة مشروعة، ولكنها ليست مقصداً أصلياً في الشريعة، (أي ليست من المقاصد العامة)، بل من المقاصد الخاصة، فهو أذن من أصحاب "القصد التابع". وعمل صاحب القصد التابع، مأجور إذا أحسن النية، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم " حتى ما تضع في في امرأتك " أي أن نفقة الإنسان على أهل بيته فيها أجر، ولكن أجر من يسعى لخويصة أهله في الثرى، و أجر من يسعى للجماعة والأمة في الثريا.
القسم الثالث: أن يقوم الإنسان بإيثار للجماعة، ولكن غرضه الرياء، فعمله مشروع من حيث الأصل،لأنه في خدمة الجماعة. ولكن عمله غير مأجور، كما قال تعالى " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً " وقد عبر عن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله عن الخيل:"وهي لرجل وزر" وهو " رجل ربطها فخراً ورياء". وهذا هو الذي لا هـدف له من العمـل؛ إلا التكـاثر والتفـاخر والـزينة(انظر الموافقات:2/205).
ج- لماذا كان العمل في سبيل المصلحة العامة أفضل أنواع العبادة؟
لـ"أن القائم على المقاصد الأصلية،-كما يقول الشاطبي-: [أي المصالح العامة] قائم بعبء ثقيل جداً ، وحمل كبير من التكليف، لا يثبت تحته طالب الحظ [لنفسه] في الغالب ، ولذلك كانت النبوة [وما فيها من خلافة الله في الأرض، وإقامة العدل أثقل الأحمال وأعظم التكاليف، وقد قال الله تعالى "إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً" فلذا قلما تجد صاحب حظ [خاص يستطيع أن ] يقوم بتكليف شاق" (الموافقات: 2/199).
من أجل ذلك نفهم كيف وضع الفقهاء أمور المصلحة الخاصة في دائرة المباح، لكون الإنسان فيها، "عاملاً على حظه ... لأنه إنما يلتفت إلى حظه، أو ما كان طريقا إلى حظه، وهذا ليس بعبادة على الإطلاق ، بل هو مباح إن لم يخلل بحق الله أو بحق غيره فيه والمباح لا بتعبد إلى الله به وان فرضناه قام على حظه من حيث أمره الشارع، فهو عبادة بالنسبة إليه خاصة" (المقاصد:2/203-204).
ولأن العمل في المصالح العامة من المقاصد الضرورية في الدين، صار يرتقي من درجة الإباحة والندب إلى درجة الوجوب كما قال الشاطبي .. من أجل ذلك "فإن البناء على المقاصد الأصلية [أي المصالح العامة] ينقل الأعمال في الغالب إلى أحكام الوجوب، أما البناء على المقاصد التابعة [أي الخاصة] فلا يستلزم الوجوب، فقد يكون العمل مباحاً" (الموافقات: 2/204).
فالعمل على المقاصد الأصلية [أي المصالح العامة للامة] يصير الطاعة أعظم، وإذا خولفت كانت معصيتها أعظم (الموافقات: 2/206).
لماذا جاء الثناء على (الإمام العادل) الذي يظله الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله، وجاء أن عدل ساعة خير من عبادة سنة، وجاء أن إقامة حد من حدود الله خير للناس من أن يمطروا أربعين صباحا؟. ولماذا قال العز بن عبدالسلام " أجمع علماء الإسلام أن الولايات أعظم العبادات"؟.
الجواب:كما قال الشاطبي"لان العامل على وِفقها؛ عامل على الإصلاح لجميع الخلق" (الموافقات: 2/206) والعامل بين حالين "أما قاصد لجميع ذلك بالفعل" (الموافقات: 2/206) واع للأهداف والوسائل أو لم يكن واعياً ، ولكنه "قاصر نفسه على امتثال الأمر الذي يدخل تحت قصده؛ كل ما قصده الشارع بذلك الأمر" (الموافقات 2/206).
وإذا فعل الإنسان ذلك جوزي "على كل نفس أحياها وكل مصلحة عامة قصدها، ولا شك في عظم هذا العمل، ولذلك كان من أحياها؛ فكأنما أحيا الناس جميعاً، و[من أجل ذلك] كان العالم يستغفر له كل شيء، حتى الحوت في الماء، ويبلغ ثوابه مبلغ قصده، لأن الأعمال بالنيات، فمتى كان قصده أعظم كان أجره أعظم" . (الموافقات: 2/206).
"والعامل على مخالفتها [أي مخالفة المصالح العامة] عامل على الإفساد العام، وهو مضاد للعامل على الإصلاح العام. وكما أن قصد الإصلاح العام يعظم به الأجر، فالعامل على ضده يعظم به وزره، ولذلك كان على ابن آدم الأول كفل؛ من وزر كل من قتل النفس المحترمة، لأنه أول من سن القتل، وكان من قتل النفس فكأنما قتل الناس جميعاً ، ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها" . (الموافقات: 2/207).
ومن هنا تظهر قاعدة أخرى، وهي أن أصول الطاعات وجوامعها إذا تتبعت وجدت راجعة إلى اعتبار المقاصد الأصلية، [ المصالح العامة]، وكبائر الذنوب إذا تتبعت وجدت في مخالفتها، ويتبين لك ذلك بالنظر في الكبائر المنصوص عليها، وما ألحق بها قياساً، بأنك تجده مطرداً" (الموافقات:2/207).
ومن أجل ذلك يكتسب العمل في الشئون العامة؛ أهمية كبرى في الإسلام، ولا سيما في ما تحتاج إليه الأمة، من ضروريات وأساسيات.
ومن أجل ذلك صار ظلم السلطان أعظم المعاصي على الإطلاق، لاقتران هلاك العباد وخراب البلاد به. ومن أجل ذلك صارت درجة الجهاد العسكري ضد العدوان الخارجي، والجهاد السلمي ضد الطغيان الداخلي؛أعلى من درجة سائر أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عامة، لأنه عمل على تحقيق المصالح العامة الأكثر مشقة.
البرنامج النووي الإيراني وتداعياته على مستقبل الشرق الأوسط
صحيفة "صندي تايمز" البريطانية كشفت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أصدر أوامره بالاستعداد لشن هجوم محتمل على المفاعلات النووية الإيرانية في نهاية شهر مارس 2006. خطوة قد تحدث انقلابا مدويا في مستقبل المنطقة برمتها.
يبدو أن التقرير الذي نشرته أمس صحيفة "صندي تايمز" البريطانية والذي أشارت فيه الى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية شارون أعطى الجيش الإسرائيلي الضوء الأخضر للاستعداد والتحضير الدقيق لشن هجوم محتمل على مواقع تخصيب اليوارنيوم في ايران، يبدو أنه لم يكن مفاجئا للأوساط الأمنية والعسكرية في الدولة العبرية. فقد قال عاموس جلعاد، كبير واضعي الخطط الاستراتيجية والأمنية بوزارة الدفاع الإسرائيلية، أن بلاده "لا تستبعد عملا عسكريا ضد البرنامج النووي لإيران ولكنها تفضل حاليا ان تترك الفرصة كاملة أمام الضغوط الدبلوماسية الأجنبية على طهران". وبينما نفى المسؤول الإسرائيلي صحة ما نشرته الصحيفة البريطانية، ذكر أن إسرائيل قد تفكر في نهاية الأمر في عمل عسكري ضد ايران مشابه لقصف مفاعل اوزيراك النووي العراقي في عام 1981. وكانت الصحيفة قد كشفت أيضا إنها استقت معلوماتها من مصادر عسكرية إسرائيلية موثوقة ادعت ان ايران اقامت مفاعلات لتخصيب اليورانيوم في مناطق مدنية. وقالت المصادر انه اذا ما تم بالفعل المصادقة على الخطة، فان اسرائيل ستقوم في عملية التنفيذ بدمج قوات خاصة وسلاح الجو بهدف ضرب عدة مفاعلات نووية ايرانية في آن واحد بهدف عرقلة الخطة النووية الإيرانية لعدة سنوات. وتدعي اسرائيل ان ايران ستصل في نهاية اذار القادم الى نقطة اللاعودة من حيث قوتها النووية، وستمتلك في حينه قوة تكنولوجية تمكنها من تخصيب اليورانيوم خلال عامين او أربعة اعوام.
تصاعد نغمة الكلام المعادي
عرض صور عبر الاقمار الاصطناعية لمفاعل تخصيب اليورانيوم في ايران ورد ضمن تقرير الصحيفة البريطانية يأتي في خضم حرب كلامية بين مسؤولين ايرانيين واسرائيليين كبار. بعض المحللين السياسيين الإسرائيليين أشار الى تصاعد نغمة الكلام المعادي لايران قبل الانتخابات العامة في اسرائيل والتي ستجرى في 28 مارس/ اذار القادم، يقابلها على الطرف الآخر صدور تصريحات نارية من قمة الهرم السياسي في ايران، وذلك في اشارة الى دعوة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد في اكتوبر/ تشرين الاول الماضي لمحو الدول اليهودية من على الخريطة أتبعها باقتراح بنقل دولة اسرائيل الى ألمانيا والنمسا. وفي وقت سابق من هذا الشهر دعا بنيامين نتنياهو ابرز المرشحين لقيادة حزب ليكود اليميني الى عملية "جرئية" ضد ايران على غرار الهجوم على مفاعل اوزيراك. وابتعد شارون بوضوح عن اقتراح شن هجوم بشكل مباشر، وحين سئل عن امكانية هذا البديل سواء بالنسبة لاسرائيل او قوى اجنبية قال "القدرة موجودة". غير ان محللين مستقلين يشيرون الى ان المنشات النووية الايرانية على عكس اوزيراك عديدة ومتناثرة ومحاطة بقدرات دفاعية جيدة وهو تحد رئيسي اذا ما قررت اسرائيل ان تشن هجوما من جانب واحد. وقال خبير الشؤون الدفاعية الاسرائيلي ريئوفين بيداتسور لراديو الجيش "اعتقد ان هناك ادراكا لعجز قوتنا الجوية امام ايران. يمكن ان ينتهي الحال بتملك ايران اسلحة نووية وينبغي على اسرائيل ان تتعامل مع هذا الواقع الجديد."
تداعيات كارثية على الشرق الأوسط
لا يختلف اثنان على أن ايران سترد على أية ضربة عسكرية إسرائيلية لبرامجها النووية، فقد أكد ذلك المسئولون الإيرانيون في أكثر من مناسبة. الاختلاف يكمن في طبيعة وحجم الرد وعن القوى والدول التي ستتدخل عندئذ، الامر الذي قد يحول أي ضربة عسكرية الى حرب اقليمية شرسة. تداعيات أية ضربة استباقية اسرائيلية على منطقة الشرق الاوسط لا يمكن لاي محلل سياسي وعسكري الآن أن يتنبأ بها، ولنا في العراق خير مثال. من ناحية أخرى تعتبر ايران رابع اكبر منتح للنفط في العالم وتمكنت في العقدين الأخيرين من بناء ترسانة عسكرية ضخمة تضم فيما تضم صواريخ بعيدة المدى قادرة ربما على حمل رؤوس كيماوية والوصول الى الدولة العبرية، وهذا سيناريو مرعب بالنسبة لاسرائيل. هذه الاخطار الاستراتيجية دعت اسرائيل دائما الى تطبيق استراتيجية الضربات الاستباقية كما حصل أيام حرب الايام الستة عندما دمر الطيران الاسرائيلي سلاح الجو المصري قبل البدء بالحرب البرية ومن ثم قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981. وفي هذا السياق حذر رئيس الوكالة الدولة للطاقة الذرية محمد البراذعي الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 2005، حذر في حديث لصحيفة نرويجية "من أن العمل العسكري لن يثني أي بلد من السعي لامتلاك أسلحة نووية."
التحدي الأمني :
تصفية العلما والقادة البارزين
(قال تعالى) وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (120) سورة البقرة
إغتيال علماء العرب والمسلمين ، و تصفيتهم على أيدي أجهزة المخابرات الغربية وعلى راسها الموساد الإسرائيلي ونذكر هنا أسماء 13 عالماً تمت تصفيتهم بشتى الطرق ومختلف الأساليب ويبقى الهدف واحد : الدكتور يحي المشد :: الدكتورة سميرة موسى :: الدكتور سمير نجيب العالم الدكتور نبيل القليني :: العالم الدكتور نبيل أحمد فليفل الدكتور مصطفى مشرفة : الدكتور جمال حمدان :: الدكتورة سلوى حبيب :: العالم سعيد السيد بدير:: الدكتور رمال حسن رمال :: العالمة عبير أحمد عياش :: الدكتور حسن كامل صباح :: الدكتورة سامية عبد الرحيم ميمني .الشيخ عباس موسوي: خليل الوزير (أبو جهاد) : : صلاح خلف ( ابو أياد) :: ألشيخ أحمد ياسين :: الحاج عماد مغنية :: محمود المبحوح ، ألخ ..... .
ومازال إرهاب العقول العربية والإسلامية مستمر فهل نستمر في إهمال العقول والدماء...؟ وما زالت خطوات التجسس مستمرة ومتسارعة حتى اصبح العالم الإسلامي منكشفاً تماماً أمام أجهزة الإستخبارات الغربية والموساد الإسرائيلي . .
الموساد "الاسرائيلي" وراء اغتيال العالم النووي الايراني شهرياري
أوردت صحيفة صاندي تلغراف البريطانية يوم الاحد 5 ديسمبر\كانون الاول تقريراً صحفياً مفاده ان جهاز الموساد "الاسرائيلي" يقف وراء عملية اغتيال العالم النووي الايراني الدكتور مجيد شهرياري، مشيرة الى ان هذه العملية كانت "الهدية الوداعية" من قبل مئير داغان رئيس جهاز الموساد الذي انتهت ولايته مؤخرا. وبحسب الصحيفة فإن عملاء سريين للموساد يتقنون اللغة الفارسية بفصاحة ويعملون في الخفاء تحت غطاء هوية مستعارة يتسللون منذ عدة سنوات الى داخل ايران بشكل مطّرد، وتوضح "صاندي تلغراف" أن وحدة "كيدون" والتي كانت مسؤولة بشكل مباشر عن غالبية عمليات الاغتيال تتألف من 38 قاتلا محترفا بينهم 5 نسوة، وتعمل هذه الوحدة من قاعدة في صحراء النقب وجميع أفرادها في العشرينات من أعمارهم ويتقنون عدة لغات.
وتقول الصحيفة انه قبل عملية الاغتيال بنحو اسبوع، عاد العالم النووي شهرياري من بيونغ يانغ عاصمة كوريا الشمالية بعد اجرائه مباحثات حول صفقة انتاج مشتركة لأجهزة الطرد المركزية النووية، مضيفة أن عميلا سريا للموساد يعمل تحت غطاء هوية مستعارة تمكن من رصد العالم الايراني في مطار دمشق الدولي في طريق عودته الى طهران.
واشارت"صاندي تلغراف" الى ان وحدة "كيدون" وضعت مهارتها وأداءها الاحترافي موضع التنفيذ حيث قامت باغتيال كبير العلماء النوويين الايرانيين واصابة عالم نووي آخر بجروح بليغة وذلك عندما كان هذان العالمان يقودان سيارتيهما في ساعة الازدحام المروري، الا ان الصحيفة لم تأت بتفاصيل عن كيفية مساعدة القاتلين المحترفين داخل ايران، مشيرة الى انها ما زالت "طي الكتمان".
هذا وكانت ايران قد اتهمت اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية والامريكية بالتدبير للاعتداء الذي اودى بحياة شهرياري، واكد رئيس البرنامج النووي الايراني علي اكبر صالحي ان اغتيال مسؤول عن البرنامج النووي الايراني يشكل تحذيرا من الغرب قبل استئناف المحادثات بين طهران والدول الكبرى حول الملف النووي.
ولم تكن أي من المصادر الإسرائيلية على استحياء من أن جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي المعروف باسم (موساد) لديه فرق الموت، والتسميم، والاغتيال التي تقتل من تسميه الحكومة الإسرائيلية عدواً لها من الفلسطينيين والعرب، وحتى الغربيين، كما تم من قبل الاعتراف بأن الموساد الإسرائيلي، كان وراء قتل العالم النووي الإيراني أرديشيرهاسنبور، الذي توفي عام 2007 من تسمم بالغاز. ويقول مسؤول استخباراتي أوروبي لم يكشف عن اسمه: لم تبدِ اسرائيل أي تردّد في اغتيال علماء الأسلحة لأنظمة معادية في الماضي، فقد فعلوا ذلك في العراق، وسوف يفعلون ذلك مع إيران كلما استطاعوا ( جريدة التلغراف 16 شباط 2009). وبالفعل اغتال قتلة الموساد علماء مصريين وعراقيين سابقاًً، كما اغتالوا صحفيين وسياسيين، وحتى شعراء ومثقفين.
ويضيف ريفا بهالا، المحلل السياسي، العامل مع شركة مخابرات أميركية خاصة: إن الاستراتيجية الإسرائيلية هي التخلص من أناس مفتاحيين (التلغراف 16 شباط 2009 ). ويضيف المحلل الاسرائيلي يوسي فيلمان: إن اسرائيل هي جزء من جهود دولية مفصلة ومدروسة لإبطاء البرنامج الإيراني (المصدر السابق نفسه). كما تتفق المصادر أن الموساد الإسرائيلي يقوم بعمليات الاغتيال هذه بالتوافق والتعاون مع الاستخبارات الغربية، التي تشاطر إسرائيل الهدف نفسه، كما حدث عند التخطيط وتنفيذ اغتيال المبحوح في دبي.
ولن تكون حادثة اغتيال شهريار مجيدي الأخيرة على قائمة الاغتيالات التي تخططها إسرائيل ضد طهران، أو أي بلد مسلم، أو عربي، كما أن الاغتيالات لن تكون الأسلوب الوحيد لمحاولة زعزعة استقرار البلدان الاسلامية، وتشتيت جهودها عن البحث والتطور العلمي الذي تبتغيه، رغم أن هذا الأسلوب اتبعته بشكل فعال في لبنان، عندما شنت حملة اغتيالات لشخصيات محددة بهدف توجيه التهم لحزب الله.
وليس هذا بجديد على الاستهداف الغربي لدولة عربية بعد أخرى، حين تحاول هذه الدول تحقيق قفزة في التقدم العلمي النووي، الأمر الذي أصاب مصر عبد الناصر من قبل، وأخيراً العراق، وباكستان وكان سبباً أساسياً في مسلسل الفوضى الذي أدخلت به الولايات المتحدة هذين البلدين المسلمين في السنوات الأخيرة.
فقد كشف تقرير أعدته دائرة حقوق الإنسان في وزارة الخارجية الأميركية (3/3/2009) النقاب عن أن جهاز المخابرات الخارجية الاسرائيلية ( الموساد ) تمكّن حتى الآن بالتنسيق مع القوات الأميركية في العراق، من اغتيال (350) عالماً نووياً عراقياً، بالإضافة إلى أكثر من (300) أستاذ جامعي آخر في مختلف الاختصاصات العلمية، ومئات الضباط والطيارين وخبراء صنع وإطلاق الصواريخ.
وأوضح التقرير الأميركي أن عناصر فرق الموت التابعة للموساد، الذين ينشطون في العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003، مهمتهم الأساسية، هي تصفية العلماء النوويين العراقيين المتميزين، والمهندسين من المدنيين والعسكريين السابقين، بعد أن فشلت جهود واشنطن في استمالتهم للتعاون والعمل في الولايات المتحدة الاميركية. ويضيف التقرير: إن هؤلاء العلماء خضعوا لضغوطات واستجوابات، غير أن إسرائيل أصرّت على أن بقاء هؤلاء العلماء على قيد الحياة، يمثّل خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي على المدى الطويل.
ما تفيد به معظم التقارير المنشورة حول هذا الموضوع، هو أن جهاز الموساد الإسرائيلي، يعمل بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية، ولذلك فمن السذاجة بمكان أن يطلب العرب، أو يتوقعوا، إدانة من أي طرف غربي لعمليات القتل المتعمد الذي تقوم به إسرائيل سواء ضد قادة فلسطينيين مثل الشيخ أحمد ياسين، ومحمود المبحوح، أو ضد علماء عراقيين، أو إيرانيين، أو أي شخص ترتأي حكومة إسرائيل أنه يهدد أمنها القومي. والسؤال الآن هو: ما هو الفرق بين ما تقوم به فرق الموساد من قتل، وتسميم، وتفجيرات، واغتيال، وبين ما تقوم به الجماعات الإرهابية التي يشكو الغرب منها لأنها تريد التخلص ممن تعتبرهم خطراً عليها؟ أوليس القتل قتلاً في كلتا الحالتين لأرواح بشرية بريئة، حكم عليها بعض السياسيين أنها تشكل خطراً عليه؟ وأين هي الشرعية والقانون الذي يتحدثون عنه في الغرب كميزة حضارية تفصلهم عن الإرهاب؟ .
بعد كل تسريبات ويكيليكس، أصبح واضحاً، أن النظم الغربية تبرّر ما تريد تبريره حين تريد، وكيف تريد، غير آبهة بحقوق الانسان، أو مصالح الشعوب، أو الدول، أو القانون، وأنها تعامل أصحاب الجنسيات الأخرى بمعايير مغايرة تماماً لأصحاب جنسيات دولها، وأن التعامل بشكل عام لا يخلو من عنصرية، وفوقية غربية، ترفض طموحات الشعوب ودأبها لتحقيق المساواة في العلم، أو العمل، أو العدالة، وإلا ما الذي يمنع الدول العربية من أن تمتلك المعرفة النووية، طالما أنها قد وقعت معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، في حين أن إسرائيل والولايات المتحدة لم توقعا المعاهدة، وتقومان باستخدام هذه الأسلحة حيثما ومتى تريدان؟ وما الذي يمنع العراق وأمثاله أيضاً من أن يكون لديه علماء متميزون؟.
لا شك أن معركة العلم والمعرفة اليوم هي المعركة الأشدّ حسماً بين أمتنا وأعدائها، ومن الواضح أن إسرائيل ومنذ عقود تغتال خيرة الشباب العربي في مصر، ولبنان، والعراق، وفلسطين، وفي أي مكان من العالم، وتعتقل في سجونها السرية، والعلنية، طليعة الرجال، والنساء، وحتى الأطفال العرب، خوفاً من أن يصبحوا قادة في المستقبل ويصنعوا مستقبلاً بعيداً عن العنصرية، والاحتلال، والقتل، والاغتيال، مستقبلاً لن يتمكّن جهاز الموساد من اغتيال أبنائه بغية طمس معالم العلم والحضارة.
من هذا المنظور، علينا أن نقرأ خبر انسحاب الولايات المتحدة من مطالبة إسرائيل بتجميد الاستيطان يوم الثلاثاء 7/12/2010، وفي الوقت الذي لم يسجل الإعلام العربي وقفة جادّة مع خبر كهذا، والذي يعتبر بداية النهاية بالنسبة لادّعاء الولايات المتحدة أنها قادرة أن تكون (وسيطاً نزيهاً) للسلام بين العرب والإسرائيليين، هذا الادّعاء الذي تكذّبه حقيقة التمويل الأميركي لترسانة أسلحة الدّمار الشامل الإسرائيلية، وكذلك للاستيطان الإسرائيلي، وسدّ منافذ العيش أمام العرب، عبر دعم الحصار الإسرائيلي الوحشي على المدنيين في غزة، ومنعهم من السعي للبقاء على أرضهم أو استعادة حقوقهم المشروعة. لقد أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة سلّمت إسرائيل مقاليد سياستها تجاه الشرق الأوسط، بل رفعت يديها مستسلمة لرغبات إسرائيل بالقتل والاستيطان، وأن الغرب يعمل بالتعاون مع اسرائيل ضد العرب وضد المسلمين متى ما أرادت حكومة إسرائيل قتل المزيد منهم، ولكن الجديد في الموضوع، هو، ربما، انتهاء الشكل القديم للحروب، لأنها أثبتت أنها حروب مكلفة، وغير مجدية، وخاصة بعد الحرب على العراق عام 2003، وعلى لبنان عام 2006، والحرب على غزة في 2008 – 2009، والحرب المستمرّة في أفغانستان، والتي يغرق الغرب في مستنقعها دون أن يجد مخرجاً له.
إذاً القتل، والاغتيال، والتخريب، والتجسس، هي الأساليب الرسمية من الآن فصاعداً التي تستخدمها إسرائيل وحلفاؤها الغربيون لزعزعة استقرار البلدان العربية والاسلامية، التي تعتزّ شعوبها وحكوماتها باستقلالها واستقلال قرارها، وتعمل على حمايته بكل الوسائل الممكنة، ألا يعني هذا أيضاً أن المقاومة، بمختلف أشكالها، لهذا التحالف الدموي الشرير الموجه ضد العرب، والتي أثبتت فعاليتها وجدواها ضد الترسانة العسكرية الإسرائيلية، هي أيضاً الأسلوب الأجدى لمواجهة حروب اليوم من أجل تحقيق الاستقلال والحفاظ عليه، ونيل الحرية والدفاع عنها، وتحقيق التقدّم العلمي للشعوب؟.
دلالات مفزعة في تجسس الموساد على مصر والعالم العربي ؟ !
شبكات تجسس ضخمة وواسعة نظمتها المخابرات الإسرائيلية ( الموساد) داخل البلاد لإسلامية والعالم العربي بالأخص ، فكل يوم تتطالعنا الأخبار بالكشف عن خيوط شبكة أوأفراد يتجسسون لصاح الموساد ، ولكن ونظراً لتعذر تناول كل الإكتشافات فسوف نقف عند آخر إكتشاف لتلك الشبكات التي تم إكتشافها في مصر لأنها تخطط لتوفير قاعدة تجسس تدير كل الشبكات من مصر .
http://www.islammemo.cc/Tkarer
تقارير و مقالات
نار الحرب مع إسرائيل ولا جنة السلام معها .. هذا هو لسان حال المواطن المصري البسيط الذي طالعته وسائل الإعلام في بلده المثقل بالمشاكل الداخلية والخارجية، والذي أتعبت قلبه ورفعت معدلات موت الفجاءة بين أبنائه لدرجة غير مسبوقة - حوالي 20% - بالأخبار المؤسفة والمحزنة التي تطرق مسامعه طرقاً كل يوم، من غلاء ووباء وتدني لمستوى المعيشة وانتشار البطالة وفساد منهجي ينخر في البنية الاجتماعية والاقتصادية لبلاده، وكان آخر هذه الأخبار المؤلمة شبكة التجسس الإسرائيلية الأخيرة.
فقد أعلنت السلطات المصرية يوم الاثنين 20-12-2010 عن ضبط شبكة تعمل لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلي "الموساد" وتهدف إلى اختراق المكالمات الهاتفية للتجسس على مكالمات مسئولين يشغلون مناصب حساسة، وأمر النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، بإحالة الشاب طارق عبد الرازق عيسى حسن، المصري الجنسية، إلى محكمة أمن الدولة العليا طوارئ لاتهامه بالتخابر لصالح إسرائيل والإضرار بالمصالح القومية للبلاد عن طريق ضابطين في الموساد الإسرائيلي، هما ديدي موشيه وجوزيف ديمور، وهما هاربان حالياً.
وقد كشفت تحريات نيابة أمن الدولة العليا طوارئ بمصر عن مفاجآت مثيرة في قضية التجسس لصالح "الموساد" والتي كانت بمثابة الصدمة للرأي العام المصري والعربي، وتحمل كثيراً من المضامين والدلائل السياسية والاجتماعية منها:
أولاً: تغيير استراتيجيات التجسس:
الشبكة الجديدة للتجسس قد مدت نشاطها إلى سوريا وأرسلت عميلها فعلاً إلى هناك، وكلفته بوضع إعلانات عبر شبكة الانترنت عن وظائف شاغرة في جميع التخصصات عن مهندسين يعملون في شركات الاتصالات بكل من مصر ولبنان وسوريا، ويقوم بمسؤولية الإشراف على إعداد تقارير عن طالبي العمل وظروفهم الاجتماعية ومؤهلاتهم العلمية سعياً إلى تجنيدهم، وهذا يعني أن إسرائيل قد قررت تغيير سياستها التجسسية والتي عادة ما كانت تستهدف تجنيد أصحاب المناصب الحساسة والمؤثرة في الدولة المطلوب التجسس عليها، لتصبح شتى شرائح الشعب وطبقاته هدفاً مشروعاً لضباط وعملاء الموساد، تنصب عليهم الشباك، ويرمي لهم الطعم، وتوجه عليهم كل أدوات الجذب والإغراء، وبالتالي هذا التغيير سيؤدي لظهور شبكات تجسس غير تقليدية وفي أماكن كثيرة ومختلفة داخل البلاد العربية والإسلامية، وإذا كانت المخابرات وأجهزة أمن الدولة ستراقب أصحاب المناصب الحساسة والوظائف المهمة، فهي بالطبع لن تستطيع أن تضع الشعب كله تحت المراقبة، مما يجعل متابعة هذه الخلايا التجسسية غاية في الصعوبة.
ثانياً: ضياع مفهوم الانتماء:
ووفق التحريات التي أجرتها الأجهزة الأمنية فقد سافر المتهم الأول وهو طارق عبد الرازق إلى الصين عام 2006 للبحث عن فرصة عمل، وأثناء تواجده هناك بادر من تلقاء نفسه في بداية عام 2007 بإرسال رسالة عبر بريده الاليكتروني لموقع جهاز المخابرات الإسرائيلية مفادها أنه مصري ومقيم في دولة الصين ويبحث عن فرصة عمل، ودون بالرسالة بياناته ورقم هاتفه، أي أن المتهم هو الذي عرض خدماته علي الموساد، وهو الذي تطوع بإرسال بياناته وأبدي استعداده الكامل للتخابر على وطنه وخيانته، وهو يعلم عاقبة أمثال هذه الخيانة في الدنيا والآخرة، بل إنه قد خضع للفحص بواسطة جهاز كشف الكذب للتأكد من معلوماته ورغبته في العمل جاسوساً للموساد، واجتاز طارق الاختبار، في ذلك إشارة خطيرة علي تداعي مفاهيم قيام وثبات أي مجتمع من المجتمعات، مثل الانتماء والمواطنة والهوية، ناهيك عن أخلاق الإسلام ومروءة العرب، فكل هذه القيم والمبادئ أصبحت في نظر كثير من الشباب العاطل عن العمل في منطقة بلغت فيها نسبة البطالة زيادة علي 35% وفقا لآخر الإحصائيات، أصبحت في نظر كثير من الشباب حديث خرافة وأحاكي تستغفل بها وسائل الإعلام الشعوب المطحونة، وقد يجادل البعض فيقول أنها حالات شاذة لا تعبر عن شباب المنطقة، ولكن الوقائع والأحداث اليومية من شباب بالمئات تبتلعه أمواج البحر المتوسط الهادرة في محاولات يائسة للهجرة غير المشروعة، وآخر ينصب علي تجار الوهم بعقود عمل مضروبة، وثالث يلحس التراب ويبيع الجرائد في شوارع أوروبا وأمريكا، كل ذلك هرباً من واقع أليم ومستقبل مجهول أو مظلم لمعظمهم داخل بلادهم المثقلة بالمشاكل الاقتصادية والسياسية.
المحزن حقا في مسألة المتهم طارق أنه قد باع وطنه وبلاده ودينه بثمن بخس للغاية، فبعد أن اجتاز طارق اختبار كشف الكذب، تلقى مكافأة مالية قدرها 1000 دولار، وتم الاتفاق معه على أن يكون راتبه 800 دولار أمريكي مقابل التعاون مع الموساد بخلاف المكافآت ومصاريف إقامته والانتقالات، أي أن هذا الخائن قد باع وطنه بأقل من الراتب الذي يتقاضاه الزبال الإسرائيلي في الكيان الغاصب، ولا عجب في ذلك فالخائن من وجهة النظر الإسرائيلية أقل من جامع القمامة!!
ثالثاً: آسيا الفناء الخلفي لإسرائيل:
موضع الشبكة كشف بل لا يدع للشك أن الدول الآسيوية عبارة عن إقطاعية "إسرائيلية" خاصة تتحرك فيها كوادر الموساد بكل حرية ويسر، وينالون الدعم المادي واللوجستي علي أعلي المستويات، فقد كشفت التحريات أن المتهم المصري طارق تلقي في شهر أغسطس 2007 تلقى اتصالاً هاتفياً من "جوزيف ديمور" أحد عناصر المخابرات الإسرائيلية واتفقا على اللقاء في الهند، وفي مقر السفارة الإسرائيلية تم استجوابه عن أسباب طلبه للعمل مع جهاز الموساد، وسلمه الضابط الإسرائيلي مبلغ 1500 دولار مصاريف انتقالاته وإقامته، ثم سافر المتهم إلى تايلاند بدعوة من الضابط الإسرائيلي جوزيف حيث تردد عدة مرات على مقر السفارة الإسرائيلية، وقدمه جوزيف إلى عنصر تابع للمخابرات الإسرائيلية، وهو الضابط "إيدي موشيه" المتهم الثاني في القضية الذي تولى تدريبه على أساليب جمع المعلومات بالطرق السرية، وكيفية إنشاء عناوين بريد إليكتروني، كما كلفه بالسفر إلى كل من كمبوديا ولاوس ونيبال لاستكمال التدريبات.
وهذا يعني أن تدريب جاسوس واحد تم عبر خمس دول آسيوية، فما بالك لو كان التدريب لشبكة كاملة تضم عشرات الأشخاص، هذا علي الرغم من أن آسيا تعتبر قارة ذات أغلبية إسلامية، وبها أغني الدول الإسلامية، وحتى الدول غير الإسلامية منها، يوجد فيها جاليات إسلامية كبيرة، وربما ضخمة كما هو الحال في الهند والصين، فلماذا كل هذا التغلغل الإسرائيلي والغياب العربي والإسلامي عن القارة الأكبر مساحة بالعالم، ألا يملك المسلمون والعرب أي أدوات للضغط والنفوذ علي هذه الدول التي تفتح أبوابها ومؤسساتها للوبي الصهيوني يخترقها بأقل الأشياء.
هذا الكشف لابد أن يترتب عليه استحقاقات سياسية واقتصادية تعيد هذه الدول التي تنعم بعلاقات اقتصادية قوية ومصالح حيوية مع العالم الإسلامي إلي المسار الصحيح في التعاطي مع مشكلات العالم الإسلامي وقضاياه، فالهند مثلاً قد خدعت العرب والمسلمين حيناً من الدهر بدعوي عدم انحيازها، ثم كشفت الأيام والحوادث ومازالت تكشف أنها أحد الأعضاء المؤسسين لمنظومة العداء والكراهية ضد العالم الإسلامي والعربي، فهل يعقل أن يكون حجم التبادل التجاري بين العالم العربي والهند في 2009 قد بلغ رقماً مهولاً جاوز الـ 100 مليار دولار، ثم هذه الدولة الطبقية تعمل ليل نهار ضد العالم العربي والإسلامي.
رابعاً: كلفة السلام الإسرائيلي الباهظة:
بالكشف عن هذه الشبكة تكون عدد شبكات التجسس التي تم الكشف عنها منذ توقيع اتفاقية كامب دايفيد الشهيرة منذ 32 سنة، قد بلغت الأربعين شبكة، منها 26 شبكة في العشر سنوات الأخيرة فقط، هذا غير ما لم يتم الكشف عنه، فماذا الذي تريده إسرائيل من مصر حقا؟!. إسرائيل ما فتئت أن تصف النظام المصري بأنه صديق وحليف استراتيجي لا غني عنه في حفظ أمن المنطقة، ومع ذلك مصر هي الدولة الأكثر تعرضاً لنشاط الجواسيس وتجنيد الخونة، مصر هي الدولة الوحيدة بجانب الأردن التي ترتبط بمعاهدة سلام رسمية مع الصهاينة، ومع ذلك مازال المسئولون الإسرائيليون ووسائل الإعلام الصهيونية تعتبر مصر العدو الأول للكيان الصهيوني، بل يكادون يجزمون أن مصر هي مصدر الخطر الداهم، خاصة من الشعب المصري الذي ينتظر يوماً يخرج فيه من قمقمه.
إسرائيل الذي تتحصل على الغاز المصري بأقل من سعر تكلفته بدولارين ونصف، ولمدة ثلاثين سنة مقبلة، في الوقت الذي يجد المواطن المصري نفسه مضطراً للوقوف في طوابير طويلة للحصول علي أنبوبة الغاز، إسرائيل تتوغل في فناء مصر الخلفي، لتحيك المؤامرات مع أثيوبيا الصليبية، وتحرض دول حوض النيل لقطع نهر النيل عن مصر والسودان.
مصر التي ضبطت الحدود مع غزة واشتركت بشكل أو بآخر في حصار القطاع، بصورة جلبت علي مصر كثير من اللعنات والإنكار من المسلمين، وتبارت الفضائيات في استقبال الشاتمين والشامتين بالموقف المصري، مصر التي قدمت لإسرائيل خدمات أمنية كبيرة، تكافئها إسرائيل بعشرات الشبكات التجسسية التي تستهدف أمنها واستقرارها، وتعبث في ملفات مصر الملتهبة، فهي تدعم أقباط المهجر، وهي تحرض البدو في سيناء علي الثورة وتمدهم بالسلاح، كما أنها تقيم علاقات متنامية مع أهل النوبة وتسهل لهم قنوات الاتصال مع الأمريكان.
أمثال هذه الشبكات تكشف لصانع القرار المصري أن إسرائيل لا تريد سلاماً ولا أمناً، فهي كيان طفيلي غاصب لا يعيش وينمو إلا بامتصاص دماء دول الجوار، تكشف أن إسرائيل لا تريد سلاماً بقدر ما تريد تطبيعاً تنال فيه كل المنافع، وتحقق كل المصالح، بحيث يكون لها الغنم وعلي غيرها الغرم، تقوي وحدها، وتضعف كل دول الجوار، خاصة مصر الذي مازال يتخوف منها الصهاينة، ويرون أن نظامها الكابح لشعبها حتماً سيأتي اليوم الذي يتخلص فيه من كل العوائق التي تمنعه من الرد علي هؤلاء الصهاينة باللغة التي يفهمونها، إلا وهي لغة القوة والعزة .
خلاصة :
التقريب بين المذاهب يعني التقريب يعني التقريب بين أتباعها ولا بد أن نقرر بأن هناك نوعا من "المعرفة المغلوطة" التي تشيع بين السنة والشيعة. وأن أكثر أهل السنة لا يعرفون عن الشيعة سوى أنهم طائفة تغالي في التشيع، إلا أن الشيعة يعرفون عن السنة الكثير.
وحول قضية تحريف القرآن الكريم نقرر ووفقاً لإفادة الكثير من العلماء الراسخين في العلم والعلماء المحققين أن ّ الشيعة لم يحرفوا القرآن الكريم وهذا من الأخطاء الشائعة . وأستدل بشهادة الدكتور العوا الذي اشار أكد في محاضرة القاها في نقابة الصحفيين المصريين مؤخرا أنه تأكد بنفسه من أن مصاحف إيران كلها مطبوعة على قراءة حفص .
وكشف الدكتور العوا في المحاضرة التي القاها في نقابة الصحفيين المصريين مؤخرا أن بعض متأخري الشيعة هم الذين قالوا بتحريف القرآن الكريم وذلك عام 1320 هجرية أي منذ 107 سنة والوحيد الذي قال بذلك هو "الشيخ محمد النوري" في كتابه "فصل الخطاب في تحرف كتاب رب الآفاق" قائلا بتحريف القرآن الكريم.
وأشار العوا إلى أن الحوزة العلمية وعلى رأسها الإمام الشيرازي رفضت مقولات المحدث النوري وسفهت من رأيه واستبعدت كل ما جاء به هذا النوري. إلا أن النوري ألف كتابا آخر بعنوان "رفع الارتياب عمن شكك في تحريف كتاب رب الأرباب"، لكن أئمة الشيعة قالوا إن الروايات التي جمعها النوري غير صحيحة، والخميني شخصيا رد عليه وقال إن رواياته ضعيفة ووصفه بالكاذب". وأن أكثر من 22 من علماء الشيعة الكبار يرفضون ما جاء به النوري . وفيما يخص حكاية مصحف فاطمة أوضح الدكتور العوا أنه لم يقل أحدا من الشيعة أن مصحف فاطمة قرآن وقالوا إنه كتاب فيه علم، لكن لا يوجد عالم قال إنه قرآن أو نقص من القرآن وخلافه. وأشار الدكتور العوا إلى أن الالتزام بالأركان العملية كالصلاة والزكاة والصوم والحج والصيام، لا خلاف فيها بين سني وشيعي، والخلاف الموجود فهو في مسائل فرعية، مستشهدا بما قاله الإمام التسخيري بأن هناك 90% مشترك والخلاف في 10% فقط
وردا على سؤال عما يقال عن فتنة سنية شيعية، قال: "كل عملنا للوقوف في وجه هذه الفتن التي يحاول الاستعمار أن يزرعها في أمتنا، ونحن نعلم أن أمتنا ما لم تتحد وتتخذ المواقف العملية الواحدة لا تستطيع أن تصمد أمام هذه التحديات الكبرى التي تواجهها ولا تستطيع أن تحقق أهدافها الكبرى المنوطة بها، والتي وصفها القرآن الكريم الأمة الشاهدة خير أمة أخرجت للناس، لا نستطيع أن نقاوم هذه الحملات إلا إذا عبرنا مرحلة التمزق ووصلنا إلى مرحلة الوحدة والتلاحم، وقرآننا لم يترك سبيلا للوحدة إلا سلكها حتى أنه جعل التفرقة أحيانا كفرا وجعل التفرقة عذابا، دعانا الى الاعتصام بحبل الله".
إن أكبر واجب يقع على عاتق العلماء أن يشدوا أواصر هذه الأمة، وأن يقطعوا الطريق على الفتنة التي تحاول أن تمزق صفوفها، ونحن نعتقد أن الأخوة والمحبة بين السنة والشيعة أكبر من كل محاولات التفرقة، كل منا أخ للآخر، وكل منا محب للآخر، سند للآخر، نحن جميعا في أمة إسلامية واحدة يشعر كل فرد بآلام الفرد الآخر وآمال.
ومن الخلاصات التي لابد أن اشير اليها في نهاية هذا البحث أن اللغة العربية يجب اعتمادها كأحد أدوات التوحيد والتقريب بين أتباع المذاهب نظراً لما تتمتع به هذه الغة الشريفة من خصائص جعلتها تتبوأ مكانة سامية بين لغات البشر رغم ضآلة الجهد الإنساني المبذول لحفظها : لم تتغير ولم تتغير ؟ ولم تمت مثلما ماتت جميع اللغات التي سبقتها والمعاصرة لها أو التي جاءت بعدها ، فقد شهد التاريخ موت الهيروغليفية لغة الفراعنة وبناة الأهرام، ! وشهد التاريخ موت الغلة الإغريقية واللغة اللاتينية ؛ وهما لغتان لإمبراطوريتين بلغتا في القوة شأواً عظيماً ، وخضع لسلطانها ملوك مشارق الأرض ومغاربها ! ومن بعد ماتت اللغتان العبرية والآرامية . وبمقارنة سمات اللغة العربية وسمات اللغات الأخرى نجد تفوقها بالرصيد الوافر من المفردات والألفاظ التي بلغت في إحصاء حديث أكثر من ستة ملايين مفردة ، في حين أن معجم أكسفورد لا يزيد على (600) ألف . ومن ذلك أن الطفل في مدرسة الأساس يستطيع ان يفهم أحدايث الرسول (صلعم) الي قالها قبل أربعة عشر قرناً بينما في الإنجليزية يعجز أساطين اللغة عن فهم اقاصيص (جوسر ) المكتوبة في القرن الرابع عشر الميلادي . إنّ اللغة العربية هي اللغة العالمية التي يبحث عنها العالم اليوم بإلحاح ، لتكون لغة عالمية مشتركة بعد أن فشلت كل محاولات الباحثين لاختلاق لغة جديدة مثل ( الاسبرانتو) . وأوكد بثقة شديدة أن العالم إذا أراد لغة قياسية منطقية حيّة ، لايجد غير العربية للقيام بهذه الوظيفة . فهي بما لها من سمات قياسية ،وقدرة على الإبانة ، ودقة في التعبير ، تمثل الأمل الأوحد الذي يلوح في الأفق لسد حاجة العالم في هذا المجال . فاللغة العربية هي لغة إنسانية صرفة لا تنتمي لعنصر ، ولا تتحيز لفئة و جنس ، ولا أدل على ذلك من أن معظم الذين نبغوا فيها وألفوا بها أكرم المعارف ، وأجل العلوم ، وأنفعها للإنسانية أنهم لم يكونوا عرباً .
ومع هذه المكانة الكبيرة لهذه اللغة العربية بين لغات العالم ، نرى واقع أهلها من العرب العاربة والمستعربة لا يسر أبداً . وقد يعجب البعض من مقدار هذا الثقة التي اشرنا اليها عن مستقبل اللغة العربية ، مع ما نشاهده اليوم من الإعراض عنها والضعف فيها ، فلعل هذا أيضاَ من أسرار هذه اللغة الشريفة.
خاتمة: وقبل أن نختم حديثنا عن الإسلام وتحديات العالم نود أن نؤكد مرة أخرى أن هذه التحديات ليست في حقيقة الأمر تحديات للإسلام كدين، وإنما هي تحديات لأفهام المسلمين. فإذا ارتفعت هذه الأفهام إلى مستوى الأحداث وأدركت مقتضيات العصر فستجد أن الإسلام من أشد أعوانها على التغلب على كل التحديات، فالإسلام دين للحياة بكل معنى الكلمة، وهو صالح في جوهره لكل زمان ومكان، ومتوائم مع طبيعة الإنسان.
أما إذا قصرت همم المسلمين وأفهامهم عن استيعاب تطورات العصر ومتغيرات الحياة فإنها ستكون أيضاً قاصرة عن فهم طبيعة التعاليم الإسلامية، وغير مدركة لم تشتمل عليه من مرونة. وهذه الأفهام السقيمة هي التي تجمد الإسلام، وتريد أن تشده إلى تخلفها الفكري وتحجرها العقلي وجمودها الديني. ومن ثم تكون أخطر على الإسلام من أي تحديات خارجية.
وينبغي على المسلمين أن يدركوا أنهم إذا أرادوا لأنفسهم الحياة فإنه ليس أمامهم – في القرن الحادي والعشرين – خيار آخر غير خيار العلم والتقدم والحضارة، وأي طريق آخر سيستمر في جذبهم إلى التخلف والجمود، وينتهي بهم إلى أن تتجاوزهم الأحداث وينساهم التاريخ. فالقضية – إذن – قضية مصير: إما أن يكونوا أو لا يكونوا.
والأمل معقود على أن رصيد المسلمين الحضاري وتاريخهم المجيد في مضمار العلم والتقدم سيحفز همهم ليستعيدوا أمجاد أسلافهم، ويكونوا جديرين بالانتساب إليهم.
وخلاصة القول: أن الإسلام بمبادئه السامية وتعاليمه الواضحة وقوته الذاتية قادر على تلبية متطلبات الحياة المعاصرة ومواجهة التحديات الحاضرة والمستقبلية. ولم يكن الإسلام – ولن يكون – سبباً في تعطيل مسيرة التقدم في العالم الإسلامي على جميع المستويات.
ومن هنا يمكن القول بأن الإسلام مؤهل بكل المقاييس لمواجهة تحديات العصر الحديث، ومؤهل للتعاون باستمرار مع كل القوى المحبة للسلام والتقدم في العالم من أجل خير الإنسان وسعادته في كل زمان ومكان.
المراجع :
تاريخ الدولة العلية العثمانية ، المؤلف : الأستاذ محمد فريد بك المحامي
في أصول التاريخ العثماني ، المؤلف : الأستاذ أحمد عبد الرحيم مصطفى
موقع إسلام أونلاين ، الشبكة العنكبوتية الدولية
4- اسم الكتاب: التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية خلال القرن الحادي والعشرين
المؤلف: مجموعة من الباحثين .
5- مكانة اللغة العربية بين اللغات المعاصرة : دراسة : الدكتور عبد المجيد الطيب ، عمر، استاذ اللغة الإنجليزية بجامعة أم القرى ، ورئيس قسم اللغة الإنجليزية سابقاً في جامعة الخرطوم .
6- اية الله الشيخ محمد علي التسخيري في حديثه مع مراسل وكالة انباء التقريب : (الثلاثاء ٢٣/١١/٢٠١٠).
7- الموافقات ، للإمام الشاطبي